المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نبوءة الدولة ثنائية القومية !!!



ناصر عبد المجيد الحريري
26/02/2009, 09:49 PM
نبوءة الدولة ثنائية القومية

لمجموعة كتاب " اسرائيليين "
("أوري أفنيري - حاييم هنيغبي
يئير شيلغ - ميرون كوهين - دانييل لازاري –
توني جودييت )
تظهر في أوقات اليأس الكثير من الأفكار ، كالمسيح المنتظر ، وهي إحدى وسائل الهروب من الواقع القاتم ومن الإحساس بالضعف إلى عالم كله طيبات ، لذلك لا عجب أن يظهر الميل في مثل هذه الأوقات الحالكة لفكرة ثنائية القومية في بعض أوساط اليسار الإسرائيلي ، وهي فكرة ترتكز على الشعور بالعدل ولذلك تستقطب أصحاب المعتقدات المثالية .
تتضمن هذه الفكرة الكثير من الإيمان بالإنسان ، غير أنها مثلها مثل نبوءة أشعيا ( يسكن الذئب مع الخروف ) وهي فكرة تتناسب مع مجيء المسيح المنتظر أما الآن فهي مجرد فكرة للهروب من الواقع وهو هروب خطير على ما يبدو .
يقول أوري أفنيري في مجلة ( Palestine Studies ) : تقضي فكرة الدولة ثنائية القومية بأن الأرض الممتدة بين النهر والبحر _ فلسطين وأرض " إسرائيل " ستكون من جديد دولة واحدة كمالا كانت في فترة الانتداب البريطاني ليعيش فيها اليهود والعرب جنباً إلى جنب كمواطنين متساويين في الحقوق ، إن شكل نظام الحكم أكان ثنائي القومية أم جمهورياً ، غير مهم في هذا السياق ، سينتخب كل المواطنين البرلمان نفسه والحكومة نفسها وسيخدمون في الجيش نفسه والشرطة نفسها ، سيدفعون الضرائب نفسها ، سيقررون معاً كيفية صرف أموال الدولة ، سيرسلون أولادهم إلى المدارس نفسها وسيستخدمون الكتب نفسها ، حقاً إنها نبوءة تأسر الألباب .
من الغرابة أن تعلو هذه الفكرة المثالية من جديد، رغم أنها قد فشلت تماما في مختلف أنحاء العالم. لقد انهار الاتحاد السوفيتي متعدد القوميات ، كما و تتعرض الآن الفيدرالية الروسية إلى خطر الانهيار ( الشيشان ) . لم تتفكك يوغسلافيا فقط، بل تفككت أيضا كل مركباتها: البوسنة تفككت و تم إلصاقها من جديد بشكل مصطنع، لا حاجة في الابتعاد كثيرا ! يكفينا واقعنا نحن. مازال النزاع الإسرائيلي –الفلسطيني مستمرا منذ أكثر من مئة عام . فقد ولد الجيل الخامس لينغمس في هذا النزاع ، و قد بلور هذا النزاع العالم الروحي لهذا الجيل . هذا في الأساس صدام بين الحركة الصهيونية و الحركة القومية العربية – الفلسطينية . بعد أكثر من مئة عام ما زالت الصهيونية بعيدة عن خسارة قوتها ، فهي تتمتع اليوم بانطلاقتها الهجومية الأقوى ، انطلاقة من الاحتلال ، التوسع و الاستيطان . أما لدى الطرف الفلسطيني فإن القومية آخذه في التعزز، بصورتيها العلمانية و الإسلامية، و هي تنتقل من انتفاضة إلى أخرى. هناك حاجة لإيمان يكاد يكون إيماناً دينياً ، للاعتقاد بأن هذين الشعبين القوميين سيتخليان عن آمالهما ، و سينتقلان بسرعة فائقة من عداء تام و خوف شاملين إلى ثقة متبادلة و سلام شامل ، حتى الوصول إلى تخل تام عن الخطاب القومي لكل منهما ، و الاستعداد للعيش معاً كمواطنين بلا قومية .
ثم ينتقل افنيري للتساؤل و الإجابة في الوقت نفسه " هل سيقبل الطرفان هذا الحل ؟ هل يمكن لدولة ثنائية القومية أن تؤدي مهامها ؟ هل يمكنها إنهاء النزاع ؟ لا يمكن لهذا الجيل من اليهود ، يهود ما بعد الكارثة، و لا الجيل القادم، أن يقبلوا بمثل هذا الحل، الذي يتعارض بشكل تام مع أسطورة إسرائيل وروح شعبها . لقد أقيمت الدولة ليتمكن اليهود، أو جزء منهم، من تقرير مصيرهم. أما الدولة ثنائية القومية فهي تعني القضاء على دولة إسرائيل. و تعني العودة إلى واقع شعب بلا دولة خاصة به في هذا العالم الواسع، بكل ما يحمل هذا الأمر من معان. دون أن يكون ذلك نتيجة هزيمة عسكرية نكراء، بل من منطلق الإرادة الحرة للشعب في إسرائيل. هل يمكن لهذا أن يتحقق ؟
أما من الجهة الفلسطينية ، فهناك فلسطينيون يتحدثون بشغف عن دولة ثنائية القومية ، و لدى بعضهم لا تعني هذه الكلمة سوى القضاء على دولة إسرائيل ، أما لدى البعض الآخر فهذا هو هروب من الواقع المر عن طريق الانغماس في حلم جميل من أجل العودة إلى البيت و البستان المفقودين . إن الأغلبية العظمى من الشعب الفلسطيني تود العيش، في نهاية الأمر، في دولة قومية مستقلة خاصة بها، تجسد الهوية المستقلة لهذه الأغلبية، تحت علمها و حكومتها، مثلها مثل أي شعب آخر. تبدو فرصة قبول الشعبين لفكرة الدولة ثنائية القومية في المستقبل المنظور ، اقرب إلى الصفر " .
يستطرد افنيري بالقول " هل يمكن لمثل هذه الدولة ، في حال إقامتها ، أن تؤدي المهام المنوطة بها ؟ لا توجد في أي بقعة من بقاع العالم أي دولة متعددة القوميات يمكنها القيام بوظائفها يحتم أمرا من اثنين : إما أن يكون الجميع مستعدين للتخلي عن هويتهم الوطنية ، أو أن القوميات في الدولة تكون متساوية من ناحية قوتها الاقتصادية و السياسية تماما .
أما لدينا فالعكس هو الصحيح . هناك عدم مساواة بين الإسرائيليين و الفلسطينيين في شتى المجالات . هناك معادلة كبيرة غير متساوية. في حال قيام دولة مشتركة سيسيطر اليهود على الاقتصاد و المجالات الأخرى كافة . فهم سوف يعملون على عدم تبدل هذا الوضع. يكفي أن ننظر إلى وضع الأقلية العربية في إسرائيل بعد (55 )عاما من المواطنة المشتركة. دولة ثنائية القومية كهذه ستكون، عمليا، دولة احتلال تحت غطاء جديد، تحاول التستر على واقع الاستغلال، القمع الاقتصادي – الاجتماعي، و على الأرجح السياسي أيضا. الطرف الإسرائيلي، في هذه الرؤية، هو الذئب. لذلك حتى و إن كان هذا الحل ممكنا، فهو لن يضع حدا للنزاع القومي. و لكن سيحوله إلى مسارات جديدة فقط، ربما تكون أكثر حدة و عنفاً، لأن ذريعة الاحتلال كانت ستنبثق عن الاستغلال الذي سوف يتحول إلى أمر " داخلي " محض. كل هذا معروف بالطبع لدى مؤيدي الدولة ثنائية القومية . و لكي يخرجوا من المأزق بين الرؤية و الواقع، وضعوا نظرية تنظر إلى المستقبل على النحو التالي: صحيح أن الدولة ستكون في البداية دولة أبارتها يد ( apartheid). إلا أن هذا الوضع سيتغير بالتدريج. سيشكل العرب في المستقبل أغلبية في هذه الدولة . فمن الآن ، يعيش بين النهر و البحر نحو 5.4 مليون يهودي ، و 4.6 مليون عربي فلسطيني. سيقلب التزايد الطبيعي العربي هذه المعادلة رأساً على عقب، و ستبدأ الأكثرية الفلسطينية نضالها للمساواة. سيؤيد العالم هذه الأكثرية كما أيد إلغاء " الأبارتهايد" في جنوب إفريقيا ، و هكذا سنصل إلى دولة حقيقية المساواة ".
