المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرة في تاريخ أفريقيا | غينيا



أشرف صالح المؤرخ الصغير
09/03/2009, 08:18 PM
غينيا
تقع غينيا في غرب أفريقيا يحدها المحيط الأطلسي غربا والسنغال ومالي وغينيا ‏بيساو من الشمال والشرق، وكانت تشكل جزءاً من مملكة غانا حتى القرن الثاني ‏عشر ثم خضعت لمالي ثم نزل بها البرتغاليون.

أولا: غينيا في ظل التنافس الاستعماري‏

لقد كان من الواضح أن الاستعمار البرتغالي في غينيا ابتع وسائل عنيفة في تطبيق ‏سياسته، واعتبرت هذه المستعمرة مقاطعة تتبع الدولة مباشرة، وهذا القانون يفرق ‏في المعاملة بين البرتغاليين وبين المحكومين من العناصر الملونة حتى يعيش ‏هؤلاء في المستوي معيشي منخفض، والدليل علي ذلك أن نسبة من كان لا يعرف ‏القراءة والكتابة من أهل البلاد يمثل أكبر نسبة في أفريقيا.‏

وعلي الرغم من ثورة الأهالي علي السلطات البرتغالية أكثر من مرة إلا أن السلطات ‏البرتغالية وقفت أمام هذه الثورات، غير أنه علي الرغم من ذلك فإن السلطة ‏البرتغالية في المستعمرة لم تمتد كثيرا خارج المراكز التجارية. وقد تنافست الدول ‏الأوربية من أجل السيطرة علي تجارة هذه المنطقة خلال القرنين السابع عشر ‏والثامن عشر واستمر هذا التنافس خلال القرن التاسع عشر حينما أدعت بريطانيا ‏أحقيتها في هذه المستعمرة، وقد هذا إلي ظهور أطماع أوربية في غينيا فنلاحظ ان ‏فرنسا هي الأخرى عملت علي القيام بحركة اكتشافات واسعة لتنال نصيبها من ‏الوليمة الاستعمارية.‏

ثانيا: السياسة الفرنسية في غينيا‏

ووصل الفرنسيون إلي سواحل غينيا في القرن التاسع عشر، وأعلنت حمايتها علي ‏غينيا 1849 ثم قررت التوغل في إلي الداخل وأصبح الجزء الجنوبي من غينيا ‏مستعمرة فرنسية، وأطلق اسم غينيا علي المستعمرة في أواخر القرن التاسع عشر، ‏وأنصب اهتمام فرنسا في بادية الأمر علي المنطقة الساحلية التي عُرفت باسم أنهار ‏الجنوب، ولكن سرعان ما دعمت فرنسا سيطرتها علي المنطقة وأدمجت المناطق ‏الداخلية والساحلية. ولما كان المسلمون قد كونوا في هذه المناطق حكومات إسلامية ‏لذلك اتبع انشار النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة ضرورة الاصطدام مع القوى ‏الوطنية الإسلامية، لذلك تأخر تحديد هذه المستعمرة الفرنسية إلي عام 1890 فلقد ‏حكمت فرنسا غينيا حكما مباشرا شأنها في ذلك شأن جميع بلدان أفريقيا الاستوائية، ‏وحاولت فرض تقاليدها وثقافتها.‏

ومن أبشع السياسات الاقتصادية التي طبقتها فرنسا في غينيا هو نظام العمل ‏الإجباري أو عمالة السخرة، فلقد طور المستعمر هذا النظام وجند الآلاف من عمال ‏النقل لنقل المواد الخام داخل القارة إلي موانئ التصدير، ثم بدأت تستغل مناجمها ‏لكي نحصل علي كافة المعادن والثروات الموجودة بها.‏ كما أن النظم التي كانت تحكم العدالة في غينيا كانت بعيدة كل البعد عن العدل ‏والإنصاف، كما أنها كانت بعيدة عن الطرق التي كانت تتبعها غينيا قبل قدوم ‏المستعمرين، ولم يستطع الفرنسيون الاستغناء عن الأفارقة بصورة كاملة في ‏القضاء التي أقاموها بل أنهم كانوا يستعينون بالكتبة والمترجمين لتسهيل عملية ‏التقاضي والاتصال فيما بينهم وبين الأفارقة.‏ كذلك نجد أن الفرنسيين كانوا قد جندوا الأفارقة كعمال ومحاربين خلال الحرب ‏العالمية التي شهدت أكثر من نصف مليون أفريقي من بينهم العمال والمحاربين ‏الغينيين. ‏

