المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار والنقاش ... لغة علينا أن نتقنها !!!



ناصر عبد المجيد الحريري
24/02/2009, 01:52 AM
عند طرح قضية معينة للنقاش فإن كل منا يملك وجهة نظره أو رأيه أو انطباعه عن ذلك الموضوع المطروح أو تلك الحالة أو المسألة التي تتم مناقشتها ، ونظراً لاختلاف الظروف التي يحياها الإنسان ( البيئة – مستوى الوعي – مستوى الثقافة - والتجارب الحياتية – والاختلاف في المستوى العمري والخبرة – واختلاف الأمزجة والنفسيات ) فكان طبيعياً أن يكون هناك اختلافاً في النظر إلى الموضوع المطروح للنقاش ، وأن يكون لكل منا وجهة نظر أو رأي خاص به، قد يتطابق ويتفق مع الآخرين، أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته .
إذاً الاختلاف موجود ، ولكن كيف نتخطى خصائصنا التي لا تكون مؤهلة لطبيعة الحوار ( الانحياز العاطفي - التربية - المواقف المسبقة الصنع..والتي ركبت في تكويناتنا النفسية وتجلياتها الاجتماعية... المستوى الثقافي والتربوي، حيث أن أغلبية أبناء مجتمعنا العربي أميون أو أميون ثقافياَ .
الاختلاف موجود ؟
وجود هذا الاختلاف يتطلب منا الحوار ، الذي يُعد من أهم القضايا التي تخص الحياة الإنسانية بمختلف مراحلها ومستوياتها.
من هنا جاء اهتمام النصوص القرآنية بمعالجتها واضحا شاملا لمختلف إحداثياتها واقفا علي أبجدياتها وعناصرها المتشعبة مكرّسا دعائم منهجيتها بأسلوب يتراوح بين الإجمال تارة والتفصيل تارة آخري.
فلا تكاد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من حوار دار بين طرفين حول مسألة معينة...مؤكدا محورية الحوار والتحادث مع الآخر في الخطاب القرآني والحياة الإنسانية.
الأمر الذي جاء متوافقا وملبيا لحاجة الطبيعة الإنسانية إلي الحوار فطرة وسلوكا.
فالحوار فطرة وسلوك !!!!
لكن السؤال الأعم حول هذه المسألة هو :
كيف يمكننا الاستفادة من تنوع هذه الآراء المختلفة ؟
إن وجود أكثر من وجهة نظر أو رأي حول الموضوع الواحد ، لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، بل العكس من ذلك فإنها حالة إيجابية مفيدة ، لابد منها في أي نقاش يجري بين مجموعة من الأفراد ، حول موضوع النقاش أو مادته ، فعلى المرء أن يستفيد من تعدد هذه الآراء والمناقشات التي تدعم رأيه وتنصره وتكون دافعاً له للاعتداد برأيه وعدم الحياد عنه، أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رأيه ومخالفة لوجهة نظره، وفي هذه الحالة يستفيد أيضاً من تلك الآراء في تصحيح بعض آرائه وأفكاره الخاطئة إذا كانت آراء الآخرين وأفكارهم أشمل وأعمق وأدق من آرائه ووجهة نظره، وذلك بعد اقتناعه واعتقاده شخصياً بها، ففي نهاية المطاف لابد من أن يصل كلٌ من طرفي النقاش إلى محصلة نهائية يتفقون بها ومحطة نهائية يقفون عندها.
لكن هذا الاختلاف قد يستمر ، فقد يكون هناك أكثر من رأي وكل رأي من هذه الآراء صحيح ومنطقي مع إنها قد تكون متضادة ومتضاربة في الوقت نفسه وتفسير ذلك هو أن هذا الرأي المعين قد ينفع لظرف وموقف معين ولا ينفع ويصح لموقف وظرف آخر، وهكذا فإن النظر إلى المسألة الواحدة قد يكون من زوايا وجوانب متعددة وكلها صحيحة ومنطقية، سواء كانت متفقة مع بعضها أو متضادة ومتضاربة، والذي يحكم صحتها وصوابها هو الظرف أو الزمان أو المكان أو غير ذلك من العوامل المختلفة.
فالمشاركة في النقاش مع الآخرين وطرح الرأي الخاص به حولها ، هو أمر مهم وضروري جدا ، ولكن يجب أن ينظم هذا النقاش والحوار قواعد وأسس محددة حتى لا يخرج هذا الحوار عن هدفه ومستواه الذي ينبغي أن يكون واعياً ومسئولا .
أسس وقواعد الحوار :
- يجب عدم الاستبداد في الرأي ن وفرضه على الآخرين ، فلابد من مراعاة الديمقراطية وحرية الرأي في النقاش ، وهذه مسألة غاية في الأهمية في كل نقاش، إلا أننا نجد البعض وللأسف الشديد يحاول الاستبداد برأيه وفرضه على الآخرين معتقداً أن رأيه هو الأصح والأفضل، حتى أنه لا يفسح المجال للآخرين للتعبير عن وجهة نظرهم وآرائهم، مستغرقاً بكلامه لوقت طويل، غير مبالي ولا مراعي لأفكار وآراء الأطراف الأخرى في النقاش.
- لابد من مراعاة استمرار وبقاء الود واللطف والتواصل بين أفراد النقاش،فعندما يشتد ويحتد الصراع الفكري بين الأفراد، وتلتهب حلقة النقاش بالآراء المختلفة المتضاربة وتبلغ أوجها، ينبغي أن لا يؤثر هذا الاختلاف على استمرار العلاقات الطيبة والمودة بين الأفراد، فالاختلاف في الرأي ( لا يفسد للود قضية كما هو معروف ) ، فهذا النوع من الاختلاف يلزم أن لا يكون مدعاة للعداوة والكره والحقد بين الأفراد، بل هو مدعاة لتنمية الأفكار والآراء وتكامل العقول وتواصلها.