هذا بالطبع حلم من أحلام اليقظة – حسب أفنيري – فإن المعطيات لدينا مختلفة تماما عما كانت عليه في جنوب العنصريين البيض في جنوب أفريقيا ، و لم يتمتع هؤلاء العنصريون بمؤيدين ، لهم تأثيرهم و قوتهم ، كما يحظى الإسرائيليون-اليهود بمثل هذا التأييد . ليهود الولايات المتحدة قوة سياسية، اقتصادية و إعلامية هائلة، و ستبقى على مر العديد من السنوات المقبلة. إسرائيل مستمرة و ستستمر إلى فترة طويلة في استغلال الإحساس بالذنب الذي يحس به العالم المسيحي في أعقاب ما حدث في الكارثة. أما العرب فيتحولون بالمقابل رويدا رويدا إلى فزاعة مرعبة . سيكون من الصعب إحداث ضغط دولي على اليهود ( الذين سيظهرون بمظهر الدفاع عن النفس ). المسيطرون على الدولة ثنائية القومية . إن تغيير هذا الميزان سيؤثر على أجيال طويلة ، و في هذه الأثناء ستستمر انطلاقة الاستيطان في هذه الدولة ثنائية القومية ، و سيستطيع كل يهودي ، انطلاقا من هذا التوازن ، الاستيطان بالطبع في أي مكان يريده . ستأخذ قاعدة ارتكاز الحياة الفلسطينية في التآكل و ستزيد الهوة بينهم و بين اليهود. يمكن الاعتقاد بأن النزاع على السلطة في الدولة ثنائية القومية سيؤدي إلى عنف حاد كما حدث في جنوب أفريقيا .
الاستنتاج – كما يقول أفنيري – هناك حاجة لدولة لكل شعب من الشعبين . " فهذا هو الحل الواقعي، الذي سيسكب الأحاسيس الوطنية لكل من الشعبين في قوالب عملية معقولة، و في نهاية الأمر، تقليل الاحتكاك اليومي و بالتالي سيأتي بالمصالحة. سيوفر الإطار السياسي المستقل للدولة الفلسطينية نظم حماية محلية و دولية، مقابل الخطر المحدق الذي يمكن أن يلحق بها جراء محاولة الجارة القوية استغلال قوتها الاقتصادية و العسكرية لاستغلال الشعب الفلسطيني أو لطرده نهائيا. هذا سيمنح الشعب الفلسطيني إحساسا بالأمان مثل الإحساس الذي أحس به اليهود عند إقامة الدولة. يبرهن الماضي القريب على أن هذا الحل هو حل معقد أيضا. فهناك حاجة لتخطي الكثير من الذكريات ، المخاوف ، الكراهية ، الأساطير و الآراء المسبقة ، بهدف التمكن من الوصول إلى مثل هذا الحل . إلا أن من ييأس من هذا الحل و يطالب بتحويله إلى رؤية ثنائية القومية ، يشبه عداء يئس من العدو إلى مسافة 100 متر ، و لذلك يريد المشاركة في الركض للمسافات الطويلة ".
يحذر أفنيري من إمكانية أن تخيف هذه الفكرة الأغلبية العظمى في إسرائيل ، " التي تقترب الآن من فكرة الدولتين . الأمر الذي يجعل هذه المخاوف العميقة تدفع بغالبية الإسرائيليين إلى أحضان اليمين نهائيا، الرؤية ثنائية القومية تقدم لليمين سلاحا فتاكا ": ماذا قلنا لكم ؟ فكرة الدولتين هي مجرد غطاء لنظرية المراحل . و الهدف الحقيقي لمن يؤيد إقامة دولة فلسطينية هو القضاء على دولة إسرائيل .
في أوائل الخمسينات ، عندما طرحت فكرة الدولتين ، لم نتحدث عن"فصل" ، و نحن نرفض الآن أيضا هذا المصطلح رفضا باتا " يقول أفنيري و يضيف : " إننا نقصد دولتين مستقلتين تكون الحدود بينهما مفتوحة أمام تنقل الناس و البضائع ، على أن يكون ذلك في إطار متفق عليه بالطبع ، استنادا إلى المعطيات الجغرافية و السياسية ، ستؤدي العملية الطبيعية إلى تواصل عضوي ، ربما يكون إطاراً فيدرالياً ، و بعد ذلك – إذا أراد الطرفان – يكونان اتحاداً إقليمياً كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي . في نهاية الأمر سيتحقق الهدف : سيعيش الشعبان في البلاد بسلام ، جنبا إلى جنب . و لربما ينشأ في المستقبل جيل جديد لدى الطرفين ، تكون لديه النية في العيش في دولة مشتركة . أما اليوم فمن شأن الدعوة لأحلام اليقظة أن تحول الانتباه عن الهدف العملي، المباشر، الملح و خاصة في الوقت الذي قبل فيه العالم فكرة " دولتين لشعبين". أما حاييم هنيغبي الناشط المركزي في مجموعة " ماتسبين " اليسارية الراديكالية فقد انسحب من كتلة السلام بسبب أرائه التي تدعو لدولة واحدة ثنائية القومية و التي تختلف عن طروحات الكتلة و ناشط السلام الرئيسي فيها أوري أفنيري و الذي يؤمن بخيار دولتين لشعبين .
حول هذا الموضوع يكتب هنيغبي مقالا في هارتس 8/9/2003 بعنوان " ربما قد حان الوقت لإعادة النظر في إقامة دولة ثنائية القومية يهودية – فلسطينية " . و يقول: " في بداية الصيف قررت، لا أستطيع أن أبقى صامتا أكثر من ذلك، و أن علي أن أبدي ما أفكر به ". و هكذا كتبت نصا ضد الاحتلال ضمنته في نهايته للمرة الأولى فكرة دولة واحدة لشعبين ، دولة شراكة ، دولة ثنائية القومية . جن جنون أفنيري و غضب جدا ، و قال إنني أضر بالقضية الفلسطينية و إنني أعرض الدولة الفلسطينية للخطر و إنني أخدم الجناح اليميني . و إنني أعزز مخاوف " النظرية المرحلية ". و عندما أصررت على إرسال النص إلى جميع أعضاء كتلة السلام، قيل لي بأنه لن ينشر لأنه مخالف لإجماع كتلة السلام. قلت أنه إذا كان الوضع كذلك، فإنني أترك كتلة السلام. و هكذا فعلت بمكالمة هاتفية واحدة . آخرون أيضا تركوا على إثري . نصف اللب الصلب غادر معي، و هكذا فإنني أعمل الآن مع عدد من الأشخاص الجيدين على نشر فكرتي الجديدة – القديمة حول إعادة تجديد الفكر الثنائي القومية. و كما كتبت في وثيقتي، من الواضح لي اليوم أنه ليس هناك بديل آخر لإنهاء النزاع. كل من لديه عيون للنظر و أذان للسمع ، عليه أن يدرك أن شراكة ثنائية القومية تستطيع هي فقط إنقاذنا . إنها الطريقة الوحيدة فقط لتحويلنا من غرباء على أرضنا إلى أبناء بلد أصليين" .
