المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللهم شتت شملهم!



أيمن الدقر
18/02/2009, 06:55 PM
أيمن الدقر
في العام (1986) كانت سوريا تحضّر لإقامة الدورة العاشرة لحوض البحر الأبيض المتوسط، وحل ضيوفاً عليها عدد من الفنانين (السوفييت) وكنت مكلفاً بحكم اختصاصي الفني بالعمل مع (المجموعة السوفييتية الفنية) وهم ثلاثة كبار (بتروف) مخرج الدورة و(شرياييف) الموسيقي، والإداري (غنكن) وفي صيف ذلك العام جلت والضيوف في المحافظات السورية بهدف الاطلاع والاستماع إلى الفولكلور السوري المتنوع، أزياء، وموسيقا.. من أجل تصميم حفلي الافتتاح والختام للدورة، وانتقاء الألبسة والموسيقى المرافقة، التي تمثل شيئاً من الفولكلور السوري.
وفي مدينة حلب حضرنا حفلة للمطرب (صباح فخري) غنى فيها الأغنية المشهورة التي يقول فيها (كنا ستة عالنبعة، إجا المحبوب صرنا سبعة...) فطرب (بتروف) للصوت واللحن وصار يترنح على وقع إيقاع وصوت الفنان صباح فخري، وسألني: ماذا يقول صاحب هذا الصوت الجميل؟ يقصد كلمات الأغنية، فأجبته...
ظن (بتروف) بأنني كنت مازحاً بإجابتي، فسألني: هل يعقل أن يغني هذا المطرب عملية حسابية؟! وأضاف: (إن كان عدد الموجودين ستة إلى جانب نبعة أو شجرة أو جبل وجاء محبوب أو مكروه أو نكرة والحديث لبتروف) هل يعقل أن يصبح عددهم عشرة؟!.. وتابع: (صوت كهذا يغني مسألة حسابية بسيطة، والناس حولنا يطربون لها.. معقول؟).
حاولت أن أشرح له أن هذه ليست مسألة حسابية، فحدثته عن الرقم (7) في الثقافة الشرقية كقصة الخلق في الأسطورة السورية، وفي التوراة وكيف تمت في ستة أيام وارتاح الإله في اليوم السابع.. وفي القرآن الكريم (استوى على العرش) إلا أنه لم تكن الكتب السماوية تعني له شيئاً (كشيوعي) فأدار ظهره لي، وتابع استماعه إلى اللحن، متناسياً موضوع الكلمات.
و(غنكن) الإداري السوفييتي، كان لا معنا ولا مع صباح فخري، فقد تمسك بالكبة الحلبية كالغنيمة، إلى أن أصيب بالتخمة في آخر الحفل، أما (شيرياييف) الموسيقي، فقد تعلق بمشروب العرق الذي استحسن طعمه، دون إضافة قطرة ماء إليه، وكان يرفع كأسه بصحة صباح فخري، كلما صدح مطربنا الكبير بموال جديد.
كنت أدرك أنه حتى في (الفن) الذي هو لغة عالمية هناك نقاط لا يمكن الالتقاء عليها نتيجة للاختلاف في ثقافات الشعوب وأن جمالية أو قيمة بيت من الشعر أو كلمة وحتى إن كانا يبدوان كعملية حسابية لا تغنى، فالإحساس بهما يختلف من شعب إلى آخر..

فكيف في السياسة؟..
في العام 1991 حضرت إلى سوريا طالبة في الثانية والعشرين من عمرها من جنسية ألمانية ترددت على صالة الرواق العربي بدمشق (صالة التشكيليين بدمشق) وعرفت من صديقها شاعر سوري، أنها موفدة لتحضير أطروحة حول (الطوائف الإسلامية في الدول العربية) وقد جالت في الأردن ولبنان والكويت والسعودية، وستسافر من سوريا إلى مصر وتستكمل جولتها في أغلب الدول العربية، ومن بعدها ستعود إلى (ألمانيا) لتقديم أطروحتها للجامعة هناك.. إلا أنها قطعت زيارتها فجأة وتركت سوريا في اليوم التالي لعدوان الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، أو ما سمي بـ (حرب تحرير الكويت).
