المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منمنمات قصصية جوزي ماريو سيلفا



إسماعيل البويحياوي
28/02/2009, 05:15 PM
منممات قصصية



نشر ملحق جريدة المنعطف الثقافي المغربية (السبت 28-1 فبراير- مارس 2009)، 38 منمنمة قصصية للبرتغالي جوزي ماريو سيلفا José Mario Silva
من ترجمة سعيد بن عبد الواحد. اخترت منها هذه النماذج ليطلع الإخوة على تجارب عا لمية جديدة في مسار القصة القصيرة جدا، إن صح التعبير.
-



عود الثقاب
في كل واحدة من علب عود الثقاب تنام عشرات الحرائق.


صياد الليل

يرجع فجرا، الكلاب منهكة، ونصف دَزِّينة من النجوم في حزامه.


Weinterreise

أثناء الحفل، وبشكل لا يمكن تفسيره، بدأ ينزل الثلج داخل القاعة الساخنة فوق العادة.


نزاهة

عند نهاية الصباح، زار صديقه في المستشفى ووضع التوقيع على الجبس ( تحت هذه الجملة بالضبط: " أنا من قمت بدفعك").


كاتدرائية

وحدها الميازيب تعرف كل أسرار المدينة.


قدر

الوجه الذي تستحقه/ تستحقينه يوجد دائما في مرآة أخرى.


السارد الداخلي

هناك حكايات تجر كل شيء نحو الداخل. بما في ذلك السارد.


الروح القدس

عندما رأى حمامة ميتة على الأرض، بينما كانوا ينتخبون البابا الجديد في رومان شك في أن شيئا لم يجر كما كان يتوقع.


مبادئ في الهندسة العاطفية

إن مثلثات الحب لا تكون أبدا متساوية الأضلاع.


لحن موسيقي مرعب

كابوس عازف الكمان الأول: أن يدفن حيا في بئر الجوقة.


لعبة الروكيت

لقد خسر كل شيء في الحياة. لم يكن يريد أن يخسر تلك الرصاصة.


اللوحة التي لم يرسمها فِرْمير

لا عب شطرنج في العتمة، يرفع يده في الهواء، يفكر في المناورة.


راقصة

ذات ليلة، أثناء القفز، انتبهت إلى أن ذراعيه لم تكونا هناك.


في أعلى لوح خشبي

أذكر أن الفتيان الآخرين كانوا يجهلون حق الجهل قانون نيوتن، قبل أن يسقطوا في الماء كالتفاح.

نافذة الفرصة

على بعد خطوتين، كانت النافذة مفتوحة على مصراعيها. فاغتنم المدير الفرصة لينتحر.

Hokney

"في هذا البيت" قالت " فـ" متهكمة :" يوجد المسبح في الصالة، فوق الأريكة بالضبط"


طقس

استأصلوا الخوف من جسده، كمن يجتث دُمَّلا. ما يرعبه هو هذا الفراغ الذي تركه الخوف.


المستوى

في كل ماكان يقدم عليه كان يضع المستوى عاليا، كل مرة أعلى. عاليا حتى أنه لم يعد يراه.


بائعة الأزهار

هي أيضا تذبل فجأة، عند نهاية اليوم، دون أن يعرف أحد لماذا

-

هيمى المفتي
28/02/2009, 06:00 PM
الأستاذ اسماعيل البويحياوي

شكراً لنقل هذه المنمنمات.. رائعة جداً.. السهل الممتنع..

مودتي

محمد فائق البرغوثي
28/02/2009, 06:17 PM
قصص رائعة وجميلة ،،

وعميقة الى حد كبير رغم قصرها

جوزي ماريو سيلفا ، أليس هذا لاعب كرة قدم في أسبانيا أو الارجنتين ، ;)

يالله ، أهو كله بصب في نهر الابداع

سلمت على النقل أستاذ اسماعيل

إسماعيل البويحياوي
28/02/2009, 06:36 PM
أهلا وسهلا بالمبدعة هيمى المفتى
فعلا أختي منمنمات رائعة. فيها تأمل شفيف جدا ومنظور للحياة واقوى درجات القصصية والكثافة ولروعتها لم أشعر إلا وأنا أرقنها وأنثرها على الإخوة أحبة الإبداع. هي صادرة اليوم في ملحق ثقافي لجريدة مغربية.
كل المودة والتقدير.

إسماعيل البويحياوي
28/02/2009, 06:42 PM
هي رائعة وقصيرة جدا جدا وعميقة جدا جدا وازدادت ببسمتك التي زاوجت فتنة الإبداع الكروي بفتنة السرد والتأمل أيها الصديق البهي دوما. سأعول عليك دوما لأنقاذي وتصحيح هفوات إخراجي. رائع جدا إخراجك أيها المايسترو. شكرا ... شكرا ... شكرا...
لي أخي طلب. لقد قمت بتحيين صورتي الرمزية. ولكنني وجدت نفسي أما صورتين. قديمة وجديدة. هلا أنقذتني في الاحتفاظ بالجديدة فقط.
شلالات مودة أخي.