- عدم الاستخفاف بالراي الآخر والفكر الذي يحمله الطرف الآخر في الحوار مهما كان الفكر خاطئاً أو ساذجاً، كما يفعل ذلك البعض، خصوصاً إذا كان الطرف الأقوى والأصح في النقاش على مقدار من الثقافة والدراية ولديه خزين من المعلومات حول موضوع النقاش في حين يكون الطرف الآخر متواضعاً في ثقافته أو قليل الخبرة والمعرفة في موضوع الحوار بالذات، فيحاول حينها صاحب الثقافة أو مدعيها أحياناً استعراض نفسه ومعلوماته بغرور وعجرفة ويحاول أن يظهر نفسه في القمة عن طريق الانتقاص أو الاستهزاء بالآخرين وأفكارهم، متصيداً هفواتهم وأخطاءهم، ومتتبعاً لعثراتهم وزلاتهم مهما كانت بسيطة، متناسياً قوله تعالى: (لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيراً منهن) الحجرات:11.
- عندما يكون لنا رأي ونكون مقتنعين به علينا الإفصاح عن ذلك بكل ثقة واعتزاز، وبدون تردد أو خوف أو وجل من ردة أفعال الآخرين حوله، أو التحسب لتلك الردود، والترقب حول كونها موافقة لآرائنا أم مختلفة معها فلابد من الثبوت على الرأي إذا كان صحيحاً ومقنعاً وعدم التنازل عنه إرضاءً للآخرين أو خوفاً منهم أو تملقاً أو مجاملةً لهم، فإن مثل هذا السلوك يدل على ضعف الشخصية وهشاشة الأفكار وسطحيتها.
- يجب أن تستند الأفكار والآراء المطروحة في الحوار مبنية على أسس سليمة ومستندة إلى أدلة وحجج قويمة ودراية حول الموضوع المطروح، تُعِين في الدفاع والصمود على تلك الآراء بكل ثقة واعتزاز بأن يتوفر لدى صاحبها حجج وبراهين مقنعة وأدلة دامغة على صحة رأيه .
- عدم التسرع في طرح الآراء دون دراسة دقيقة وموضوعية، وأن لا يكون طرح الأفكار بغير علم ولمجرد الكلام فقط، دون منطق سليم، قال تعالى: (ومن الناس مَن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) الحج: آية 8.
- الالتزام بالموضوعية في النقاش بعيداً عن التطرف والعنصرية والانحيازية خصوصاً عندما تكون أطراف النقاش من طبقات أو أعمار أو أجناس أو مذاهب مختلفة، وعدم فرض الرأي على الآخرين بحجة إن صاحبه هو الأكبر سناً أو أنه رجل والطرف الآخر امرأة، أو أنه من جنسية معينة ذات مميزات خاصة، أو أنه من مذهب معين، فمثل هذه الأمور أو غيرها لا تُعد مبرراً للاستبداد أو فرض الرأي على الآخرين أو مقياساً لصحة الآراء أو أفضليتها.
- يجب مراعاة الآداب الخاصة بالحوار والنقاش عرفاً وشرعاً، كالاستماع والإصغاء أولاً للأكبر سناً أو أكثر خبرةً وعلماً، إلى غير ذلك من الاعتبارات أدباً وتواضعاً في هذا الأمر، بالإضافة إلى ذلك عدم قطع كلام الآخرين قبل أن يكملوا كلامهم، أو محاولة التكلم بصوت مرتفع للسيطرة على النقاش، بل يجب مراعاة التكلم بذوق وأدب واختيار الكلمات المعبرة الجميلة، والابتعاد عن الكلمات النابية المبتذلة قدر الإمكان ليكون نقاشاً لطيفاً هادئاً وهادفاً وبناءً في نفس الوقت وبعيداً عن اللؤم والابتذال ،
إن الأخذ بهذه القواعد والأسس يكفل الارتقاء بالحوار مع الآخرين على مستوى واعي وهادف ، و يعود بالخير والنفع على الفرد وعلى المجتمع بصورة عامة، وقدوتنا في ذلك الرسول الأعظم محمد (ص) الذي قال عنه الباري عز وجل: (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران: 159، وكيف استطاع بحلمه وعلمه وسمو أخلاقه أن ينتصر في حواراته مع المشركين ويقنعهم برسالته السمحاء، وذلك عن طريق الحوار العقلائي السليم، وكيف كان حواره مع المشركين والملحدين بالتي هي أحسن كما قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل: 124، فكانت نتيجة ذلك الحوار الذي استمر لسنوات عديدة، إشراق نور الإسلام على الأمة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
نعم، هذه هي ثمرة الحوار الملتزم الراقي الصحيح، الذي به تُعبّد المجتمعات طريقها نحو السمو والرفعة، وترتقي بتكامله سلم المجد والعظمة حيث تتلاقى الأفكار وتتقارب الأرواح بمزيج من الدفء والحب والتسامح، تذوب من خلاله روح التعصب ونزعة الجموح، وتفصح المبهمات عن حقيقتها، فتتفتح آفاق واسعة وأبواب مغلقة في ميدان فسيح يضج بالآراء والأفكار المختلفة والمتضادة تارة والمتقاربة تارة أخرى.