المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نصائح ميخائيل نعيمه للأدباء و الشعراء الشبان



د. جمال مرسي
03/01/2007, 05:17 PM
نصائح ميخائيل نعيمة للأدباء و الشعراء الشبان
مجد القلم
(من كتاب : في مهب الريح 1972 )


1- تأتيني من حين إلى حين رسائل من أدباء ناشئين يطلبون إلى فيها أن أرشدهم إلى السبل الكفيلة بأن تجعل منهم كتابا وشعراء ذوي مكانة في دولة الأدب. ويا ليته كان في مستوصفي أو مستوصف سواي "روشته" إذا استعملها الراغب في الأدب أصبح أديبا. إذن لكنا "نصنع" الأدباء بمثل السهولة التي نصنع بها الزبيب من العنب والخبز من القمح , إلا إن الأدباء يخلقون ولا يصنعون . والفرق بين الأديب المخلوق والأديب المصنوع كالفرق بين العين الطبيعية والعين من زجاج.

2- من كان معدا للأدب كان في غنى عمن يدله على طريقه. ففي داخله ومن خارجه حوافز لا تتركه يستريح حتى يتم التزاوج مابين عقله وقلبه وذوقه وبين القلم والمداد والقرطاس وهو عن وعي وعن غير وعي لا ينفك يلتهم التهاما كل ما يتصل به من آثار أدبية ثم لا ينفك يسود الأوراق بما يتولد في نفسه من أحاسيس وأفكار وانطباعات إن أغمض عينيه في الليل فعلى كاتب أو مقال وإن فتحهما في الصباح فعلى شاعر أو قصيدة. فكأن كل مافيه وكل ما حواليه يدفع به دائما أبدا إلى تحقيق حلمه بأن يدرك اليوم الذي فيه ينطبع اسمه على شفاه كثيرة وتغدو مؤلفاته نجعه لجيش من القراء والأقلام.

3- لكل ذي مهنة أو حرفة عدّة , وعدّة الأديب لغة وفكر وخيال وذوق ووجدان وإرادة, وهذه كلها قابلة للتنمية وللصقل وخير الوسائل لتنميتها وصقلها هو احتكاكها المستمر بما سبقها وما عاصرها من نوعها ثم توجيهها التوجيه المستقل في الطريق الذي تفرضه على الكاتب حياته الباطنية والخارجية. لذلك كان لا بد من المطالعة ومن فكر سريع الإلتقاط وخيال مسبل الجناح وذوق مرهف الحدّين ووجدان صادق الميزان وإرادة صلبة العود , وكان لا بد لكم فوق ذلك كله من معدة أدبية تهضم ما تلتقطونه هنا وهناك فتحوله غذاءا طيبا لكم وللذين يقرأون ما تكتبون وإلا كنتم كالإسفنجة إذا غمستموها في سائل من السوائل التي عصرتموها ردت إليكم ما امتصته عينا بعين ودون زيادة أو نقصان وكنتم إذ ذاك أصداء فارغة لا أصواتا حية.

4- وإن تسألوني ماذا يحسن بكم أن تطالعوا أجبكم: إن ذلك يتوقف إلى حد بعيد على ميولكم وأذواقكم وعلى مقدار جوعكم غلى المعرفة التي بدونها لا قيام لأي أدب. فقد يكتفي الواحد منكم بمطالعة بعض الآثار الأدبية المشهورة وقد يتعداها إلى النجوم والحيوان والنبات وطبقات الأرض والفنون والأديان والتأريخ والفلسفة بأنواعها حتى إلى الروايات البوليسية والمقالات التافهة التي تحفل بها حقول الصحافة الرخيصة , فالأمر الذي لا شك فيه هو إنكم كلما اتسع اطلاعكم على مجاري الحياة البشرية قديمها وحديثها بعيدها وقريبها جليلها وحقيرها , اتسع مجالكم للتأمل والتفكير وللعرض والتصوير فما انسدت في وجوهكم الطرق إلى مواضيع جديدة تعالجونها بأساليب جديدة.

5- تحاشوا اللف والدوران فليس أكره من جثة فيل أو حوت تحيا بقلب ضب أو بقلب ضفدع, وتحاشوا النوح والبكاء والتشكي من الدهر واستجداء رحمة القارئ وشفقته فهذه كلها من دلائل الهزيمة, والهزيمة عار وأي عار على الذين سلحتهم الحياة بالفكر والحس والخيال والإرادة. ومن ثم فالناس يحبون السير في ركاب الظافرين ويكرهون مماشاة المنهزمين.