شوقي بن حاج
28/02/2009, 06:57 PM
أخي / اسماعيل البويحياوي

لن أكذب إذا قلت أنني لا أعرف هذا الأديب / جوزي ماريو سيلفا

ربما مر أمامي ذات يوم وهو يتجول بين الصحف والمجلات الأدبية

المهم ما قرأته هنا هو توصيف دقيق لتجارب الحياة

وكأني به وضع مرآته الداخلية ليصور لنا بها

شذرات إنسانية

فقط : النصوص كانت مكثفة جدا جدا

لكنها توصل للمتلقى رسائلها بلغة هادئة شفافة

فما علاقة هذه النصوص بموضوعي شعرية التكثيف والتكثيف

تقبل النيلوفر كله

إسماعيل البويحياوي
28/02/2009, 07:13 PM
هي أقصى درجات التأمل الذي يكثف الحياة. هي أقصى درجات تكثيف القص والحكي.
هي التشوف للإقامة في روح الكثافة. والعودة إلى منمات مثل الكاتدرائية وطقس يكشف ذلك...
بالمناسبة أهديك هذه.
أنت دائما تتمنىلللأحبة كل التوفيق .. كل المودة .. كل الورد. . كل الإبداع..
وأنا أهديك المعنى الوامض الروح المشعة خلف جسد لفظة كل.
لك النبض الصافي المترقرق في عمق عمق كل.

كمال دليل الصقلي
28/02/2009, 07:37 PM
بوركت يا إسماعيل ، فعلا هي قصيصات جميلة ، ذات تكثيف قوي ومركز . قرأتها وأعجبت بجلها.
أقول أن هذه قصص قصيرة جدا جدا ( نكاية) لكن دلالاتها طويلة جدا جدا.
همسة : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
دمت جميلا.

إسماعيل البويحياوي
28/02/2009, 08:31 PM
يسعدني مرورك، أخي كمال، لتغرف حصتك من هذه المنمنمات. هذا وقت النكاية وما بعد النكاية. مفيد جدا أن نرى أين وصل العالم في الكتابة. لنتنافس أخي في القصيرة جدا جدا فلربما نجد ذاتنا هناك.
شلالات مودة.

حسن البقالي
28/02/2009, 10:42 PM
هل صار التكثيف حصان طروادة الذي سينسف معمار مدينة القص، والشجرة التي تخفي الغابة؟
أطرح السؤال لأنني أرى توجها إلى البلوغ بالتجريب درجة محو الأثر الأدبي ككل، و"قصصية" النص واستبدال ذلك بنوع من الشذرات الحكمية والخواطر التأملية المحسوبة تجاوزا على القص القصير جدا..
التكثيف هو لغة الحلم..هو لاوعي اللغة..
هو اغتراف دلاء كثيرة من بئر المعنى يصلها حبل واحد للكلام..دال لمجموعة دوال..هو إفقار المبنى وإشباع المعنى..
هو اللغة حين تصير عمارة من طوابق متعددة يستخدم القارئ مصعدا لبلوغ أحدها أو الأدراج للتنقل بينها..
التكثيف مهم في الرواية وأهم منه في القصة القصيرة وأكثر أهمية في القصة القصيرة جدا..
لكن رجاء..
هو خاصية واحدة ضمن أخريات..
وكما قلت في حيز آخر (والواضح أن هذا التعبير راقني) لا أريد للتكثيف أن يصبح تكتيفا للكاتب ولا الإضمار ضمورا في جسد النص..
كل فكرة وشكلها النهائي..
يمكن كتابة قصة قصيرة جدا في عشر كلمات..على ألا يصير ذلك هدفا لكل كتابة وكأني بالكتاب رياضيون يسعون لتحقيق رقم قياسي لدخول كتاب "غينيس"للتكثيف.
هذه المنمنمات القصصية التي أرى الكثيرين قد أشادوا بها ليست نموذجا للقص القصير الجيد، في نظري على الأقل....ولو أنها نشرت باسم واحد عربي من كتاب واتا مثلا لما لقيت نفس الترحيب..
هي قصص لكاتب برتغالي شاب من مجموعته الأولى الصادرة سنة 2008 تحت عنوان "أثر الفراشة وحكايات أخرى"..
هذا رأيي ولكم آراؤكم..وأعتقد أن صديقي العزيز اسماعيل البويحياوي يعرفه من قبل..ويعرف اختلافنا في التصور..دون أن يفسد ذلك للود قضية..
أحيي فيك يا صديقي هذه الروح الوثابة..وولعك العميق بالقصة القصيرة جدا..لكن اعذرني..لا أستسيغ قصة كهذه تقول:
"إن مثلاث الحب لا تكون أبدا متساوية الأضلاع"
ولن أستسيغ أكثر مجموعة كاملة على نفس المنوال..
مرة أخرى هو رأيي فقط..
وكم هي عجيبة آليات التلقي..
العزيز اسماعيل
مودتي التي تعرف.

