المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آراء نقدية في شعر د. شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
09/03/2009, 12:06 PM
مــــن الآراء النـقـديــــــة
في شــعــر د . شــاكـر مـطـلـق

أ ) :
حـول ديـوان " معلقة كلكامش عـلى أبـواب أوروك " الصـادر عـن دار الإرشـاد
حمص / سورية عام 1985 .
1 - فريد جحا (الأديب المعروف والموجه الاختصاصي للغة العربية وآدابها سابقا بمديرية التربية في حلب )
من رسالة شخصية :
" – مقدمة الديوان الأولى ماتعة في عفويتها و صراحتها و صداقتها و حبذا لو طالت .
- سعدت كثيرا بقراءة الشعر الغزلي ، شعر الشباب ، و الشعر الذي رافق حياتك ، و كانت سعادتي أكبر بما أفدت مـن معلومات عن ملحمة ( كلكامش ) و بما استخدمت فيهـا مـن رمـوز وإسقاطات .
- الديوان جيد في إخراجه ورسومه وصوره وخطوطه ، و شعره ، و سأعود إليه مــرة أخرى ، في قراءة متأنية أسجل بعدها دراسة عنه "*"
"*" نُشرت ، بعدها ، دراسة مطولة عن الديوان .

2 –الشاعر المرحوم ( رفيق فاخوري )
من رسالة شخصية : بتاريخ 01 / 4 / 1985 .
" … و أنا الآن في سبيل مطالعته بشوق و إمعان ، يحدوني إلى الاستزادة من محاولة الكشف عن معانيه و صوره و أسراره ، الذكرى الحبيبة إلى نفسي ، ذكرى الأيام الخالية التي كـان فيها الطالب ( شاكر مطلق ) يلهج بالشعر العربي و يستظهر الرّائق المختار من فنونه ويبزُّ
أقرانه بقوة عارضته و بيانه و طلاقة لسانه .
سأحفظ لكَ هذه اليد التي تحقق لقارئ ديوانك متعة و تجد له فائدة في إطلاعه على بعض ما خفي عنه من أسرار الأدب المعاصر . "

3 – الشاعر المرحوم عبد لله يوركي حلاق :
- من دراسة نشرت في مجلة " الضاد " – حلب العدد 6 حزيران / 1985 -
" … و ها هو الدكتور شاكر مطلق … يطلع علينا ، و على عالـم الشـعر و الشـعراء
بملحمة " كلكاميشية " - كما يطيب له أن يسميها – ويودعها أرق الشعر و ألطفه ، وأكثره
جزالة و أصالة و نغما حلواً يطرب السمع و يبهج القلب و يثبت أن قيثارة الخليل بـن أحمد
الفراهيدي ، قادرة بأوتارها الخمسة عشر ، على إبداع أعذب الألحان و ابتكار أروع المعاني و أكثرها تألقا و شموخا و نبلاً . "

4 – الأديب الشاعر المرحوم " عبد المعين الملوحي " :
- من دراسة نشرت في ( تشرين / دمشق ) بتاريخ 10 / 2 / 1986 العدد 3496 -
" … يحافظ الشاعر في كل قصائده ، على موسيقى الشعر و يستعمل الأوزان الشعرية
الأصيلة ، ولكنه ينوع في الأوزان و يقسم العبارات و الأبيات ، مع الإبقاء على وحدة البيت
و وحدة الإيقاع . و الغريب في شعر شاعرنا أن هنالك فرقا شاسعا بين المضمون ، و هـو
مضمون رفيع المستوى ، و بين الشكل الذي لا يصل إلى مستوى المضمون بل قد ينحدر عنه
انحداراً خطراً في بعض الأحيان … "

5 – تحت اسم مستعار لجده " عبد المجيد آل مزعل " نشر الأديب المرتحل الدكتــور
" عبد اللطيف الراوي " _ رئيس قسم اللغة العربية في جامعة البعث-حمص _ دراسـة في تشـريـن
دمشق بتاريخ 29 /12 / 87 ( العدد 4062 ) منها ما يلي :
" … أقلب صفحـة … صفحتين … عشـرين … خمسين … كـل صفحات قصائد المرحلة الأولى … أقرؤها سريعا و أبتسم … ذلك هو شاكر مطلق … أراه ، كما الآن ، شـاباً يافعاً
يتفجر حماسة … أأستطيع أن أتجاوز كل القصائد دون أن أمنحها شيئا غير الابتسام؟ …
أبداً لن أقدر ، لأن قصيدة ( قصة إنسان) تعيدني إلى أيام الخمسينيات حينما كانت توقيع
المتواتر للتفعيلة يشدنا لأننا ما زلنا أسرى موسيقى الشعر التقليدي (…) و حينما كنا نتصور
عبد الوهاب البياتي شاعراً للثورة لا يبارى ، مع أنه لم يكن أكثر من نظَّام اتخذ الشعـارات
السياسية متكأً و صعد على حساب السياب الشاعر الحقيقي …
نعم فقصيدة شاكر مطلق ( قصة إنسان ) استوقفتني بحق ، لأنني حين أمعنت النظر فيهـا
وجدتها أفضل مرات كثيرة من أغلب قصائد البيات في الخمسينات ، و لا أدري مـا الـذي أعاق شاكر مطلق عن نشرها ؟ أهو صغر سنه آنذاك أم الحياء أم ماذا ؟
… مع أن طاقة شاكر مطلق الشعرية تظهر في الشكل المعاصر أكثر مما تظهر في التقليدي .
… حين تقرأ الملحمة سوف تدرك أن شاكر مطلق مأسور بذلك الذي يسمونه الولـه ، و أنـا
أسميه التوحد .
شاكر مطلق في ( معلقة كلكامش ) يعيدنا سعداء … أبطالاً مرفوعي الرأس … يبشرنـا
بميلاد ( إنك يدو)و انتفاض ( جلجامش ) من رحم الأرض التي يحبَّان … إنه إرهاص بعودة الحياة ثانية ، بعد أن رفع الكثيرون راية الاستسلام للموت ."

6 - الناقد المرحوم أحمد المعلم :
- العروبة / حمص 31 / 5 / 1986 العدد ( 6494 ) - :
" … قد يكون مفيداً استخدام الشاعر لبعض المفردات القاموسية الغريبة ، بغية إحيائها ، إلاَّ أن
هذا الفعل يُغيّب لغة الحاضر ، و يجعل من القصيدة قصيدةً تعيش في جوّ تغريبي لا يختلف عن الشعر الذي يحاكي الشعر الغربي ، و يعيش بعيداً عن واقعنا الاجتماعي ، و عن واقعـنـا
الثقافي والفكري و التراثي ، و عن اللغة في أسس بنيانها الموحَّد بالفكر . "
7 - فاديا شحيبر :
" … ختم الشاعر ديوانه بأشعار على طريقة القصيدة اليابانية ( الهايكو) ، و قـد وُفـق الشاعر في هذا الضرب من الشعر ، إلى حدٍّ بعيد ، يشعر معه القارئ بوجود شــلالٍّ عنيفٍ من الأحاسيس ، يتدفق داخله ، ليلامس أبعد نقطة في الشعور ، و لكن في إطـارٍ من الغربة الخارجية الكاملة ... "

ب ) :
حول ديوان " تجليات عشتار " الصادرة عن دار الكتاب للنشر في حمص عام 1989

1 _ الشاعر المرحوم د . خالد محيي الدين البرادعي ( من تقديمه للديوان على الغلاف الأخير ) :
" … و يحقق د . شاكر مطلق قفزة نوعية في تجليات عشتار … و يتحرك بكثير مـن الثقـة بالذات و التمثل الجيد للموروث الشعري و الأسطوري ، في محاولة جادة لإعمار قصيدته ، و إخراجها من عجينة الشعر … "

2 - د . رضوان قضماني ( كلية الآدا ب – جامعة البعث / حمص ) .
- العروبة – حمص 414 / 1989 العدد ( 7336 ) - :
" … و لم يكتف الدكتور شاكر مطلق بتطوير الومضة لتكون قادرة على الرسم بالحدث بل لتكون أيضاً قادرة على القص الشعري و نقل المونولوج الداخلي … و هكذا تأخذ الومضة
عند الدكتور شاكر مطلق ، في تركيبها جميع أبعادها اللسانية … لتعبر _ بالتالي _ عن عالم
الشاعر ورؤاه معاً ، مهما تعقدت تلك الرؤى ، و مهما تعددت و تلونت … "

3 - الأديب المرحوم ( أديب عزت )
في " الموقف الأدبي " دمشق العدد ( 212 / 213 ) كانون الثاني 1989
" … إن الشاعر مطلق يحاول أن يعيد للشعر شيمته الجوهرية ، أن يتصل بالحكمة و يوغل في تأمل المصير الإنساني ، و يصوغ فلسفته لحياته في نار التجربة . يبدأ مطلق اكتشـاف الأشياء البسيطة ، و يمعن في ألفتها ، و يسترسل في تلافيف الروح … "

4 - الشاعر ( إسماعيل عامود ) :
" الأسبوع الأدبي " – دمشق 10 / 5 / 1990 العدد ( 212 ) - :
" … شعر ، الومضات ، ليس هروبا من اقتفاء ( وحدة الموضوع ) أو ( وحدة القصيدة ) في
الحداثة الشعرية الآن على الأقل ، و إنما هي قد تدخل في عالم " التحديث " و ليس " الحداثة "
… و هنا لا بد لي من أن أؤكد أن " عشتار " الشاعر مطلق هي بالفعل ، و من خلال شفافية القصيدة ( تجليات ) ، أنثى جسد يعزف على قيثارها شجونـه و مبتغـاه … و هو يحاول أن يطـأ أبعاداً شاعرية ملونة بأكثر من قوس قزح … "

5 - الشاعر الناقد محمد علاء الدين عبد المولى :
- العروبة 27 / 8 / 1989 العدد ( 7449 ) - :
" … بالنسبة للشكل الفني في المجموعة ، فقد جاءت القصائد ، بشمل عام ، قصيرة ، بين
الومضات و مقاطع الهايكو ، و المقطوعات الأخرى ، باستثناء القليل من القصائد ذات الطول
- المهـرجان مثـلاً – و هذا يدل في رأيي على أن ذات الشاعر في زمنـه لا وقت لديها إلاَّ للومضات و اللقطات السريعة ، و قد جاءت الصور الشعرية أيضا بنوع من التكثيف ، حقـق للشاعر ، امتيازاً في مسألة الشعر … "

6 – الشاعر أحمد دوغان :
- العروبة 3 / 7 / 1993 العدد ( 8990 ) - :
" … و يتابع الشـاعـر تكوين عشقه في لغـة تعي الموروث الشعـري الذي يضعك في مواصفات بناء فني يتحد فيه هذا الموروث مع الثقافـة الواعيـة و التمكـن من تقديم نـص جديد … نلمس في حداثته النص عند شاكر مطلق رؤيـا فنية بدءاً من المفردة التي تشـكل صورة ثم إلى الجملة التي تعطي تركيباً لتنداح في تماوج شعـري لا يتململ فيه الشكل و لا
يضيق عنه المضمون … "

7 - الناقد غازي التدمري :
- العروبة 26 /9 / 1989 العدد ( 7423 ) - :
" … إن الشاعر د . شاكر مطلق في ومضاته و قصائده القصيرة جداً ، إنما يحاول أن
يعبر عن شاعريته المفردة … الموظفة … المالكة لأ دواتها و هي تحاكي العقل و تناجي الفكر، و تدغدغ القلب و تعبر باختصارٍ و إيجازٍ عن علاقاتٍ و صلاتٍ : و أزمان و أمكنة
بأقل الكلمات و أندر الصُّور … "

8 – الشاعر غسان لافي طعمة :
-العروبة 13/4/ 1989 العدد(7344) -:
" … ولعلّنا لا نجامل و لا نغالي إذا قلنا أن الدكتور الشاعر شاكر مطلق يغذُّ السير في مسيرته الشعرية تحدوه الموهبة و الثقة بالذات ، و يعينه تمثل للثقافات عربيها وغريبهـا
و تنهض به ، قبل هذا و بعده ، حالة إنسانية صاخبة هادئة ، جارحة ملساء ، يريد أن يرسمها
بالكلمات ، رسمـاً غنياً ، فقد ينجح و قد يخفق ، و لكنه في الحالتين يمارس طقوس الشـعر المقدسة … "

9- الناقد المرحوم أحمد المعلم :
-العروبة 6 / 8 / 1989 العدد ( 7431 ) - :
" … أذكر، من حديث لي مع الدكتور شاكر مطلق أنه قال : إن شعر الومضة – كما أصر على تسميتها - أو البطاقة - كما يسميها غيره – لا تروي ظمأ الشاعر الفنان إلى كل ما فيمن الأحاسيس تجاه العالم و الكون و الواقع و ها نحن ، بعد مضي فترة من الوقت لا بأس بها
نجد الشاعر مطلق ، في ديوانه الجديد ( تجليات عشتار ) ينصرف إلى التعبير الشعري ، عن
طريق الومضة تقريباً بشكل نهائي . فما الذي حـدث للشـاعر الدكتـور ؟ … أعتقد أن هذه الطريقة الشعرية ، المأخوذة عن الشعر الياباني ( يقصد الناقد طريقة الكتابة على نمط الهايكو)
قد تزيد من تواصل الشعر العربي مع الشعر العالمي ، ليس هذا فحسب بل إنني أعتقد أن هذه
الطريقة ، ستفتح المخيلة لينا على آفاق جديدة لم نكن نعرفها من قبل … فطريقة التعبير هذه
لا أخفي إعجابي بها … "
=====================
ج )
حول ديوان " زمـن الحـلـم الأول " دار الذاكرة – حمص 1995 م .