ينتقل بنا هنيغبي ليروي لنا بداية تفكيره في التعايش بين الشعبين اليهودي و الفلسطيني و يقول : " الحقيقة أن كل ذلك بدأ منذ وقت طويل في حي " ميكور باروخ " في القدس . عندما كنت في العاشرة من العمر عند نهاية فترة الانتداب، كان مالك المنزل الذي كنا نعيش عربيا يدعى جميل. و كان المنزل المجاور لنا غير مملوك لعرب و لكن ساكنيه كانوا عربا . و كان كل الحي من منزلنا إلى الغرب مختلطا . و في مكان عمل والدي في بلدية القدس ، عمل اليهود و العرب معا أيضا . أخذني والدي في جولات في القدس و حولها . أذكر " عين كارم " الفلسطينية جيدا. و أذكر المالحة و لفتا . و لهذا لم يكن العرب غرباء بالنسبة لي . كانوا دوما جزءا من المنظر العام . جزءا من البلاد. لم أشك قط في إمكانية العيش معهم ، البيت بجوار البيت ، و الشارع بجوار الشارع . في نهاية عام 1947 اختفوا ، كان ذلك في الشتاء ، و كنت في منتصف الصف الثامن ، و لكن الشئ الغريب هو أن الأمر لم يكن مريعا أبدا . حدث كل شئ بصمت ، بدون أي دراماتيكية . و كأنهم قد تبخروا ، حتى أنني لم أكن متأكدا أنني شاهدتهم يجمعون أمتعتهم ، لم أكن متأكدا أبدا أنني شاهدتهم يجمعون حاجياتهم و يهربون بعيدا وراء الأفق خلف معسكر شنيلر. و لكنني أذكر دير ياسين جيدا. أذكر أننا كنا في غرفة الصف في بيت هكيرم عندما شاهدنا الدخان يتصاعد من قرية دير ياسين . و لهذا في عقد الستينات ، عندما كنا نتحدث عن مبدأ المساواة في المنظمة اليسارية " ماتسبين " لم أكن أفكر فقط وفقا لمصطلحات الاشتراكية أو المفهوم العالمي . كانت بلادي معي . الأرض و العبق و ذكريات الطفولة . ثم جاء بعد ذلك جمع خرائط فترة الانتداب البريطاني لتحديد مواقع القرى التي انمحت . و أن الحياة قد توقفت. و الشعور بأنه دون هذه القرى فإن هذه هي دولة قاحلة، دولة عاجزة، دولة تسببت في اختفاء أمة كاملة. و لهذا لم يكن من السهل عليّ، تبني حل الدولتين، في الثمانينات. لقد كان صراعاً داخلياً قاسياً . و لم أنضم أبدا إلى اليسار الصهيوني . لم أتخل عن الفكر الثوري. و لكن عندما شاهدت أن حركة السلام قد وجدت و أن هناك نوعا من التحرك في الشوارع، لم أعتقد أنه من الصواب البقاء سجين التعاليم. و اعتقدت أن فكرة الدولتين لشعبين كانت ذات قيمة . و عندما جاءت أوسلو، اعتقدت بأنها شيء عظيم قرأت الاتفاقيات بدقة تحت عدسة مكبرة ، و توصلت إلى قناعة بأن هناك حقاً اعترافاً متبادلاً و أن هناك إمكانية لإقفال ملف الصراع ، و هكذا في منتصف التسعينات كانت لدي أفكار أخرى حول نظرتي التقليدية ، لم أكن أظن أن علي الذهاب إلى رام الله لأقدم للفلسطينيين لائحة بالأخطاء التي ارتكبتها الصهيونية ، و ألا أطلب منهم أن ينسوا ما فعل آباؤنا بآبائهم . كنت أؤمن أيضا بإسحاق رابين . و بعد الاغتيال انضممت إلى حزب العمل . في العاميين الماضيين أدركت بأنني قد ارتكبت خطأ و أنني قد خدعت تماماً مثل الفلسطينيين. كنت آخذ الكلام الإسرائيلي على محمل الجد، و لم التفت للطباع الإسرائيلية. وعندما أدركت في أحد الأيام أن عدد المستوطنات تضاعف ، أدركت أيضا أن إسرائيل قد فوتت ساعة مجدها و رفضت الفرصة النادرة التي منحت لها ، و عندها فهمت أن إسرائيل لا يمكنها أن تحرر نفسها من النمط التوسعي و أن أيديها و أرجلها مقيدة بالمقومات الأيديولوجية و العملية و أن لديها نزعة للتصرف بهذا الشكل . و فهمت أن السبب الذي يجعل من الصعوبة بمكان على إسرائيل أن تقوم بتفكيك المستوطنات ، هو أن اعترافها بأن المستوطنات في الضفة الغربية موجودة على أرض فلسطينية منهوبة سيلقي بظلال الخطر على وادي جزريل ، و على الوضع الأخلاقي و المعنوي لبيت ألفا و عين هارود ، وأدركت أن نمطاً عميقاً جداً يعمل هنا و أن هناك سلسلة تاريخية متصلة تمتد من كيبوتس بيت هشيتا و حتى المواقع الاستيطانية غير المشروعة ، و من موشاف ناحلئيل إلى مستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة . و يبدو أنه لا يمكن كسر هذا التواصل ".
يستذكر هنيغبي كتابا قرأه من تأليف اليعازر بئيري حول بداية الصراع و بداية المؤسسة الصهيونية يتحدث فيه عن انضمام عرب إلى يهودا راعب في اليوم الكبير عندما بدأت الحراثة . فهو لم يكن يستطيع وحده بمحراثه المثبت إلى حيوانات ، أن يقوم بحراثة مساحة مئات الدونمات . فقد شاركه في الحراثة 12 فلاحاً عربياً . يقول هنيغبي : " و هكذا أقسمت إنني سأعثر على هؤلاء الأفراد الاثني عشر المختفين. على هؤلاء الأفراد الذين اختطفهم التاريخ ، مهمة حياتي هي تحريرهم من أسرهم التاريخي ، و منحهم أسماء ووجوهاً و حقوقاً ، و لأن خطيئتهم الوحيدة في ما يتعلق "براعب "هو عيشهم في هذه البلاد لأجيال قبله . لماذا يجب معاقبتهم على ذلك؟ لماذا الإصرار على نسيانهم ؟ " .
يختتم الكاتب مقاله بالقول: " حتى إذا أحاطت إسرائيل نفسها بسور و خندق و بجدار فإن ذلك لن يفيد. فإسرائيل كدولة يهودية لن تكون قادرة على البقاء . لن يكون هناك خيار آخر . إن محاولة تحقيق سيادة يهودية محاطة بجدار و معزولة يجب أن يتم التخلي عنها. علينا أن نقتنع بحقيقة أننا نعيش هنا كأقلية ، أقلية يهودية لن يتم حصرها أكثر بين الخضيرة و الجدار و لكن سيكون بإمكانها التوطن في نابلس و بغداد و دمشق أيضاً . وأن تشارك في انتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط هذا سيمكننا من العيش و الموت هنا ، و من تأسيس مدن مختلطة و أحياء مختلطة و عائلات مختلطة . و كي يتحقق ذلك ، علينا التخلي عن الحلم المجنون بالسيادة . ذلك الحلم الذي تسبب في هذا القدر الهائل من سفك الدماء و من الكوارث و ولد مئات السنين من النزاع ".