إسماعيل البويحياوي
01/03/2009, 04:50 AM
أهلا وسهلا بالعزيز حسن،
تعليقك يثير أسئلة وقضايا إبداعية كثيرة. هناك أشياء تحاورنا فيها. تعرف رأيي وأعرف رأيك عن كثب. طبعا نلتقي في بعضها ونختلف وديا حول البعض الآخر. أشكرك على تصويب جنسية القاص فقد عدت وتأكدت. لا أستطيع الرد الآن فالإنشغالاات مع خليل الجيزاوي لا تحتمل التأجيل، والفراخ تحب زيارة إفران يوم غد. أعتز بصداقتك وتشجيعاتك لي على هذه اللعنة الجميلة: القصة القصيرة جدا. لي عودة للموضوع عما قريب.
مودتي التي على بالك.

إسماعيل البويحياوي
03/03/2009, 02:28 AM
الإقامة في الانفتاح
أتفق معك فيما ما قلته حول التكثيف .. الدال بمجموعة مداليل. والكلمة، الجملة، النصيص دال يقنتص العالم، يقتنص الذات، يقتنص الرغبة، يقتنص السؤال ويطلقها تطير بحرية في سقوف المعاني الدلالات المجازات التخييلات الحقائق ..
فعلا التكثيف موجود في الحياة .. في اليومي .. في الشعر .. في الرواية .. في القصة القصيرة .. في القصة القصيرة جدا ..
فعلا هو عنصر من عناصر أخرى ..
وما دام تكثيف الدال في القصة القصيرة جدا يشتغل ضمن محفل شاسع فإن الباب يفتح نحو آليات تحقيقه اللغوية والبلاغية وغيرها .. الحذف .. الإيجاز .. الإضمار.. الاستعارة .. المجاز المرسل .. التناص .. الإيحاء .. عن سبق إصرار وترصد إبداعي واع يحقق غاية إبداعية جمالية.
أؤكد مجددا على بذرة تصوري البسيط، قيد النشوء والارتقاء، حول التكثيف ومحافله في القصة القصيرة جدا ودرجاته القصوى. وأخالفك الرأي. أنا أقرأ.. أنا أعايش .. أنا لا أرفض .. أنا أستسيغ مجموعة كاملة بنفس الاشتغال من باب إغناء التجربة وتطويرها نحو الأفضل.
لا أوافقك في (التعبير الذي راقك : التكثيف تكتيف والإضمار ضمور في جسد النص). وأرى التكثيف الشديد يحقق للقصيصة قواما رشيقا رقيقا جميلا. و انطلاقا من منطق عبارتك أقول : من اختار التكثيف الأدنى كتَّف نفسه في الدرجة الأدنى وأبقى على العظم مكتنزا شحما ولحما. وذلك اختياره وحقه. ومن اختار التكثيف باعتدال كتف نفسه في الاعتدال، واحتفظ بما اختار. وذلك اختياره وحقه. ومن اختار التكثيف الأقصى كتف نفسه فيه. وذلك اختياره وحقه. وقس ذلك على النص السمين والمعتدل والرشيق. ليس الاختيار مزعجا. ولا حق لأي كان أن يصدر حكم إعدام على اختيارات الآخرين. وما يهم هو ما يحققه التكثيف والإضمار في شتى درجاته من إبداع. وهو المقياس الرئيس في الحكم ..
قمت بنقل " منمنمات قصصية" للكاتب البرتغالي، أولا، لأننا جميعا نقيم في علبة واحدة .. القصة القصيرة جدا.. وثانيا لأنني ألتقي معها في التكثيف الأقصى ..
أنت أشرت إلى واحدة من المنمنمات القصصية لم تستغها..

مبادئ في الهندسة العاطفية
إن مثلثات الحب لا تكون أبدا متساوية الأضلاع.