عندما علمت من صديقي الشاعر أنها غادرت سوريا فجأة سألته عن مبلغ من المال سبق أن استدانته منه، هل أعادته إليه قبل السفر؟ فقال: لا.. لكنها تركت لي قلم رصاص ومبراة سبق أن طلبتهما مني.. فقلت له: إذاً ألقِ بقلمك في القمامة وتمتع بالمبراة؟؟..
الفتاة وقصة سفرها ذكراني بكتابين سبق أن قرأتهما، الأول حول المخابرات في العالم، وكيف يستفيدون من أطروحات الطلاب الموفدين للتخصص كحال صديقتنا، وكيف تصب هذه الأطروحات بمؤلفات الهدف منها نشر الثقافة، وبنفس الوقت في ملفات تحفظ في أدراج المخابرات لتخضع للدراسة والتحليل فيما بعد..
أما الكتاب الثاني فكان حول (أسرار إذاعة لندن) وكيف تشرف المخابرات البريطانية على الإذاعة، وكيف تتعامل حتى مع أبسط المراسلات الواردة إليها في الستينيات والسبعينيات وتحللها، ولكي أقارب ما أود قوله، سأذكر القارئ ببرنامج قديم كانت تقدمه مذيعة ذات صوت جميل أسمت نفسها (أبله عزيزة) كان يراسلها الشبان والشابات من كافة الدول العربية ويطلبون منها إذاعة بعض الأغاني ويهدونها إلى الأصدقاء والأحباء، إضافة إلى فقرات أخرى كانت تقدمها (أبله عزيزة) في ذلك البرنامج.
وقد كانت الرسائل الواردة إلى (أبله عزيزة) تذاع وتلبى طلبات الشبان لكنها في نفس الوقت تدخل إلى غرفة التحليل التي كانت تخضع لمعادلة (مستوى الأغنية المطلوبة) = (مستوى تذوق الشاب أو الشابة) = (مستوى ثقافته أو ثقافتها) + متوسط العمر = مستوى الإشاعة التي يمكن أن يتقبلها الشاب أو الشابة، وذلك بعد اختيار خبر صحيح مائة بالمائة تبثه الإذاعة في أخبارها، ثم تليه إشاعة منتقاة على شكل خبر، بعد نشر خبر صحيح أو عدة أخبار مباشرة..
في مستهل هذا الشهر ضجّت الأخبار في مصر حول شيخ قال بأنه رأى سيدنا محمد (ص) في المسجد الذي يؤم مصليه في يوم الجمعة، فقال للرسول أمام المصلين مخاطباً: (تفضل يا رسول الله) وخاطب المصلين قائلاً: (إن النبي محمداً يؤمهم جميعهم الآن!).
كان من الواضح بأن الشيخ إما قد خرف، أو تهيأ له دخول الرسول للمسجد، أو أن هناك من لقنه ذلك، أو أنه شيخ معتوه، لكن المصيبة الكبرى تقع حول كيفية صياغة هذا الخبر، وكيف تناولته وسائل الإعلام، وماذا أضيف إليه.. ظهر الخبر على الشكل التالي: (فبدأ المصلون يجهشون بالبكاء وهم يؤدون صلاة الجمعة) وتم تناقل الخبر وترجم إلى عشرات اللغات، ونشر في صحف الدنيا وحقق الغرض منه، سواء كان مفتعلاً، أم متهيئاً، وهو (استمرار وتصعيد النهج المتمثل بتجسيد انطباع مفاده، أن المسلمين قوم متخلفون، والتخلف ناتج عن جهل رجال دينهم، ومن الطبيعي أن ينتج الجهل جهلاً وتطرفاً وإرهاباً، وإعلان الحرب على الجهلة والمتطرفين والإرهابيين أمر طبيعي، بل حق وواجب على كل متحضر).
