المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفض التعدد بين الموروث الثقافي .. وإلحاح الحال



أشرف نبوي
02/03/2009, 11:54 AM
رفض التعدد بين الموروث الثقافي .. وإلحاح الحال
أري ومعي البعض أن المنهجيه الفكريه القائمة علي الموروث قد تبدلت علي مر العصور ومرجع تبدلها كان العرف أحيانا والعقيده حينا أخر وبقي يزكي هذا التبديل والتغير - ولا أقول التطور- لانها تراوحت خطوه للأمام وخطوه للخلف في أغلب الاحيان - وأعني هنا بالخصوص أمر التعدد في الزواج والذي أنا بصدد مناقشته هنا بشيء من التفصيل.
إذا عدنا إلي عصور قديمة كعصر الفراعنه وجدنا إن المخطوطات تشير إلي فكره التعدد وقبولها من حيث المبدأ حيث كان الملك إله وله الحق فيما يشاء ، تلى ذلك عصور إنحسرت وتمددت الفكره لكنها بقت كما ذكرت تراوح بين الرفض والتأييد العرفي والعقائدي، وحتي لا ندخل في تفاصل ليس المجال هنا ذكرها أختصر فأقول إن ظهور الدين المسيحي والتطور الذي طرأ فيما تعلق ببنود الزواج أسس لقاعدة الزوجه الواحده وحرم ما عدا ذلك ولكي أكون منصفا فهذا كان طبقا للكنيسه الكاثولوكيه ،
أما فيما يتعلق بجزيرة العرب في فترة الوثنيه وقبل الاسلام فقد كان التعدد متاحا عرفا وبغير تحديد لعدد الزوجات ، بل وكان التمتع بالجواري يفتح الباب علي مصرعيه أمام الرجل لإتخاذ خليلات كثر ، ثم أتي الاسلام بتقنين أحسبه الافضل لمسألة التعدد وهو أن يعدد الرجل بحد أقصي أربع ، وقد تبحر العلماء في تفسير منطقية هذا التعدد وذهب بعضهم في محاولة إيجاد تعليل مقنع ومنطقي مثل نقص عدد الرجال عن الإناث بسب الحروب وحوادث العمل والنزاعات وغيرها – لكن أنا وبعيدا عن هذا كله أري إن ما يشرع لنا يجب تقبله بدون محاولة لتفسير أو تبريره ،
وأتذكر هنا طرفه سمعتها من الشيخ العلامه يوسف القرضاوي ، فهو يروي إنه كان يراسل مستشرق منذ سنوات وكان يناقش معه عدة قضايا شارحا له وجهة النظر الإسلاميه فيها ، وأتي ذكر التعدد وقد عتب المستشرق علي الشيخ ذاك التضييق الذي أتى به الأسلام وهو أربع فقط ، وحين أستفسر الشيخ منه كيف هذا والدين المسيحي يحرم الزواج بغير واحده ، فشرح المستشرق للشيخ ضاحكا إن الدين المسيحي قد يجبره علي عدم الزواج بغير زوجته لكنه مهما خادن وصاحب من عشرات النساء فأنه يغفر له من قبل رجال الكنيسه ( ممثلي الرب حسب زعمهم ) لهذا فهو يعتبر التعدد المحدد بأربع ، وتحريم أي علاقات خارج هذا الإطار تضيق ليس له داع .
وفيما تلي ذلك وتحديدا قبل تحكم الميديا في شئون حياتنا وتغلغلها بهذا الشكل وتوجيهها لكثير من تصرفاتنا ، وطبقا للموروث كانت مسألة التعدد من الأشياء التي لا نقاش فيها هذا علي سبيل العموم ولا أقصد إنه لم تكن حالات تخالف هذا العام ، ثم ظهرت الحركات التحرريه للمرأه في بداية القرن العشرين وسرعان ما ظهر الإعلام بوسائله المقرؤه وتبع ذلك ظهور التلفاز وبدأ أثر ما يقدم خاصة وإنه في منطقتنا العربيه كان رواد هذا الإعلام من المسيحين وأولاد الطبقات الراقيه الذين كانوا في مجملهم قد نالو تعليمهم في أوربا وتأثرو بالثقافه الغربيه التي تؤسس لعدم التعدد بل وتحرمه ، لهذا أتت كل الرويات والقصص والأفلام التي تقدم لتدعم تلك الفكره وتؤصلها ،
وبعد مرور عقدين لا أكثر أصبحت فكرة التعدد فكره غير مقبوله خاصة في البلدان المنفتحه إعلاميا كمصر ولبنان وبعض دول المغرب العربي ، وظلت تلك الفكره مسيطره لردح من الزمن ، وكان الزواج الثاني يوسم دوما بأنه خيانه وظلم إلخ ، وبعد ذلك وتبعا لمتغيرات إقتصاديه وعقائديه وظهور التيارات الدينيه علي الخريطه من جديد وطرح أفكارها السلفيه ونقاش هذه الافكار علي المستوي الإعلامي ، بدأ بعث فكرة التعدد يلوح في الأفق من جديد وكما ساهم الإعلام بشده في تواري تلك الفكره - لكونه أصبح المحرك الرئيس في حياتنا والمغذي الاول لأفكارنا - فقد ظهرت أعمال تزيل الصوره السلبيه عن فكرة التعدد وتنفض الغبار عنها ،
ثم تلى ذلك توجه عام يتبني الفكره وحاول أن يظهر بعض إيجابياتها ، حين طغي وألح الحال الذي أصبح عليه كثيرين وكثيرات وتفشت العنوسه إما لأسباب ماديه ، أو ثقافيه وتعليميه حيث تمكث البنت لتتم تعليمها وتري تسرب سنوات شبابها من بين يديها ، اما الرجل فهو يعاني الامرين حتي يستطيع تأثيث بيت الزوجيه ويتأخر في الزواج حتي يحقق مراده ، وحين يري غن ثمار جهوده قد أتت أكلها وأصبح بمقدوره الزواج باخري فأنه يقدم علي الخطوه بثقه ، خاصة وأن شعوره بأنه قد عاني الكثير يزين له الفكره ، ووجود كثيرات قد فاتهم قطار الزواج أو يخشين من أن يفوتهن ، يجعل الامر ميسرا وقابلا للتنفيذ.
وقد إنعكس هذا الحال الذي أطل برأسه في وقتنا الحالي ، علي الأعلام فظهرت أعمال سينمائيه وتلفزيونيه تمثل نتاج فكري وادبي ، تؤسس لفكرة التعدد من جديد وتبررها كفكره ترتكز علي أسس وتمثل حلول وتحل مشكلات وتنفي فكرة أن تكون هي مشكله في حد ذاتها لدي البعض ، وأكاد اجزم أن هذا التوجه ومع ثبات وإستمراريه تأثيره سيكون له اليد الطولي في تقبل الجميع لفكرة التعدد من جديد ، ولا استبعد أن يصبح الموروث الثقافي بعد عقدين يرتكز بكامله علي فكرة التعدد وتقبلها بكليتها أجتماعيا ، وانا هنا لست بصدد الحديث عن الشرع او الحلل والحرام لكي لا ينظر للموضوع من هذه الوجه التي هي خلافيه بالاصل وتحدث فيها الكثيرين من فقهاء الامه ، انا هنا - ليكن الامر واضحا – اتحدث من وجهة نظر تقبل المجتمع وعدم تقبله للفكره ، والصراع الذي يحتدم بين واقع الحال بقسوته ، والموروث الثقافي بسطوته .
اشرف نبوي