ثالثا: الحركة الوطنية

كانت المقاومة الغينية عنيفة استغرقت وقتا طويلا في ‏مناهضة الاستعمار الفرنسي، حيث قام الشعب الغيني بمقاومة هذا التوسع الفرنسي ‏منذ أن حاول الفرنسيون التوغل في الداخل, وقد ظهر بصورة واضحة من خلال تلك ‏المقاومة التي قادها الزعيم "الحاج عمر تال" فبحلول عام 1860 مد الحاج عمر ‏تال أحد المرابطين من قبيلة "الفوله" نفوذه إلي هذه البلاد,وأخذ علي عاتقه نشر ‏الطريقة الصوفية التي عُرفت بالتيجانية، لكن الجنرال الفرنسي "فيدررب" عرقل ‏مساعيه غير أن عمر تال ظل يواصل جهاده حتى استشهد في عام 1864 وواصل ‏الجهاد من بعده ابنه الشيخ "أحمدو شيخو" وعلي الرغم من المقاومة الشديدة التي ‏ظهرت خلال الكفاح ضد الفرنسيين من قبل الشيخ وأعوانه إلا أنه هُزم.‏

إلا أن المقاومة ظلت في غينيا حتى تجسدت في زعيم آخر هو "ساموري توري" ‏فقد أعلن ساموري الجهاد علي الفرنسيين، وقد أختار إستراتيجية المجابهة لا ‏التحالف واستخدم الدبلوماسية والحرب معا وقد اتسم جيشه آنذاك بطابع شبه وطني ‏وكان ذلك ظاهراً من طبيعة جيشه وتدريبه، وفي ذات الوقت وجد ساموري نفسه ‏محاصرا بين الإنجليز والفرنسيين، وفشلت محاولاته لبذر الشقاق بينهم بإعادة ‏أراضي "بونا" التي كان البريطانيون يطمعون فيها من الفرنسيين، ولكنه وقع في ‏الأسر ثم نفي إلي الجابون حيث توفي عام 1900.‏

واستطاع الاستعمار الفرنسي ترسيخ أقدامه ستين عاما واجه خلالها بمعارضة ‏وطنية عنيفة من قبل شعب غينيا ونتيجة لذلك عجز النظام الاستعماري عن السيطرة ‏علي فكر العشب الغيني الذي رفع دائما إرادته الصلبة في الحرية والاستقلال.‏ وإزاء هذا الشعور بتلك السياسة الحرمانية من قبل المستعمر فقد نمت فكرة التحرر ‏الوطني بينهم يتزعمها المثقفون وقد بدأت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك ‏فإن بعد الحرب العالمية الثانية شدد الاستعمار قبضته عن طريق الأنظمة الإدارية ‏والعسكرية والاقتصادية مما أدي ذلك إلي اشتعال حركة المقاومة الغينية.‏

أحمد سيكوتوري:

هو الزعيم الغيني الذي ولد في بلدة فارانا عام 1922 من أسرة ‏فقيرة، وقد تربي سيكوتوري تربية إسلامية داخل بيته وفي الكُتاب تلقي تعليمه ‏الابتدائي، ولم يلبث أن التحق بأحدي مدارس التعليم الفني غير أنه لم يمكث طويلا ‏إذ طرد منها بعد عام واحد فقط لأنه قاد إضرابا عن الطعام في المدرسة احتجاجا علي ‏السياسات الاستعمارية. وقد أنهي سيكوتوري تعليمه الرسمي في الثالثة عشرة، ولم ‏يكتف بذلك بل واصل تثقيف نفسه عن طريق المراسلة حتى تمكن من إتمام التعليم ‏الثانوي.‏

