مراد حركات
24/02/2009, 09:46 PM
الأحد الأسود هل هو عنوان لفيلم هوليوودي؟
بقلم الأستاذ وحيد طهراوي
إنه عنوان يبدو كأنّه كُتِبَ على ملصق حائطيّ لفيلم ملحمي من إنتاج مؤسسة هوليوود، ولكن في اعتقادي أن هذا العنوان هو أعظم شأناً وأعلى قدراً من أن يكون عنواناً لفيلم هوليوودي أُنْتِجَ لمجرّد الإثارة البصرية أو العصبية، والتي تستهدف الربح السريع وابتزاز جيوب هواة السينما.
هذا الأمر يتعلّق بعمل ملحمي أنجزه الكاتب المسرحي الدكتور محمد علي شيشة عن فكرة مقتبسة من فيلم للمخرج )طيطاش( الذي سبَق له أن قدَّمَ إنتاجه للجمهور من خلال الشاشة الصغيرة، علماً وأن هذا الموضوع قد ألهم مجموعةً من الفنّانين تحت إشراف الفنّان التشكيلي وحيد طهراوي في منتصف الثمانينات، إذ أنجزوا جدارية عملاقة )13م x 2م(، والتي وُضِعَت في موقع قريب من تمثال الكاردينال لافيجري، وقد أُسْنِدَت على سياج حديقة ديفور سابقاً – 20 أوت – حالياً.
وها هو التاريخ يستدير ويدخل منعرجاً جديداً، يتمثل في إنجاز أوبيرات ملحمية تجسِّد المجازر التي اقترفها الاستدمار الفرنسي في حق شعبنا في 29 جويلية 1956م، والذي لا يزال بعض الشيوخ ومن مسّهم هذا الظلم والقمع غير المبرَّر، يتذكّرون تلك الأهوال التي تشيب لها الولدان.
إنّ هذا العمل الإبداعيّ الذي استغرق وقتاً لا بأس به حول البحث والتحقق والمراجعة ليخرجَ في مخطوطةٍ طُبِعَت منها عدّة نسخ، ومرّت عبر لجان القراءة بوزارة المجاهدين والمركز الوطني للبحث في تاريخ ثورة الفاتح من نوفمبر، والذي باركَتْه عدّة مؤسسات منها: الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
وقد بذل الدكتور محمد علي شيشة جهوداً كبيرةً في عض وتعريف المعنيين بالأمر بما تمّ إنجازه، ولا يزال يواصل بجهدٍ حثيثٍ وإرادةٍ فولاذيّةٍ رغم كل أنواع العراقيل والمثبّطات التي تقف في طريقه وهو يقود صراعاً مريراً مع الظروف غير الملائمة، ومع المحيط غير المتفاعل الذي يعاني من ركود وجمود مقرفيْن، وبخاصّةٍ أنّ أغلبَ القاعاتِ التي تستقبل النشاط المسرحي غير مؤهلة لحدّ الآن، ولا تستطيع استقبال العروض المسرحية البسيطة، فما بالُنا إن كنّا مع عمل ملحمي بحجم "الأحد الأسود"، وفعلاً فقد كانت الجهود مكثَّفةً للغاية لرفع التحدّي، وتجاوز الأمر الواقع وتحطيم كل جدران الصمت والتعتيم واللامبالاة، وهذا بتعاون نخبة من الشباب الفنانين والممثلين من كل الأعمار والمستويات، بما في ذلك ممثّلات بسكريات رفَعْنَ التحدّيَ لإثبات حضورهنّ في العمل الفني، كما أنّ استيديوهات التسجيل الموسيقي التي يمتلكها بعض الشباب البسكري استطاعت أن تبرزَ بصماتِها الفنيّةَ والتقنيّةَ، فيما يتعلّق بالموسيقى التصويرية المتنوعة السائرة في ملاحقة المشاهد البانورامية المجسّدة للمجازر والمأساة التي عاشها شعبُنا تحت نير الاستدمار، وقد ذكّرتنا هذه الجهود المبدعة بالفنان الكبير الراحل "أحمد مالك" رحمه الله.
كما تمّ استعمال جملة من الألحان المتعددة تناسباً مع كل موقف ضمن الملحمة، وإلى جانب هذه الألحان رُصِّعَت الملحمة بلوحات ومشاهدّ تمّ رسمُها بتقنيات وإبداع كوليغرافي، ويتوافق مع الصيرورة الباطنية للميكانيزمات والأفعال التاريخية المجسّمة بواسطة مجموعة من المملين حسب أدوارهم ومواقعهم ضمن عملية السرد والتواصل في إطار الفعل التاريخي الموثّق من جهة، ووِفْق ما تقتضيه الضرورات الفنية والإخراج المسرحي من جهةٍ أخرى.