1 : الناقد المرحوم الأستاذ عدنان بن ذريل :
( " زمن الحلم الأول " – الظرف الإنساني عبر غلائل التساؤل و التناقضات )
نشرت هذه الدراسة في جريدة " الـثـورة " – دمشق بتاريخ 13 / 2 / 1991 العدد ( 8475 ) – منها:
" …إلا أنها كلها تمتاز بعفويتها ، و بصدق الشاعر فيها مع النفس و الواقع و الحياة لا تكلف فيها و لا مواربة في القول ، و هذا ما يكسبها قوتهـا و جمالها ،سيما و هي في معظمها من النوع الحياتي ، التأملي القائم على الكشف و أيضا الاستكشاف … و صولاً إلى آفـاق السـر الكوني و لنفل أيضا السر الوجودي … و قد تناوب في المجموعة الرصد للواقع ، و الرصـد
للرؤى … و أما من جهة المقومات الموضوعائية التي استهلكها الشـاعـر أيضا في إيصاله الشعري ، فالملاحظ أنها ظلت تحوم حـول تناقضـات الحياة ، و تلهج بالتقابل بين المادة و الروح في اتجاه استشراق الأفق الإنساني و بالتالي الوجودي … و لا نجد في الديوان الذي يضم ثمانين قصيدة و مقطوعة غير مقطوعة واحدة تتحدث عن ( الفـرح ) حد يث التحولات
السريالية التي تملأ قصائد الديوان … "

2 الأستاذ ( المرحوم ) أديب عزت :
" زمـن الحلم الأول و جهد التمييز " – جريدة الثورة دمشق 1 / 12 / 1995 العدد ( 8415 ) – منها :
" … و الشاعر د. مطلق في مجموعاته الشعرية السابقة حاول و بجهد و إخلاص أن يستشرق
المستقبل و أن يمنـح الرؤيـا ، كما في حياته العلمية … و تشع قصـائد هـذه المجموعـة بالومضات الشعرية التي لها أبعادها و إيحاءاتها من خلال عناق الوجع الإنسان ، و الوقـوف
بشفافية و صلابة في آن معاً مع كل المعذبين في الحياة … "

3 – الشاعر و الناقد مصطفى خضر في تقديمه للمجموعة :
إنها " شعرية حديثة تتجاوب مع الأسطـورة و تحاور الأعماق فترجع إلى زمان الحلم الأول و الذاكرة الأولى في ومضات شعرية تكتفي ببنيتها الخاصة دون اصطناع أو ادعاء … "

4 – الشاعر و الناقد جميل داري :
( " زمن الحلم الأول " امتزاج الذاتي و الخاص بالإنساني و العام )
جريدة تشرين – دمشق بتاريخ 20 /3 / 1991 العدد( 5014 ) منها :
" في عناق حميمي بالغ الصدق بين الحلم و الواقع يجهش الشاعر شاكر مطلق بالقصيدة لائذا بظلها الظليل فراراً من هجير الد نيا …
إن الومضات الشعرية في ديوان " زمـن الحلـم الأول " تتشبث بتلابيب الروح و ترش على ظمئها السرمدي رذاذ الشمس و قلق البراكين المقموعة و الأعاصير المعتقلة "
في زمن الحلم كثر فيه الشعراء و قل الشعر يأتي " زمن الحلم الأول " صاعقاً مباغتاً ، محدثاً
فناً شعرياً أخاذاً لا يمكن للنفس إلا أن ترتاح إليه و تغفو فـي حضنه غفوة رضيع على إيقاع حنون لأم رؤوم .
في قراءة أولى للديوان خرجت بهذا الانطباع ، ثم أعدت القراءة مراراً فتوطدت و تأكدت قناعتي أنني أمام شعر حقيقي … "

5 الناقد المرحوم أحمد المعلم :
( الومضة في " زمن الحلم الأول " )
جريدة البعث – دمشق تاريخ 5 / 3 / 1991 العدد ( 8491 )منها :
" … و يبدو أن عنوان الديوان الحالي يقدم إشارة واضحة إلى عالم بدئي كان الإنسان يحيا فيه على سجيته الأولى . أما عنوان الديوان السابق " تجليات عشتار " فهو إشارة كبيرة إلى هذا العالم ألبدئي في توهج الإنسان فيه و فهمه للحياة و الوجود …"

6 الشاعر إسماعيل عامود :
" زمن الحلم الأول " لشاكر مطلق
الأسبوع الأدبي / تاريخ 24 / 10 1991 العدد ( 284 ) منها :
" … ذلك لأن لكل " كلمة " أو " حرف " معنى أو رنة أو صدى أو لوناً أو وئيداً خاصاً به
يتخيله المتلقي أو يترجمه حسب حال اللحظة الراهنة … و الشاعر شاكر مطلق لا يبتعد عن
ذاته ، أي أنه يرصد ما حوله جيداً ، فكأنه يكتب " يومياته " بشكل مشوق إن لم أقل بشكل جميل و صادق …
وفي ذلك لا يبتعد عن مدار " الصوفية " في "حالاتهم " القصوى – إن صح لي هذا التعبير--
إنه شاعر الـبـرقـة القائمة هذا " المطلق " و أنا أميزه من شعراء جيله ، بأنه وضع لهويته الشعرية سمات خاصة و متفردة … إن شاكـر مطلـق يجيد بشكل أو بآخر تكثيف الصورة الشعرية و ليس " ضغطهـا " أو " يرصهـا " و في تكثيفه لها يمد بالخيال إلى بعيد ، و هذه ميزة الشاعـر في " فـنـه " … و هنا يبلغ الشاعر قمة الانفعال و التفاعل مع ومضته هذه (محارب) ، التي لم " يرقَ " إليها بعد شاعر معاصر في جيل مطلق على الأقل …"
7 الأستاذ نصري مغامز :
" زمن الحلم الأول " _ شعر_
مجلة أوراق _ الإمارات _ تاريخ 19 / 11 / 1992 العدد ( 177 )
" … أما لماذا يختار الشاعر تلك العوالم الغريبة ليكتب عنها ذلك ؟ لأنه في يومياته لا ينفصل عن تلك الأساطير بل يحاول أن يستعيدها ليعيد تشكيل خارطة جسده وروحه . و يحـاول أن
يسقط تلك الأسطورة على شهده الحاضر بفنية جميلة تعتمد على " الومضة " .
إن جدة الموضوع و تنوعه كلها تساعد على خلق أجواء معرفية جديدة ، لها حضورها في النفس البشرية …"

8 الناقد رياض فاخوري :
( " زمـن الحلـم الأول " للدكتور شاكر مطلق : ومضة شعرية تلتمع في الروح و الجسد )
جريدة الأنوار – بيروت – 24 / 1 / 1991 العدد ( ؟ )
" … و يغني الشاعر ، فيما غناؤه طقس أبدي يغلف " زمـن الحـلـم الأول " لتولد القصيدة
الجديدة … "

9 الأستاذ ممدوح لايقه :
( زمن الحلم الأول – الذاكرة الأولى )
الأسبوع الأدبي – دمشق تاريخ 16 / 4 / 1992 العدد ( 308 ) منها :
" … المهم أن حالة الدهشة قد تحققت ، لتجعلني أستذكر طريقة السورياليين في إرغام المتلقين
على التناغم مع لوحاتهم …
إن خلف هذه البساطة البادية في الألفاظ لفتات ذكية مكثفة ، و في هذه الجرار النبيذ المسكر
إن شاعراً يتغلغل في الوجود ، يتشربه ، يذوب فيه ، لقادر على صناعة الحكمة ، فكيف إذا كان عاشقا ماهراً ، و صياداً بوهيمياً ، وطبيباً لمرايا الناس ، و قارئاً لها ( العيون ) ؟ … "

10 – الدكتور الباحث الشاعر المرحوم عارف تامر :
من رسالة شخصية بتاريخ 2 / 1 / 1990 منها :
" زمن الحلم الأول … كلمات حلوة مؤثرة … نغم عاطفي … خيال بعيد … و موسـيقى
ناعمة تدخل إلى الأعماق .
ليت أصحاب مدرسة الشعر الحديث … الغارقين في خضم رمزية مجهولة ، و المتنكرين
للنغم و للموسيقى و للأوزان … ليتهم ينهلون من معينك ، و يتـفيَّأون ظلَّك . تهانيَّ و شكري
و محبتي و إلى المزيد من هذا العطاء الرائع . "

11 – الشاعر الباحث ( المرحوم) عبد المعين الملوحي :
من رسالة شخصية بتاريخ 11 / 2 / 1991 منها :
" أخي الدكتـور شـاكـر تحية و شوقاً . وصلتني هديتك النفيسة في 8 / 2 / 1991 ، و هي مؤرخة في 14 / 11 / 1990 ، فشكرت لكَ فضلك .
بدأت بقراءة الديوان " زمن الحلم " و أنا على يقين أني سأعجب به كما أعجبت بدواوينك السابقة . أرجو لكَ مزيداً من العطاء الطيب و دمت لأخيك . "
=========================
د )
حول ديوان" ذاكرة القصب " الصادر عن دار الذاكرة حمص عام 1993

1 _ الشاعر الناقد جميل داري :
جريدة تشرين – دمشق تاريخ 28 / 9 / 1994 العدد ( 6046 )
" … شاكر مطلق يجيد فنه الشعري تماماً ، يقصي المفردة عن معناها القاموسي و يدنيها من روحه ليضفي عليها معنى آخر ، من خلال وضعها في سياق شعري أخاذ ، و كم كان خليقاً
به لو أنه تخلى عن بعض التعابير المستهلكة و شبه الجاهزة … و لكن عمـوماً فالمقـطـع الشعري تأخذ به المفردات برقاب بعضها بتكثيفٍ مدهشٍ ، فكل مفردة تنبض بالشعر الزلال .
… أجواء قصائده مشحونة بالقلق الإنساني و التوتر و الغضب المكتوم و العصف الجميل ..
و حين يتعب يلوذ بمملكة النوم .. غير أنَّ لهب القلق ، في داخله ، يوقظه فإذا به يركـض
" حافي اليدين " في طرقات الشعر … و هو بذلك يهَبُ الشعرَ القدرة الفائقة على توصيل المغزى الواقعي لتجربته الذاتية .
إن شاكر مطلق حريص على تقاليد الشعر العربية حرصه على الحداثة نفسها . إن ديوان
" ذاكرة القصب " يثبت أن الدكتور شاكر مطلق ليس طبيباً للعيون فحسب .. بل هو طبيب للقلوب أيضاً . "

2 الشاعر الناقد محمد علاء الدين عبد المولى :
" الشاعر شاكر مطلق … يثير ذاكرة القصب " – دراسة مطولة في " الأسبوع الأدبي "
دمشق تاريخ 2 / 6 / 1994 العدد ( 414 ) منها :
" … إن الشاعر( شاكر مطلق ) طرح علينا كوناً شعرياً بوجه جديد يسمح له بأن يدعيه
لنفسه و يمكن أن يدخل في إطار إبداعه الذاتي . ..الشاعر ينحاز ، في كثير من المواقف
إلى الصمت ويجعل منه موقفاً أمثل … و يمكن أن أعتبره من المفاتيح المتكاملة التي ندخل بها عالم المجموعة ..( حيث ) يتشكل ، من خلال الصمت ، عنصر المعرفة … فدائماً عين
الشاعر صامته ، و هي في صمتها تمتلك القدرة الخارقة على الرؤيا ، لأن الكشف الشعري
لا يحتاج إلى ثرثرة … ( حيث ) الومضة اختصار للمشاهد و الرؤى ، و إدخالها في إطار الصمت لتمتلك إمكانية الإفصاح أكثر عن مدلولاتها و موحياتها .
… إن هذه الإشارة إلى " عين بوذا ) تسمح لنا بأن نرى كل مواقف الصمت لدى الشاعر من خلال " بوذا " و لنا أن نسمي صمت الشاعر بالصمت البوذي … هي ليست بوذية سطحية … إنما تتجه لتقول ما لا تراه أو ما لا يقوله المرئي .
… و الحقيقة أن الشاعر في هذه المجموعة ، مع كل هذه التكرارات ( للطفل ) الضرير و الصمت ، فإنه خرج بحرية منهما ، فهو الذي رأى و هو الذي تكلم و جعل من سلبية هاتين الصفتين ، محرضاً على الإبداع .
… تأكيد الشاعر على موضوع الانتظار … الباحث دوماً عن ، و المنتظر دوماً لشيْ لأنه
أداة كشف ، لا وصف .
- مماهاة الأنثى مع رمز عشتار .
- قصائد المجموعة تنطلق من ذاكرة عربية .

