المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر وغزة بعد الحرب*



مجيد البرغوثي
26/02/2009, 10:38 AM
مصر وغزة بعد الحرب*

شهادة مقدمة للجنة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا بمجلس النواب الأمريكي

Michele Dunne
ميشيل دن*
ترجمة: مجيد البرغوثي

للنظام المصري مصلحتان رئيسيتان فيما يتعلق بغزة: تجنّب تحمّل مسئولية القطاع،
وإعادة السيطرة في غزة إلى السلطة الفلسطينية، بالقدر المُستطاع.
_____________
أجندة النظام المصري كوسيط بين فتح وحماس كانت ولا تزال الترويج لدور اكبر لفتح في أية حكومة وحدة وطنية، وإبقاء الدور الأصغر لحماس، قدر الإمكان، وحشد دعم عربي لمنظمة التحرير.
_____________

أثناء العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة وما تبعها من جهود للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، أظهرت مصر أن لديها مصلحتين رئيسيتين إزاء غزة وهما: أولا، تجنب تحمل مسئولية مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون هناك، وثانيا: إعادة السيطرة في غزة إلى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، بالقدر المُستطاع. وتنبثق هاتان المصلحتان من دعم المصري الثابت لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، وكذلك من الحرص على الاستقرار داخل مصر نفسها.

هناك طريقتان على الأقل يمكن من خلالهما إجبار مصر على تحمل المسئولية عن معظم أو جميع سكان غزة الفلسطينيين - وسوف يحاول الرئيس المصري حسنى مبارك تجنب كل منهما. الطريقة الأولى: هناك احتمال لتدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين – بسبب الأزمة الإنسانية في غزة – عبر الحدود إلى سيناء والبقاء فيها على أساس شبة دائم. ويتوجب على مصر عندئذ إيواؤهم في مخيمات للاجئين، مما يوجد مجموعة كبيرة من اللاجئين المقيمين في سيناء. وهذا الخوف لا يأتي من فراغ، فقد عبر مئات الآلاف من الفلسطينيين الحدود بصورة غير قانونية في يناير 2008 بعد أن أزالت حماس بالجرافات جانباً من السياج احتجاجاً على إغلاق الحدود. وقد وجد الرئيس حسنى مبارك أنه ليس من الحكمة السياسية استخدام القمع ضد الفلسطينيين العزّل، واستغرق الأمر أسبوعين لإقناعهم بالمغادرة واستعادة السيطرة على الحدود المصرية الدولية. وقد أنشأت مصر منذ ذلك الوقت حاجزاً حدودياً أقوى – إلا أنه لا يزال من الممكن اختراقه.

من جهة ثانية، سوف تقاوم مصر أيضاً أية اقتراحات بان تعود إلى إدارة أو احتلال غزة كما كان الأمر خلال الفترة من 1948 إلى 1967. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتبنَّ هذه الفكرة كسياسة، إلا أن فكرة قيام مصر والأردن بتحمل مسئوليات أكبر عن غزة والضفة الغربية (على التوالي)، لضمان مصالحهما الوطنية، قد تلاشت. وقد تحدث الرئيس مبارك عن هذا الاحتمال بشكل مباشر، إذ حذّر في خطاب له في 30 ديسمبر 2008، من أن مصر ستتصدى لمحاولات إسرائيل التهرب من مسئوليتها عن غزة وإلقائها على مصر بما يترتب على ذلك من تبعات.

إضافة إلى إدراك الرئيس مبارك بأن حكم مئات الآلاف من سكان غزة سواء كانوا في سيناء أو في غزة يشكل مهمة لا تلقى جزاءً ولا شكورا، فإن لديه أيضا سبباً للقلق من آثار ذلك على الاستقرار داخل بلاده. فسيناء منطقة مضطربة، يسكنها البدو بشكل كبير مع ولاء قليل للدولة المصرية، وقد قام الإرهابيون بعدة هجمات كبيرة في السنوات الأخيرة. وإن دخول مئات الآلاف من الفلسطينيين – وربما يكون بينهم مسلحون من حماس والجهاد الإسلامي– سوف يزيد بلا شك، من أسباب التوتر.

وبالرغم من أن كثيراً من المصريين طالبوا الحكومة بتقديم دعم دبلوماسي وإنساني أكبر لغزة، إلا أن وجود حكم مصري في غزة (أو تواجد لاجئين فلسطينيين في مصر) سوف يلهب المشاعر المعادية للحكومة. فمصر تقف حاليا على مفترق طرق سياسي حساس، حيث تواجه سخطاً شعبياً واسع النطاق إزاء الأداء الحكومي، ومسألة خلافة الرئيس المحتملة في السنوات القليلة القادمة. فالاحتجاجات على الحكومة، التي تعبِّر في معظمها عن المظالم المحلية المتصلة بالاقتصاد وحقوق الإنسان، أصبحت ظاهرة يومية. ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سنة 2000، تطوَّرت تقاليد للاحتجاجات، فبدأت بانتقاد تصرفات إسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها سرعان ما تحولت إلى استهداف الرئيس مبارك والمطالبة بإنهاء حكمة الذي يقارب ثلاثة عقود. وحركة المعارضة الرئيسية في مصر، وهي جماعة الإخوان المسلمين، تؤيد حركة حماس بقوة، وتنظم مثل تلك الاحتجاجات، إما منفردة أو بالتعاون مع جماعات المعارضة الأخرى. وفي حين أن هذه الاحتجاجات لا تهدد الاستقرار الداخلي حالياً، إلا أن الصورة قد تتغير إذا ما اضطلعت مصر بمسئوليات هامة عن سكان غزة، وهي خطوه يرى كثير من المصريين أنها تخدم مصالح إسرائيل أكثر مما تخدم مصالح الفلسطينيين.

