المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في النقد الأدبي : الناقد ذوّاقة (بقلم حسين ليشوري)



حسين ليشوري
28/02/2009, 01:58 PM
في النّقْد الأدبي
النّاقدُ ذوّاقةٌ !

بقلم حسين ليشوري
النقد إبداع عن إبداع، و لذا فهو لا يقل أهمية عن الكتابة الفنية الأصلية، و هو كتابة جديدة للنص المنقود، لكنه، و زيادة عن شروط الكتابة الفنية، يخضع لشروط إضافية تمس الناقد ذاته أكثر مما تمس العملية النقدية، و من هنا أرى أن نركز في حديثنا على "الناقد" و ليس على النقد، و من ثمة فسيكون حديثي السريع هذا عن "الناقد" من حيث ذاتيته.
"الناقد" فنان كذلك، و هو قبل هذا إنسان له من ضعف الإنسانية نصيب، أو هو مبدع من نوع آخر ينطلق من عمل فني ليصنع منه عملا فنيا جديدا. "الناقد" قارئ متميز يقرأ لا لتمضية الوقت أو للتلذذ بنص أو أي عمل فني آخر، و إنما يقرأ ليستخرج من النص، أو من العمل الفني عموما، القيم الفنية الجمالية من حيث شكل العمل المنقود أو من حيث المضمون ليستوحي منه القيم الإنسانية فيه، و هذا العمل ليس سهلا و لا ميسورا لأي أحد بل يتطلب حسا متذوقا زيادة على النزاهة و التجرد من الذاتية السلبية السالبة، و ليس الذاتية الإيجابية المضيفة. و هنا مربط الفرس كما يقال، إن الذاتية السلبية السالبة هي التي تسيء إلى النقد أولا و إلى العمل الإبداعي المنقود ثانيا، و هذا ما نعاني منه عادة.
إن "الناقد" الذي ينحاز إلى "جماعته" الفكرية أو "شلته" الفنية فيطري و يمدح و يشكر و ينوه بعمل لا لشيء إلا لأنه من عمل "فلان" من الأصحاب أو "علان" من الأحباب، أو "الناقد" الذي يعمل العكس فيقلل من قيمة عمل أو يزدريه أو يسخر منه لأنه من "فلان" الخصم الغريب أو "علان" النكرة البعيد، فلا هذا و لا ذاك ناقد مهما كانت مرتبته بين "النقاد" و مهما ادعى من قدرته أو جدارته أو مكانته العلمية !
ثم إن "الناقد" الذي "ينقد" بعقلية القراصنة، إن استضعف شخصا هجم و إن خاف آخر أحجم، فليس بناقد، و إن "الناقد" الذي "ينقد" مُربتا في اتجاه الشعر (بفتح الشين)حتى لا يزعج المنقود ليس بناقد كذلك.
النّاقد في نظري فنان ذوّاق، أو هو ذواقة إمعانا في المبالغة، يستحسن ليضيف قيمة جديدة إلى العمل المنقود لم تكن ملاحظةً من قبل فليفت إليها الأنظار، أو يستهجن ليبين عيبا لم يكن جليا فينصح بتصحيحه، وهكذا...انطلاقا من ذاتيته الإيجابية المضيفة التي أشرتُ إليها آنفا و ليس من الأخرى السلبية السالبة، الناقد قارئ يُغني العمل و صاحبه و لا يلغيهما معا أو أحدهما.
و أخيرًا، إن النقد و مهما دق لن يكون علما دقيقا مهما حاول ذلك النقاد و اجتهدوا ليقننوه، فهو تذوق أولا و تعبير عن هذا التذوق ثانيا و لذا قلت في بداية مقالتي هذه " النقد إبداع عن إبداع "، و التذوق متفاوت المستويات عند المتذوقين كلهم و في كل مجال من مجالات الحياة ! و على المهتم بالنقد أن يرهف حسه و يرفع ذوقه بالمُمارسة المستمرة و القراءة المستنيرة في ميادين المعرفة كلها و لا سيما علوم اللغة التي يُقوّم الأعمال بها و فيها ليصير ناقدًا متميزًا يُسمع إذا تكلم و يُطاع إذا حكم.