3 الشاعر الناقد طالب عبد الرحمن هماش :
الأسبوع الأدبي – دمشق – تاريخ 29 /3 / 1997 العدد (555 ) منها :
" … إذ تتضح معظم أعماله بنغمة طقوسية تحتفل بولادة الأشياء و طفولتها . فالولادة حاضرة دائماً في قصائده ، تفيض برعشات التفتح و الإشراق … و بذلك يكمل طقسه الشعري اعتماداً على أساطيره المطورة ، بما يتناسب و رؤيته الشعرية .
إن التوجـه نحو الطقس الأسطـوري ، ليس هربا إلى اللاواقع أو الحلم ، بل هو محاولة للتوصل إلى الواقعية الأكثر منطقية في الكون الموضوعي .
إن الشاعـر .. يؤسس رؤيتـه الشعريـة المعنويـة من اللاواقـع أو من الشرايين الخفية لموجودات الطبيعة . "

4 _ الشاعر خضر عكاري :
" قراءة في ذاكرة القصب "
جريدة الثورة – دمشق تاريخ 11 / 2 / 1996 العدد( 9925 ) منها:
" … شاعرنا شاكر مطلـق ، من الذين يحبون ويعشقون حتى التصوف قراءة " الأساطير "
و خاصة " الميثيولوجية السورية " لذلك تراه منشغلاً بومضاته الشعرية حيث " كلما ضاقـت
الرؤية اتسعت العبارة " و يمكن أن أقول : " كلما اتسعت العبارة تماهت الرؤية " – إن صـح
التعبير – تناغـم فـي الرؤيـا ، و تواصل في محبة الأرض ، و انغماس في صيرورة هذه الكائنات .
في ديوان " ذاكرة القصب " لشاعرنا شاكـر مطلق ، تعب مضنٍ ، و لهفة تتوارى خلف ربوة من الدهشة ، برق و رعد ، مطراً يطل إلى حد الإعصار الذي يدمر ما حوله ، و أعتقد
كقارئ لشعر الشاعر " مطلق " أنه من لا قدرة له أن يدوس على جمر الإيمان ، لا يستطيع
مواكبة قصائد الشاعر الموغلة في الأسطورة و الرؤية المحببة . "

5 – الشاعر الناقد خالد زغريت :
الدكتور شاكر مطلق في جديده . " ذاكرة القصب " من الانسحار بالأسطورة … إلى التسحير بالومضة "
دراسة منشورة … بدون مراجع . منها :
" … إصرار الشاعر على خلق أجواء شعرية احتفالية ، تتواتر فيها شخصانية الأسطورة ، عبر دربة أسلوبية امتد ت على مساحة مجموعاته و ألهمته ملَكَةً شعريةً خاصةً لها تفرداتها
الإبداعية و ممايزتها الفنية التي تخلق جاذبيتها و تؤكِّـد مساحةً في الذاكرة الشعرية المعاصرة .
و لا يمكن لمتتبع تجربة الشاعر شاكر مطلق إلاَّ و أن يستشعر التطور و التجديد الدائمين
اللذين يتمايزان في كل مجموعة جديدة من سابقتها ، و هذا ما يدعو لتملي هذه التجربة التي
تسعى بصدقٍ لللانفتاح على شعرية جديدة ، لا تعرف الانغلاق و الانكفاء . "

و )
حـول ديوان _ " يا أبانا ! يا أبانا _ مكاشفات العارف "
د . شاكر مطلق _ دار الذاكرة حمص _ سورية طبعة أولى 1997

1 – المرحوم الأديب الأستاذ د . عبد السلام العجيلي:
من رسالة شخصية بتاريخ 22 / 2 / 1997 :
" شكراً لهديتك الشخصية الثمينة ، الرائعة مظهراً و جوهراً ، " مكاشفات العارف "
إنها مكاشفات صوفي معاصر ، تحوي تهويمات الماضي و تَحرُّر الحاضر ، و لا تتردد في إطلاق التساؤلات القديمة في إلحاح و جرأة .
وفّقكَ الله وزادك إلهاماً و عطاءً .

2 _الشاعر أنور عمران :
( قراءة في مكاشفات العارف ) الفينيق – عمان الأردن تاريخ 1 / 9 / 1997 العدد 26 منها
" في مجموعته الشعرية الجديدة ينجح الشاعر الدكتور شـاكر مطلـق في محاورته لجدلية
(الوجود _ العدم ) و يحاول أن يهب لقامته الإبداعية ظلالاً جديدة ، عبر تحاكِّه مع المكاشفة
كحالة وجدانية رائعة من مرايا الفضول الإنساني … و يمكننا تتبع القصيدة ( الديــوان ) وفق الخطوط الآتية :
أولا : ذاكرة القصيدة …
ثانياً : طوباوية القصيدة …
ثالثاً : جغرافية القصيدة …
وهكذا تتوزع القصيدة على مساحة مئة وست وثمانين صفحة متقنة لمقابض الفلسفة الصوفية و لتراكماتها …

3 –الشاعر غسان لافي طعمة :
( روضة الشعر ) – العروبة / حمص تاريخ 26 / 2 / 1997 العدد( 9632 ) :
" … الشاعر د . شاكر مطلق يوغل في رؤاه الإنسانية الجوَّانية ، مجموعة بعد مجموعة و قصيدة بعد قصيدة مرتقياً بأدواته التعبيرية … "

4 – الشاعر الناقد طالب عبد الرحمن هماش :
( مكاشفات العارف لشاكر مطلق : حدس شعري يشبه رنين الأجراس في الضباب )
" البيان – دبي تاريخ 24 / 4 / 1997 العدد ( 6154 ) منها :
" … و المجموعة عبارة عن قصيدة واحدة قسمها الشاعر إلى ثلاثة كشوف هي :
وهْـمُ المريد – شكُّ العارف – عدمية الرائي . و لكل كشف فلسفته الخاصة والنابعة من حضور الألفة بين الذات و الموضوع حيناً والتنافر بينهما حيناً آخر و يلاحظ في معظم قصائد
المجموعة تعتيم اللحظة الشعرية مع عمق إحساسها بالوجود كحالة مأساوية لفعل الحواس …
فاستلهام الشاعر لأنساقٍ تعبيرية متناغمة مع حالة الحلم الفلسفي يمنح القصيدةَ فرصـة نادرةً
للتألق و التنوع في الرؤيا ، فعوالم الشعر الحُلميّة و الفلسفية تكسر القاعدة التقليدية في نوعية
القول الشعري … "

5 – الأستاذ حسان فلاح أوغلي :
( مكاشفات العارف : نظرة في المشهد الصوفي عند شـاكر مطلـق ) – جامعة الإمارات
العين .
" … جلجامش و عشتار والحلم الأول و الثور البري و العارف ، مفردات تحكي قصة صراع الإنسان من أجل همِّه الأزلي ، و هو إثبـات إنسانيته … نحن هنا أمام تطور متجانس
في التجربة الشعرية ، فتسمية المجموعـة بمكاشفـات العـارف لم تكن لتعني شيئاً لولا هذا الانزياح اللغوي الحاصل في لغة شاكر مطلق ، و مثل هذا الانزياح لم يكن ليكتب له النجاح لو لم يصدر عن تجربة شعرية ناضجة …
إن المخزون الذي يدخره شـاكر مطلـق ، تجربة و شعراً ، لم يستطع أن يفارقه وهذا ما جعله يدخل في تناصٍ فعلي مع تجربـة إنكيدو الحياتيـة … و لكن بمفهوم السلب…فهو ، إذاً
مرحلة متقدمة من إنكيدو .
و هنا تتشابه التجربة ، و يستعيد شـاكر مطلـق تجارب مـن قبله ، يمر به ابن عربي
الحلاج ، و السّهرَوردي ،و ابن الفارض ، و تتداخل لغة تلك التجارب مع لغته الخاصة ، و يمر به شاكر مطلق نفسه :
( لذاتنا في الشوق لا في الوصال ) .

ف )
حول ديوان " تجليات الثور البري" :
شعر د . شاكر مطلق الصادر عن دار الذاكرة حمص – سورية عام 1997 :

1 – الشاعر الناقد محمد علاء الدين عبد المولى :
" الثـور البـري من الأسـطورة إلى الشعـر – قراءة في تجليات الرمـز عند الشاعر د . شاكر مطلق "
من دراسـة مطولة تقع في 18 صفحة من القطع الكبير ألقيت في اجتماع جمعيـة الشعـر الاستثنائي في حلب بتاريخ 3 / 10 / 1999 – في طريقها إلى النشر :
"… و قد رأيت بعد الانتهاء من قراءة مجموعة " تجليات الثـور البري " للشاعر شـاكر مطلق ، أن هذا الشاعر كعادته في علاقته مع المرجعية الأسطورية ، قدم رمز " الـثـور "
بعد أن تمثل مجمل معانيه و إشاراته تمثلا وافياً ، غيـر مقتنع بوضـع الرمـز فـي مهده الأسطوري ، بل انتزعه من هذا المهد لينسج له ثوباً جديداً على مستوى الدالات الفكرية و الفنية معاً
… إن الشاعر في ومضاته التي يتكرر فيها مشهد الثور المعطاء ، يبتكر أسطورة جديدة تتنفس من هواء الأسطورة الأولى .
…هل يمكن أن نرى هنا أفقاً سياسياً / حضارياً / ثقافياً تلعبه الأسطورة ؟
… أما في ومضات المجموعة التي بين أيدينا ، فيتخلص الشاعر من هذه الوظيفة التدميرية للثور " السماوي " ليصبح حاملا لوظيفة البناء و تخليص البشرية من رماد عُقمهم .
… إن هذه الومضة ( الفاتحـة ) – هي – بيان موجز عن الثـور البري / البشري ، بيان سوف يفتتهُ الشاعر فيما بعد في ثنايا الومضات .
… فالشاعر يصعد من الخط البياني لومضاته فيما يشبه العمل الموحد الذي تتساعد عناصر التجربة كلها على بلورتـه و إظهـاره ، و في هذا ما يمنح الومضـات انفرادها عن سـرب المصطلحات المتعلقة بالقصائد القصيرة المتفرقة التي قد لا يجمع بينها عنصر مشترك ، فهنا
نحن لسنا أمام قصائد قصيرة ، إننا أمام تجليات لموضوع واحد لا مكان فيها لموضوع آخر .
…إن الشاعر عندما اختار أن يشتغل برمزية الثور ، استطاع أن يخلق فضاءات متنوعة …
يفضي كل منها إلى الأخرى … إن الثور أشبه ب " معادل موضوعـي " للنفس في حالاتهـا
المختلفة .
وواضح … ما تعنيه هذه الرمـوز عند الشـاعر من معنى النهـوض و الانبعاث للذات ولشعب يعيش اليَباس ، و ما قد يعطيه ذلك لشعره من وضع بارز .
… إن الشاعر يأخذ الرمز ( الـثـور ) – بكل أبعاده التي حللناها قدر الإمكان – إلى آخر مدى محتمل ، حتى أقصى تجلٍّ له ، و هي ( تجلي العدمية ) رمزياً و كيانياً … "

2 – الشاعر الناقد طالب هماش :
" اكتمال البراءات الأولى و الهم الفلسفي في ( تجليات الثور البري )
العروبة – حمص / تاريخ 16 / 8 / 1998 العدد (10062 ) منها :
"إن الدكتور شاكر مطلق في مجموعته الأخيرة ( تجليات الثور البري ) كما في مجموعاته السابقة ، يذهب بعيداً في استحياء الأسطورة و استشفاف تجلياتها ، و هو يمثل حالة فريدة في التجربة الشعرية المعاصرة ، إذ أنه الشـاعر الوحيد الذي حافظ على الطقس الأسطوري في شعره و ظل أميناً له .
… و الأسطورة أو الطقس الأسطوري هو ما يعادل هذا الحلم نصاعة و طزاجةً و إنسانية و سموَّاً . "

3 – الناقد ( المرحوم ) أحمد المعلم :
" الماضي و الحاضر في تجليات الثور البري "
العروبة / حمص تاريخ 1 / 5 / 1998 العدد ( 9974) منها :
" …و أعتقد بأن الإشارة إلى القنطرة تحتوي على كثير من الفهم للتأسيس في محور التجليات أو التحويل ، و أن الدائرة هي مشتمل للوجود الإنساني و علاقته بالقنطرة .
… يمكن اعتبار الشاعر مـطـلـق يغني نشيداً رَعَوياً خالصاً ، كما يمكن اعتباره ملتفتاً إلى اللواعج الذاتية في النفس الإنسانية و مصوراً لها عبر اختيارات منمنمة و شفيفة ، لكن الأهم من هذا و ذاك ، هو أن الـشـاعـر يستوعب اللحظة الماضية و يدرجها في الحاضر ، ليتم التأسيس لمملكة خاصة هي ملكة الشعر .
…تتحول المفردة عن قصدها المتداول ، لتصبح خصوصية لـلَّحظة التي يتـم فيها الفعـل
إننا أمام شـعر لا التواء فيه عن القصد ، الذي يبغيه ، و نحن أمام عناء إنساني تحمله الذات الشاعرة ، و تقدمه رغبة بالإفصاح ، وتوقاً إلى إنجاز مثـل أعلى ، منه ينتفي القتل ، ليظفر
الإنسان بالرجاء و الأمل .
و هنيئاً للشعر العربي بهذه الإضافة الكبيرة ".