ولو بحثنا عن الجهة التي وراء صياغة خبر كهذا، لوجدنا أنها ذات الجهة التي روجت لأسامة بن لادن كـنموذج للمسلم، وعملت جاهدة لتجسيد صورته هذه في الغرب، وجندت ما استطاعت من إمكانيات لتعزيز هذه الصورة، في أذهان وعقول الغربيين، ولذلك نجد أن الأوروبيين لم يستغربوا أن يقوم رسام دنماركي، برسم مجموعة من الصور المسيئة للرسول، إذ أن لوحاته بالنسبة إليهم، تمثل تعبيراً عن ثقافة الرسام حول الإسلام، وقيمه، وتعاليمه، متمثلاً برسول الإسلام، كما زرع في عقله مسبقاً، كما لم يستغربوا استياء المسلمين وردة فعلهم على نشر الصور، لأنهم يرون فيهم، التخلف، والجهل، والإرهاب، ولذلك فقد بارك الكثيرون بأن تنشر الولايات المتحدة الأمريكية خارطة جديدة، تقسم الشرق الأوسط إلى دويلات دينية، سميت بخارطة الشرق الأوسط الجديد، الذي تتزعمه (إسرائيل) الدولة الدينية اليهودية النووية، القوية، التي سيقع على عاتقها، حسب الرؤية الأمريكية، إدارة المنطقة، وفرض الحضارة المعاصرة فيها، وبالتالي شرعنة وجود دولة (إسرائيل) التوراتية، التي ستكون المخلص، من الجهل، والتخلف، والإرهاب، والاقتتال، خاصة وأن الصراعات الطائفية تنمى وتغذى، لتكون مبرراً لتحقيق كل ذلك، بعد تحويل فكرة إعادة تقسيم المنطقة، من فكرة إلى ضرورة لا غنى عنها، مرتبطة بالمصالح العالمية الكبرى.

ماذا نفعل نحن؟
حتى هذه اللحظة ليس لدينا خطة جدية لمواجهة ما يثار ضدنا رغم معرفتنا التامة باستيعاب الغرب لثقافتنا، واستغلاله لها، وقدرته على النفاذ إليها، وتحويرها، وتقزيمها، وإظهارها على ما ليست هي عليه في الحقيقة، بأساليب عدة، وخلق انطباع لدى الرأي العام الغربي مشوه عنها.
ويبدو أنه ليس لدى بعض العرب النية حتى بتعلم مفردات العقل الغربي وهو أقل الإيمان للدفاع عن ما تبقى لنا، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فهذا ليس هدف الكثيرين من العرب، كما هو واضح، والنية غير موجودة أصلاً، والأمن القومي العربي لا يعني الكثير منهم، حالهم كحال صديقي (الشيوعي) المخرج (بتروف) الذي لا تعنيه الكتب السماوية، واكتفى بالترنح على لحن ما يغني صباح فخري، وأهمل كلمات الأغنية، وحال صديقي (غنكن) الإداري الذي أتخم من الطعام، الذي يشكل جل اهتماماته، والموسيقي (شيرياييف) الذي ترك الطعام والمطرب و(بتروف) وإن تلهى بمشروب العرق الـ (سك) وحال الألمانية التي تركت القلم والمبراة فقط، لصديقنا الشاعر، ملتهمة المبلغ الذي استدانته، وسافرت.
لكن والحق يقال مازلنا كل جمعة نتضرع إلى الله بدعائنا: (الذي ألغاه بعض جهابذة الدين، حفاظاً على اتفاقيات السلام أو الأخوَّة «العربية - الإسرائيلية») فندعو:
اللهم شتت شملهم
اللهم اقطع نسلهم
وأغرق حرثهم وزرعهم
آمين يا رب العالمين..
دون أن نكترث لحالنا ونحن نشتت شملنا، ونقطع رزقنا، ونغرق حرثنا وزرعنا.
ولكن والحق يقال: (إننا لم نقطع نسلنا لأننا نحب النسل، بل حباً بفعل التناسل، وليس التكاثر هدفاً بحد ذاته، ولكن لأن النسل يعني لنا ناتج متعة، سبق أن تَشتتنْا وغَرقْنا وتقاطعنا من أجل الحفاظ عليها، وكسائر الكائنات الحية انعكست المتعة نسلاً، تعهدت الولايات المتحدة و«إسرائيل» بالقضاء عليه).

