المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بنات يعقوب/ بشار عبد الله



محمود سعيد
16/02/2009, 07:19 PM
(بنات يعقوب) لمحمود سعيد.. تقنية ذاكرتين
انبثاق الواقعي من الأسطوري في إشارات الراهن

قراءة: بشار عبدالله
(بنات يعقوب) رواية تقوم علي تقنية اعتماد ذاكرتين تتداخلان عبر انتقالات سرد واقعي: الأولي ذاكرة الحرب الأخيرة علي العراق، من خلال استرجاع أيام الحرب وتواصل مع ما يليها من أيام، إبرازا لما كنتُ أسميه في نظريتي عن الكتابة (المساحة المهملة بين نقطتي المعايشة والتذكر)، محمود سعيد هنا لا يروي علي لسان راويه داخل النص معايشة الحرب من حيث التفاعل أو التنافر مع مفردات الحرب من بندقية وطائرة ومدفع، كما لا يحاول تذكر الوقائع لمجرد سردها كما وقعت، بل أجد الراوي داخل النص يستنطق تلك المساحة المهملة التي تنطوي علي الكيفي من التجربة وليس الكمي، وأعني بالكيفي كل ما لا يحتسب بقوانين الفيزياء، وبالتالي هو نفسي دينامي ينمو ويتطور ويتلمس طريقه إلي مصائر امتصتها وتمتصها ظلمة التاريخ المخزي.

تعميق طبقات المعاني
أما الذاكرة الثانية وهي في تقديري الأهم من حيث أنها تشكل حجر زاوية التشكل الروائي، فتتمثل في الكهف القديم السري ومقتنياته السرية التي يتحدث عنها الآثاري للراوي المحوري، فضلا عن انطباعات الأخير علي وفق ما نقل له منه ومن آخرين وما ينبع من تصوراته هو عند احتدام الروايات المتضاربة بفعل الاسطوري والخرافي الغائرين في الواقعي، حتي لتغدو الذاكرة الأولي صوت الخارج الظاهري، ممثلا بالحرب الأخيرة التي أدت إلي احتلال العراق، وتتحول الذاكرة الثانية إلي قناع للداخل الباطني- منسيا أكان أو مغفلا- ممثلا بحرب قديمة أو حروب كان آخرها ضمن بداية التاريخ الحديث حملة نادر شاه علي الموصل، بوصفها أنموذجا لعراق مصغّر، برغم اختلاط الروايات فيما يخص مقتنيات الكهف نفسه ودلالاتها التي تفتح للتلقي بوابات عالم محرّف لحياة يعقوب وأبنائه، ولعلي أجد محمود سعيد في اختيار بنات يعقوب، هنا، بديلا عن الأسباط، نوعا من الإقلاب القصدي بهدف تعميق طبقات المعاني، بالرغم من وجود شواهد تدل علي تشويه حكاية ما بالكامل، ويبقي السؤال: هل أراد الروائي بهذا التحريف تقديم تاريخ مفترض يعده الأنسب، وإن تقاطع معرفيا مع معطيات التنزيل. رواية (بنات يعقوب) تحمل النقيضين، الانتصار(ات) القديم(ة)، والانهيار الأخير.. لكن وجود انتصار قديم لا يجعل الانهيار الراهن نهائيا ومغلقا، بل يبقيه متصلا به اتصالا عضويا ليصير له بالتالي ضوء َ آخرِ النفق وإن طال وامتد.


Azzaman International Newspaper - Issue 3103 - Date 18/9/2008

جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3103 - التاريخ 18/9/2008