المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أدب الفـكـاهـة



حسن عبدالحميد الدراوي
09/03/2009, 11:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أدب الفكاهة أوأدب المزاح من الآداب الشعبية الممتعة حيث إن الأدب العربي يزخر بهذا اللون من الفنون والآداب .
فبعض العصور العربية والإسلامية تركت آثاراً ميزته عن غيره فهذا عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين ممن ترك تراثا لهذا الأدب الرفيع غير المبتذل وهذا العصر العباسي الذي أضفى طابعاً على الطرفة والمزاح .
فامتزج هذا النوع من الأدب بما كانت عليه المجالس والمسامرات وما كان يتخللها من ابتذال وإمعان في اللهو والانسياق وراء المتعة والملذات .
ولأهمية أدب الفكاهة في حياة الناس لجأ إليه الكثير من العلماء والأدباء فاشتغلوا به حيث إنه يضيف إلى ثقافة المتلقي أو المتذوق فائدة عظيمة فلقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين أنهم كانوا يمزحون فقال صلى الله عليه وسلم :
{ روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت }
وكما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لامرأة من الأنصار : الحقي زوجك فإن في عينه بياضا .
فبدا عليها الضيق والامتعاض ، فقال لها : خففي عليك ، إن في عيني بياضا .
وكان نعيمان بن عمر بن رفاعة بن الحارث وهو من أهل بدر مولع بالمزاح وكثرة الضحك ، ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان يستمتع ببعض مزاحه ولعل مارواه ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار مَثل حي على أنه لا ينكر المزاح .
خرج نعيمان مرة مع أبي بكرٍ الصديق إلى بُصرى وكان من الخارجين إلى الحرب بدوي اسمه سـويبط ، وكان موكلاً بالزاد ، فجاءه نعيمان وقال له : أطعمني ، قال : لا ـ حتى يأتي أبوبكر ، فقال نعيمان : والله لأغيظنك ،وجاء إلى أناس معهم نوق فقال لهم : أتشترون مني غـلاماً عربياً قوياً ، إلا أنه كثير الادعاء وربما يقول لكم إنه حـر ، فإن كنتم لا تشترون فدعوه ولا تفسدوه على ، قالوا : نشتريه منك بعشر قلائص ،فباعه لهم . وأخذ القلائص وساقها حتى وصل بها إلى المعسكر فعقلها ، ثم قال للمشترين : دونكم الغلام ، هـا هـو فخذوه ، فقالوا لسـويبط : قد اشتريناك ، فثار وقال : هذا كاذب ، أنا رجل حــــر .
قالوا : قد أخبرنا بذلك ، وحذرنا من دعاويك ، ووضعوا في عنقه حـبـلا ومشـوا به ولما جاء أبوبكر وعرف مـا حدث لســـويبط ، ذهب وبعض صحابته ، وردوا القلائص إلى أصحابها واستردوا سويبطا ، ثم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك من هذه الفعلة حولا كاملا .
ويروى عن أبي هريرة أنه كان محبا للمُزاح والدعابة فكان يفاجئ الأطفال وهـم يلعبون فيلعب مـعهم .
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن المُزاح في الكلام كالملح في الطعام فكما أن الملح ضروري للطعام ويصلحه ويجعل طعمه طيبا وشهياً ومستساغاً فإن زيادته عن الحد الضروري تكرهه النفس وتجعله غير مستساغ .
ومراتب الضحك تبدأ بالابتسامة ثم الاهلاس ثم الهنوف ثم الافترار ثم الكتكتة ثم القرقرة ثم الطخطخة ثم الهزرفة وهو أسوأ مراتب الضحك .
ومن أشهر مؤلفات الأدباء في هذا الفن كتاب البخلاء للجاحظ والبيان والتبين وكتاب الحيوان وكتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان وكتاب المحاسن والأضداد .
ومن الكتب البارزة في هذا الأدب كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وكتاب المستطرف وطوق الحمامة لابن حـزم وكتابي أخبار النساء ، وروضة المحبين ، لابن القيم الجوزية وكتابي أخبار الأذكياء ، وأخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي وكتاب لطائف اللطف ويتيمة الدهـر في محاسن أهل العصر للثعاليبي وكتاب الظرف والظرفاء لأبي الطيب الوشاء وكتاب عيون الأخبار لابن قتيبية إلا أن الفكاهة لم تظل على طبيعتها بل كانت تســــتخدم لأغـراضٍ ترفيهية كأن تكون للشكوى أو السخرية والتهكم .
ومن الشعر الذي نظم للشكوى في إطار الفكاهة من الفاقة مـا قاله الشـــاعر المـصــري الشهير بابن الأعمى ، ولم تقف الفكاهة عند حـد الأدب الراقي الذي تكتبه الطبقة المثقفة أو الطبقة الأولى في المجتمع بل إن الفكاهة أصبحت ضـمير الأمـة ولسـان حال البسطاء فتكلمت عن همومهم اليومية ومعاناتهم فكانت شخصية البطل الشعبي لهذا الفن جحا تدور حول المعاناة من الفقر ولوم الزوجة وغيره فنراه تكلم عن هموم الناس في عصره وشخصية جـحـا متكررة في كل الأمم والشعوب كالترك والفرس وحتى الغرب فهذا { جوكـر } إنما هـو اشتقاق من جـحـا العربي .
فأدب الفكاهة من الآداب المهمة في حياة الانسان العربي حيث تخلصه من هـمومه ومتاعب الحياة .

حسن عبد الحميد الدراوي