ياسر طويش
08/03/2009, 10:03 PM
من أدبيات الأديب الكبير : أيمن الدقر
في العام (1986) كانت سوريا تحضّر لإقامة الدورة العاشرة لحوض البحر الأبيض المتوسط، وحل ضيوفاً عليها عدد من الفنانين (السوفييت) وكنت مكلفاً بحكم اختصاصي الفني بالعمل مع (المجموعة السوفييتية الفنية) وهم ثلاثة كبار (بتروف) مخرج الدورة و(شرياييف) الموسيقي، والإداري (غنكن) وفي صيف ذلك العام جلت والضيوف في المحافظات السورية بهدف الاطلاع والاستماع إلى الفولكلور السوري المتنوع، أزياء، وموسيقا.. من أجل تصميم حفلي الافتتاح والختام للدورة، وانتقاء الألبسة والموسيقى المرافقة، التي تمثل شيئاً من الفولكلور السوري.
وفي مدينة حلب حضرنا حفلة للمطرب (صباح فخري) غنى فيها الأغنية المشهورة التي يقول فيها (كنا ستة عالنبعة، إجا المحبوب صرنا سبعة...) فطرب (بتروف) للصوت واللحن وصار يترنح على وقع إيقاع وصوت الفنان صباح فخري، وسألني: ماذا يقول صاحب هذا الصوت الجميل؟ يقصد كلمات الأغنية، فأجبته...
ظن (بتروف) بأنني كنت مازحاً بإجابتي، فسألني: هل يعقل أن يغني هذا المطرب عملية حسابية؟! وأضاف: (إن كان عدد الموجودين ستة إلى جانب نبعة أو شجرة أو جبل وجاء محبوب أو مكروه أو نكرة والحديث لبتروف) هل يعقل أن يصبح عددهم عشرة؟!.. وتابع: (صوت كهذا يغني مسألة حسابية بسيطة، والناس حولنا يطربون لها.. معقول؟).
حاولت أن أشرح له أن هذه ليست مسألة حسابية، فحدثته عن الرقم (7) في الثقافة الشرقية كقصة الخلق في الأسطورة السورية، وفي التوراة وكيف تمت في ستة أيام وارتاح الإله في اليوم السابع.. وفي القرآن الكريم (استوى على العرش) إلا أنه لم تكن الكتب السماوية تعني له شيئاً (كشيوعي) فأدار ظهره لي، وتابع استماعه إلى اللحن، متناسياً موضوع الكلمات.
و(غنكن) الإداري السوفييتي، كان لا معنا ولا مع صباح فخري، فقد تمسك بالكبة الحلبية كالغنيمة، إلى أن أصيب بالتخمة في آخر الحفل، أما (شيرياييف) الموسيقي، فقد تعلق بمشروب العرق الذي استحسن طعمه، دون إضافة قطرة ماء إليه، وكان يرفع كأسه بصحة صباح فخري، كلما صدح مطربنا الكبير بموال جديد.
كنت أدرك أنه حتى في (الفن) الذي هو لغة عالمية هناك نقاط لا يمكن الالتقاء عليها نتيجة للاختلاف في ثقافات الشعوب وأن جمالية أو قيمة بيت من الشعر أو كلمة وحتى إن كانا يبدوان كعملية حسابية لا تغنى، فالإحساس بهما يختلف من شعب إلى آخر..

فكيف في السياسة؟..
في العام 1991 حضرت إلى سوريا طالبة في الثانية والعشرين من عمرها من جنسية ألمانية ترددت على صالة الرواق العربي بدمشق (صالة التشكيليين بدمشق) وعرفت من صديقها شاعر سوري، أنها موفدة لتحضير أطروحة حول (الطوائف الإسلامية في الدول العربية) وقد جالت في الأردن ولبنان والكويت والسعودية، وستسافر من سوريا إلى مصر وتستكمل جولتها في أغلب الدول العربية، ومن بعدها ستعود إلى (ألمانيا) لتقديم أطروحتها للجامعة هناك.. إلا أنها قطعت زيارتها فجأة وتركت سوريا في اليوم التالي لعدوان الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، أو ما سمي بـ (حرب تحرير الكويت).
