ناصر عبد المجيد الحريري
24/02/2009, 02:47 AM
متى وكيف اخترع الشعب اليهودي"
د. الياس سمعو : تشرين 23/2/2009
العنوان أعلاه هو عنوان كتاب البروفيسور الاسرائيلي شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب الذي نشر منذ عدة أسابيع بالعبرية و ترجم إلى الفرنسية و هو على لائحة الكتب الأكثر مبيعا في إسرائيل و سوف ينشر قريبا بلغات عديدة منها الانكليزية و العربية. و ما يؤكده البروفيسور ساند بناء على دراسة تاريخية موثقة بأن هناك دين يهودي و لكن ليس هناك ما يسمى بالشعب اليهودي. لكل دولة معتقدات أو ثوابت جوهرية تشكل حقائقا من المحظور التشكيك بها وهذا ما يعرف بالتابو وفي إسرائيل عدد منها ثلاثة شبه مقدسة وهي: أولا " فلسطين أرض اليهود" ثانيا "استمرارية دولة إسرائيل" ثالثا "الهولوكوست-المحرقة". شكك العرب والمسلمون وغيرهم بهذا التابو و بشكل خاص التابو الأول والأهم وهو "فلسطين أرض اليهود".وهذا ما فعله البروفيسور شلومو ساند في كتابه .
يبدأ البروفيسور ساند بالقول " أنا مثل بقية الاسرائيليين اعتقدت بأن اليهود كانوا شعبا يعيشون في يهودا وأن الرومان نفوهم عام سبعين ميلادي. ولكن عندما بدأت أنظر الى الأدلة اكتشفت بأن ... النفي هو أسطورة حيث لم أجد أي كتاب تاريخي يصف أحداث النفي... والسبب لأن الرومان لم ينفوا شعبا وفي الحقيقة معظم اليهود في فلسطين كانوا فلاحين وكل الأدلة تشير الى أنهم مكثوا على أراضيهم. " ويتابع الكاتب القول بأن " معظم اليهود اليوم لا علاقة لهم بالأرض التي يسمونها اسرائيل... وأن فكرة الشعب اليهودي أو القومية اليهودية التي بنيت على أساسها الصهيونية وانشاء دولة اسرائيل هي اسطورة اخترعت منذ نحو قرن واحد."
أما فيما يخص تاريخ اليهود يقول الكاتب إنهم اعتبروا أنفسهم " يهودا لأنهم اشتركوا بديانة واحدة. في بداية القرن العشرين تحدى الصهاينة هذه الفكرة وبدؤوا بخلق تاريخ قومي باختراع فكرة أن هناك شعبا يهوديا منفصلا عن دينهم وأن على اليهود العودة من المنفى الى أرض الميعاد". ولكن اذا كان على اليهود العودة من المنفى الى أرض الميعاد فالسؤال هو لماذا لم يعودوا خلال الألفين سنة الماضية؟ يجيب الكاتب بالقول "غيرت الصهيونية فكرة القدس. سابقا كانت الأماكن المقدسة أماكن يشتاق اليها اليهودي وليس للعيش فيها. خلال ألفين سنة لم يأت اليهود إلى القدس لأنهم منعوا من ذلك ولكن لأن ديانتهم منعتهم من العودة الى حين مجيئ المخلص المنتظر المسيح."
اذا لم يتعرض اليهود للنفي كما يؤكد الكاتب فهذا يثير سؤالين: أولا كيف انتشرت اليهودية في كل أرجاء العالم؟ وثانيا ماذا جرى للفلاحين اليهود في فلسطين اذا لم ينفوا؟ ردا على السؤال الأول يقول الكاتب" ان اليهودية كانت ديانة تبشيرية وخلال القرون التي سبقت المسيحية والقرون التي تبعتها سافر العديد من المبشرين اليهود إلى مناطق مختلفة بحثا عن مؤمنين جدد والأمثلة على ذلك كثيرة منها الوجود اليهودي في اليمن وفي عشائر البربر في شمال أفريقيا وبعد ذلك بعدة قرون اعتنق شعب مملكة الخزر ( جنوب روسيا ) اليهودية وهم أسلاف المجتمعات اليهودية الاشكينازية التي تشكلت في وسط وشرق أوروبا."
وعن مصير يهود فلسطين الأوائل اذا لم ينفوا يقول الكاتب بأن الحقيقة التي" لم تدرس في المدارس الاسرائيلية ولكن تعرفها القيادات الصهيونية الأوائل ومنهم بن غوريون أول رئيس وزراء اسرائيلي وهي بأن الفلسطينيين هم من سلالة اليهود الأوائل وبعضهم اعتنق المسيحية وبعضهم اعتنق الاسلام فيما بعد." ويختتم الكاتب بالقول " أن تاريخ اسرائيل الذي يدرس في الجامعات الاسرائيلية هو بيت من كرتون" سريع الانهيار.