مقالات حاييم هنيغبي و ميرون بنيفستي جعلت بعض الأوساط الإسرائيلية تلقي باللائمة على المستوطنين الذين أتاحوا الفرصة أمام التيار الداعي لدولة واحدة ثنائية القومية ، إذ أن المستوطنين و ببقائهم في الأراضي المحتلة عام 1967أعطوا حجة قوية لتيار الدولة ثنائية القومية الذي يرى استحالة الفصل بين الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني عبر إخلاء المستوطنات . هذا الرأي يؤيد يئير شيلغ في مقال كتبه في هاريس ( 31/8/2003) حيث يقول : " الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن نعرف عدد الذين أدركوا من المستوطنين أن عليهم في الواقع المسؤولية الأساسية في تغيير هذا الوضع ، ذلك لأنهم هم الذين قادونا خلال سنوات طويلة إلى العملية التي دفعت إسرائيل و العالم إلى الاستخلاص بأن الانفصال لم يعد ممكناً".
يضيف شيلغ : " للوهلة الأولى يمكن القول أن الأوضاع الحالية تعتبر انتصاراً كبيراً لوجهة نظر المستوطنين ، و لكن الواقع يقول أن هذا انتصار وهمي لأن وجود ثلاثة ملايين فلسطيني في المناطق و عدم استعداد أحد لشراء صيغة " الأردن هو فلسطين " يعني بوضوح أن ذلك يقود نحو الدولة ثنائية القومية طالما أنهم يعارضون الانفصال عن الفلسطينيين ".
يطرح الكاتب رؤيته للحؤول دون دولة ثنائية القومية عبر الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 و إزالة المستوطنات ، و يعتبر أن المستوطنين لهم دور أساسي في تخليص المجتمع الإسرائيلي و القيادة السياسية من حلم الدولة ثنائية القومية ، و ذلك عبر إقناع المستوطنين بأن يقوموا من تلقاء أنفسهم بخطوة تنازلية عن منازلهم و مستوطناتهم و العودة للعيش في الأراضي الإسرائيلية أو كما يقول شيلغ الحد الأدنى مما " نطلبه منهم أن يقبلوا بالعيش في دولة فلسطينية كمواطنين فيها ، مقابل إمكانية إعطاء العرب من مواطني إسرائيل الحق في اختيار المواطنة الفلسطينية ".
يكتب ميرون كوهين مقالاً يطرح فيه أيضاً فكرة الدولة القومية كحل بديل للأوضاع القائمة حالياً , وخصوصاً أن التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية بات بالفعل يهدد إمكانية قيام الدولة الفلسطينية ويقول:" المزيد فالمزيد من المقالات والتحليلات التي يكتبها الفلسطينيون ومؤيدوهم يحذرون من أن خيار الدولتين للشعبين آخذ في التبدد , وهدف إقامة الدولة الفلسطينية يجب أن يستبدل بالتطلع إلى إقامة دولة ثنائية القومية , وفي الوقت نفسه تشير الاستطلاعات في أوساط السكان الإسرائيليين –اليهود – إلى أن تأييد الأغلبية وإن كانت أغلبية متواضعة ، للدولة الفلسطينية عرض ممثلو السلطة الفلسطينية قبل أسابيع عدة وثيقة تثبت زخم الاستيطان وتطوير البنى التحتية في الضفة لا يتركان إمكانية لإقامة دولة قابلة للعيش في المناطق المتقلصة وممزقة الأوصال ، وعليه فإنهم يضطرون إلى أن ينظروا مجدداً في خيار الدولتين ، بيد أن رئيس الوزراء ، أرييل شارون ، يعلن بأنه متمسك برؤيا للدولة الفلسطينية للرئيس (جورج) بوش، وذلك بالطبع بالشروط التي تمليها إسرائيل،وعندما يفكر أحد الفلسطينيين بصوت عالٍ في تغيير الموقف . من المطالبة بالاستقلال الوطني إلى الكفاح في سبيل حقوق المواطن في دولة ثنائية القومية . يعقب دبلوماسي إسرائيلي بغضب : " برهان آخر على عدم استعداد الفلسطينيون للتوصل إلى سلام فالدولة الثنائية القومية معناها دمار دولة إسرائيل "فقد كانت هذه الفكرة منذ البداية ينظر إليها كتصفية للدولة اليهودية - الصهيونية ، أما الرد على الواقع الثنائي القومية الذي نشأ بعد العام 1976 وترسخ فقد كان وصف السيطرة الإسرائيلية كاحتلال مؤقت لايلزم باستنتاجات بعيدة المدى ، بل مجرد جدال إيديولوجي بين اليسار و اليمين : دولتان مقابل حكم ذاتي كما أن مسار أوسلو ذاته - والذي يبدو للوهلة الأولى اتجاهاً لخلق ظروف الفصل وإقامة الدولة الفلسطينية ، لم يكن سوى نظام ثنائي القومية ، يوجد فيه توزيع لصلاحيات ومسؤوليات محددة بين العنصر الإسرائيلي السائد وبين السلطة الفلسطينية، المحكومة بشكل غير مباشر ولإسرائيل الحق باستكمال الاندماج وتحويل كل أرض إسرائيل إلى وحدة جغرافية سياسية غير قابلة للتقسيم ، لقد أوضح انهيار نظام أوسلو ، وتدمير السلطة ، والاحتلال المباشر للضفة ، والوتيرة السريعة لإقامة المستوطنات وشق الطرق للفلسطينيين بأن التطلع إلى السيادة الوطنية في الكانتونات المحاصرة المتبقية في الضفة لن تؤدي إلا إلى خدمة الإسرائيليين مثل مطلب ضم المناطق ومنح المساواة المدنية للسكان العرب، لم تنجح إسرائيل في التصدي لمتطلبات عرب1948 وهم من مواطنيها، فكيف لها أن تتصدى لمتطلبات الملايين من عرب1967؟ من المحتمل أن يكون مبادرو استفزاز الوعي ممن يستخدمون القوة الوحشية لإلحاق الهزيمة بالفلسطينيين واجتثاث الطموح الوطني من قلوبهم، قد نجحوا لدرجة لم يتصوروها، وبالفعل بات الفلسطينيون مستعدين لخصخصة مطالبهم بالحرية ووصفها كحقوق للمواطن، والآن سيتحول شعار الدولة الفلسطينية إلى شعار إسرائيلي، إذ إن البديل هو كيان سياسي تعيش فيه أغلبية غير يهودية، ومعناه فقدان هوية الدولة اليهودية وتخليد نظام الابرتهايد(apartheid) ثمة بالطبع ثلاثة سبل للتملص من المعضلة- أو لحلها- والثلاثة ليست سوى أوهام خطيرة:
الأول: الترحيل ليس قابلاً للتطبيق ومجرد البحث فيه وفي مخاطره هو بمثابة الهروب من الواقع، والثاني: الحل اللبناني والذي يعني عدم إحصاء الفلسطينيين ونزع الديموغرافيا عن الديمقراطية، أي إقامة ديمقراطية شعب أسياد والصعود إلى مسار البيض في جنوب أفريقيا، والثالث: الفصل، ذاك الحل السحري الذي ليس له أي أمل في النجاح ما دام بقي مئات آلاف المستوطنين متداخلين في أوساط السكان الفلسطينيين،ثمة بالطبع حل آخر، الانسحاب إلى حدود العام1967وإخلاء كل المستوطنات، ولكن هذا يعد كمساومة مغلوطة- فالفلسطينيون يصرون على حق العودة،فما العمل إذا حين يكون الواقع الوحشي يقوض المواقف الأيديولوجية والأجوبة الاعتيادية لا تعود قابلة للتحقق؟ نبدأ الانشغال في التفكير الذي يبدو ككفر بالأساس، كأمر مدحوض وخيالي، مثل: لعل بالفعل حل الثنائية القومية سيخلق احتكاكات أقل مما يخلق الفصل والتقسيم؟ ولعل مجرد النقاش المفتوح، وإن كان نظرياً، في التسويات الثنائية القومية، يدفع المصالحة إلى الأمام أكثر من التمسك بالفعل العرقي- القومي؟
ماذا عن خيار الدولة ثنائية القومية .