عندما علمت من صديقي الشاعر أنها غادرت سوريا فجأة سألته عن مبلغ من المال سبق أن استدانته منه، هل أعادته إليه قبل السفر؟ فقال: لا.. لكنها تركت لي قلم رصاص ومبراة سبق أن طلبتهما مني.. فقلت له: إذاً ألقِ بقلمك في القمامة وتمتع بالمبراة؟؟..
الفتاة وقصة سفرها ذكراني بكتابين سبق أن قرأتهما، الأول حول المخابرات في العالم، وكيف يستفيدون من أطروحات الطلاب الموفدين للتخصص كحال صديقتنا، وكيف تصب هذه الأطروحات بمؤلفات الهدف منها نشر الثقافة، وبنفس الوقت في ملفات تحفظ في أدراج المخابرات لتخضع للدراسة والتحليل فيما بعد..
أما الكتاب الثاني فكان حول (أسرار إذاعة لندن) وكيف تشرف المخابرات البريطانية على الإذاعة، وكيف تتعامل حتى مع أبسط المراسلات الواردة إليها في الستينيات والسبعينيات وتحللها، ولكي أقارب ما أود قوله، سأذكر القارئ ببرنامج قديم كانت تقدمه مذيعة ذات صوت جميل أسمت نفسها (أبله عزيزة) كان يراسلها الشبان والشابات من كافة الدول العربية ويطلبون منها إذاعة بعض الأغاني ويهدونها إلى الأصدقاء والأحباء، إضافة إلى فقرات أخرى كانت تقدمها (أبله عزيزة) في ذلك البرنامج.
وقد كانت الرسائل الواردة إلى (أبله عزيزة) تذاع وتلبى طلبات الشبان لكنها في نفس الوقت تدخل إلى غرفة التحليل التي كانت تخضع لمعادلة (مستوى الأغنية المطلوبة) = (مستوى تذوق الشاب أو الشابة) = (مستوى ثقافته أو ثقافتها) + متوسط العمر = مستوى الإشاعة التي يمكن أن يتقبلها الشاب أو الشابة، وذلك بعد اختيار خبر صحيح مائة بالمائة تبثه الإذاعة في أخبارها، ثم تليه إشاعة منتقاة على شكل خبر، بعد نشر خبر صحيح أو عدة أخبار مباشرة..
في مستهل هذا الشهر ضجّت الأخبار في مصر حول شيخ قال بأنه رأى سيدنا محمد (ص) في المسجد الذي يؤم مصليه في يوم الجمعة، فقال للرسول أمام المصلين مخاطباً: (تفضل يا رسول الله) وخاطب المصلين قائلاً: (إن النبي محمداً يؤمهم جميعهم الآن!).
كان من الواضح بأن الشيخ إما قد خرف، أو تهيأ له دخول الرسول للمسجد، أو أن هناك من لقنه ذلك، أو أنه شيخ معتوه، لكن المصيبة الكبرى تقع حول كيفية صياغة هذا الخبر، وكيف تناولته وسائل الإعلام، وماذا أضيف إليه.. ظهر الخبر على الشكل التالي: (فبدأ المصلون يجهشون بالبكاء وهم يؤدون صلاة الجمعة) وتم تناقل الخبر وترجم إلى عشرات اللغات، ونشر في صحف الدنيا وحقق الغرض منه، سواء كان مفتعلاً، أم متهيئاً، وهو (استمرار وتصعيد النهج المتمثل بتجسيد انطباع مفاده، أن المسلمين قوم متخلفون، والتخلف ناتج عن جهل رجال دينهم، ومن الطبيعي أن ينتج الجهل جهلاً وتطرفاً وإرهاباً، وإعلان الحرب على الجهلة والمتطرفين والإرهابيين أمر طبيعي، بل حق وواجب على كل متحضر).
