المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حنين



محمد البوزيدي
23/02/2009, 03:10 PM
حنين
إلى دعاء في عيد ميلادها الثاني

تزرع الخطى المتتابعة في حقل الحياة بالبيت الصغير الطافح بمظاهر المحبة ، وتنسج عبير الكلام المقتطف ممن كل ما التقطته أذناها الصغيرتين ،تواصل نحيب الحياة وعراكها القاسي مندمجة وفق السمفونية المعروفة التي ينخرط فيها كل من يواصل السنين إلى اتجاه محدود .
تلتقط أرانيح الزمن الشارد وتتفاعل معه وفق معادلة كيمياء الحياة الأزلية التي شكلتها متاعب السنين المتعاقبة منذ مدة طويلة .
أبتسم لها، تبتسم لي، ويلتقط كلانا الإشارة المعروفة والمشفرة بدقة عالية، أحاول صدها، فتقتحم كينونتي فينفرج قلبي لها ،وحين أرفض لها طلبا وما أكثره، تصر عليه فتنتزعه قسرا مني ،فالصغير يدرك كذلك أن كل ممنوع مرغوب فيه ،وحين أحاول فرض أمر واقع تهرب إلى بكاء حزين يمتزج بضحك من عيار خاص ،أليس البكاء سلاح قوي وفعال لمن لا سلاح له...؟؟؟
تتوالى الصرخات الماكرة، فيقشعر بدني وتتحرك جوانحي للأعباء التي تقتحمها فجأة ، وهي من صنعتها.... أطرح سؤالا علي نفسي: من الأحق بالبكاء؟؟ أنا المطوق بدوائر الزمان ؟ أم هي التي لا تدرك أعماقه البعيدة اللامتناهية؟؟؟؟
تنفتح على عالم الآخرين، تتلمس كل شيء وفق كيمياء الاكتشاف الذي يهبه الله للنشء،وحين تمل من الاحتكاك والتحاور مع الآخرين تهرب إلى عالمها الخاص بين اللعب المختلفة الألوان والأشكال، تقبلها وتحاورها بصمت، وتطوف بينها كالنحلة التي تطوف على رحيق الحقول ،تلعب بهذه وتفسد الأخرى، تعانق هذه وترمي بتلك، وتتلف محطمة البعض منها ، وحين تمل من اللعب بالكرة الزرقاء والدراجة المتهالكة، وكعاقل كبير تخاطب دميتها الصغيرة ورفيقتها الراهنة والقادمة من بعيد بلغة أخرى، تلبس لها رداء يضيف لها بهاء افتقدته منذ تعلقت بها ، وتغطيها بلحاف خاص ،تنام بقربها ...فهل تكرر اللعبة أو ترعى عروسا قبل أن تصبح هي العروس ؟؟؟
خارج البيت تنطلق كالسهم المارق، وتجري في كل شارع نخترقه، تهرب من يدي لتعانق هواء جديدا ولتعلن أمام الجميع أنا موجودة ، ومثل الكبار تلعب معي بأعجوبة لعبة المعارضة وشد الحبل، فحين أحملها لكي لا تتعب في النزهة المسائية المعتادة تصر على الذهاب وتحمل مسؤوليتها مثل الآخرين ،وحين يروق لها أي شيء تصر عليه بكل قوتها الصغيرة، حينها أصبح أنا الضعيف أمامها، ألتمس منها عدم قطع الطريق بسرعة، وعدم تناول مأكولات غير نظيفة، وحين أفشل في كل المحاولات، أعانقها للحصول على رضى مفقود لإصرار عميق على تأكيد وجود الذات .
حين ألج المنزل مساء،تسرع لاستقبالي وعناقي كأنني غبت دهرا، حينها أتذكر قول الشاعر
وأطيب ساع الحياة لدي عشية أخلو فيها إلى ولدي
حين ألج الباب يهتف باسمي الفطيم ويصبو الرضيع إليا
لا أدري كيف أتخلص من كل الهموم التي كانت ستلج معي باب البيت ، تستقبلني بابتسامتها الجريئة، وببشاشة متجددة كل يوم ، تفتح ذراعيها لأعانقها بحنان الأبوة الذي ألفته طالبة أن أنشد لها أناشيد الصغار التي تستمع لها كل يوم عبر الكومبيوتر خاصة نشيدي :ياطيبة و*عمو...عمو.*..تنشرح طويلا وتشع حيوية لترديد النشيد الذي يمثل معزوفتها اليومية المفضلة.
بعد يوم كامل ومضني من الصراخ العلني واللعب الطفولي، وبعد إرهاق شديد من كثرة اللعب وتكسير روتين الحياة اليومي، تخلد دعاء للنوم العميق، حينها تبدو ورود الطفولة يانعة بين مقلتيها ،تنزرع ابتسامة حب على شفتيها، حينها أحس بالشفقة ،أندم على كل تعنيف أو تقصير تجاهها، لكن أمتلك ذاتي، أحبس دموعي من الانسكاب... لكنها تهزمني .
رحلة الحياة استنفذت منها رقمين، و ستواصل الطريق بشغف عميق ونفس كبير، الروض حجز لها مقعدا منذ الآن، ومتاعب أخرى في الانتظار.....
وكل سنة وأنت يا بنيتي بألف خير