الشاعر الفلسطيني شبه المجهول
د.شاكر مطلق

أربع مجموعات من منطقة الاختلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد دحبور*


ينبثق ذلك اليوم البعيد من فجاج الذاكرة. فتنفتح مدينة حمص السورية أمامي، لأراني في شارع "طريق الشام" أتأمل وجهي الشاحب من خلال زجاج الواجهة لمكتبة ميسلون، وأتملى منظر الكتب الأنيقة المرتبة هناك. فيستوقفني كتاب صغير بحجم الكف؛ غلاف أسود وخطوط بيضاء،والكلمات قليلة: "نبأ جديد ـ شعر، شاكر مطلق".. كنت أيامها في الثانية عشرة من عمري، وكان يمكن للكتاب الأسود الصغيرة أن ينزلق عن مدى بصري ويمّحي في ضباب ذاكرتي، لو لم تطرق سمعي كلمات محددة: شاكر مطلق هذا، شاعر فلسطيني من حيفا.
وكان عليّ أن أكبر وأمضي في الزمن. أغادر حمص وأعود إليها وأغادرها من جديد. ويختفي اسم شاكر مطلق سنوات طويلة، ليظهر ثانية بقوة مركّبة، فقد أصبح أحد أشهر أطباء العيون في المدينة بعد أن درس في ألمانيا (الغربية يوم ذاك). وعاد إلى الشعر، بعد غياب، بأدوات جديدة وثقافة جديدة. فهو يكاد يختص بتعريب الشعر الياباني، شعر الهايكو والتانكا. ولا يكتفي بالترجمة، بل يقوم على عملية التعريف بالشعر الياباني مع الدراسة اللازمة، ثم يعمل، إضافة إلى قصائده المألوفة، على كتابة بعض المقاطع الشعرية بالعربي ولكن على طريقة الهايكو.. وإلى ذلك لم ينسَ، في غمرة الكتابة، تخصصه الطبي، فقد ترجم كتابين في هذا المجال، هما "معالجة جروح
العين الثاقبة" و"تمارين البصر".
و د. شاكر مطلق، كما يحب تقديم نفسه، شاعر عربي أولاً.. فهو فلسطيني مولود في حيفا عام 1938، إلا أنه أيضاً سوري عاش في حمص معظم عمره. وقد عاش في المدينة، لا المخيم، بحيث يمكن القول إن ذاكرته حمصية تماماً، وكذلك محيطه الاجتماعي. أما إذا سألت أشعاره عن ذلك، فلن تظفر بجواب مفيد لأن قصيدته تتعالى على المناسبة، وعلى الحيثية السياسية أو الجغرافية المباشرة. لكن اختياره الحضاري ـ كما سنرى ـ منذور لتحولات الأمة ونهوضها بعد إحيائها حباً وربيعاً وأسطورة ووقائع. فهو ممن تصدق عليه صفة الشاعر الحضاري قبل أي صفة.
بعد "نبأ جديد"، العمل البكر الذي أصدره عام 1957. أصدر "معلقة كالكامش على أبواب أوروك ـ 1985". ولأمر ما فقدت هذه المجموعة من مكتبتي، أما مجموعاته التالية فهي جميعاً عندي. وعنواناتها حسب تواريخ إصداراتها، هي:
تجليات عشتار 1988، زمن الحلم الأول 1990، ذاكرة القصب 1993، تجليات الثور البري 1997.
وقد أعلن، على الأغلفة الأخيرة لكتبه، عن مجموعات قيد الطبع، إلا أنني لم أحصل على شيء من ذلك حتى الآن.

تجليات عشتار

للذهاب إلى شعر د. شاكر مطلق، يلزمك أن تتخفف من تركة الشعر الشائعة. فهو لم يكتف بتقويض القصيدة التقليدية وشروطها القائمة على العاطفة والغرض وما إلى ذلك وحسب، لكنه نحّى الوصفة الجاهزة للشعر الجديد جانباً، فلم يختر القصيدة الرمزية أو الدرامية أو العمل المركب. ولم يلجأ إلى الصيغ التي جلبها الشعر الحديث معه منذ الخمسينات، بل رضي بالتعاطي مع العالم شعرياً من خلال ثقافة انتقائية، تجمع الميثولوجيا السومرية الفينيقية، إلى الجاز الأفريقي، إلى الغنائية العربية، عبر لغة خاصة لا تجامل مرحلة شعرية بعينها، فقد تراه رومانسياً تارة، وواقعياً تارة، وانطباعياً تارة. بل إنه كثيراً ما يكون ذلك جميعه في وقت واحد، يدعمه صوت يسمح له بالتغريد خارج السرب.
إنه شاعر يمشي ويرى ويتأمل. قصيدته موزونة وبحوره صافية (حيث الوزن في القصيدة يعتمد تفعيلة لا أكثر) وإذا اختار غير الموزون فمن خلال تجاربه مع الهايكو الياباني. وإلى ذلك هو شاعر أفكار. يتفلسف وليس فيلسوفاً. فالشعر مأواه ومؤداه. وعلى هذا فهو مشغوف بالمجاز رمزاً وتكثيفاً وكنايات، بحيث تسبح الصورة الشعرية في فكرته ورؤياه. إنه يُمسِكُ بمرآة الصبح، حيث بكارة العالم، ليرى العالم بعيني عشتار:

مرآة هذا الصبح من قطر الندى
يعلو نسيج العنكبوتْ
عشتار ذابت في الصّدى
وتقَمّصتْ ماءَ الحياةِ
تَجسدت في المطلق الأزليِّ
تدعو للنجاةِ على مساحات المدى ...

هكذا يستدعي الشاعر قوام الطبيعة:
الصبح، قطر الندى، نسيج العنكبوت، الصدى، مشتبكاً مع كينونة الوجود "المطلق الأزلي" ليضعها على طريق التحول والصيرورة "مساحات المدى"، مستعيناً بربة الخصب "عشتار" وإله الذكورة "إيرُوس" الذي يغرينا، فهو "حلم يناجي العاشقين". لكن ثمة ما يفسد العشق "فلا يأتي اليقين". ذلك أن الحياة مهانة بالرعب، بالمشنقة ولهيب المحرقة، حيث تتبعثر المرآة أشلاء. ولن نولد من جديد إلا بذهابنا عميقاً في العشق حتى "طهر المجون"، وليس المجون الطاهر عبثاً لغوياً، بل هو انشداد إلى سر الحياة عبر الرحلة النشوى. إن الشاعر منحاز إلى جنسه البشري، ولا يرى له خلاصاً إلا بالانعتاق من تابوهات الكبت والخوف والخجل، لأن "عشتارُ في دمنا تَلوبْ / أنفاسها عطر القلوب.."، لكن الحياة معسكران: المحافظ المحكوم بنواميس المكبوت والمسكوت عنه، والمنطلق المشتعل بـ "نهدها البركان". ويدرك الشاعر أنه ما من حل نهائي، فبين هذين المعسكرين ينشطر الزمان.. ولنا أن نقدر أنه منحاز إلى الشطر المنفلت مع طاقة اليُخضور حيث تجدد الطبيعة ربيعها: "ويغيب جسمٌ في ضباب الحسّ، في نُسْغ الشجر ـ والقلبُ يَخترق الذهولْ".
لهذا فإننا كثيراً ما نقع، في هذا الشعر، على صلاة إيروتيكية من هذا القبيل :
"صبي ـ في هذا الليل الطيني ـ دماء الحلم الأزلي ـ على جرحي المتعفن ـ يصبح قنديلاً في بئر العشق ـ وعطراً للشيح ـ شراعاً للوجد ـ ويصبح قديساً وقتيلاً...".
وكما نرى، فنحن إزاء شاعر مختلف. إنه ينادي الطبيعي والشّهَوي في الإنسان، لكنه لا يعيد إنتاج نزار قباني مثلاً، فهو مترفع عن اليومي والتفصيلي، مشغول بما وراء الجسد من خلال الجسد نفسه. وهو ليس مترهباً بل يرى في الحب، وفعل الحب، ديمومة للوجود، وقهراً للموت، بالمعنى الفلسفي أو الصوفي إن شئت، وحين تنتهي الومضة بالعاشق قديساً وقتيلاً. فليس القتيل ميتاً. لأن عشتار تتكفل بعودة تموز مع انفجار الحمرة في شقائق النّعمان. إنه شاعر ينشد الحياة بلغة موازية للمعطيات المباشرة. فهو لا يكتب عن فلسطين أو الجزائر مثلاً قصيدة خطابية، لكنه يراهن على قدرة التجدد في النُّسْغ البشري، مستلهماً تراث المنطقة بوصفه جزءاً من تراث البشرية. ولكنه يفلت أحياناً من حقل الميثولوجيا ليطلق صرخة شديدة المباشرة، تستمد مشروعيتها من السياق العام لهذا الشعر القادر على ربط رموز الطبيعة بالأم والابن. وإذا كانت عشتار تتعهد عودة تموز، فإن الأم المعاصرة تتكفل بالنصف الأول من المعادلة عندما ترسل ابنها إلى "موت"، إلى الخنزير البري، ولكن من أجل الحياة. وهذه وصية الأم:
"خذ يا بنيَّ
إذا دُعيتَ إلى الكفاحِ خذْ الكفنْ
وإذا رجعتَ فعدْ إليَّ
مظفراً يوم المِحنْ
أو ْلا تعدْ إمّا فشلتَ
وضاع عزمُك في الوهَنْ
قدَرُ الرجال إذا تنادوْا
للدّفاع عن الوطنْ
أبداً تراهمْ ظافرينَ
مع السيوف، أو الكفنْ ..."

.. وما أحسب شاعراً حديثاً يمتلك الجرأة على هذه المباشرة، إلا إذا كان معززاً بيقين د. شاكر مطلق في تعددية الشعر. مباشر؟ نعم.. ولكن لهذه الخطابية أواصر تربطها بالنشيد العام حيث يتدفق المشروع الشعري في نهر من الرموز: من الطبيعة، إلى المجرّد، إلى الجنس، إلى الموت، إلى الحياة من جديد. وبين الموت والقيامة تأخذ الولادة حصتها في استكمال عملية الخلود بما فيها من إيروتيكا كبشارة وعلامة للخصب. وإذا كانت عشتار مفتاحاً رمزياً لهذه المجموعة، فإن شهريار له حضوره أيضاً. لكننا لن نراه الطاغية التقليدي كما أورثتنا إياه ألف ليلة وليلة، بل هو منقاد إلى سلطة الحبيبة التي تعيد على مسامعه دورة الوجود، حيث:
العمر شعاع يتلاشى
والحب شعاع يتألقْ
لهذا فقد يرى في جسدها الشهي تابوته المنتظر. لكن التابوت لا يحتفظ بالموت، إذ سرعان ما ينتصر الحب :
"أفقت يا حبيبتي ـ وجدت في يدي ـ دموع حب قد نأى ـ بعضاً من الياقوتْ".
ويفرد الشاعر، في الدفتر الأخير من مجموعته، مساحة لثلاثين مقطعاً من الهايكو. حيث يتقمص روح الشاعر الياباني، ويخاطب الطبيعة بالهمس. كلمات محدودة معدودة. والمقطع ثلاثة أسطر، يستقطر الشاعر، من خلالها، حكمة أو عبرة أو يستسلم لومضة من التأمل:
"ماذا لو تكاثرت النجوم ـ وسلبتنا إلى الأبد ـ ظلمة الليل؟"...
هكذا يستبطن الشاعر الأشياء، ويخلع المعادلة المانَوِية التقليدية التي تخص الضوء بالفرح والليل بالكآبة.. فلليل جماله أيضاً.. والمهم هو كيفية استقبال هذا الجمال. وعندما نصل إلى هذه الدرجة من الشفافية فإن لنا أن نخاف من الضوء الغاشم للنجوم.. يخاف من الضوء على الليل؟ ألم أقل إنه شاعر مختلف؟