أما الكاتب الإسرائيلي دانييل لازاري فيبدأ مقاله يوم3/11/2003بمجلة(The Nation) بسؤاله عن الفكرة الصهيونية، وهل هي فاشلة أم لا؟ ويقول:" لا شك أن كثيرين سوف يعتقدون في البداية أن هذا سؤال سخيف، فإسرائيل قبل كل شيء دولة تتمتع بمستوى عال من المعيشة، وباقتصاد متقدم تكنولوجياً وبإحدى أقوى قوة عسكرية في العالم. وفي خلال نصف قرن استطاعت إسرائيل جلب ملايين الناس من أقصى بقاع العالم وعلمتهم لغة جديدة وخرطتهم في ثقافة سياسية قوية. فإذا كان هذا هو الفشل فلا شك أن كثيراً من الدول تتمنى لو أنها تنال حظاً منه".
يضيف الكاتب:"لكن دعنا ننظر إلى الأشياء التي لم تحققها إسرائيل. ففي"منفيستو" الدولة اليهودية في عام1897 وهي وثيقة إنشاء الصهيونية، توقع الصحافي النمساوي تيودور هيرتزل أن الدولة المتوقعة سوف تعيش سلام مع جيرانها وسوف لن تحتفظ إلا بجيش محترف صغير. في الواقع فإن المستوطنين الصهاينة قد اشتبكوا مراراً مع العرب في اللحظة نفسها التي بدؤوا فيها بالوصول إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين بأعداد كبيرة مفتتحين حرب مئة عام تزاد خطورة كل شهر.كان هيرتزل يتصور دولة طبيعية لا تختلف عن فرنسا أو ألمانيا. إلا أن إسرائيل، من خلال سياسات عرقية ودينية خاصة ترفع مجموعة معينة فوق المجموعات الأخرى، تحولت إلى دولة غير طبيعية في وقت تخلت فيه معظم الدول الديمقراطية عن مثل هذه السياسات وقد تصور هيرتزل دولة يمكن أن تجتذب اليهود مثل المغناطيس، ومع ذلك فقد مر أكثر من نصف قرن وما زال معظم اليهود يعيشون في الشتات، كما أن أعداداً متزايدة من الإسرائيليين يفضلون العيش في الخارج".
ويضيف الكاتب:" لقد كان من المفترض أن تكون إسرائيل ملاذاً آمناً، إلا أنها في الحقيقة من أكثر الأماكن خطورة على وجه الأرض التي يمكن أن تكون إسرائيل الحل النهائي"للمسألة اليهودية" القضية القديمة المتجددة. وقد أكد هيرتزل مراراً وتكراراً بأن الكراهية والصراع سوف يختفيان، حالما يترك اليهود الدول المضيفة المعادية ويعودون إلى وطنهم القديم ويحتلون مكانهم كأعضاء منفصلين ولكن متساوين في الأسرة الدولية.
لكن معاداة السامية تنتشر انتشار النار في الهشيم في العالم الإسلامي، وهناك دلائل أنها آخذة في العودة إلى أوروبا وفي الظهور في الولايات المتحدة.
فهل يحدث هذا لأن العالم هو بطبيعته معاد للسامية وهو لذلك يبحث دائماً عن السبب لنبذ اليهود؟ أم أن الصهيونية بشكل أو بآخر هي التي تتحمل مسؤولية هذه العودة؟".
ويجيب الكاتب على هذه الأسئلة بالقول:"مما لاشك فيه أن الإجابة عن هذه الأسئلة، وبخاصة في الولايات المتحدة قد وصل إلى منعطف، فانهيار"خارطة الطريق" بوش المضحكة، وجدار برلين الذي تبنيه إسرائيل في عمق المناطق الفلسطينية والتهديدات بإبعاد ياسر عرفات أو حتى اغتياله، وحالياً رفع وتيرة العداء تجاه سورية، قد أدت بمجموعها إلى انهيار الوفاق القديم وأصبح بالإمكان الجهر بما كان يعتبر محرماً قبل أشهر قليلة. ففي داخل إسرائيل نفسها، حذر أخيراً الرئيس السابق للكنيست أبراهام بروغ أنه إذا كانت إسرائيل تريد الحفاظ على ما تبقى لها من ديمقراطية فيجب عليها أما الانسحاب إلى حدود1967 أو منح الجنسية الكاملة لنحو3,5 مليون فلسطيني في المناطق المحتلة وهي خطوة سوف تعني النهاية الحتمية للدولة اليهودية".
أما ميرون بنفيستي، نائب رئيس بلدية القدس سابقاً، فقد أدان مقترح الدولة ثنائية القومية على اعتبار أنه غير قابل للتطبيق بشأن مسألة إسرائيل وفلسطين، واقترح بدلاً من ذلك دولة واحدة يتساوى فيها العرب واليهود.
وفي الولايات المتحدة يقول المؤرخ توني جوديت:"بعد أن أعلن في مقال في مجلة"نيويورك ريفيو" في عددها الصادرة يوم23/10/2003 أن عملية السلام في الشرق الأوسط قد ماتت، وأن فكرة الدولة اليهودية قد أصبحت"مفارقة في عالم متعدد الثقافات" لا ترتبط فيه الجنسية بالعرق أو الدين أو الأصل". ففي عالم اليوم، يقول جوديت:" الذي يشهد صدام ثقافات بين الديمقراطيات التعددية وبين الدول العقائدية غير المتسامحة، فإن إسرائيل تخاطر في واقع الأمر لأن تكون في المعسكر الخطأ".
المؤرخ الأمريكي المعروف توني جوديت يتابع في مقالته آنفة الذكر في مجلة(New York review of book) الحديث عن انتهاء العملية السلمية والخيارات المتاحة بعد ذلك، ويقول:" لقد انتهت عملية السلام في الشرق الأوسط. وهي لم تمت لأنها في الحقيقة قد قتلت. فقد فشل محمود عباس بسبب رئيس السلطة الفلسطينية كما تعرض للإذلال من رئيس وزراء إسرائيل. أما خلفه فينتظر مصير مشابه. وإسرائيل تحاول مراوغة سيدها الأمريكي من خلال بناء مستوطنات غير شرعية في استهتار واضح لخارطة الطريق. وقد تحول رئيس الولايات المتحدة إلى دمية تردد معزوفة الحكومة الإسرائيلية: إنها دائماً غلطة عرفات. أما الإسرائيليون أنفسهم فينظرون عملية التفجير القادمة، بينما تقلص الفلسطينيون إلى ما يشبه البانتوستانات يعيشون على صدقات الاتحاد الأوروبي. وعلى أرض الهلال الخصيب المزروعة بالجثث بإمكان أرييل شارون وياسر عرفات وحفنة من (الإرهابيين؟) أن يدعون بأنهم حققوا النصر والحقيقة أنه فعلوا ذلك".