زيادةً على التوشيحات الذكيّة المتعلّقة بكسر الرتابة والأفعال العادية في مظاهرها اليومية، وهذا بإدخال الرتوشات واللمسات الجمالية التي تشكِّل بذاتها كساءً يُضفي ألواناً جميلةً جدّاً من الهرمونيا اللونية والإيقاع الحركي والموسيقي الذي غالباً ما يشكّل الخلفية لمصاحبة المشاهد لمنع المُشاهد من دخول حالة الملل.
كما أدخلَ رمزية العلم الوطني الذي كان ولا يزال يمثّل الرمز والأيقونة الرئيسة في ملحمة الثورة، وإلى جانب ما يمثِّله هذا الرمز من قيمة فوقية ذات دلالة، فإنّ الملحمةَ قد طُعِّمت بلقطاتٍ ومشاهدَ ذكيّةٍ ذات دلالة خاصة من أجل إيجاد نوع من التوازن بين الرعب الاستدماري – العنف والمجازر – وتحدّيات الشعب ونخبته الثائرة بالمواقف العلمية التي أعطت ديناميكية ورمزية قادرة على إقناع الجمهور بحضور التاريخ الوطني بكلّ جلاله وجماله، وحتّى يتمَّ تكثيف هذا الشعور بالبعد الروحي والشعوري، فقد قُدِّمَت داخل هذه المسرحية ملحمة أخرى شعرية، وذلك بإدماج شعر مفدي زكرياء – رحمه الله – كمقاطعَ تحضر من حينٍ لآخرَ، كفواصلَ مؤطَّرةٍ للأحداث الكبرى ضمْن شعلة "اللهب المقدّس" التي استضاءت بها الملحمة.
والأكثر إثارةً للجمهور داخل هذا المشهد القاتم هو مظهر العرس والعرسان الذي يرمز إلى روح البقاء والمقاومة والأمل، رغم هذا فإن المشهدَ الأخيرَ من العرض كان مجزرةً رهيبةً ضدّ الأبرياء في ساحة سوق شعبي، أعقَبَتْه عمليات فدائية جريئة ضدّ الاستدمار.
إنّ هذا العملَ الذي سيخرج إلى النور عمّا قريب، لن يكتبَ له النجاح إذا وجد الدعمَ الكافيَ من المسؤولين والمعنيين، رغم الدعم الذي قُدِّمَ من قِبَل المجلس الشعبيّ البلديّ لمدينة بسكرة والسيد والي الولاية وبعض الخواص.
بقلم الأستاذ وحيد طهراوي
إنه عنوان يبدو كأنّه كُتِبَ على ملصق حائطيّ لفيلم ملحمي من إنتاج مؤسسة هوليوود، ولكن في اعتقادي أن هذا العنوان هو أعظم شأناً وأعلى قدراً من أن يكون عنواناً لفيلم هوليوودي أُنْتِجَ لمجرّد الإثارة البصرية أو العصبية، والتي تستهدف الربح السريع وابتزاز جيوب هواة السينما.
هذا الأمر يتعلّق بعمل ملحمي أنجزه الكاتب المسرحي الدكتور محمد علي شيشة عن فكرة مقتبسة من فيلم للمخرج )طيطاش( الذي سبَق له أن قدَّمَ إنتاجه للجمهور من خلال الشاشة الصغيرة، علماً وأن هذا الموضوع قد ألهم مجموعةً من الفنّانين تحت إشراف الفنّان التشكيلي وحيد طهراوي في منتصف الثمانينات، إذ أنجزوا جدارية عملاقة )13م x 2م(، والتي وُضِعَت في موقع قريب من تمثال الكاردينال لافيجري، وقد أُسْنِدَت على سياج حديقة ديفور سابقاً – 20 أوت – حالياً.
وها هو التاريخ يستدير ويدخل منعرجاً جديداً، يتمثل في إنجاز أوبيرات ملحمية تجسِّد المجازر التي اقترفها الاستدمار الفرنسي في حق شعبنا في 29 جويلية 1956م، والذي لا يزال بعض الشيوخ ومن مسّهم هذا الظلم والقمع غير المبرَّر، يتذكّرون تلك الأهوال التي تشيب لها الولدان.