ولو بحثنا عن الجهة التي وراء صياغة خبر كهذا، لوجدنا أنها ذات الجهة التي روجت لأسامة بن لادن كـنموذج للمسلم، وعملت جاهدة لتجسيد صورته هذه في الغرب، وجندت ما استطاعت من إمكانيات لتعزيز هذه الصورة، في أذهان وعقول الغربيين، ولذلك نجد أن الأوروبيين لم يستغربوا أن يقوم رسام دنماركي، برسم مجموعة من الصور المسيئة للرسول، إذ أن لوحاته بالنسبة إليهم، تمثل تعبيراً عن ثقافة الرسام حول الإسلام، وقيمه، وتعاليمه، متمثلاً برسول الإسلام، كما زرع في عقله مسبقاً، كما لم يستغربوا استياء المسلمين وردة فعلهم على نشر الصور، لأنهم يرون فيهم، التخلف، والجهل، والإرهاب، ولذلك فقد بارك الكثيرون بأن تنشر الولايات المتحدة الأمريكية خارطة جديدة، تقسم الشرق الأوسط إلى دويلات دينية، سميت بخارطة الشرق الأوسط الجديد، الذي تتزعمه (إسرائيل) الدولة الدينية اليهودية النووية، القوية، التي سيقع على عاتقها، حسب الرؤية الأمريكية، إدارة المنطقة، وفرض الحضارة المعاصرة فيها، وبالتالي شرعنة وجود دولة (إسرائيل) التوراتية، التي ستكون المخلص، من الجهل، والتخلف، والإرهاب، والاقتتال، خاصة وأن الصراعات الطائفية تنمى وتغذى، لتكون مبرراً لتحقيق كل ذلك، بعد تحويل فكرة إعادة تقسيم المنطقة، من فكرة إلى ضرورة لا غنى عنها، مرتبطة بالمصالح العالمية الكبرى.

ماذا نفعل نحن؟
حتى هذه اللحظة ليس لدينا خطة جدية لمواجهة ما يثار ضدنا رغم معرفتنا التامة باستيعاب الغرب لثقافتنا، واستغلاله لها، وقدرته على النفاذ إليها، وتحويرها، وتقزيمها، وإظهارها على ما ليست هي عليه في الحقيقة، بأساليب عدة، وخلق انطباع لدى الرأي العام الغربي مشوه عنها.
ويبدو أنه ليس لدى بعض العرب النية حتى بتعلم مفردات العقل الغربي وهو أقل الإيمان للدفاع عن ما تبقى لنا، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فهذا ليس هدف الكثيرين من العرب، كما هو واضح، والنية غير موجودة أصلاً، والأمن القومي العربي لا يعني الكثير منهم، حالهم كحال صديقي (الشيوعي) المخرج (بتروف) الذي لا تعنيه الكتب السماوية، واكتفى بالترنح على لحن ما يغني صباح فخري، وأهمل كلمات الأغنية، وحال صديقي (غنكن) الإداري الذي أتخم من الطعام، الذي يشكل جل اهتماماته، والموسيقي (شيرياييف) الذي ترك الطعام والمطرب و(بتروف) وإن تلهى بمشروب العرق الـ (سك) وحال الألمانية التي تركت القلم والمبراة فقط، لصديقنا الشاعر، ملتهمة المبلغ الذي استدانته، وسافرت.
لكن والحق يقال مازلنا كل جمعة نتضرع إلى الله بدعائنا: (الذي ألغاه بعض جهابذة الدين، حفاظاً على اتفاقيات السلام أو الأخوَّة «العربية - الإسرائيلية») فندعو:
اللهم شتت شملهم
اللهم اقطع نسلهم
وأغرق حرثهم وزرعهم
آمين يا رب العالمين..
دون أن نكترث لحالنا ونحن نشتت شملنا، ونقطع رزقنا، ونغرق حرثنا وزرعنا.
ولكن والحق يقال: (إننا لم نقطع نسلنا لأننا نحب النسل، بل حباً بفعل التناسل، وليس التكاثر هدفاً بحد ذاته، ولكن لأن النسل يعني لنا ناتج متعة، سبق أن تَشتتنْا وغَرقْنا وتقاطعنا من أجل الحفاظ عليها، وكسائر الكائنات الحية انعكست المتعة نسلاً، تعهدت الولايات المتحدة و«إسرائيل» بالقضاء عليه).


بل علينا بالمقاومة والدعاء معا
اللهم شتت شملهم
اللهم اقطع نسلهم
وأغرق حرثهم وزرعهم
آمين ..آمين ..آمين يا رب العالمين..


ياسر طويش