زمن الحلم الأول

كتب لي د. شاكر مطلق في الصفحة الخاصة بالإهداء، من مجموعته زمن الحلم الأول: "هي محاولة لمحاورة المطلق.. ولكن إذا كان المبدأُ دون شكل فكيف لنا أن نراه؟ وإذا كان دون كلماتٍ فكيف لنا أن نقرأه؟"...
هكذا يكون للشاعر من اسمه نصيب، فيرى نفسه في ورطة الحوار مع المطلق. وليس إلا الشعر مدخلاً إلى هذا الحوار. فكان النص الأول في المجموعة يحمل عنوان "القصيدة"، حيث يستعصي الشعر على الشاعر مع أنه استعدّ له مظهراً ومخبراً.. "ومسحتُ جسمي بالطّيوبِ ، ملأتُ أقداح النبيذْ"، بل إنه هيأ حواسه لاستقبال الشعر. فالشمعة للبصر، والموسيقى للسماع، والوردة للشم، ولكن المشهد عبارة "عن شمعة تذوي وألحان تذوب ـ والوردة الحمراء فوق الطاولة" ويهرب إلى الجريدة، ويصغي إلى دقات المطر. لكن عبثاً. فيخرج إلى الشارع ليطارد قصيدته الهاربة. وبعد أن يكل وييأس، تفاجئه القصيدة بالمجيء من غير استئذان. وقد لا يكون استقصاء الوحي أمراً جديداً من حيث المبدأ، لكنه يتحول عند الشاعر إلى معادل موضوعي للعلاقة بالوجود. فهذا العالم الأصمّ المغلق لابد وأن ينفتح على سرّ ما. وعين الشاعر قادرة على أن ترى ما لا تراه العين الفيزيائية العادية. فهي تنفذ إلى العمق، حيث تنشطر الموجودات ليبين ما في داخلها:
ما الذين ينشَطرُ؟
قمرٌ أم حَجرُ؟
… وبقايا شاعرٍ ينتحرُ؟
وليس انتحار الشاعر يأساً. بل هو رحيل في المجهول لاستكناه أسرار المطلق، فقد هامت روحه في الكائنات، ثم "ملت الطين الجسد ـ وحياة الشرنقة". بل إنه ليصعب على القارئ المتابع أن يحصي اللحظات التي تؤكد الشاعر بالامتلاء، الامتلاء بالحقائق والأسرار والرغبة في الخروج إلى الضوء ليتمكن من العطاء:
"وأنا النبع الذي يحمل أسرار الجبالْ
من زمان الحلم يدعوه الشجرْ
قطَرات الضوء تجري في عروقي"...
وهكذا فإن قدره اغتراب يومي حيث الأغاني صامتة، والوقت يمر انتظاراً "لقطارٍ لا يجئ ـ وصباحٍ لا يُضيء". وحين يرفع الشاعر نخب الرفاق الغائبين، يفجعه الاستخفاف بالفكر وبالإنسان الذي يحمل الفكر، فلا يرى في رثاء المفكر الشهيد اللبناني حسين مروّة الذي اغتالته القوى الظّلامية في بيروت، أكثر من هذه الكلمات.
كمْ تزِنُ الرّصاصهْ ؟
كمْ يزِنُ الإنسانْ ؟
يا صاحبي.. سِـيّانْ
وكلمة "سِيان" هذه التي تأتي معلقة لا محل لها من الإعراب.. إنما تعرب عن الفاجعة كلها. فسيان أن تفكر أو لا تفكر، أن تموت أو تحيا، أن تغضب أو تحزن. وإذا كانت رصاصة الظلام هي نهاية الرحلة فإن هذا صباح للبكاء، والشمس غابت. وحين يحاول الشاعر الارتحال، ولو في ملكوت الحلم، ليرى بلاداً غير هذه البلاد، أو ليصنع صورة للبلاد، فإنه في عودته لا يحمل إلا الخيبة، وليتها الخيبة وحدها. فهو لم يظفر من رحلته بجديد، كما أنه لم يستطع أن يتلاءم مع البلاد بعد العودة:
عندما عاد المحاربْ
فوق بحر من زبدْ
وجد الشاطئ قد غابَ
وقد غاب البلدْ ...
بل إن الفجيعة مختزلة في "صرخة تعجز عنها شفة" بحيث لا يملك إلا أن يقفل عائداً، يحاول الرحيل من جديد، ولكن إلى أين ؟ "ومضى في البحر بحثاً عن نخيل أو بلدْ ـ في سكونٍ قاتلٍ ـ واغترابٍ للأبدْ "...
إن هذا الإحساس الطاغي بالاغتراب، يتجاوز عند د. شاكر مطلق عجزه عن الأجوبة الميتافيزيقية ، إلى التسليم بفداحة خسارة الحياة اليومية. فالرتابة والفراغ وانكسار الأحلام الكبيرة هي خاتمة المطاف، حيث لا أخبار في جريدة الصباح، ولا كعكة ذكرى في قبو الطفولة.
ثم يغيب الأصدقاء تباعاً. ففي هذه المجموعة بكائيات صامتة على أصدقاء أعزاء. ثمة دمعة على الشاعر النبيل محمد عمران. وحسرة على الفنان التشكيلي الممتلئ بالطفولة أحمد دراق السباعي. ومفاجأة (لي شخصياً) بوفاة الطبيب المجنون بالموسيقى سمير ضاهر، ومررنا على شاهدة قبر حسين مروّة، بحيث يحق للشاعر د.شاكر مطلق أن يتساءل:
ما الذي يبقى من الجمرة فينا
بعد أن يفنى اللهيبْ؟
أما الجواب فهو الحلم. إنشاء عالم موازٍ مقابل خراب العالم المعطى. لكن الحلم الواعي يشكل سبباً إضافياً للفجيعة عندما يدرك الحالم أنه سيصحو على الفراغ. أما ليالي زمن الحلم الأول، فهي كما يراها، تلك الليالي التي تقضيها متأملاً، عارياً، واقفاً، والتي تتجلى بخلاف غيرها من ليالي القلق والتأمل، حيث الجمرة في كفك، والحروف في دفترك.. لكن هذه الحروف لا تشكل عزاء، بل تخط وثيقة الألم والاغتراب، فيكتب تحية لصديقه، وأحد أصدقاء عمري، الشاعر مصطفى خضر، مختزلاً كل شيء:
أغلق وراءك، يا صديقي، المَرحلهْ
واجلسْ لنذوي في فصول الاغترابِ
على صِراط المَقصله ...ْ
والمقصلة مفردة تتميز بوضع خاص في الشعر الدرامي العربي ـ وهي من المرات القليلة التي يتجاوب فيها د. شاكر مطلق مع شيء من الخطاب الشعري السائد ـ مما يستدعي حضور الحسين بن منصور الحلاج، الصوفي الشهير الذي أعدمه المصدر بالله وأمر بتقطيع أوصاله وإحراق ما بقي منه. وتبلغ التراجيديا ذروتها في "دم الحلاج" عندما يذهب هذا الدم سُدى.
فالاستشهاد فعل عظيم ولكن "كيف تنداح الحياة ـ من فصول الطين يُشوى ـ فوق نار المحرقهْ؟"... إن زمن الحلم الأول يتبدد، ودم دجلة يحمل للبحر الرماد "والندى يتلو بيان الاحتجاج" لكنه احتجاج كتيم "ودم الحلاج مَهدوراً سيبقى، وسيبقى السيف مشهوراً...". إنها صرخة من الأعماق، ضد كل ما يغل الفكر والروح، ضد مصادرة الأفق والحلم، ضد اغتيال الفرح.
وإذا لم تكن مهمة الشعر هي التغيير بالمعنى الإجرائي المباشر، فإن للشاعر أن يقدم شهادته حتى لو كان الصدى سكوتاً وفراغاً. إن الشاعر يقفل مجموعته هذه على "رسالة فارغة" حيث أرسل مكتوباً إلى "النسيم الجديد"، لكن الحبيبة لا تجيب، فليتكفل طابع البريد بالعودة إليها.. حيث لا نسيم، بل هي الرياح العبثية:
"يا طابع البريدْ ـ نَسيتَ أن تجيء ـ بحبنا البعيدْ ـ فاحملْ لها رسالتي واذهب مع الرياحْ ـ كحبنا الطريدْ"..
لكن في الشعر قوة تحملنا على الأمل العنيد: "وحدها نحلة روحي لم تزل ـ تنفخ التَّبغ بقلبي ـ ثم تعطيه الأملْ".. ولن يموت الأمل.. ولا الشعر.

ذاكرة القصب
كان طبيعياً أن تأتي مجموعة "ذاكرة القصب" ـ في سياق أعمال د.شاكر مطلق ـ بعد زمن الحلم الأول. فالشاعر يبدأ هنا، من حيث انتهى هناك. الكون ظلمة، والرؤيا تكشف المستور لكن اليد قصيرة، بل إن دم الحلاج ـ وكل مفكر حر هو حلاج ـ يذهب سُدى.. ولو إلى حين. والشاعر المثقل بميثولوجيا الشرق يعرف دالّة القصب الذي يختزن الأسرار طويلاً، ثم سرعان ما يذيعها في الرياح مرة واحدة واللافت في هذه المجموعة، أن الشاعر "يعترف" بالقصيدة أخيراً. فقد أتى الشعر، في مجموعتيه السابقتين، إلا في قصيدة "دم الحلاج" على هيئة مقاطع وومضات. لكن "ذاكرة القصب" هي مجموعة قصائد. ولعل في هذا أمراً مقصوداً. فالشاعر يطلق زفرة، أو يلمح فكرة، من خلال ومضة شعرية أو مقطع مكثف. لكنه عندما يستغرق في الهمّ الوجودي، يحتاج إلى قول كثير فتسعفه القصيدة. والمجموعة موزعة على ثلاثة أقسام تربط بينها الذاكرة: ذاكرة للبداءات، ذاكرة الطين والضياء، ذاكرة القصب. وعندما نتذكر ولعه الشخصي ـ هو والمرحوم د. سمير ضاهر ـ بالموسيقى، فإنه لا يصعب علينا ملاحظة أن الشاعر يفيد من البناء السيمفوني الذي تتخلله الحركات الموسيقية. وإذا كانت الذاكرة قاسماً مشتركاً، فهي الماضي وهي النوسْتالوجيا. لكن الماضي ليس راكداً، والحنين ليس مجرد نداء إلى أمس منقرض. إن المكان الذي يستدعيه د. شاكر مطلق، من خلال "حركة" البداءات هو جزر من قصب في ليل نهر الفرات. وعندما يحلم القصب الساهر على النهر، فإننا ننتظر حلماً للينابيع:
… وكانتْ زنبقاً يعلو
وشعراً وصلاةْ
في تراتيل القصبْ...
والتراتيل تؤدي إلى "الكشف الجميل" فتنفتح الأحلام على بلاد موزعة بين انفجار يهدد وغبار يغطي. ويحضر إنكيدو، الشخصية الثانية في ملحمة كالكامش العراقية الخالدة، ويوضح الشاعر أنه يعتبره رمز النقاء والبراءة. وما دام الحلم يمر بملحمة كالكامش فنحن بصدد الطوفان ليجرف الخراب ويطهر الأرض، فيما تنتظر عشتار موسم الخصب في عمق النهر. لكن الوقت لم يحن بعد. والسراب لا يزال سيد المشهد. وحين يستبد السراب فلا بد من الغضب:
جزرٌ في القلبِ
قلبٌ للتّعبْ
مسّها روحُ الغضبْ
فغدتْ ناراً لنجمٍ
وتخفق الأحلام من بعيد، فالأنجم تولد وتموت. الموت أليم ولكنه مرتبط بالولادة. هكذا يؤثث الشاعر أرضاً تدرج عليها ملحمة الخصب في مواجهة العقم، والموت في مواجهة الحياة، والقصب، رمز الذاكرة في مواجهة النسيان. وإذا كانت ميثولوجيا العراق القديمة هي النبض الذي تنشأ منه هذه "الحركة" فإن الشاعر يستعير مواقف النُّـفَري، ليُسبغ الروح الصوفية على هذه الأرض التي تموج بالأسطورة والرموز "إنه أوقفني..
في كفه النور، وقالْ:
انظر المَرجانَ في نهر الذهبْ
لم أجدْ في الكف شيئاً
غيرَ ظلّ الوجه أو ظل البشرْ
وكثيراً من قصبْ"...
ومن نداء القصب ينثال صوت الحق في رفق: "تأدبْ أيها الإنسانْ ـ تعلّم أن ترى روحي ـ كنور يرسُم الأزمانْ.."، ومع لحظة الكشف هذه، تحين الحركة الثانية، حيث "ذاكرة الطين والضياء":
كان يُصغي لهبوب الرّيح في الليلِ
لأوراق الشجرْ
كان يصغي لهتافٍ في القمرْ
عندما غطّاه نورٌ
عندما الطفلُ الضريرْ
لامسَ النهرَ.. ووافاه الثمرْ
فبالعودة إلى براءة الإنسان الأولى. إلى الطفل الضرير الذي لم ير شرور الدنيا. أمكن لنهر الحياة أن يظهر، وأن تنضج ثمار المعاناة.. ولكن هذا الانتصار ليس إلا علامة. فعلى الطفل أن يكبر، وأن يدخل معبد الكاهنة. إن براءة الطفولة ضرورية كلحظة أولى. لكن البراءة ملزمة بالمعرفة وإلا فهي السذاجة. لهذا فإن على الطفل أن يأخذ من الكاهنة مراياها وبهذا لن يكون ضريراً. فهو يرى. وكان دائماً يسمع، فنداء القصب يجاريه:
جاءت الغربة يوماً للضريرْ
وهو يغفو، فوق أحلام القصبْ
وضعتْ قرب السريرْ
أعينَ الياقوت، مفتاحَ الذهبْ
لقد تقدم الحلم خطوة. ولكن سؤال الوجود يؤرق الحالم. فنحن أحياء وهذا يعني أننا سنموت "ولأننا نحيا فإن الموت فينا لا يموت". ولن نقهر الموت إلا بالحب. فالنسل هو صرخة الحياة المتجددة. ولهذا لابدّ للطفل وأن يلتقي الأميرة. فليرحل إليها ومعه كيس القوت والأمل، والريح تنقل حكايته للقصب. وبذلك يحين وقت الحركة الثالثة ـ الذروة: ذاكرة القصب:
كان يمشي
في ليالي الوجد نشوان الخلايا
صاعداً درب الهواءْ
تحت فانوس القمرْ
.....
ومرايا الذاكرة

ولسوف يعارك هذا الطفل ـ إنسان العصر، أو لنقل: الإنسان العربي في هذا العصر ـ أهوال الطريق، والظلمات، والكبت، والجوع، والبرد، ووحشة الأسئلة المفزعة عما وراء الموت، حتى يصل الأرض التي كانت محرمة عليه، أرض المعرفة:
"ها قد عبرت الآن غابات القصبْ ـ وعبرتَ نهر الموت حياً، صرتَ ظلاً في علاكْ ـ أشعلتَ جمر الحرف ناراً في مداكْ ـ فعلام تسرع في خطاكْ؟"..
وذلكم هو السؤال: فيم العجلة؟ إن من وصل هذه التخوم، إنما يبدأ الآن برحلته الحقيقية.. فرحلة الكشف لا تنتهي: "ما زال يدهمنا السؤال ـ لا بيت للإنسان في تلك القلوع ـ لا خمر فوق المائدة ـ فعلام تبحث عن خلاص خلف غابات القصب؟"..
هكذا يستعيد الإنسان سيرته الأولى في البحث والسؤال. لكن عليه ألا يندم. فقد اكتسب الكثير من هذه الرحلة المضنية الخلاقة..
إن "ذاكرة القصب" عمل شعري ملحمي بامتياز. حشد د. شاكر مطلق له ثقافة وخبرة، وقبل ذلك، حشد قلقاً مخلصاً في التّوق إلى المعرفة والكشف. وإلى ذلك، اختار طريقاً ملأى بالصور التعبيرية. وهذا شأن العمل الملحمي منذ كلكامش إلى الكوميديا الإلهية. ولئن لم يحمل الشاعر جواباً شافياً عن أسئلة الوجود الكبرى، إلا أن له في سقراط الخالد عزاء. فقد قال: إنني أقدم حيرتي إلى الآخرين.. أما عزاء القارئ فهو أن تلك الحيرة حيرة شعرية خلاقة تحرض على السؤال والبحث في نهر من الشعر الصافي.