إنّ هذا العمل الإبداعيّ الذي استغرق وقتاً لا بأس به حول البحث والتحقق والمراجعة ليخرجَ في مخطوطةٍ طُبِعَت منها عدّة نسخ، ومرّت عبر لجان القراءة بوزارة المجاهدين والمركز الوطني للبحث في تاريخ ثورة الفاتح من نوفمبر، والذي باركَتْه عدّة مؤسسات منها: الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
وقد بذل الدكتور محمد علي شيشة جهوداً كبيرةً في عض وتعريف المعنيين بالأمر بما تمّ إنجازه، ولا يزال يواصل بجهدٍ حثيثٍ وإرادةٍ فولاذيّةٍ رغم كل أنواع العراقيل والمثبّطات التي تقف في طريقه وهو يقود صراعاً مريراً مع الظروف غير الملائمة، ومع المحيط غير المتفاعل الذي يعاني من ركود وجمود مقرفيْن، وبخاصّةٍ أنّ أغلبَ القاعاتِ التي تستقبل النشاط المسرحي غير مؤهلة لحدّ الآن، ولا تستطيع استقبال العروض المسرحية البسيطة، فما بالُنا إن كنّا مع عمل ملحمي بحجم "الأحد الأسود"، وفعلاً فقد كانت الجهود مكثَّفةً للغاية لرفع التحدّي، وتجاوز الأمر الواقع وتحطيم كل جدران الصمت والتعتيم واللامبالاة، وهذا بتعاون نخبة من الشباب الفنانين والممثلين من كل الأعمار والمستويات، بما في ذلك ممثّلات بسكريات رفَعْنَ التحدّيَ لإثبات حضورهنّ في العمل الفني، كما أنّ استيديوهات التسجيل الموسيقي التي يمتلكها بعض الشباب البسكري استطاعت أن تبرزَ بصماتِها الفنيّةَ والتقنيّةَ، فيما يتعلّق بالموسيقى التصويرية المتنوعة السائرة في ملاحقة المشاهد البانورامية المجسّدة للمجازر والمأساة التي عاشها شعبُنا تحت نير الاستدمار، وقد ذكّرتنا هذه الجهود المبدعة بالفنان الكبير الراحل "أحمد مالك" رحمه الله.
كما تمّ استعمال جملة من الألحان المتعددة تناسباً مع كل موقف ضمن الملحمة، وإلى جانب هذه الألحان رُصِّعَت الملحمة بلوحات ومشاهدّ تمّ رسمُها بتقنيات وإبداع كوليغرافي، ويتوافق مع الصيرورة الباطنية للميكانيزمات والأفعال التاريخية المجسّمة بواسطة مجموعة من المملين حسب أدوارهم ومواقعهم ضمن عملية السرد والتواصل في إطار الفعل التاريخي الموثّق من جهة، ووِفْق ما تقتضيه الضرورات الفنية والإخراج المسرحي من جهةٍ أخرى.
زيادةً على التوشيحات الذكيّة المتعلّقة بكسر الرتابة والأفعال العادية في مظاهرها اليومية، وهذا بإدخال الرتوشات واللمسات الجمالية التي تشكِّل بذاتها كساءً يُضفي ألواناً جميلةً جدّاً من الهرمونيا اللونية والإيقاع الحركي والموسيقي الذي غالباً ما يشكّل الخلفية لمصاحبة المشاهد لمنع المُشاهد من دخول حالة الملل.
كما أدخلَ رمزية العلم الوطني الذي كان ولا يزال يمثّل الرمز والأيقونة الرئيسة في ملحمة الثورة، وإلى جانب ما يمثِّله هذا الرمز من قيمة فوقية ذات دلالة، فإنّ الملحمةَ قد طُعِّمت بلقطاتٍ ومشاهدَ ذكيّةٍ ذات دلالة خاصة من أجل إيجاد نوع من التوازن بين الرعب الاستدماري – العنف والمجازر – وتحدّيات الشعب ونخبته الثائرة بالمواقف العلمية التي أعطت ديناميكية ورمزية قادرة على إقناع الجمهور بحضور التاريخ الوطني بكلّ جلاله وجماله، وحتّى يتمَّ تكثيف هذا الشعور بالبعد الروحي والشعوري، فقد قُدِّمَت داخل هذه المسرحية ملحمة أخرى شعرية، وذلك بإدماج شعر مفدي زكرياء – رحمه الله – كمقاطعَ تحضر من حينٍ لآخرَ، كفواصلَ مؤطَّرةٍ للأحداث الكبرى ضمْن شعلة "اللهب المقدّس" التي استضاءت بها الملحمة.
والأكثر إثارةً للجمهور داخل هذا المشهد القاتم هو مظهر العرس والعرسان الذي يرمز إلى روح البقاء والمقاومة والأمل، رغم هذا فإن المشهدَ الأخيرَ من العرض كان مجزرةً رهيبةً ضدّ الأبرياء في ساحة سوق شعبي، أعقَبَتْه عمليات فدائية جريئة ضدّ الاستدمار.
إنّ هذا العملَ الذي سيخرج إلى النور عمّا قريب، لن يكتبَ له النجاح إذا وجد الدعمَ الكافيَ من المسؤولين والمعنيين، رغم الدعم الذي قُدِّمَ من قِبَل المجلس الشعبيّ البلديّ لمدينة بسكرة والسيد والي الولاية وبعض الخواص.