يتساءل الكاتب:" هل وصلنا إلى نهاية الطريق، وما العمل؟ في فجر القرن العشرين وفي ظل اندحار الإمبراطوريات الأوروبية، حلمت الشعوب الأوروبية بتشكيل دول قومية يمكن أن يعيش فيها البولنديون والتشيك والصرب والأرمن وآخرون بحرية وسيادة.
وعندما انهارت إمبراطوريات آل هابسبيرغ ورومانوف بعد الحرب العالمية الأولى، اغتنم قادته هذه الفرصة، فمع موجة بروز الدول الجديدة كان أول شيء فعلوه هو الاهتمام بأغلبيتهم العرقية القومية التي تشترك في اللغة والدين والتاريخ على حساب الأقليات المحلية التي تحول أتباعها إلى سكان دائمين من الدرجة الثانية وغرباء في أوطانهم لكن حركة قويمة واحدة، هي الصهيونية، أصيبت طموحاتها بالإحباط ذلك أن حلم إنشاء وطن قومي لليهود في وسط الإمبراطورية التركية المنهارة كان عليه أن ينتظر بسبب تراجع بريطانيا الاستعمارية وهي عملية استغرقت أكثر من ثلاثة عقود وحرباً عالمية ثانية، وهكذا فإن الدولة القومية اليهودية لم تنشأ في فلسطين العثمانية السابقة إلا في عام1948، لكن مؤسسي الدولة اليهودية كانوا تحت تأثير أفكار معاصريهم في وارسو أو أوديسا أو بوخارست، ولذلك ليس من المستغرب أن يكون تعريفهم العرقي الديني لإسرائيل وتمييزها ضد"الغرباء" المحليين نموذجاً لممارسات فترة ما بعد عائلة هابسبيرغ في رومانيا. ومشكلة إسرائيل باختصار هي أنها ليست، كما يزعم البعض أحيانا،"جيباً" أوروبياً في العالم العربي لأنها وصلت إلى هناك متأخرة، فهي قد استوردت مشروعاًً انفصالياً يحمل سمات أواخر القرن التاسع عشر إلى علم قد بدأ مسيرة التقدم إلى الأمام، عالم حقوق الفرد والحدود المفتوحة والقانون الدولي. إن فكرة"الدولة اليهودية"، أي الدولة التي يتمتع فيها اليهود والدين اليهودي بامتيازات خاصة يحرم منها غير اليهود، هي فكر في المكان الخطأ والزمان الخطأ. إن إسرائيل باختصار هي مفارقة تاريخية".
ويكتب" وربما تختلف إسرائيل عن الكيانات الصغيرة غير الآمنة التي ولدت بعد الانهيار الإمبراطوري بأنها ديمقراطية، ومن هنا نشأ مأزقها الحالي. وبفضل احتلالها للأراضي التي غزتها في عام1967 فإن إسرائيل تواجه اليوم ثلاثة خيارات أحلاهما مر، فهي يمكن أن تفكك المستوطنات اليهودية في المناطق المحتلة، وأن تعود إلى حدود عام1967 التي يكون اليهود فيه الأغلبية وتظل دول ديمقراطية ويهودية بأقلية عربية من الدرجة الثانية.
أو أنها يمكن أن تواصل احتلال"يهودا" و"السامرة" وغزة التي سيصبح سكانها العرب، مضافاً إليهم ديموغرافية خلال خمس إلى ثماني سنوات، وفي كلتا الحالين ستكون إسرائيل إما دولة يهودية أو ديمقراطية ولكنها لا يمكن أن تكون يهودية ديمقراطية في الوقت ذاته.
أما الخيار الثالث فهو أن إسرائيل يمكن أن تواصل احتلالها للمناطق المحتلة بعد أن تتخلص من الأغلبية العربية، إما من خلال الطرد القسري أو من خلال حرمانهم من الأرض أو لقمة العيش دون أن تترك لهم أي خيار سوى التشرد، وفي هذه الحالة يمكن لإسرائيل أن تظل يهودية وديمقراطية شكلياً على الأقل، ولكن على حساب أن تصبح أول ديمقراطية حديثة تقوم بتطهير عرقي شامل كمشروع دولة، وهذا ما يجعل إسرائيل تعتبر إلى الأبد خارجة على القانون الدولي ودولة متمردة على المجتمع الإنساني".
وفي هذا المضمار يضيف:"وأي إنسان يعتقد بأن هذا الخيار الثالث غير ممكن، وبما لا يكون على إطلاع بهذا الزحف المنتظم للمستوطنات والاستيلاء على أراضي الضفة الغربية خلال ربع القرن الماضي أو أنه لم يستمع إلى جنرالات وسياسيي اليمين الإسرائيلي، الذين يوجد بعضهم في الحكومة الحالية. إن قلب السياسات الإسرائيلية اليوم محتل من الليكود الذي يمثل فيه حزب"حيروت" الذي أنشأه مناحيم بيغين، عنصراً أساسياً. وهذا الحزب هو خليفة حزب المراجعين"التصحيحيين " الصهاينة، الذي أنشأه فلاديمير جابوتنسكي، الذي رفض تقديم أي تنازلات إقليمية أو قانونية. وعندما نسمع نائب رئيس وزراء إسرائيل أيهودا أولمرت يقول أن بلاده لم تستبعد خيار اغتيال رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب فإننا نرى الصورة على أوضح ما تكون، فالاغتيال السياسي أمر برع فيه الفاشيون.
والوضع في إسرائيل غير ميؤوس منه، رغم أنه قد يقترب من فقدان الأمل. فلن يستطيع(الانتحار يون؟) القضاء على إسرائيل أما الفلسطينيون فلا يملكون أي سلاح آخر. وفي الواقع فإن هناك متطرفين عرباً لن يشعروا بالراحة إلى أن يتم إلقاء كل يهودي في البحر المتوسط لكنهم لا يشكلون خطراً استراتيجياً على إسرائيل، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعرف ذلك. وما يخشاه عقلاء إسرائيل، أكثر مما يخافون من حماس أو كتائب الأقصى، هو الأغلبية العربية المستمرة النمو في"إسرائيل الكبرى" والأكثر من هذا هو اضمحلال الثقافة السياسية وتراجع معنويات مجتمعهم. وكما كتب أخيراً السياسي البارز في حزب العمل أبراهام بورغ يقول:"بعد ألفي سنة من النضال من أجل البقاء فإن حقيقة إسرائيل اليوم هي أنها دولة استعمارية تديرها عصابة فاسدة لا تولي اهتماماً للقانون أو لأخلاق المجتمع". وما لم يتغير شيء ما فإن إسرائيل في نصف قرن سوف لن تكون يهودية ولا ديمقراطية.
وهنا تظهر الولايات المتحدة في الصورة، ذلك أن تصرف إسرائيل كان كارثياً بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية. فمن خلال الدعم الأمريكي واصلت إسرائيل تجاهل قرارات الأمم المتحدة التي تطلب منها الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الحرب، وإسرائيل هي الدولة الشرق أوسطية الوحيدة المعروف أنها تملك أسلحة دمار شامل. وبتجاهلها لهذه الحقيقة، فإن الولايات المتحدة قد أفشلت جهودها الحثيثة لمنع وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي دول صغيرة أخرى متصارعة، كما أن دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل هو السبب الرئيسي الذي يجعل معظم دول العالم لا تثق بالولايات المتحدة. وقد أصبح العارفون ببواطن الأمور يعترفون أن الأسباب المعلنة، ذلك أن كثيرين في الإدارة الأمريكية الحالية، رأوا أن هنالك حاجة إستراتيجية ماسة لخلخلة الشرق الأوسط ثم إعادة تركيبه بشكل ملائم لإسرائيل. وما تزال هذه الحكاية مستمرة. ونحن الآن نثير ضجيجاً شديداً حول سورية لان الاستخبارات الإسرائيلية قد أكدت لنا أن الأسلحة العراقية قد هربت إليها، وهو ادعاء لم يثبت من أي مصدر آخر. صحيح أن سورية تدعم حزب الله والجهاد الإسلامي، العدوين اللدودين لإسرائيل، لكنهما لا يمثلان أي خطر دولي يذكر.