تجليات الثور البري

تميزت، كما رأينا، تجليات عشتار وزمن الحلم الأول بالومضات المكثفة. واتخذت ذاكرة القصب مساراً ملحمياً، قوامه قصائد يكمل بعضها بعضاً. أما "تجليات الثور البري" فقد جاءت خلاصة لما سبق من حيث التناول الفني. فهي بطاقات شعرية مركزة من جهة. وهي نصوص متواصلة، من جهة ثانية، ينتظمها خط ملحمي، أساسه الثور البري.. هذا الرمز الأسطوري ذو الوجوه المتعددة. وإذا كانت عشتار تستقطب دلالة محددة متصلة بالخصب، فإن الثور البري، عند د. شاكر مطلق، يتعدد ويتجدد وفق السياق. ومع أن الشاعر خص كلاً من عشتار والثور بصفة التجلي، إلا أن تجليات عشتار أخذت شكل الظهورات المختلفة عبر الزمن. أما الثور فهو رمز للفحولة تارة، ورمز للقربان تارة. وهو طوطم حيناً، كما أنه رمز للإنسان المعاصر حيناً آخر. على أن الشاعر لا يلعب، فهو لا يسبغ حالات وأحوالاً متباينة على الثور حسب المزاج أو الاسترسال اللغوي. بل إن هذا الرمز الأسطوري يتشكل ويتبدل كأنه ظاهرة طبيعية كالرعد والبرق وهياج البحر. ها هو الثور، في البداية، يعبر مرحلة الطفولة، تماماً كالإنسان:
ما زال يرعى في مروج النهدِ
أحلامَ الطفولة تحت أشجار الخريفْ
قمراً وعقداً أو رغيفْ
وقد مزج الشاعر قوت الثور من خضرة المروج وأشجار الخريف. واستبدل الضرع الحيواني بالنهد الإنساني. فيما ترك للمخيلة أحلاماً وقمراً وعقداً. وعاد فـأكد الصفة الإنسانية من خلال الرغيف، مفسحاً مساحة للأمل، فلعل الحياة تصبح أكثر جدوى:
وتعود للثور المراعي
وتعود للروح الجهاتْ
لكن هذا الثور الذي أصبح معادلاً موضوعياً لإنساننا المعاصر، سرعان ما يقع في شرك الغواية "هل تلك سيدة المراعي ـ في زِيّ أفعى سومرية ـ جاؤوا بها للثور فخاً كي يكون لها ضحية؟" وسيدة المراعي هذه من شأنها أن تورد الثور موارد التهلكة، وقد توفر له النجاة "بعض الشفاء ـ أو بعض سُمٍّ في العَشيهْ".
ويتجلى الثور في مظهر آخر، فهو شاهد يستشرف العصر حتى ليرى اليوم ما يحدث غداً " كنا غداً في شرفة الأمس العتيقِ نمد كفاً للمطر ـ والثور يرقبنا ولا يفشي الخبر".
وثور بري يتميز بهذه الرؤيا، يثير فينا أسئلة من نوع "هل كان مرآة لنا أم نحن مرآة له؟" وهو ما يحدث في المسيرة المعرفية لدى البشر عندما يتعرضون لامتحان كبير. هل ينعكس عليهم هذا المؤثر الخارجي، أم هم يؤثرون فيه؟ هل نطور الآلة التي نكتشفها ونسخرها لنا أم أنها تفرض علينا تقاليد جديدة؟ إن هذه الأسئلة من شأنها أن تضع الفلسفة والمعرفة موضع الاختبار، بحيث يحق للعارف أن يعيد النظر في الأشياء والمنطق على حد سواء:
خلعَ العارفُ في نصف الطريقْ
تحت ظلّ الشّجرهْ
ثوبَه البالي العتيقْ
وحذاءَ الفلسفهْ...
لكن هذا التخفف من المعرفة، ليس إلا شكلاً آخر من البحث عنها. فمن أقدار "العارف" أن يبحث، وأن يسأل. وهو أمر يتصل بسؤال الحرية. فإذا كنت حراً في أن أعرف أو لا أعرف. وإذا كانت طريق المعرفة تستبعدني، فإنني حين أحرر عقلي وفكري، إنما أختار هذه العبودية السعيدة، عبودية حرية العقل:
"هل كان يمكن للمريدِ إذا أتاه نداؤها الناريّ إلا أن يريدْ؟"
وما دام الأمر كذلك فإننا نستهلك اللغات، على اعتبار أن اللغة مرآة للواقع، والواقع متجدد باستمرار. إن الثور لا يغير جلده، ولا يستغني عن شرطه الفيزيائي. لكنه يموت ويحيا من خلال النسل. والثور الجديد يعيد إنتاج القديم، ولكن بظروف جديدة تستلزم لغات جديدة "هذي لغات الروح بادت، أعطني لغة جديدهْ ـ فلربّما يوماً أكونْ ـ جزءاً من الأشياءِ، عقلاً في مدارات الجنونْ".. ولعل "العقل في الجنون" مفتاح لفلسفة تؤرق هذا الشاعر المعذب بالأسئلة. فالعقل بحساباته المنطقية الأرسطية قد لا يستوعب سرعة إيقاع الحياة ولا معقوليتها. ولكن طرح العقل جانباً يعني الانتقال إلى غريزة البهيمة وهو أمر عبثي عدمي، لذلك لابد من العقل، ولكنه العقل غير المحكوم بالشروط المسبقة، مما يعني، بالنسبة إلى الوعي السائد، أنه الجنون.. وإذا كان شعراء كبار وفلاسفة كبار في العالم قد سبقوا شاعرنا إلى الجنون بما هو إعادة إنتاج للعقل، فإن هذا لا ينفي أن الشاعر منسجم مع أسئلته التي تؤدي، مهما تشابكت وتعقدت، إلى هذه النتيجة. لقد اختار الثور برياً رمزاً للانعتاق والقوة وإذا كان الجانب الحيواني فيه يرشح الغريزة مفتاحاً لولوج باب العالم، فإنه منح هذا الثور، من جهة ثانية، معرفة مكتسبة من حيث هو مرآة له. إن خطوات هذا الثور لن تتلاشى "دون أن تتركَ في الدرب علامهْ"، فهو رمز لتراجيديا الإنسان في بحثه واصطدامه بالمعيق والعقيم والعميق. فكأن من أقدار الإنسان أن ينال من العذاب أضعاف ما ينتظره من خلاص:
ولأننا أسماكُ نهر الكونِ
أبناء المَجرّهْ
أحفاد ثور الآلههْ
أو نزوة العقل القديمْ
فإننا صرنا ظلالاً للجحيمْ ...
وإذا كان الشاعر ينهي ومضاته الملحمية هذه بطلقة عبثية في الرأس، رمزاً لاستحالة الحياة في ظل المضادات اليومية للحياة، فإنه لا يغلق الباب تماماً، بل يراهن على الكشف والبرهان والعرفان، ويحرض وجهه في المرآة ـ بمعنى أنه يدعونا جميعاً ـ إلى اكتشاف الجوهري فينا "النور يغمر مقلتيكْ ـ فعلام لا تأتي إليكْ؟"..
ويقيناً إن الإنسان المتورط في اكتشاف المعرفة، إنما يهتدي باهتدائه إلى نفسه.. فلماذا لا تأتي إليك؟
هكذا يقف د. شاكر مطلق في عراء خاص به. أمامه فضاء للتجريب والأسئلة. يداوي العيون بنجاعة استثنائية.. وعينه على مصير الإنسان العربي. إنه بحق، شاعر "نسيج" وحده.

===================



تَصدير

كلماتٌ في " بُشرى" الانبعاث الجديد

أ . د . طيّب تيزيني

طلَعَ علينا الشّاعرُ المَلحميّ الدكتور شاكر مطلق برائعته " هكذا نتكلم يا زرادشت " فأتت " في عصرها " ، متَماهية معه ، دالّة عليه ، ومنفصلة عنه ، في آن . فكأنها تشير إلى أحد مظانّها التاريخية ، وإلى إحدى مرجعيّاتها الذّهنية ، نعني الأسطورةَ . وفي هذا وذاك ، نكاد نواجه القولة الهيجليّة الصائبة والحصيفة ، وإنْ في حقل الفلسفة : إن الفلسفةَ إنْ هي إلاّ روح عصرها Quintessenz . وإذا صحّ هذا القول ، فإنه قد يصح أكثر وأعمق _ بالاعتبار الوجودي ( الأنطولوجي ) _ على الأسطورة .
إن هذه الإشارة ذات أهمية خاصة على صعيد " النّص " الذي يقدمه هنا الدكتور مطلق . وثمّة ملاحظة متمّمة ، لما نحن بصدده ، وتقوم على النّظَر إلى الأسطورة بمثابتها وعي عصرها . ولكن هذا الوعي يتّسم بكونه وعياً كونياً أولاً ، وشاملاً ثانياً ، ومركّباً ثالثاً . فالأسطورة تستبطن الكون كله في كلّيته ، دون إقصاء جزئيّاته ،أي في شموليّته ، وتتماهى به من حيث هو مستويات متعددة ومتداخلة ولكنْ متواشجة بالاعتبار الوظيفي الكوني . ويبدو أنّ هذا النمط من الفكر الأسطوري ما كان محتملاً لولا الحاضنة السوسيوثقافية والجيوإقتصادية ، التي هيمنت في الشرق القديم ( ما بين النهرين ومصر وبلاد الشام تخصيصاً ) وكانت _ من ثَمّ _ مهمازاً لتبلور هذا الفكر بالصّيغة التي تجلّى فيها بصفة كونه وعياً اجتماعياً مطابقاً لواقع الحال المشَخّص مطابقة قائمة على تكسير مستويات الزّمن أو الأزمنة والأماكن والحقول المَعرفية والسّيكولوجية والجنسية وغيرها .
بذلك ، تسنّّى للتاريخ أن يَظهر متجلّياً بالجغرافيا وبالمعرفة والثقافة ، وبالإثنيّ والسّيكولوجيّ والجنسيّ . ولكن أهم من ذلك أنّ كلّ تلك المستويات أفصحتْ عن نفسها بمثابتها تجلّيات للجنس ، بحيث تحدد هذا الأخير من حيث هو القانون الأعلى والأسمى ، الذي ينتظم الكون برمّته ومن داخله . وفي ضوء ذلك ، يغدو النظر وارداً إلى هذا الكون بمثابته سبب ذاته . والحقّ إن النّظر المعني ضروري كي يتسنى للباحث وضع يده على كل تجلّيات ذلك الأخير في سياق كونه يشتمل على البداية نهايةً وعلى النّهاية بدايةً . وفي هذا وذاك تُعلن عن نفسها شخوصُ الكون الفاعلة ، وهي الآلهة الكبيرة والصّغيرة وما بينها ، من حيث هي الضّابطة للنّظام الكونيّ أولاً ، والمانِحة لروحه ثانياً ، والمتَماهية معه ثالثاً . ومن شأن هذا أن يقال إنّ العالمَ مشبَعٌ بذاته وإنّه _ في شِقّه الوَعييّ الإيديولوجي _ صنيعة البشر متلبّساً بإنتاجهم ذاته المتمثّل بالنُّظم الإلهيّة وحيثيّاتها .
تلك إشارات أوليّة كان تقديمها مناسباً للنّظر إليها في ضوء ملحمة شاكر مطلق ، وللنّظر إلى هذه في ضوء تلك . ويبقى أن نقول إن ما يبدو على الأسطورة أنه صيغة تَمظهِرها وهو " الفوضى" جدير بنا أن نضعه في موقعه منها . فالفوضى هي هنا ،أولاً تعتبر وجودي عن الأسطورة في بداءتها ، كما في ما يُعتقد أنّه منتهى إحدى دوراتها ، فقَبْل الأسطورة كانت الفوضى ، التي ستُعيد الأمورَ إلى استقرارها ، لأنّ هذه الأسطورة تجسّد الوجودَ النّظامي والمتّسق . وإذا أتت الفوضى بعد تلك ، فإنها تكون تعبيراً عن أنّ خللاً دخل النّظام الكوني ، وأنه من ثمّ إذاً بحاجة إلى الخروج منه بعد " استنفاد " حالة الفوضى وقيادتها إلى حدّها الأقصى للدّخول في " النظام " مُجدداً . أما من طرف آخر ، فإن الفوضى تُحدث تداخلاً هائلاً في المواقع والأحداث والأقانيم ، مِما سيَعني أنّ مرحلةً كبرى تمرّ بالنّظام الكوني ، ومِما سيقتضي الخروجَ من ذلك التّداخل " الفوضوي " إلى الاتساق النِّظاميّ المُنضبط ، بالاعتبار الوَظيفي .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإننا نكون أمام البنية الملحميّة للنص الذي نقرأه . فهي تمثّل نصاً إشكالياً ، وقائماً على اختراق الأزمنة والحقول المعرفية والسّيكولوجية والجنسية ، وكذلك _ هنا _ السياسية والحضارية . ولعل انتسابه التاريخي واندراجه النّظامي يأتيان في أفق" الأفول والاستنفاد والتفكّك " ومن ثم في سياق دخول الكون في مرحلة " النهاية والمأساة " وكذلك " الفوضى الكبرى " . وهذا من شأنه أن يَشي بـ " مقدمة النهاية العظمى " ، التي على عِظمها قد تكون إرهاصاً بـ " الولادة الجديدة " . ولادة " المخلص " . هاهنا ، يضعنا الشاعر مطلق أمام مأساة كونية من طراز إشكالي :

