المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أدب الغربــــــــة



حسن عبدالحميد الدراوي
05/03/2009, 10:51 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال مصعب بن عبدالله الزبيدي: قال لي رجلٌ من أهـــــل الأدب ،فارسي النسـب : إن ثلاثة ضـروب من

الرجال لم يستوحشوا في غـربة ،ولم يقصـــروا عن مـكـرمة : الشجاع حيث كـان ، فبالناس حاجة إلى

شجاعته وبأسه ، والعَالِمْ فبالناس حاجة إلى عِلمه ، والحلو في اللســـان فإنه ينال مايريد بحلاوة لســــانه،

ولين كلامه ، فإن لم تعط رباطة الجأش ، وجرأة الصدر ، فلا يقوتنك العلم ، وقراءة الكتب ، فإن بها أدباً

وعلماً قد قيدته لك العلماء قبلك ، تزداد بها في أدبك وعلمك .

وعندما اختلط العرب بالأمم الأخرى شـرقا وغـربا وامتزجت الأجناس العربية بالفارسية والرومية والأفريقية

عبر المصاهرة والمخالطة وخشــي الغيورون على العربية من ذوبانها ، وتناثر خصائصها بمرور الأيام

وكر الليالي ، ومن ثم فقد الصلة المباشـرة بالقرآن أوصعوبة فهمه على الأبناء اللذين ولدوا وتعلموا
بسم الله الرحمن الرحيم
وعاشوا في الغربة لذا هـرع رجال مخلصـون لأصولهم وجذورهم العربية فجمعوا مـاشاء لهم أن

يجمعوا من خطبٍ وقصصٍ وأشـعار وأخبار العرب الأولين وذلك ليتدارسوا وليستقوا من المعين الصافي

لثراث الآباء والأجداد وركـزوا على مـاقالته الأعــــراب ونفروا نفورا شـديدا مما قالته الحاضــرة

والحواضـــــر واستعانوا في هذا التراث بمعاجـم اللغة العربية المشـهورة مثل :{ العين والجمهـرة ومقاييس

اللغة والصـحاح والتهذيب والمخصص والقاموس واللسان وغيرها الكثير الكثير .

وذلك للتعرف على ماوهبه الله لهؤلاء من فصاحة في القول ، وبداهة في مختلف المواقف ، من أنفةٍ وصدق

، وبعد عن التزلف والتزيد في المديح ، والذي لا يحسـنه إلا مصطنع مكتسـب فكان العرب في غـربتهم من

أحـاســن الأخلاق بين أجناس وأقوام يعيشون بينهم بل وزاد من ذلك أفعال المكارم التي فعلوها والمستمدة

من تراث مليئ بالقيم والمبادئ فهناك العديد والعديد من الأسر العربية التي عاشت وتعيش خارج الأرض

العربية مازالت متمسكة بتقاليدها وموروثها الثقافي فليالي رمضـــان والأعياد والجمعة وصلاة الجمعة

والتزاور في الأفراح والعزاء عند الموت .

مازالت تلك العادات مـوروثاً ثابتاً محفوراً ومحفوظاًفي ذهن وخاطرة مَنْ يعيش حارجأسـوار الوطن العربي .

فالهم السياسي دائما يشغل بالهم ومشاكل وطنه تعيش معه فالأديب المغترب يسجل اغتراباته الجسدية والفكرية والنفسية مستخدما الأسطورة الشعبية من مخزون ذاكرة التراث الجمعي له .ولا شيئ عنده إلا أن يتعلل بالأمل والحلم فهو خيط البقاء الذي يلوذ به للتخفيف من حدة الثنائية المتصارعة دائمة التوتر والتي يرتكز عليها المغترب .
فالاغتراب ليس مرضا كما أنه ليس نفحة علوية ولكنه شئنا أم أبينا ســــمة جوهرية لوجود الإنسان وأعتقد أنها سمة للوجود الأصيل في الحياة .
ولعل الأديب برى في التنقل والاغتراب في البلدان المختلفة سفرا أعمق في الحياة لأنه يجد فيها العناء والألم والشقاء .
والحقيقة إن أكبر معاناة للمغترب هو الشعور بالعجز حيال قوى جبرية قاهرة فالاغتراب بوصفه ظاهرة في الأدب العربي كان ومازال شديد الاستجابة للمقتضيات الاجتماعية والسياسية في العصر فلا ينموالاغتراب بعيداً عن المناخ العام للمجتمع ونتيجة لمرارة تلك الأوضاع وتوالى النكبات والهزائم السياسية التي يمر بها الوطن العربي عامة أمكن للأديب أن يوظف الظواهر الفنية المختلفة للتعبير عن الفكر الإجتماعي له .
فهذا الاغتراب الاجتماعي الذي يشعر به وخصوصا القادمون من الريف يجعل حياتهم صورة من الشقاء في
الغربة لأن البهــرجـة الزائفة وحياة المدينة تجعله دائماًيـحـن للعودة والرجوع لموطنه الأصلي .
ولكن تظل الغربة له غـــربة ويظل الألم هــو هـو ودائما يعيش بفكره وخاطره في وطنه الأصلي .

وصدق المثل البلدي القائل : {
الغــــربة كُـــــــــــربة } .