فعلا آليات التلقي عجيبة هنا وهناك .. تتطور .. تتقاطع .. وتفترق ..
العنوان مثخن بالسخرية واللعب بالمعجم الرياضي الهندسي وشحنه بمدلولات جديدة. إذا كانت مبادئ الهندسة علمية متوازنة وثابتة. إذا كان المثلث ثابت وله قاعدة صلبة تضمن هويته وشكله ونسبة أضلاعه بعضها إلى بعض. فالهندسة العاطفية غير ثابتة ولا متوازنة .. رمز الحب قلب له شكل مثلث مقلوب .. خطوط غير مستقيمة ولكنها منحنيات لذة يرسمها كل شخص بشكل مختلف. قاعدته في الأعلى ورأسه في الأسفل. وشكله العلوى له إيحاءات كثيرة جدا. الحب مثلث عجيب وهندسته قائمة على الاختلال وعدم التساوي بين أضلاعه. وهنا يمكن تأويل الأضلاع بالأطراف الداخلة في هندسة القلب وأفاعيلها.
أتفق معك أن التجريب يجب إلا يؤدي إلى الضحالة. والضحالة موجودة حتى لدى العاضين على القواعد الكلاسيكية الأصيلة العتيدة بالنواجد. وأختلف معك. فالقصة القصيرة جدا مثل فراشة النور ترتحق مما لاحصر له من الأجناس الكبرى والصغرى والفنون ( شعر- رواية- قصة- خبر- نكتة- مثل- حكمة- خاطرة...) ترتحق وتفجر وتحتفظ بما يناسب شكلها الإبداعي. وهنا مظهر من مظاهر التقصير الإبداعي القصير جدا. أفاعيل الكثافة وديناميتها تمس نسيج الحدث وحبكته زمانا ومكانا وشخوصا. أنت أثرت " قَصَصِيَّة النص". أعي جيدا عدم استساغة من مارس الرواية والقصة القصيرة ثم القصة القصيرة جدا الشذرة الحكمية تحت يافطة ما هو قصصي. أسالك : لماذا لانمارس على القصصية التقصير الجمالي الإبداعي ؟ لماذا لا تتحول " القصصية" إلى مجرد فعل أو جزيء أو نواة سردية دالة على الحبكة ككل ؟ لماذا نقبل أن يكون الدال مكثفا يحمل مدلولات عديدة، ونقبل الحذف اللغوي والبلاغي ونقبل التناص الذي يجعل الحاضر غائبا والمعنى/ المعاني/ الأخبار/ القصص في كلمة أو اسم علم، ولا نقبل أن يدل الدال السردي على باقي عناصر الحبكة من باب " السيناريو" المخزن في ذاكرة القارئ ؟
لكن هناك ما هو أكثر من هذا يا حسن . هل السرد في القصة القصيرة جدا هو دائما مثل السرد العادي المبني على الزمن. أليس هناك تصور آخر أثرى وأفيد ؟
وفي الأخير اسمح لي، أخي حسن، أن أختم بهذا المقطع من دراسة الناقد المغربي محمد معتصم لقصص بسمة النسور القصيرة جدا من خلال تصور أعجبني كثيرا وأظنه مفيدا لنا :
" يقول النص الأول: هو: يواصل ارتكاب الخطايا.
هي: تواصل الغفران.
يقول النص الثاني: طوفان، ولا أثر لفلك نوح
كيف ننجوا؟!

فعدد حروف وكلمات وأسطر هذين النصيين ضئيل جدا، وهذا ما ينفي أولا عن القصة القصيرة جدا طابع السردية، أي أنها ليست نصا سرديا غايته أن يحكي، وأن يروي أحداثا. إن القصة القصيرة جدا لا تروي، أي أن الزمن فيها ليس متسلسلا ومرتبطا بتعاقب الأحداث أو أنه محكوم بحركة الشخصية على مساحة الحكاية (الكتابة). هذه خاصية أولى تجليها القصص القصيرة جدا لبسمة النسور. وإذا لم تكن القصة القصيرة جدا سردية، فما هي إذا نوعيتها؟ هل يمكن أن تكون شعرا؟ إن للشعر أيضا سرديته، خاصة الشعر التقليدي والقصيدة التفعيلية الدرامية، حيث تسلسل الوقائع والأحداث. إنها النثرية.
وتقود النثرية- انفصال أجزاء الحكاية وبناؤها على التقطع بدل الانسجام والتجانس والهرمونية والتراتبية- إلى إحساس الكاتب بالزمن: إنه مكثف ومتقطع، وعميق. أي انه لا يسير سيرا متقدما كالزمن الخطي الفيزيقي بل يسير باتجاه الأعمق، أي التمركز في وحول ذاته، يحفر في اللحظة ذاتها، ويتحرك في ذاته وفي موضعه. (هو) -في النص- يرتكب (الخطايا) وما يزال (ماضيا وحاضرا ومستقبلا) وذلك ديدنه، (هي) ما تزال تتجمل بالغفران وذلك ديدنها. أي أن كينونة الصوتين، لا الشخصيتين، متمركزة في فعل/حركة واحدة لا تتقدم نحو التطور والتنامي وخلق أحداث جديدة بل تقوم بالفعل ذاته. وهنا يصبح مفهوم الزمن مختلفا تماما، مختلفا عن طبيعته الأصل، وهي التطور والتقدم الخطيين. وهذا الذي بهر بيرترند روسل عندما اكتشف السينما، وشاهد صيرورة الفيلم. إنه الحركة المتطورة، حركة الشخصيات، نماؤها، تنوع الأحداث وتطورها، تماسك الحكاية وانتقالها بالتدرج من البداية حتى العقدة (الذروة) ثم النزول نحو الحل والنهاية. القصة القصيرة جدا تدمر هذا الهرم، إنها تركز أقانيم الهرم (زواياه) في نقطة الصفر. البداية والعقدة (الذروة) والنهاية شيء واحد. أي غياب الحركة الأفقية، وغياب الزمن الفيزيقي وحلول الزمن النفسي أو الزمن الافتراضي الباطني والذهني محله، ذلك الذي تدركه الأ فهام الفهيمة وتغفل عنه الأذهان المثقلة بالنموذج وبالبطء والتراخي… "
مودتي الثابتة.