( أيها الخالق الجميل زرادشت
لماذا تُحملنا خطايا قتل الحبيب يوسف ؟
ولماذا تضعَنا أمام الآثام ِ
وبعدها تخاطبنا بالوصايا
وربما كذلك بالتهّديد ؟! )
فهذه المأساة إذا ما عُرِفَت بمثابتها ذات بعد وجوديّ أبديّ ، فإنها ستغدو أكثرَ مأساويّة ، حين تُكتشَفً حيثيّاتها أو حيثيّتها الأكثر حضوراً وثـقلاً وشناعة : إنها الوهم بالتوازن بين الخير والشّر : وإنها الحقيقة بأن الشّر هو سيّد الموقف .
لقد وضع الشّاعرُ يدَه على الإشكالية العُظمى في تاريخ الأسطورة ، وربما كذلك في تاريخ الدّين . وهي تكاد تلخصها مأساة " جلجامش " الماثلة في بحثه الأبدي عن " نبتة الحياة " والمأساة الماثلة في"صخرة سيزيف " . إنها جدليّة الوجود والعَدم ، والخِصب والقحط ، والخير والشّر . ولكن ما يؤرق الشاعر أن الحياة تنحو أكثر فأكثر نحو العُقْم ، خصوصاً بعد أن تمّت اللعبةُ الجديدة التي قامت على تبادل المواقع بين أنوثة مقدّسة أُبرزت مدنّسة ، وذكورة " ذابلةً فاسدةً " ففقدت الحياةُ توازنَها ومتعتَها ، وأُرغمت على الانحياز لـ " وطاويط الذاكرة ولِما أخَذ يتراكم على أقمِطة مومياء الروح من ديدان الثرثرة الزاحفة " . وتتصاعد المأساة الوجودية مع دخول الكون في أزمنة الاستباحة ، استباحة النور والنخيل والمسيح وعُروة والجُعَدِ بن دِرهم وإرث " سومر " و" الفرات " . هاهنا ، يتدفق احتجاج الشاعر ضد استباحة قصائد العشق ونشوة المعرفة ، التي غدت حراماً تكرّسه " ذئاب العمائم البيضاء "و " الرجال الطيور الذين شَحُبَتْ وجوهُهم وتقوّست أنوفهم فصارت مناقيرَ جارحةً سوداءَ " .
لقد انتقل الشاعر الحَصيف المقاوم إلى مستوى العصر الراهن ، مكسّراً السياقات الزمانية ، واصِلاً إلى ما يراه البعدَ الناظم للوجود في جدليته المفتوحة . إنه يستشرف الحياة موتاً ، والوجود عدماً ، والعدل استبداداً ، في زمن صامت إلاَّ من العار والفضيحة . وإذا كان الأمر كذلك،" فلماذا الأفعى في كل مكان ؟ أين الخلل إذاً " ويظل الشاعر الجريح الطّريد يلهث وراء وأمام المخلصين من ملوك " الرعاة الطيّبين " ، ليجدَ نفسه وقد أخذت " الانهيارات الجليدية تجرف بيوتنا ، ونساءَنا وأطفالنا ، بل كذلك أحلامنا " , ويعود الشاعر متوهجاً بجذوة الحياة ، التي قد تغيب في ردهة الظلام ، ولكن التي لن يكون الظلامُ فيها إلا طريقاً إلى ما وراءه ونقيضه ، إلى نور المجد الإنساني . ومن هنا ، نَلحظ الشاعرَ وقد استفاق باتجاه ما لا يمكن تجاوزه : إنه يشكك في قدرة إله العاصفة السوداء أن يكون قادراً على نِسيان دورة الفصول . ولكن وَقـْعَ العاصفة الثقيل لا يسمح له أن يمرَّ ببساطة وسَذاجة ، على هَوْلها ومحاولتها اجتثاث الجذور الترابية ، خصوصاً أنه يباغتُ بـ " هدير الطوفان الآن ،في زمن القحط والهزائم والطغيان والهَذَيان " .
وتتشخّص الإشكاليةُ الكبرى لدى الشاعر على نحو سوداوي صاعق ، حين يستعيد رمزاً من رموز الحياة المُنقلبة ، على أيدي القَتلة الأوغاد ، إلى الموت ، " سقراط " صاحب كأس السُّم ، الذي بتناوله إيّاه أحدثَ صرخة عظمى في وجه الجلادين من كل طراز ، وخصوصاً ممّن راحوا يستأثرون بالسلطة والثروة والحقيقة . وبهذا ، تتوحد صرخة "سقراط " بصرخة الحلاج ويسوع ، الذين هتفا في وجه ربٍّ صمّ أذنيه عنهما : لماذا ... ، لماذا تركتني ؟ وهاهنا ، يكون الشاعر الملحمي الكبير ، قد رفع الغطاء " واكتشف " الخفي الحقيقي باختراق المعلن الزّائف " ، واصلاً إلى شط الأمان الوجودي ،المفتوح على الأزمنة التاريخية .لقد اكتشف كوجيتو الشعر ، مبدأه وروحه :
( أصغِ إلينا وتمعّنْ
يا خالق الأزمان والأكوان
وتأمل قليلاً فينا .
خلقناكَ نوراً في عَتْمتنا
لتكون منارةً وخلاصاً لنا
، فتركتَنا ظمأى وارتحلتَ .
قدّمنا لأجلكَ الأضاحي فذبحتنا
ولمْ تتقبَّلها منّا
إلاّ من كفّ الطغاة والشّياطين .)
وحيث يكون الأمر على هذا النحو من الكشف الخَلاصي ، فإن الكوجيتو الشعري إياه لا يستقيم إلاّ إذا تمّ التوصل إلى القطع الكليّ مع جذر المأساة ، جذر التّسويغ للاستئثار بكل شيء ، وبالحقيقة في أول شيء . وهنا ، تتهدّر انتفاضة التحرير من أسْر كل العالم القديم ،عالم البؤس والعجز والاغتراب والزيف، بل التحرير من جذره ، طغيان الأرض وطغيان السّماء ، وكلاهما يفضي إلى الآخر :
( اللعنةُ كلُّ اللعنة واللعنات عليكَ
وعلى كلّ الآلهة سواء بسواء
وكلّ الطاغين الطغاة المجرمين
الذين شوّهوا الإنسانَ فينا
وعلّقونا على الصّليب .)
ويتنبه الشاعر إلى أنّ طغاة الأرض والسّماء جميعاً إنما هم من صنيع التاريخ البشري ، تاريخنا ، وأنه من الوهم أن ننظر إليهم بمثابتهم قوى خارج التاريخ وتمسّكَ _ مع ذلك _ بتلابيب الحياة ، حياتنا . وبالضّبط هاهنا تكمنُ المفارقةُ : ما تصنعه أنتَ ، ينتصب أمامكَ ، زاعماً أنه هو الذي صنعكَ ويمسك بمصائرك :
( ماذا تكون أنت خارجنا وبدوننا ؟
وماذا يكون طعامكَ
ومن أينَ دون أضحياتنا ؟
ومن تكون دون أوهامنا
وخوفنا من لعنة الفناءِ
ونُواح جِلجامش الأزليّ
على إنكيدو الشّهيد فينا ؟ )
وهنا ، يلتقي الشاعر شاكر مطلق مع شاعر اليونان وفيلسوفها العريق كْسينوفان ( 565 _ 473 تقريباً قبل الميلاد ) ، الذي يضع يده باقتدار على الكشف الفذ التالي : ( حقاً لو كان للثيران والأحصنة أو الأسود أيدٍ ، كانت قادرة على الرسم وعلى إنتاج الأعمال بأيديها كما يفعل البشر لكانت الأحصنة قادرة على رسم صور إلهية حِصانية ، ولكانت الثيران قادرة على رسم صور إلهية ثيرانية ، ولكانت هذه جميعاً قادرة على أن تخلق أشكالاً كتلك التي تملكها ! ) .
لقد تساقطت الآلهة الصغار الزائفة ، وهي تتصدّع الآن تحت قبضة الشعر الملحمي ، الذي يفتح أبواب العالم على مصاريعه ، مبشراً بأنّه _ مع هذا التّصدع _ يتهافت سَدَنة الطغاة والمجرمين ، الذين قادوا الموقف إلى التّماهي بين " السلطة باللاهوت وبالنّاسوت " . ولكن العقلَ العارف البصير لا يصمُت طويلاً ، فتمرّدُ، مدشّناً عالماً جديداً من الحرية والعقلانية والتّنوير . ولا يتوانى الشاعر مطلق عن النظر إلى الموقف مخترقاً بكلّ أنماط الوهم والقلق والجنون ، ولكنه يظل حريصاً على
" قنطرة الوعي " ، التي ستبقى المدخل البشري إلى الأكوان كلّها ، بقدر ما تكون هذه الأكوان فينا ونكون نحن فيها فاعلين باستنارة .
ذلك هو البناء الشّعري ، الذي يقدّمه الشاعر الملحمي المجدّد الدكتور شاكر مطلق . فهو بناء يجد مرجعياته الكبرى في الأسطورة والفلسفة والفن التّشكيلي والشعر ، وهو _ من ثمّ _ لا يقبل أن يكون أقل من لوحة موزائيكيّة شاملة ، تتقاطع فيها وتلتئم الحدودُ الكونية باتجاه السؤال الأعظم ، سؤال الحرية والكرامة والعقل والإنسانية . وإذا كان الأمر كذلك ، فإن ما يقدمه شاكر مطلق ها هنا إنْ هو إلاّ محاولة تصدٍّ لعالم اليوم ، عالم الاستبداد والطغيان والفساد والهَيمنة سواء تجلّى في الداخل المتخلّف والمُخلّفِ ، أم من الخارج في أحدث تجلّياته وأكثرها إيذاءً وخطراً على نظام الكون برمّته ، نعني " الداخل " الذي يسهر على استمراره كهّان السلطة الفاسدة المُفسِدة ، و " الخارج " الذي يكرسّه :
( كهّان العَوْلمَة القاتلةِ
وأنياب القرشِ الأبيضِ
وذابحو ليلى في العراقِ
ومغتصبو ليلى العامريةِ
في تخوم البصرة والشّام ) .
ومن هنا ، تستمدّ ملحمة مطلق شرعيتها الشّعرية الكونية من أنها تستشرف نهاية سقوط عالمٍ، وتبشر بنهوض عالمٍ ، عالمٍ راح يخترق الكونَ عَبْر تنميطه وتحويله " الأسماء الحُسنى " إلى أسماء تبجّل الجريمةَ والرّذيلةَ وتحاصر الفضيلة وتشرّع الأبوابَ كاملة أمام ابتلاع الطبيعة والبشر وهضمهم وتمَثّلهم سِلعاً ، وعالمٍ ينهض باسم مجد الإنسان حرّاً ومبدعاً ومتضامناً ومنتجاً قيمَ حضارة إنسانية بقدر ما توحّدُ البشرَ جميعاً على الخير والكرامة والحرية والنّديّة ، تلحف على احترام الذّاتية والخصوصية والهُوية .
لقد واجهنا في نص الشاعر أفقاً طليقاً مفتوحاً قد لا يكون مهمّاً أن نضع يدنا على ما نعتبره محوراً رئيساً فيه . فهذا النص بقدر ما يحتضن محاورَ كثيرة متعددة يفتق بعضها بعضاً ، فهو كذلك " حمّال أوجه " ضمن حركة موزائيكية يمكن أن يكون أوّلُها آخرَها وآخرُها أولَها . وفي هذه الوضعيّة يكْمن سياقان اثنان ، يقوم أولهما على أنّ الكون واحد بتجلّياتٍ متعدّدةٍ ، ويقوم السياقُ الثاني على كون الأسطورة وعياً كونياً فاجعياً يأتي حيث ينحدر الكون إلى القاع كلاًّ وجزءاً . إن الدكتور شاكر مطلق قد امتلك الكونَ المعاصرَ مُقطَّراً في ما قد نعتبره " أسطورة الانبعاث الكوني الجديد " من الرّماد إلى الوهج ومن الاستباحة إلى الذاتيّة المشبَعة . وإذا حقّ القول بأنّ الأسطورة فكر وشعر ، فهي فكر لا كالفكر وشعر لا كالشعر . وهذا ما نراه متماهياً مع ما يقدّه الشاعر الملحميّ الرّهيف شاكر مطلق في أسطورة الانبعاث الكوني الجديد ، ومن ثم في بشراه بخلاص جديد وولادة جديدة أمْيَز ما فيهما أنهما يتحدّران من الكون ذاته ، وليس من خارجه أو حوافيه .
وكما أن الأمر جدير بالاحتفاء والتّبجيل ، فكذلك جدير بنا أن نحتفي بالشاعر شاكر مطلق أميناً على الولادة الجديدة ، وحامياً لأسرار شِعر الإنسان المَجيد ،" ومبشّراً بالانبعاث الجديد " .
===================