علاوة على ذلك، فإن دمشق كانت تزود الولايات المتحدة بمعلومات حيوية عن تنظيم القاعدة، ومثلما هي إيران الهدف الآخر للغضب الإسرائيلي الذي نعمل بنشاط من أجل استعدائه، فإن سورية اكسر فائدة للولايات المتحدة كصديق منها كعدو. فأي حرب هذه التي تخوض؟.
في16 سبتمبر2003 صوتت الولايات المتحدة ضد قراراً لمجلس الأمن يطلب من إسرائيل الامتناع عن تنفيذ تهديدها بطرد ياسر عرفات. ومع أن المسؤولين الأمريكيين يعترفون بشكل غير علني أن ا لقرار كان معقولاً وأن مواقف القيادة الإسرائيلية الحالية العنيفة أدت إلى استعادة مكانة عرفات في العالم العربي، وهو عقبة رئيسية أمام السلام. إلا أن الولايات المتحدة عرقلت هذا القرار مما قضى على مصداقيتنا كوسيط نزيه في المنطقة، ولم يعد أصدقاء أمريكا وحلفاؤها في العالم، يشعرون بالدهشة من مواقفنا ولكنهم يشعرون بالحزن والإحباط طوال الوقت.
لا شك أن السياسيين الإسرائيليين قد ساهموا كثيراً في خلق مشكلاتهم لسنوات عديدة، فلماذا نواصل مساعدتهم على اقتراف هذه الأخطاء؟
لقد سعت الولايات المتحدة في الماضي للضغط على إسرائيل من خلال التهديد بوقف المساعدة المالية السنوية لها، والتي يذهب جزء منها لبناء مستوطنات في الضفة الغربية.
لكن المحاولة الأولى التي جرت في عهد إدارة بيل كلينتون أفشلتها إسرائيل من خلال تحويل هذه الأموال إلى"مصروفات أمنية" وتعايشت الولايات المتحدة مع هذه الحيلة واستمر البرنامج الاستيطاني دون توقف ولا نحاول الآن حتى مجرد وقفه.
ويكتب جوديت معلقاً على السياسة الأمريكية:"أن هذا التردد في القول أو الفعل ليس من مصلحة أحد، كما أدى إلى تآكل الحوار الأمريكي الداخلي. فبدلاً من أن ننظر بنزاهة إلى الوضع في الشرق الأوسط يقوم السياسيون الأمريكيون بإهانة حلفائنا الأوروبيون عندما يختلفون معنا ويتحدثون بشكل غير مسئول عن عودة معاداة السامية، عندما يقوم أي إنسان بانتقاد إسرائيل ويؤنبون أي شخصية عامة على الساحة الأمريكية قد تحاول الخروج عن هذا الإجماع.
لكن الأزمة في الشرق الأوسط ستظل باقية ، وربما يكون غياب الرئيس بوش عن الساحة ظاهراً خلال العام المقبل، ولكن عاجلاً أم آجلاً سوف يظهر سياسي أمريكي يقول الحقيقة لرئيس الوزراء إسرائيل، ويجد وسيلة تجبره على الإصغاء. وقد كان الليبراليون الإسرائيليون والمعتدلون الفلسطينيون يقولون طوال عقدين بأن الأمل الوحيد لإسرائيل هو تفكيك كل المستوطنات قريباً والعودة إلى حدود 1967 مقابل اعتراف عربي حقيقي بحدود إسرائيلية آمنة وبدولة فلسطينية خالية من الإرهاب تكلفها الوكالات الدولية والأوروبية. وما زال هذا هو الوفاق المعقول وقد كان في يوم من الأيام حلاً ممكناً وعادلاً.
ولكنني اعتقد إننا قد تأخرنا كثيراً، فهناك مستوطنات كثيرة ومستوطنون كثيرون وفلسطينيون كثيرون كلهم يعيشون سوية رغم ما يفصلهم من أسلاك شائكة.
ومهما تقوله"خارطة الطريق" فإن الخارطة الحقيقية هي الموجودة على الأرض وهي، كما يقول الإسرائيليون، تعكس الحقائق. وربما قد يقوم أكثر من ربع مليون مستوطن يهودي مسلح ومدعوم بمغادرة فلسطين العربية بمحض اختيارهم، ولكن لا يعتقد كل الذين أعرفهم أن ذلك سوف يحدث، فكثير من هؤلاء المستوطنين على استعداد لأن يموت أو يقتل على أن يغادر.
إن آخر سياسي إسرائيلي أطلق النار على اليهود لفرض سياسة الدولة كان ديفيد بن غوريون الذي نزع سلاح عصابة الأرغون التابعة لمناحيم بيغين في عام1948 وضمها إلى القوات الإسرائيلية الجديدة. لكن أرييل شارون ليس بن غوريون.
بعد هذا العرض الموسع الذي يقدمه جوديت لتاريخ إسرائيل وعلاقاتها مع الولايات المتحدة يتوصل إلى النتيجة التالية:" لقد حان الوقت لأن نفكر في الممكن. إن حل الدولتين، جوهر عملية أوسلو وخارطة الطريق، ربما يكون قد مات، فمع كل عام يمر نقوم بتأجيل الخيار المحتوم الذي يعترف به أقصى اليمين وأقصى اليسار ،كل لأسبابه الخاصة. إن البديل الحقيقي الذي يواجه الشرق الأوسط في السنوات المقبلة يكمن بين وجود إسرائيل الكبرى نظيفة عرقياً وبين دولة ثنائية القومية من اليهود والعرب، الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي الواقع فإن هذه هي الكيفية التي ينظر فيها المتشددون في حكومة شارون إلى هذا الخيار، وهذا هو السبب في دعوتهم لطرد العرب كشرط لبقاء الدولة اليهودية. ولكن ماذا لو لم يعد في هذا العالم مكان"لدولة يهودية"؟ وماذا لو أن حل الدولة ثنائية القومية لم يعد ممكناً وحسب وإنما مرغوب أيضاً؟".
ويجيب عن السؤال بالقول:" إن هذه ليست فكرة غريبة. فمعظم قراء هذا المقال يعيشون في دول متعددة العرقيات والثقافات، كما أن الحضارة الأوروبية الحالية هي خليط من الألوان والأديان واللغات، من المسيحيين واليهود وآخرين كثيرين. وإسرائيل نفسها عبارة عن مجتمع متعدد الثقافات، لكنها تنفرد بين الأنظمة الديمقراطية في حفاظها على الصبغة العرقية الدينية لتصنيف مواطنها والهيمنة عليهم. إن هذه الدولة غريبة بين الدول الحديثة، ليس لكونها دولة يهودية ولا لأن أحداً لا يريد أن يكون لليهود دولة خاصة بهم، ولكن لكونها دولة يهودية تتميز فيها جالية واحدة- اليهود- عن الآخرين في عالم لم يعد فيه مكان لهكذا دولة.
لقد ظلت إسرائيل لسنوات طويلة تعني معنى خاصاً بالنسبة لليهود. فبعد عام1948 استقبلت مئات الآلاف من الناجين الذين لم يكن أمامهم أي مكان آخر للذهاب إليه.