والمبدأ الثاني الذي يُحرِّك الجهود الدبلوماسية للرئيس مبارك هو رغبته في استعادة السلطة الفلسطينية للقيام بدور في غزة، بالقدر المستطاع. ومصر تتبنى مقاربة واقعية من حماس؛ فهي تفضل أن لا تتولى حماس حكم غزة، ولكنها تدرك أنه من المستحيل تجاهل حماس. وأحد الثوابت في جهود الوساطة المصرية الأخيرة هو إصرار مصر على تطبيق بنود اتفاقية رفح لعام 2005 التي تعتبر السلطة الفلسطينية الجهة المسئولة عن الجانب الفلسطيني من الحدود مع غزة. وقد ضغطت مصر على حماس للموافقة على استئناف محادثات المصالحة مع فتح (والتي انهارت في نوفمبر 2008) تحت إشراف مدير جهاز المخابرات العامة المصري عمر سليمان. وتفضل مصر أن تقوم بدور الوساطة الرئيسي بين فتح وحماس على أن تقوم به أية دولة عربية أخرى، لكي تحافظ على بعض التأثير على شروط المصالحة الفلسطينية.

وقد نفى وزير الخارجية المصري أبو الغيط وغيره من المسئولين المصريين مراراً وتكراراً بأن كميات كبيرة من السلاح أدخلت إلى غزة عن طريق سيناء (زاعمين أنها أدخلت إلى غزة عن طريق البحر)، ولكن، على أية حال، يَعي المسئولون المصريون الآن بلا شك أن الضوء مسلط حالياً على قضية تهريب السلاح. ومع بدء تنفيذ المساعدة التقنية من سلاح المهندسين في الجيش الأمريكي مؤخراً (ضمن برنامج تبلغ كلفته 23 مليون دولار يُموَّل من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر) لكشف الأنفاق والتحركات تحت الأرض، ينبغي أن تصبح مصر قادرة على تحسين أدائها في منع تهريب السلاح إلى غزة بشكل كبير. إن استعادة النشاط التجاري المرتبط بتوفير الغذاء والسلع الأساسية الأخرى عبر معبر رفح سوف يخفف الضغوط المتصلة بنشاط تهريب السلاح، إلا أنه لن يمنعه بشكل نهائي. وقد قاومت مصر بثبات فكرة نشر قوات دولية على حدودها الدولية مع غزة. فهناك أصلا قوات دولية في سيناء تحت ستار قوات دولية ومراقبين بموجب معاهدة السلام الموقعة سنة 1979 مع إسرائيل، وسوف تحاول مصر تجنب ما تعتبره خرقاً إضافياً لسيادتها.

إن نتائج أزمة غزة توفر بعض الفرص أمام الولايات المتحدة ومصر لتقوية الروابط بينهما، والتي تعرضت للتوتر في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف على تصرفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان والحقوق المدنية في مصر. إن أهداف مصر في المنطقة تتوافق بشكل عام مع الأهداف الأمريكية، وينطبق هذه القول على الوضع في غزة. والخلاف الوحيد هو أن مصر تعمل بشكل علني لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس التي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. ومع ذلك، فان أجندة مصر غير المعلنة في توسطها بين الجماعتين كان دائماً ولا يزال الترويج لدور أكبر لفتح في أية حكومة وحدة وطنية، وإبقاء الدور الأصغر لحماس، بقدر الإمكان.علاوة على ذلك، تقوم مصر بدور قيادي في محاولة حشد الدعم العربي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

وعلى المدى القصير، يمكن للتعاون المصري – الأمريكي في قضية غزة وغيرها من القضايا الإقليمية أن يساعد على استعادة الروابط الثنائية. وعلى المدى الأبعد، على أية حال، سيكون من الضروري للبلدين التوصل إلى فهم مشترك حول تحقيق تقدم في قضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية في مصر لكي تزدهر الشراكة بينهما.
________________________
* قدمت ميشيل دَن هذه الشهادة إلى اللجنة الفرعية حول الشرق الأوسط وجنوبي شرق أسيا المنبثقة عن لجنة مجلس النواب الأمريكي للشئون الخارجية في 12 فبراير 2009.

المصدر:Middle East Strategy at Harvard
http://blogs.law.harvard.edu/mesh/2009/02/egypt-and-gaza-after-the-war/

** ميشيل دَن، كبيرة الباحثين في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ورئيسة تحرير نشرتها العربية: «نشرة الإصلاح العربي». عملت في السابق خبيرة في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض. تحمل شهادة دكتوراه في اللغة العربية واللغويات من جامعة جورج تاون، حيث عملت كأستاذ مساعد زائر- لغة عربية - من 2003 إلى 2006.

Majeed Al-Barghouthi
http://majeedbarghouthi.net/Majeedweb/default.htm
http://www.wa3ad.org/index.php?show=news&action=writers&op=view&id=39
http://majeedb.maktoobblog.com/
Mobile: + 974 5567087
Res. : + 974 4423539