حمص - سورية / آذار _ 2005
الشاعر الدكتور شاكر مطلق

" هكذا نتكلم يا زرادشت " تقديم : وفاء الورده

صدر حديثاً للشاعر الدكتور شاكر مطلق نصٌّ فكريٌّ – أدبيٌّ بعنوان " هكذا نتكلم يا زرادشت " ، عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ضمن منشوراته لعام 2007 .
المجموعة كتبها الدكتور شاكر مطلق على وزن التفعيلة تارة ، وتارة أخرى نثراً ، متقصداً ذلك ، لتأخذ العبارة مداها دون التقيد بالوزن والقافية . يأخذ " زرادشت " - عند الدكتور مطلق - أشكالاً عديدة تتجسد بين الفكرة والرمز ، ولا علاقة لها بالضرورة مع محتوى العقيدة الزرادشتية في جانبها اللاهوتي المعروف ، وإنما هي إضافات وإسقاطات أدبية وفلسفية متنوعة على النص في العديد من مواقعه الفكرية .
أما التشابه القائم ما بين كتاب الدكتور شاكر مطلق " هكذا نتكلم يا زرادشت " و كتاب " هكذا تكلم زرادشت " للفيلسوف والشاعر و الألماني " فريدريش نيتشه " ، فهو تشابهٌ مقصود ولكنه برغم ذلك لا يتقاطع ولا يتداخل مع نصِّ " نيتشه " ، إلا من خلال تعاطيه الهَمّ الإنساني والتساؤل الفلسفي الوجودي .
قدم للكتاب الأستاذ الدكتور " طيب تيزيني " تحت عنوان " كلمات في بشرى الانبعاث الجديد " ، وبدأ مقدمته بقوله : " طلع علينا الشاعر الملحمي الدكتور شاكر مطلق برائعته هكذا نتكلم يا زرادشت " من خلال هذا النص الملحمي والأسطوري يضع الدكتور مطلق يده على الإشكالية العظمى في تاريخ "الأسطورة " ، وربما أيضاً في تاريخ " الدين " ، التي تلخصها ملحمة " كلكامش " المأساوية في بحثه عن الخلود ، هذه الإشكالية تتماهى بين جدلية الوجود والعدم ، الخصب والقحط ، الخير والشر ... وبين أنوثة مقدسة أبرزت مدنسة ، وذكورة ذابلة فاسدة ، مما أدى إلى فقدان الحياة لتوازنها ، على حدِّ تعبير د. تيزيني ومحتوى النص .
قدم د. مطلق في الكتاب تعريفاً وافياً بـ " زرادشت " ، وبعقيدته ، حيث يوضح بأنه نبي فارسي قديم ، ولد في إيران – فارس ( القرن الثامن ق.م ) ، وهو صاحب عقيدة صراع النور والظلام ، حيث يمثل إمبراطورية النور الإله " أهورا مازدا " الذي رأى في " زرادشت " مخلّصاً للبشرية ، ثم قام زرادشت بتطوير بعض المعتقدات القديمة فنسبت إليه لاحقاً ، وسميت بـ " الزرادشتية " . أما الكتاب المقدس عندهم فهو الـ " أفِستا " ويعني سمه " المعرفة " ويقسَّم كتابهم هذا إلى أربعة أقسام:
1- كتاب الأضاحي " يَسْنا "على الأناشيد والملاحم والتراتيل القديمة ، وهي من وضع المعلم " زرادشت " .
2- كتاب " فيسْبَريد " أو " فيسْبرات " ويحتوي على الصلوات .
3- وهناك قسم يسمى بـ " يـاشتس " وهو أناشيد المديح والأضحيات .
4- أما القسم الأخير فهو " فنديداد" يضم التعليمات الأخلاقية والقوانين .
أشار الدكتور شاكر مطلق في مقدمته إلى أن المذهب الزرادشتي يقوم أيضاً على الثَّنيوية من خلال الصراع الدائم بين إله النور " أهورا مازدا " وإله الظلام والشر " أهْريمان " بالرغم من أنه مذهب مبني على التوحيد .
تقوم العقيدة الرزادشتية على انتصار الخير على الشر ، ثم محكمة نهائية ، فخلاصٌ للعالم ، وما على الإنسان إلاَّ أن يختار موقعه في هذا الصراع الدائم .
وكعادة د. مطلق في مجموعاته الشعرية ، قسم هذه المجموعة أيضاً إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول تحت عنوان " في شرك الشهوات " ، والقسم الثاني " في شرك المعاني " أما القسم الثالث فجاء تحت عنوان " في شرك العبثية " .
القسم الأول : " في شرك الشهوات " يلوم الإنسانُ – على لسان الشاعر - ملِكَ جنان النور الأزلي على جعله الروح الشريرة أنثى جميلة " دانية " ، ورميه بها إلى البشر ، فوقع الإنسان ضحية نزواتها الشيطانية، وجرفته إلى طوفان الشهوات وإلى وادي الخطايا وعذابات الصليب . يتساءل المؤلف هنا : هل تساوي سرقة تفاحة من بستانه كل هذا العذاب الذي يلاقيه البشر في جحيم العالم السفلي؟ . ولم يكتف ملك جنان النور بذلك بل أرسل الطوفان للإنسان ، جالباً معه الموت والطين والأحزان ، وأصدر له لوح الوصايا الجديد الذي حرّم فيها حتى قصائد العشق ، وحيث أصبحت نشوة المعرفة حراماً أيضاً ، فوقع الإنسان فريسة الجهل والقحط والصقيع ، عاجزاً عن متابعة رحلته على درب الكشف إلى عبير بستانه المزهر .
أما في القسم الثاني " في شرك المعاني " فقد تطرق فيه الشاعر د. مطلق إلى كيفية الوصول إلى أنوار " زرادشت " ، وكل الأبواب موصدة والدروب مغلقة ولا تفضي إلاّ إلى بروج الصمت وبؤرة العالم السفلي ، ويتساءل عن سبب تركه الإنسانَ وحيداً في متاهة الوعي حتى غدت الحكمة وطواطاً لا ترى إلاّ الظلام ولا ترى الطريق للخروج من " زمن الحلم الأول " – وهو اسم ديوان للشاعر شاكر مطلق - .
أما شجرة الحياة فإنها تذوي وحيدة في مهب الشك ، عليلة ، وفي حال موتها سينتظر الإنسان الموت. أما " الكائن الأسمى " فنراه يلعن القدر ويلعن " زرادشت " ويلعن العقل الذي أسرف في الكشف حتى صار سراباً ، بل ماءً مسموماً في كفِّ نبي مسحور ، وحين دخل ملكوت نوره ليصلي ، كانت المفاجأة كبيرة ومخيفة ، فالرؤيا لم تكن إلاَّ ظلمات باردات بعثت الخوف في قلبه ، فسجد لإله الظلام وصار منبوذاً وملعوناً في العالم السفلي حتى يوم الدين . ثم يعلو ويتصاعد التساؤل الجارح والناقد لدى الإنسان حينما يتحدث الشاعر عن الأضاحي التي قدمها له ، والخبز اليومي الذي أطعمه إياه ، والشموع التي أشعلها له ليطرد عنه وحشة الليالي الفارغة ، وماذا كانت النتيجة ؟ لقد لعنه حتى صار مثل وطواط الظلام ، لا يستطيع أن يجد مخرجاً من شرك الظلمة . ثم يتساءل الإنسان لماذا لا يعطي إله النور ، النور لأتباعه ، في حين أن إله الظلمة الذي يعيش في العتمة يعطي من عتمته من يشاء ؟ . ومن سيدفع ضريبة الوجود لآلهة الجحيم ؟ ومن سيفتح محارات النور ليعطي لؤلؤة الكشف إلى الأجيال القادمة ليرفع يد الشيطان عن الإنسان ؟ .
أما القسم الثالث " في شرك العبثية " : فيه يخاطب الإنسانُ - من خلال أطروحات الشاعر - إلهَ النور ويتساءل عن مبتغاه ، وعن طلبه منه بأن يصنع الفُلك للنجاة من الطوفان ، فصنعه ووضع فيه زوجين من كل أشكال الكلام والخيال ، زوجين من ذكرٍ وأنثى – مبدأ السالب والموجب ... الخ رمزاً لثنائيته التي تتجلى في عناصر هذا الوجود ، وهذا كله كان ثمناً لخطيئة الجد الأكبر ، والجدة الأولى المتمردة ؟ .
لقد ظنّ بأن سيد النور قد نسي وغفر له ما كان ، لكنه ترك الإنسانَ وحيداً دون حرز ولا يقين في ظلام الفُلك ، ينتظر أن تهدأ عاصفته ليعبر إلى العالم الجديد ، إلى عالمه الجديد .
يختتم الدكتور شاكر مطلق هذا القسم ، بل كامل نصه ، بل هذه " الملهاة " ، " المأساة " ، المهزلة البكائية ، المرثاة من خلال التساؤل الأزلي للإنسان عن سر هذا الكون الغامض وعن سر الوجود ، وهل هو وهم ؟ أم ظلٌّ ؟ ، أم سرابٌ دائمٌ ؟ .
ويصلنا الجواب بأن الإنسان هو سرُّ هذا الكون ، وأن الكون فيه يتجسد حيثما يكون ، وأن الفكر لا ولن يموت أبداً .

================================================
حمص - سورية آذار 2008 وفاء الورده
(مجازة في الأدب العربي )


من إصدارات د . شاكر مطلق

مجموعات شعرية: عام (م)

1 - نبأ جديد ……حمص-سورية مكتبة- الزهراء 1957
2 - معلقة كلكامش على أبواب "أوروك "..دار الإرشاد 1985
3 - تجليات " عشتار " حمص-سورية - دار الكتاب 1988
4- زمن الحلم الأول حمص-سورية -دار الذاكرة 1990
5- ذاكرة القصب حمص-سورية دار الذاكرة 1994
6- تجليات الثور البري حمص-سورية - دار الذاكرة 1997
7- يا أبانا / يا أبانا ( مكاشفات العارف) دار الذاكرة 1997
8- تجليات للعالم السفلي ……………..دار الذاكرة 1999
9- تجليات الظلال …………دار الذاكرة 1999
10- هكذا نتكلم يا " زرداشت " ( نص أدبي _ فكري ) –
اتحاد الكتاب العرب في دمشق. 2007
دراسة :
- من المشهد الشعري _ نهاية القرن العشرين في حمص …
- ببليوغرافيا مع مدخل نقدي ( بالاشتراك مع الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى)

ترجمة( عن الألمانية ) ودراسة:

- فصول السنة اليابانية (شعر) – ترجمة –اتحاد الكتاب العرب –دمشق . 1990
- لا تبح بسرك للريح (شعر وحكم) من الصين واليابان –
دار الذاكرة-حمص/سورية 1991
- على شاطئ الأيام البعيدة (شعر ياباني) – دار الذاكرة 1995
- درب الكشف: شعر(زن) من الصين واليابان - دار الذاكرة /حمص 1999
-الشاعر الألماني هاينرش هاينه( بمناسبة مرور قرنين على ولادته) دار الذاكرة –حمص سورية 1997
- الشاعر الصيني القديم (لي- تاي- باي) - دار الذاكرة 1999
- كل شيء الآن كل شيء - الشاعر الألماني فيرنر شبرنغر
وزارة الثقافة-دمشق . 2006
- الزِّن في فن الشعر ( الياباني ) - دراسة وترجمة – وزارة الثقافة في دمشق .2007
- مجموعة كتب علمية طبية (جراحة العين وفحصها )
- ألواح تشريحيّة .
صدرت عن دار الذاكرة حمص-سورية .

قيد الإعداد للطبع :

- مجموعة كتب علمية للأطفال (ترجمة)
- الدِّلفين وجزيرة الفيل الأبيض-رواية للفـتيان
- الشخصية والألوان ( ترجمة) .
- جذور الحداثة الشعرية عبر التاريخ وحتى القرن الثامن ق.م .
( قدمت فصول منه في اتحاد الكتاب العرب – حمص – 1983 ) .
- مذكرات سارة شن ( اليابان ) من منشورات اليونيسكو ( ترجمة ) .
- العلاج الصيني بواسطة الضَّغط ( ترجمة ) .
- مئة حالة للقمر( شعر على نمط الهايكو ) .
- خطيئة المقدس _ وردة الجحيم ................. ( شعر )
- من أجل ذاكرة الندى ........................... ( شعر )
- قد يحزن الرجال.................................. ( شعر )
- لستُ...لكن........................................ .( شعر )
- ذاكرة البحر ........................................( شعر )
- البوح الطويل ......................................( شعر )
- المراثي ............................................( شعر )
- الأدب الجرماني من البدايات حتى اليوم –
دراسة وترجمة ( في مجلدين ) .
-الباباوات-ترجمة عن الألمانية بتكليف من وزارة الثقافة في دمشق-سورية.

===================