عبد الرشيـد حاجب
03/03/2009, 06:36 AM
شكرا أستاذ إسماعيل ليس فقط على الباقة الجميلة من القصيصات التي أتحفتنا بها ، بل أيضا الاثراء النقدي الذي قدمته في ردودك اللاحقة والذي يكشف عن اشتغال جدي بمسألة تبدو شائكة.
لكن - وبصدد التكثيف دائما -أتساءل هل نحن مقبلين على تغير جذري في ذائقتنا ؟
شخصيا قرأت عشرات القصص القصيرة جدا ولا أكاد أذكر منها جميعا سوى قصصا تعد على أصابع اليدين ! بينما لا زلت وبعد مرور أكثر من ربع قرن أذكر قصصا لتشيكوف ويوسف إدريس مثلا.
ماذا يعني هذا ؟
هل يعني أنني لا أواكب العصر ؟ هل يعني أن ذائقتي كلاسيكية ؟
بالمقابل إنني أذكر جيدا أكلات فلسطينية مثل المقلوبة أو مغربية مثل الطاجين مثلا وأتذكر معها الأجواء الإحتفالية التي صاحبتها بين الأصدقاء ،لكن أعجز عن استرجاء لذة همبرغر في لندن أو باريس رغم أني أذكر أني تلذذت بها لحظتها !
هل يعني ذلك أن القصة القصيرة جدا هي غذاء سريع يشحذ الذهن ويستفزه دون أن يترك أثرا يذكر ؟
أقول هذا لأني رأيت الناس في العالم أصبحوا يعيشون على الأكل السريع ، فهل يمكن للقصة القصيرة جدا
- خاصة بهذا الشكل المعروض أمامنا هنا - أن تحل محل الفنون السردية الأخرى؟ بعبارة أدق هل يعتبر انتشار هذا النوع من الكتابة مواكبة لعصر ما يمكن تسميته بثقافة "المسج " مثل الذي نرسله عبر الهاتف النقال؟ هل هو تحول للفكر البشري نحو عقلية الحاسوب بحيث يصبح مثله يعمل بالتشفير ؟
لكن العقل الحاسوبي يقوم على قاعدة بيانات طويلة عريضة فكيف نستطيع أن نملأ العقل البشري بمجموعة من الرموز ؟
أستطيع أن أفهم كيف يتقبل مثل هذه الومضات ناس في مثل سننا تربوا في أحضان الرواية الطويلة واكتشفوا القصة القصيرة في المعطف لكنني لا أستطيع أن أتصور ماذا تقدم مثل هذه "النكايات " لشاب يافع في مقتبل العمر ؟
هل يعني هذا أن القصة القصيرة جدا فن نخبوي ؟ خاصة وأنها تأتي أحيانا مشحونة برؤى فلسفية ليس من اليسير فك رموزها قبل احتواء معانيها ؟
هذه مجرد تساؤلات مرتجلة أثارها ما طرح على هذا المتصفح الغني ..وقد نعود للموضوع.
شكرا لك أستاذ اسماعيل وأتمنى أن يستمر مثل هذا النقاش الرائع.
تحياتي الأخوية.

حسن البقالي
03/03/2009, 03:30 PM
العزيز اسماعيل
الاختلاف جميل وضروري حتى لا نستحيل إلى صور مستنسخة لنفس النموذج..
والاختلاف لا يعني المصادرة على رأي أو توجه الآخر أو رفضه..فلا أنا أرفض اجتهادات الآخرين، بل تحدثت عن عدم استساغة..عن ذائقة لا عن حكم ..أبين اختلافي وللآخر مطلق الحرية في أن يتبع دربه الخاص.
وإذا كان الاختلاف ضرورة وجودية فالحوار ضرورة اجتماعية وثقافية، وليس من المفروض أن يفسد علاقة إلا ضمن البنيات الاجتماعية القائمة على امتلاك الحقيقة وحب الذات (الشئ الذي ينطبق على مجتمعاتنا مع الأسف).