اذا كان التاريخ الاسرائيلي بيت من كرتون كما يؤكد الكاتب فالاستنتاج الطبيعي هو أن الأسس التي أقيمت عليها إسرائيل أيضا بيت من كرتون. عندما يكتشف الجيل الاسرائيلي الحالي والذي يليه بأن لا حقوق تاريخية له في فلسطين ولا حياة آمنة ولا مستقبل مضمون وأن الجنسية الاسرائيلية التي يحملها أتت نتيجة تلفيق للتاريخ وبالقوة والدم ولا عدالة فيها لأنها أنكرت حق الشعب الفلسطيني بأرضه وهجرته ويقارن كل ذلك مع جنسية أخرى يحصل عليها بشكل قانوني وأخلاقي أميركية كانت أو أوروبية توفر له حياة راغدة ومستقبلا آمنا فهلا يأخذ هذا الاسرائيلي بجدية اقتراح السياسي الاسرائيلي المخضرم ورئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ الذي يشجعه للحصول على جواز سفر أجنبي و الهجرة؟
وكما هو متوقع هوجم الكاتب في اسرائيل ونعت بنعوت عديدة منها التهم التقليدية باللاسامية والمعادي للصهيونية وأنه شيوعي حقود وغيرها من النعوت لكن من الردود الأكاديمية ما قاله البروفيسور اسرائيل هارتيل من الجامعة العبرية وهو تلخيص لمغزى الكتاب بأن ما فعله البروفيسور شلومو ساند في كتابه هو " التقليل من شرعية المشروع الصهيوني ووجود دولة اسرائيل." ولكن في الحقيقة هو أكثر من ذلك لأنه يدحض الافتراضات التاريخية التي على أساسها قام المشروع الصهيوني ودولة اسرائيل.
ردود الفعل الاسرائيلية الأكاديمية تجاه كتاب من هذا النوع تبقى ضمن اطار العقلانية والموضوعية نسبيا مقارنة مع ردود الفعل الصهيونية المتوقعة في أميركا عندما ينشر الكتاب خلال الأشهر القادمة. لكن من المعروف بأن الصهاينة في أميركا أكثر ملكيين من الصهاينة الاسرائيليين وردود فعلهم ستكون هستيرية متطرفة وعنيفة كما حدث في الماضي القريب تجاه الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر عندما نشر كتابه " فلسطين : سلام وليس أبارتايد." والبروفيسورين ولت وميرشهايمر عندما نشرا كتابهم " اللوبي الاسرائيلي والسياسة الأميركية الخارجية." وبغض النظر عما يقوله الصهاينة ففي المحصلة يبقى القول الثابت " ما بني على فاسد فهو فاسد".
نشرة كلنا شركاء ..........
د. الياس سمعو : تشرين 23/2/2009
العنوان أعلاه هو عنوان كتاب البروفيسور الاسرائيلي شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب الذي نشر منذ عدة أسابيع بالعبرية و ترجم إلى الفرنسية و هو على لائحة الكتب الأكثر مبيعا في إسرائيل و سوف ينشر قريبا بلغات عديدة منها الانكليزية و العربية. و ما يؤكده البروفيسور ساند بناء على دراسة تاريخية موثقة بأن هناك دين يهودي و لكن ليس هناك ما يسمى بالشعب اليهودي. لكل دولة معتقدات أو ثوابت جوهرية تشكل حقائقا من المحظور التشكيك بها وهذا ما يعرف بالتابو وفي إسرائيل عدد منها ثلاثة شبه مقدسة وهي: أولا " فلسطين أرض اليهود" ثانيا "استمرارية دولة إسرائيل" ثالثا "الهولوكوست-المحرقة". شكك العرب والمسلمون وغيرهم بهذا التابو و بشكل خاص التابو الأول والأهم وهو "فلسطين أرض اليهود".وهذا ما فعله البروفيسور شلومو ساند في كتابه .
يبدأ البروفيسور ساند بالقول " أنا مثل بقية الاسرائيليين اعتقدت بأن اليهود كانوا شعبا يعيشون في يهودا وأن الرومان نفوهم عام سبعين ميلادي. ولكن عندما بدأت أنظر الى الأدلة اكتشفت بأن ... النفي هو أسطورة حيث لم أجد أي كتاب تاريخي يصف أحداث النفي... والسبب لأن الرومان لم ينفوا شعبا وفي الحقيقة معظم اليهود في فلسطين كانوا فلاحين وكل الأدلة تشير الى أنهم مكثوا على أراضيهم. " ويتابع الكاتب القول بأن " معظم اليهود اليوم لا علاقة لهم بالأرض التي يسمونها اسرائيل... وأن فكرة الشعب اليهودي أو القومية اليهودية التي بنيت على أساسها الصهيونية وانشاء دولة اسرائيل هي اسطورة اخترعت منذ نحو قرن واحد."