كانت إسرائيل بحاجة إلى اليهود وكان اليهود بحاجة إليها. وربطت إسرائيل محددات نشوء هويتها بالمشروع الألماني للقضاء على يهود أوروبا. ولذلك فإن كل نقد لإسرائيل يعود بالذاكرة إلى ذلك المشروع، وهو أمر استغله مؤيدو إسرائيل الأمريكيون بلا حياء. فأنت إذا تحدثت عن عيوب الدولة اليهودية فهذا يعني أنك تكره اليهود حتى أن مجرد التفكير في كيان بديل في الشرق الأوسط يعني أخلاقياً المشاركة في الإبادة.
ويكتب جوديت:" وفي السنوات اللاحقة للحرب العالمية الثانية، كان مجرد وجود إسرائيل يعني الأمان لملايين من اليهود الذين لم يعيشوا فيها، إما لأنهم كانوا ينظرون إليها كبوليصة تأمين ضد عودة معاداة السامية، أو لأنها تذكير للعالم بأن اليهود يستطيعون الرد وأنهم على استعداد لذلك، إلا أن الوضع قد تغير في السنوات الأخيرة بشكل مأساوي. إن اليهود غير الإسرائيليين يشعرون اليوم مرة أخرى بأنهم باتوا عرضة للنقد والهجوم لأشياء لم يفعلوها، غير أنها دولة يهودية هذه المرة التي تجعلهم رهائن لممارساتها وليست دولة مسيحية. ومع أن يهود الشتات لا يستطيعون التأثير على سياسيات إسرائيل، إلا أنهم يرتبطون بها رغماً عنهم، وليس أقل من ذلك إصرار إسرائيل على ولائهم لها. إن سلوك دولة تصف نفسها باليهودية، يؤثر على الطريقة التي ينظر بها كل إنسان إلى اليهود، ذلك أن تزايد الهجمات على اليهود في أوروبا وأماكن أخرى يعزى بشكل رئيسي لمشاعر العداء ضد إسرائيل. والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن سلوك إسرائيل الحالي لا يلحق الضرر بأمريكا وحسب. وهو في الواقع كذلك، ولا يلحق الضرر بإسرائيل نفسها فقط، كما يعترف كثير من الإسرائيليين بذلك سراً. بل إن إسرائيل ذاتها ضارة لليهود أنفسهم. إن عالم اليوم هو عالم تتعايش فيه الشعوب والأمم وتتداخل بشكل كبير وبمحض إرادتها، كما انهارت فيه كل الحواجز الثقافية والقومية، ولم نعد نقبل فيه بهوية واحدة حيث أن أمامنا خيارات هوية متعددة، ولهذا فإن إسرائيل تبدو في هذا العالم مفارقة غريبة، وليس هذا فقط بل إنها غير عملية. ففي عالم اليوم الذي يتشهد صدام ثقافات بين الديمقراطيات التعددية وبين الدول العقائدية غير المتسامحة. فإن إسرائيل تخاطر في واقع الأمر لأن تكون في المعسكر الخطأ.
إن تحويل إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة تعددية مهمة ليست سهلة، مع أنها ليست مستحيلة كما قد تبدو، فالعملية قد بدأت فعلاً، ولكنها قد تسبب قليلاً من الإرباك لمعظم اليهود والعرب أكثر مما قد يسببه أعداؤها الدينيون والقوميون.
وعلى أي حال فإني لا أعرف أحداً يملك فكرة أفضل، أحداً يمكن أن يجزم بأن الجدار المكهرب الذي يجري بناؤه حالياً سوف يحل قضايا تجمعت طوال الخمسين عاماً الماضية. إن هذه"الجدار" وهو في الحقيقة منطقة عسكرية من الخنادق والسياجات والطرق الترابية وأجهزة الإنذار وحائط يرتفع إلى28 قدماً في بعض الأماكن، يحتل ويفصل ويحاصر الأراضي العربية الزراعية، وسوف يدمر قرى ومصادر رزق وما تبقى من التعايش العربي الإسرائيلي.
إن هذا الجدار يكلف مليون دولار للميل الواحد ولن يجلب سوى الذل وعدم الرضا للجانبين. ومثلما كان جدار برلين فإن يؤكد على الإفلاس الأخلاقي والمؤسسي للنظام المراد حمايته به.
إن دولة ثنائية القومية في الشرق الأوسط تتطلب مشاركة قيادة أمريكية شجاعة، كما إن أمن اليهود والعرب على حد سواء بحاجة إلى قوة دولية لحمايته مع أن الدولة الجديدة سوف تجد أن من السهل مراقبة المجموعات المتشددة داخل حدودها أكثر من مراقبتها عبر هذه الحدود. إن الدولة ثنائية القومية في الشرق الأوسط سوف تتطلب ظهور طبقة سياسية جديدة بين اليهود والعرب على حد سواء. ولا شك أن هذه الفكرة هي خليط من الواقعية والطوباوية، ولكن الخيارات الأخرى تظل أسوأ من ذلك بكثير".
من بين الأصوات التي تطالب بحل النزاع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني هناك من يؤمن بحل آخر، يقوم على إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية إلى جانب الدولية الإسرائيلية ومن هؤلاء الكاتب الإسرائيلي الشهيرعاموس عوز الذي قدم رؤية لإنهاء النزاع تتكون من خمس نقاط أوضحها في مقال له نشرته صحيفة"القدس" المقدسية بتاريخ16/4/2002 بعنوان"ثمة طريق لإنهاء الصراع".
1. تنهي إسرائيل احتلال السكان الفلسطينيين وتقيم خطاً محصناً حسب الواقع الديموغرافي، خطاً لن يكون مماثلاً للخط الأخضر، رغم أنه قريب منه ولا يشمل في داخله سكاناً فلسطينيين مُحتلين. والحدود الدائمة بين إسرائيل والفلسطينيين تتحدد في المفاوضات.
2. توافق إسرائيل على أن تقام فوراً دولة فلسطينية في المناطق المؤهلة بالسكان الفلسطينيين، حتى وإن كان ذلك قبل التوقيع على اتفاق سلام بين الطرفين.
3. تعترف إسرائيل أخلاقياً بدورها في تشكيل المأساة الإسرائيلية- الفلسطينية. إن كارثة اللاجئين الفلسطينيين هي أحد مصادر العنف والكراهية والإرهاب. يجب على إٍسرائيل ألا تقبل أي حل لا يتضمن التأهيل الإنساني والاقتصادي والسياسي للاجئين الفلسطينيين، ليس في داخل إسرائيل بل في فلسطين.
4. الحل الشامل للحرب بين إسرائيل والعرب.
5. الخطوة الإسرائيلية أحادية الجانب لإنهاء الاحتلال بما في ذلك تفكيك الأغلبية الساحقة من المستوطنات.
هذا الطرح قد لا يلقى قبولاً لدى أبناء الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فلكل منهم حلمه ولكل منهم مشروعه الخاص، الفلسطينيون يريدون دولتهم من البحر إلى النهر، والإسرائيليون يحلمون بدولة إسرائيل الكبرى. لهذا يشكل تبني خيار الدولة ثنائية القومية بمثابة تحدٍ سياسي وأخلاقي، لإسرائيل، التي تدعي الحداثة والديمقراطية والتي تطرح قيام دولة فلسطينية وفق محدداتها وقيوداتها العنصرية والاستعمارية. أما إسرائيل، فهي إزاء هذا التحدي، ستكون معنية بتوضيح ما تريده، إذ أن هذا الوضع سيضعها في تناقض إما مع حدود ديمقراطيتها أو مع حدود يهوديتها.