بعد هذه النقاط المبتسرة التي تذكر ببديهيات لنعد إلى "خروفنا" خوسيه ماريو سيلفا..
إننا شعوب تعيش على اجترار إحساس بالدونية إزاء الآخر.ولذلك فكل ما أتى من الآخر لن يكون إلا جميلا ورائعا وعميقا..والمحصلة أن هذه "الأقاصيص" المترجمة لكاتب شاب من مجموعته الأولى لا بد أن تكون "رائعة جدا" و "رائعة وجميلة وعميقة" وإذا لم تكف "جدا" واحدة نضيف أخرى لتصبح "رائعة جدا جدا"... طبعا لأن الكاتب (اسباني)..
فما الجميل والرائع والعميق في هذه القصص؟
ذهبت عزيزي اسماعيل إلى تحليل قصة "مثلثات في الهندسة العاطفية" ، وأشهد لك ببراعة التحليل.لكن حتى لا أطيل في هذه النقطة أقول بأن ما ذكرته لا يزيد قيد أنملة عما أدركته من القصة وما يمكن أن يدركه أي قارئ مهتم، فما الجديد فيها؟
إنها مجرد سطر إخباري تقريري مضمنه معطى مستهلك حد الابتذال في الأدب والمسرح والسينما...وتلاميذ الابتدائي الذين يعرفون المثلاث متساوية الأضلاع باتوا يعرفون الآن اختلافها عن مثلثات الحب.. فهل قدمت لنا "القصة" معرفة؟ هل منحت لنا لذة؟ أم أنها مجرد تنضيد سطر لغوي ضحل مبنى ومعنى ودون أفق؟
تحدث روني جيرار في "الحقيقة الروائية والكذب الرومانتيكي" عن مثلث آخر أسماه مثلث الرغبة وقدم من خلاله رؤية تحليلية لروايات عالمية مثل دون كيشوت و مدام بوفاري..على اعتبار أن هناك وسيطا ثالثا بين رغبات البطل (ة) والعمل على تحقيقها في الواقع.
"الوسيط" هنا في مثلث الحب لا يكتفي بدور الوسيط بل يصبح شريكا ويكسر العلاقة الثنائية ويفتحها أيضا على شبكة معقدة من الاحتمالات.. ويقدم لنا الكاتب الألماني "غونتر ديبورن" في روايته "الحمار" ترجمة صنع الله إبراهيم نموذجا جميلا وممتعا عن مثلث الحب..
أكيد أن الرواية غير القصة القصيرة جدا، لكننا لم نبرح الأدب بعد. وعلى الأدب أن يكون أدبا وإلا أصبح قطعة لبان مستهلكة ودون طعم.
والسؤال هو: هل هذه القصة مجرد حادثة في مسار كاتب "كبير"؟
أخشى أن الجواب بالنفي..فسواء عدنا إلى قصة "عود الثقاب" أو "كاتدرائية" أو weinterreise حتى لا أذكر غير هذه كنماذج..نعم في عود الثقاب عشرات الحرائق..ثم؟ والميازيب وصناديق القمامة أيضا أكيد أنها تعرف أسرار المدينة. لكن..
ما أراه محبطا بالنسبة لي على الأقل أن تقدم قصص كهذه بوصفها نماذج للقص الجميل..
قبل سنة أو يزيد كتب صديقنا الجميل حسن برطال قصة هذا نصها:
"لم يبق من نصيبه في( الشبكة) سوى(سمكة) مبعثرة"
فكتبت له تعليقا منتقدا..قبل أن أجعل من "سمكته" هيكلا ل"سمكة" أكبر..بنيت على هيكل قصته قصة ثانية هذا نصها:
"ذات أمسية ظليلة, نضد كاتب قصة الجملة التالية: "لم يبق من نصيبه في( الشبكة) سوى(سمكة) مبعثرة"(1), ودفع بها الى الصدور بوصفها قصة قصيرة جدا..
لنفترض أن الكاتب يتحدث عن رجل يعتاش من صيد السمك , وأن حظه العاثر أوقعه ذلك اليوم في سمكة مبعثرة لا غير.. وفي هذه الحالة يتوجب علينا أن نقدم جوابا على هذا السؤال: كيف يتبعثر السمك في البحر؟
أما الإفتراض الثاني, وهو الأقرب الى العنوان فالشبكة هنا لا تعدو كونها شبكة للكلمات المتقاطعة في جريدة تداولتها أيدي زبناء كثيرين لنفس المقهى, قبل أن يحين دوره ويصادف آخر الكلمات: سمكة مبعثرة.
يبقى الإحتمال الآخر , هو أن الشبكة ليست شيئا آخر غير الحياة, بكل صخبها و تشعباتها وأقدارها الغامضة, والتي لم يكن حظه منها غير التمزق وجروح في الوجدان.
حدث أن عاب أحد النقاد على الكاتب أن يعتبر الجملة السابقة قصة يقدمها للقراء باطمئنان, فالقصة أسمى من أن تحتل المساحة التي تملؤها جملة هزيلة..لكنه الآن, وهو يقلب فيها الفكر ويخوض في التأويلات المتصادية , لم يعد له نفس اليقين السابق.
لقد صار بإمكانه أن يجزم بحقيقة يتعذر إنكارها, وهي أن جملة واحدة يمكن أن تشكل قصة, تماما مثلما يمكن لقصة أن تحاكي العالم."
هنا ليس مجال مفاضلة بين قصتينا ، فلك خاصياته في الكتابة وما أود أن أقوله أن قصة حسن برطال أكثر غنى وانفتاحا على الشعاب الدلالية من قصص الكاتب البرتغالي.
ونفس الشئ يمكن أن أزعمه بصدد مجموعتك قيد الطبع، فحين أقرأ لك مثلا قصة "تماسك"، فهي على تكثيفها وإيجازها تجول بي عبر أزمنة وفضاءات وتحكي لي حكايات عديدة علي أن أعيد صياغتها بشكل تركيبي..
كلما قترنا في العبارة ينبغي أن تتسع الرؤيا وإلا فسنكون قد فشلنا في تقديم شئ للقارئ..وأنا لست ضد الإيجاز والتكثيف إلى أقصى حد ممكن..أنا ضد أن يصبح الرهان الوحيد للكتابة مع إهمال الأسس الجمالية التي تصنع أدبية الأدب وافتقاد التنوع الذي يعكس تنوع الحياة والطبيعة..
في الختام أتركك مع هذه التمرينات التي كتبتها في بحر عشر دقائق باستثناء "القصة" عن الروح التي تعود إلى وقت سابق..أقدمها عنوانا للاستسهال في كتابة "القصة القصيرة جدا" وأكيد أنك لن تجدها ضمن مجموعة قصصية لي:
* حين انتبه وجد لظله شكل ذئب
* كلما سألوني عن الروح ذكرت اسمك
* حدثته عن مثلث الحب فذكرني بمثلث بيرمودا
* لماذا كلما رسمت زهرة اشتممت رائحة الخديعة؟
* منذ سنين وهي حبلى بشئ ما لم تلده بعد....
مع تحياتي الودية