6- أما العار الأكبر والأفظع فهو تقليدكم الأعمى للغير أو سرقة بضاعة الغير فالتقليد هو الشهادة بإفلاس المقلد. وسارق أدب الأحياء والأموات كمن يأكل لحم أخيه نيئا, أو كمن ينهش جيفة في قبر.

7- أما الشهرة فإياكم أن تبتغوها في ذاتها. فما هي غير ظل قامتكم الأدبية إن امتدت تلك القامة امتد , وإن تقلصت تقلص, فظل السّرو السامقة غير ظل العليقة اللاصقة بالتراب, وأما الغرور فاقتلعوا جذوره من صدوركم فهو أشد فتكا بكم من السوس بالخشب.

8- والغرور : هو غير الإيمان بالنفس ذلك بالوعة وقاذورة , وهذا ميناء ومرساة وما لم يكن لكم من إيمانكم بإنفسكم ميناء ومرساة كنتم حيرة في حيرة, وكان أدبكم رغوة في رغوة.

9- قبل أن تهتموا بما يقوله الناس فيكم اهتموا بما يقوله وجدانكم لوجدانكم , اخلصوا لأنفسكم ولأدبكم أولا , وإذ ذاك فصدوركم لن تضيق بذم ولن تنتفخ بمدح. فإن كنتم أكبر من ناقديكم فما همكم أذموكم أم مدحوكم , وإن كنتم في مستواهم فيجمل بكم أن تصغوا إلى ما يقولونه فيكم , وإن كنتم دونهم فجدير بكم أن تتعلموا منهم.

10- تنافسوا ولا تتحاسدوا وإياكم أن تتشاتموا فعداوة الكار إن هي اغتفرت لإسكافي أو نجار أو غيرهما من صانعي السلع وبائعيها فهي لا تغتفر للعاملين على السمو بالإنسان في معارج الفهم والحرية.

11- ما دمتم واثقين من إن لكم رسالة تؤدونها فلا تقنطوا من تأديتها وإن اغلقت في وجوهكم أبواب الصحف ودور النشر . ثابروا على العمل وأنا كفيل بأنكم ستشقون لرسالتكم طريقا في النهاية. فالناس في جوع وعطش دائمين إلى القوم الحق القول الجميل . ولا تنسوا إن الذين تبصرونهم اليوم في القمة كانوا بالأمس من الأغوار وفي السفوح.

12- خذوا مواضيعكم من أنفسكم ومن الناس والأكوان حواليكم ولا تمسحوا أقلامكم منها إلا بعد أن تبدو لكم صريحة المعالم مشرعة الأبواب كي يسهل تناولها حتى على الذين دونكم مقدرة ومهارة في الغوص إلى الأعماق وليكن أجركم الأول والأعظم تلك البهجة التي يشيعها في الروح شعوركم بأنكم قد خلقتم مخلوقا جديدا وجميلا , أكان ذلك المخلوق مقالا أم قصيدة أم قصة أم رواية , أم كلاما لا ينساق إلى التبويب ولكنه يترك فيكم وفي القارئ نشوة وعبرة .

13- الكتابة عمل مرهق كسائر الأعمال البناءة إلا إنه عمل لذته لا تفوقها لذة. وهي لذة قلما يتذوقها الكسالى وفاتروا الهمة فإن شئتم بلوغ القمم الأدبية حيث " الخالدون " فعليكم أن لا تشركوا في محبتكم للقلم محبة أي سلطان سواه, وأن تنبذوا الكثير من ملذات العالم وأمجاده. وأنتم متى أدركتم أي مجد هو مجد القلم هانت لديكم من أجله كل أمجاد الأرض, وصنتم أقلامكم عن التملق والتسفل والتبذل , فما سخرتموها لمال أو لسلطان , ولا لأية منفعة عابرة مهما يكن نوعها. ومادامت أقلامكم عزيزة فأنتم أعزاء.

عبدالله بن بريك
06/03/2013, 06:46 AM
اختيارٌ موفّق مفيدٌ،يفتح الباب أمام المبدعين الشباب
للإبحار في عالم الشعر مستضيئين برأي الكبار.
تحياتي ،أستاذ جمال مرسي.