أما فيما يخص تاريخ اليهود يقول الكاتب إنهم اعتبروا أنفسهم " يهودا لأنهم اشتركوا بديانة واحدة. في بداية القرن العشرين تحدى الصهاينة هذه الفكرة وبدؤوا بخلق تاريخ قومي باختراع فكرة أن هناك شعبا يهوديا منفصلا عن دينهم وأن على اليهود العودة من المنفى الى أرض الميعاد". ولكن اذا كان على اليهود العودة من المنفى الى أرض الميعاد فالسؤال هو لماذا لم يعودوا خلال الألفين سنة الماضية؟ يجيب الكاتب بالقول "غيرت الصهيونية فكرة القدس. سابقا كانت الأماكن المقدسة أماكن يشتاق اليها اليهودي وليس للعيش فيها. خلال ألفين سنة لم يأت اليهود إلى القدس لأنهم منعوا من ذلك ولكن لأن ديانتهم منعتهم من العودة الى حين مجيئ المخلص المنتظر المسيح."
اذا لم يتعرض اليهود للنفي كما يؤكد الكاتب فهذا يثير سؤالين: أولا كيف انتشرت اليهودية في كل أرجاء العالم؟ وثانيا ماذا جرى للفلاحين اليهود في فلسطين اذا لم ينفوا؟ ردا على السؤال الأول يقول الكاتب" ان اليهودية كانت ديانة تبشيرية وخلال القرون التي سبقت المسيحية والقرون التي تبعتها سافر العديد من المبشرين اليهود إلى مناطق مختلفة بحثا عن مؤمنين جدد والأمثلة على ذلك كثيرة منها الوجود اليهودي في اليمن وفي عشائر البربر في شمال أفريقيا وبعد ذلك بعدة قرون اعتنق شعب مملكة الخزر ( جنوب روسيا ) اليهودية وهم أسلاف المجتمعات اليهودية الاشكينازية التي تشكلت في وسط وشرق أوروبا."
وعن مصير يهود فلسطين الأوائل اذا لم ينفوا يقول الكاتب بأن الحقيقة التي" لم تدرس في المدارس الاسرائيلية ولكن تعرفها القيادات الصهيونية الأوائل ومنهم بن غوريون أول رئيس وزراء اسرائيلي وهي بأن الفلسطينيين هم من سلالة اليهود الأوائل وبعضهم اعتنق المسيحية وبعضهم اعتنق الاسلام فيما بعد." ويختتم الكاتب بالقول " أن تاريخ اسرائيل الذي يدرس في الجامعات الاسرائيلية هو بيت من كرتون" سريع الانهيار.
اذا كان التاريخ الاسرائيلي بيت من كرتون كما يؤكد الكاتب فالاستنتاج الطبيعي هو أن الأسس التي أقيمت عليها إسرائيل أيضا بيت من كرتون. عندما يكتشف الجيل الاسرائيلي الحالي والذي يليه بأن لا حقوق تاريخية له في فلسطين ولا حياة آمنة ولا مستقبل مضمون وأن الجنسية الاسرائيلية التي يحملها أتت نتيجة تلفيق للتاريخ وبالقوة والدم ولا عدالة فيها لأنها أنكرت حق الشعب الفلسطيني بأرضه وهجرته ويقارن كل ذلك مع جنسية أخرى يحصل عليها بشكل قانوني وأخلاقي أميركية كانت أو أوروبية توفر له حياة راغدة ومستقبلا آمنا فهلا يأخذ هذا الاسرائيلي بجدية اقتراح السياسي الاسرائيلي المخضرم ورئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ الذي يشجعه للحصول على جواز سفر أجنبي و الهجرة؟
وكما هو متوقع هوجم الكاتب في اسرائيل ونعت بنعوت عديدة منها التهم التقليدية باللاسامية والمعادي للصهيونية وأنه شيوعي حقود وغيرها من النعوت لكن من الردود الأكاديمية ما قاله البروفيسور اسرائيل هارتيل من الجامعة العبرية وهو تلخيص لمغزى الكتاب بأن ما فعله البروفيسور شلومو ساند في كتابه هو " التقليل من شرعية المشروع الصهيوني ووجود دولة اسرائيل." ولكن في الحقيقة هو أكثر من ذلك لأنه يدحض الافتراضات التاريخية التي على أساسها قام المشروع الصهيوني ودولة اسرائيل.
ردود الفعل الاسرائيلية الأكاديمية تجاه كتاب من هذا النوع تبقى ضمن اطار العقلانية والموضوعية نسبيا مقارنة مع ردود الفعل الصهيونية المتوقعة في أميركا عندما ينشر الكتاب خلال الأشهر القادمة. لكن من المعروف بأن الصهاينة في أميركا أكثر ملكيين من الصهاينة الاسرائيليين وردود فعلهم ستكون هستيرية متطرفة وعنيفة كما حدث في الماضي القريب تجاه الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر عندما نشر كتابه " فلسطين : سلام وليس أبارتايد." والبروفيسورين ولت وميرشهايمر عندما نشرا كتابهم " اللوبي الاسرائيلي والسياسة الأميركية الخارجية." وبغض النظر عما يقوله الصهاينة ففي المحصلة يبقى القول الثابت " ما بني على فاسد فهو فاسد".
نشرة كلنا شركاء ..........