إسماعيل البويحياوي
04/03/2009, 03:22 AM
أبادلك صادق التحية والشكر يا عبد الرشيد،
أعجبت بمعرفتك الواسعة وذاكرتك القرائية الثرة التي ذكرتني بما قرأناه أيام زمان. أنا يا عبد الرشيد كهل من مواليد 1960 بمدينة الرباط. خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنفس المدينة . فعلا لا يحتفظ الوجدان إلا بالروائع والإبداعات الحقيقية في الرواية والشعر وكل فنون الكلام التي تتجاوز الزمان والمكان.
ما قلته عن القصة القصيرة جدا وأنت تربطها بوعي وعمق بخلفياتها والعوامل التي ولدتها وسياقها صحيح. هي فن وليد مفتوح يصعب أن نتكهن بمآله. ربما هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة نفسية واجتماعية تلقي عليها الأضواء وتجلو الكوامن بعد أن تستقر وتتضح معالمها أكثر.
قرأت تعليقك هنا وقرأت كذلك نصك " ابني كاتب قصة قصيرة جدا" و الملاحظة المذيلة له " ملاحظة : القصة خيالية وأي تشابه مع شخصيات واقعية لا شك حدث عن سابق إصرار وترصد لا شعوري." أعجبتني السخرية وحضور عبارات أحب استعمالها أنا الآخر. طبعا اختلاف الرأي حول القصة القصيرة جدا لا يفسد للود قضية. لكنني قلت مع نفسي : عبد الرشيد، علاوة على النقد والكتابة والدينامية ، يملك موهبة وقدرة إبداعية في توظيف السخرية وشحن الكلمات والعبارات بمعاني ومداليل باسمة وأحيانا نافذة وواخزة، و لو وظفها في كتابة نصوص تعالج الاجتماعي والنفسي والسياسي سيحقق أشياء مهمة نتمتع بها جميعا.
دمعت على إبداع أيها الساخر.

