المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حبنظل بظاظا 3



محمد مزكتلي
01/03/2009, 11:20 PM
نفس المنظر السابق مع تغيير بسيط لابد أيه السادة من الأشارة إليه.
فقد أختفى كرسي العرش والخنزير جلس على ظهر رجل جثا على يديه وركبتيه.
الخنزير..لم ألتقي بأبي علي الزئبق إلا مرات قليلة,لأنني كنت منشغلا دائما بتحقيق رغبات زوجته دليلة.
ههو الان مشردا سكريا مدمنا,يبكي دائما وينوح.
يعاقر الخمر ليلأ نهاراً في حانة حقيرة تدعى الغراب المذبوح.
عندما تزوجت أمي من ابي,واقولها هكذا ليكون كلامي صريح.
فهي التي تزوجته وهو لم يتزوجها,فالعكس هنا غير صحيح.
كان ابي سيد الرجال وزعيم الصعاليك,دوخ صاحب الشرطة وأقض مضجع سلطان المماليك.
كان فارسا سجاعا مغوارا لا يشق له غبار,ذاع صيته ودارت شهرته على كل البلدان والامصار.
كان قويا كالثور منكاحا كالأسد جميلا كالغزال فألهب قلوب العذارى و أحرق قلوب الرجال.
ومن جملة ما ألهبه أبي من قلوب النساء,كان قلب أمي التي دعته ذات ليلة إلى العشاء.
كانت وقت ذاك شابة ساحرة الجمال طاغية الفتنة والأغراء,وأبي يؤكد دائما أنها في حينها لم تكن عذراء.
كانت تريد أن ترضي غرورها وتحقق أنوثتها وتثبت أنها أفروديت عصرها,لكن أبي هجرها في نفس الليلة بعد أن أكل عشاءها.
وتؤكد أمي بأني كنت حصاد هذه الليلة العصماء,وأبي ينفي ذلك بشدة ويصفها بالكاذبة البلهاء.
لم أقف طويلا عند هذه المهاترات الصفيقة,فكلنا لا يعلم عن أي شيئ مهما سعى إليه سوى نصف الحقيقة.
أما الحقيقة الكاملة التي لا أعرف سواها هي أنني حبنظل بظاظا.
المهم لقد ترك أبي أمي في تلك الليلة وهي تتلوى من غيظها.
فأقسمت بجمالها على أن تمرغ أنفه بالتراب أنتقاما لكرامتها.
لقد أرادت أن تسيطر عليه وعلى من معه من الصعاليك,لتضرب بهم من كان ينافسها من أعيان المماليك.
لكن الرياح لم تجري كما أشتهت أمي فقلبت مركبها أمواج إباء وعنفوان أبي.
ومن يومها صار أبي عرضة للمصائب والهزائم والويل المنظم,فإن كيدهن عظيم وكيد أمي دليلة أشد وأعظم.
ولم تخمد نارها إلا حينما حولت أبي إلى رجل سكير محطم.
الببغاء.. لا تلوموا أمي أيها السادة ولا تحقدوا عليها فإنما فعلته هو عين الصواب.
فهذا الرجل المخبول حاد عن طريق الواقع وأتجه نحو السراب.
ترك ترف القصور ودفئ الخمور ولذة الأطعمة الفاخرة والشراب.
ترك نعومة الحرير ولذة السرير مع حسناء فاتنة في ريعان الشباب.
ترك كل هذا وسكن الكهوف مع الكلاب يشرب بولها ويأكل الذباب.
وفوق كل هذا فإن صعاليكه بايعوا أمي على أقفية الجواري وكركعة النخاب.
فبربكم ألا يستحق هذا المعتوه أضعاف ذاك العقاب.
الخنزير.. كانت أمي أحياناً ترسلني لأعطيه بعض النقود فأدور على الحانات وأسأل عن حي موؤد.
ولما كنت ألقاه كان يرميني بنظرات ترعبني,فأرمي له النقود وأهرب مخافة أن يضربني.
لكنه كان يلتقطني من رقبتي,ويرفعني عالياً ويطوحني في الهواء.
فأفرفح بأطرافي وهو يضحك ويصرخ بصوت كالعواء.
أنظروا إلى هذا الجرذ القبيح وهو يطير كنسر في الفضاء.
إن أمه الكاذبة تدعي بأنه أبني,ودليلها على ذلك هو أنه يشبهني.
حقا إنه يشبهني كما يشبه الذباب الفراش,ويشبهني كما يشبه البلبل الخفاش.
فيسرع الجميع وينزلوني من بين يديه,ويرتمي أبي متهالكا مخفيا وجهه بيديه.
رغم كل القرف و النفور الذي كان يرسمه ابي على وجهه,فقد كنت اقرأ فيه خطاً يقول لعلني كنت حقا ابنه.
صحيح انه كان يمسكني باقصى قوة لديه الا انني كنت اشعر بحنان يسري من خلال يديه.
وصحيح انه كان يضربني حتى يبكيني,إلا انه كان حريصا دائما على ان لا يؤذيني.
الحرباء..لم أكن ادري بان ابي يحب امي هذا الحب الشديد,عندما اسرعت اليه لازف له خبرها السعيد.
لكنه صفعني وبصق على وجهي ومنعه الحراس من فعل المزيد,ثم اجهش بالبكاد والنحيب واختنق بالآه والتنهيب.
لقد سعت امي دائما الى وصاله,وكانت على الدوام تطلب لقائه.
لكنه كان يرفض بصورة قاطعة,ويصفها بالمحتالة المخادعة.
رفض أبي كل شئ كل شيئ حتى محاولاتي لانتشاله من تلك الحانة الحقيرة.
عرضت عليه منصب الوالي,وقاضي القضاة وقائد الجيش,وان يكون له الف جارية وسريرة.
إلا أنه وبعناد البغل رفض كل ذلك,وفضّل أن يبقى صعلوكا ينام في الطرقات والمسالك.
الببغاء..لكنني أنا السلطان المعظم سلطان بغداد ومصر جرجرته رغماً عنه وأحضرته مقيداً إلى القصر.
لأبقيه تحت جناح سطوتي وهيبتي,ولأبعده عن أستغلال الأعداء الساعين وراء كشف عورتي .
الخنزير..هل عرفتم الأن أيها السادة من هو أبي؟,هل تشاهدوه؟,أنظروا أمامكم.
ولينظر كل واحد منكم بدقة وتأمل,أنزلوا نظراتكم نحو الأسفل والأسفل.
آه أخيراً أيها السادة لقد عثرتم عليه,نعم هذا صحيح إنه ذلك الرجل الذي أجلس عليه.
بربكم!؟.أكان عبر العصور سلطانا يجلس على كرسي مثل هذا الكرسي.
طبعا لا..فأنا سلطان غير عادي...أنا حبنظل بظاظا.
نهاية الجزء الأول