إسماعيل البويحياوي
05/03/2009, 02:11 AM
أهلا وسهلا أخي حسن،،
بداية أعتذر عن التأخر في الرد.
فعلا وأكيد أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، بل يرسخ الود والاحترام ويثري حبل الوصال الفكري والإبداعي والإنساني. وحوارنا أمس عبر الهاتف كان دليلا على ذلك.
لن أعود إلى ما طرحناه سابقا وظللنا نختلف فيه، لكنني أؤكد أن استساغتي لمجموعة كاملة على شاكلة الكتابة المكثفة لا يمكن أن يحرم القاص من ولوج محطات وتجارب أخرى.
إنني أتساءل : بعد التجربة الأولى/ الولادة ( أشرب وميض الحبر). والتجربة الثانية ( طوفان) التي كان لي الشرف – وفي حضن الاختلاف- أن تبصم عليها بكلمتك إضافة إلى تقديم الناقد العزيز الذي على البال. والتجربة التي أنا بصددها الآن. وقد سعدت كثيرا برأيك فيها. أقول ماذا سيكون بعد ؟ إقامة مخلصة دائمة في القصيرة جدا كما أحلم ؟ أم رحلة إلى القصة أم الرواية أم ماذا ؟ الله وحده يعلم أين تجري بنا رياح الغد مع الكتابة. لذلك أخي حسن رغم القناعة المرحلية والاستساغة للكثافة أردد : أين ستحط الرحال ؟
لا أريد الرجوع للمننمات فاللقاء معها هو أساسا في جوهر الاشتغال. ما زلت عند رأيي. أقول إن مسألة المعنى خطيرة جدا. وهي من أسباب تعدد القراءات والتأويلات التي تدفع بركب التحليل والإبداع إلى الأمام. بعض النصوص تلتحق ببنى تخييلية معروفة وتقدمها بطريقتها الخاصة. والقليل النادر من النصوص هي التي تؤسس لبنى ومنظورات وتخييلات جديدة في تاريخ الإبداع الإنساني. لن أذهب بعيدا، ولكني أراك في ردك علي ناقدا منصتا للنصوص يملك أدوات نافذة لقراءة ممكنة وعميقة، إن ربطت بالسياق الأجناسي للمنمنمات ووجدت إليها منفذا ملائما سوف تستنطقها وترتحق منها الكثير. طبعا إن استحقت رغم رفضك لها وفق رأيي المتواضع غير أنك تراها مجرد خبر.
أحييك كثيرا على جرأتك الصادقة في طرح هذا الحيف الذي طال أمده. لماذا مغني الحي لا يطرب ؟ أين الخلل أخي حسن ؟ هل يجرأ ذوو الاختصاص على الجهر أن من بين كتابنا من هو أفضل من كتاب الغرب ؟ المسألة عميقة جدا. الأستاذ والتلميذ/ الأنا والآخر النموذج/ تجربتا في مقابل عمق التجربة الغربية/ لحظتنا/ عنق الزجاجة الذي نتلظى فيه.
أعجبني تحليلك لقصيصة الزميل حسن برطال وقصيصتك وقصيصة عبد ربه. عدم الإنصاف خطير وتلك لعنة من لعنات الكتابة الكثيرة أخي.
بسمة جميلة جدا كلماتك التي كتبتها في عشر دقائق. يحدث لي أن أكتب الكثير في زمن كهذا ويحدث لي أن أظل أياما وأياما مع قصيصة حتى تستقيم أو أطلقها لأنها كانت طلقتني قبل أن أكتشف الأمر متأخرا..
أهمس لك : من قال إن الدفق الإبداعي لا يمكن أن يداهمنا- وفي كل الفنون - في دقائق ؟ طبعا هذه القصيرة جدا تكتب في دقائق أحيانا، لكن فكرة قصة قصيرة أو رواية قد تستقيم هي الأخرى في دقائق بعد الاختمار.إ ذا أخذت وقتك مع هذه البسمات حتما ضيق العبارة سيلد رؤيات واسعة شاسعة. بعض الحرفيين يصنعون العجب في لحظات وأحيانا يغضب عليهم شيطان الإبداع فينتظرون حتى يهدأ سيادته. أذكر أن ذلك وقع لنزار قباني وتوقف عن الشعر لسنوات. ولما التقاه مغربي بالصدفة سأله عن شعره فانهمر وعاد الماء إلى المجرى.
آخر الكلام يا حسن أن الإبداع يبقى إبداعا ولا تهم الوسيلة والآليات. المهم عدم الاجترار والارتحاق الواعي كما أقول دائما عن سبق إسرار وترصد إبداعي يصبح بعد تكرار المحاولات طوع الكاتب يفلق به المعاني والحالات ويحلق في سقوف المجازات والتخييلات.
مودتي الصافية.