والواقع أن احمد سيكوتوري يعد من أشد الطبقات شعورا بالحرية وتقديرا لها لما ‏كانت تحس به طبقة البسطاء التي يقع عليها عبء الأكبر من المشاقة دائما من قبل ‏المستعمرين، وحينما بلغ السادس عشر من عمره أخذ يخطو أولي خطواته نحو ‏الحرية فمن ذلك الوقت أخذت قدراته علي العمل التنظيمي السياسي ينمو وحينما ‏انتهي سيكوتوري من تجميع قوي الشباب المتعلم حوله بدأ في إدخال في قلوبهم ‏العمل الصحيح للوطنية الأفريقية وأن من حقهم أن يعيشوا في حرية وأن يتمتعوا ‏ببلادهم، ومن هنا ساهم سيكوتوري في تكوين نقابات تدافع عنهم وتطالب بتجديد ‏ساعات عمل تتفق مع إداراتهم، وحقوق تضمن لهم الحياة الكريمة.‏

وقد أهتم سيكوتوري بالنقابات العمالية أكثر من اهتمامه بوظيفته ففي عام 1945 ‏انتخب سكرتيرا عاما لاتحاد عمال البريد والتليفون، وقد أكد في هذه الفترة علي ‏أهمية العمل النقابي.‏ وقد كان حضور سيكوتوري لمؤتمر الاتحاد العالمي للنقابات بباريس سببا من ‏أسباب اتصال فكره السياسي بالفكر الاشتراكي، علي أن سيكوتوري لم يقصر دوره ‏بالنشاط الوطني والاجتماعي علي غينيا وحدها بل ارتبط بكل قضايا الشعوب ‏الأفريقية.‏

كما كان سيكوتوري دائما يؤكد علي ضرورة الاهتمام بتعبئة جميع قوى الشعب ‏العاملة في الزراعة والصناعة، كما أنه يري أن تنظيم الشعب في نقابات عمالية لها ‏فاعليتها وتدرك بوعي سياسي كبير قضيتها التي تدافع عنها.‏

الحزب الديمقراطي الغيني ودوره في استقلال غينيا:

أدرك أحمد سيكوتوري وهو ‏رئيس وزراء غينيا أن الديمقراطية الصحيحة لا يمكن أن تقوم إلا إذا اشترك الحزب ‏في الإدارة علي مستوياتها لذا فقد رأي ضرورة إلغاء الزعامات القبلية، وعلي ‏الحزب هو تعبئة الرأي العام وحمله علي تأييد سياساته ومن هنا يتضح أنه كان لا ‏يهتم بالحزب كجهاز وإنما كوسيلة لتحقيق غاية.‏

والجدير بالذكر أن الحزب الغيني قاد حرب ضد الاستعمار منذ نشأته وقاد ‏سيكوتوري هذه الحزب الذي تأسس عام 1947، ومن المهم أن نؤكد أن الحزب كان ‏قد فتح أبوابه أمام جميع القوميات في البلاد, وقد أدت هذه السياسة التي اتبعها ‏سيكوتوري إلي إصابة السلطات الاستعمارية بذعر فظيع, لذا واجه الحزب وأعضاؤه ‏منذ بدايته اضطهادا من قبل السلطات الاستعمارية.‏

وعلي ما يبدو فقد نجح الاستعمار الفرنسي في سياسته التي كانت تعمل علي تفتيت ‏الحزب والقضاء عليه في مهده، والدليل علي ذلك أنه خلال الفترة ما بين 1947-‏‏1950 لم يكن التنظيم في الحزب قد اكتمل بعد فأصبح بذلك عرضة لسهام النظام ‏الاستعماري، وبدلا من تزايد نمو الحزب الديمقراطي الغيني أخذ في التفكك، إذ أن ‏معظم القيادات الحزبية كانت قد اقتصرت علي الموظفين الخاضعين لأهواء ‏المستعمرين، فأنتهي الأمر ببعضهم إلي تقديم استقالاتهم من الحزب، كما عملوا ‏علي محاربته.‏

كما اتبعت السلطات سياسة حظر الاجتماعات بينما كان أصحاب وسائل النقل ‏يمتنعون عن خدمتهم تحت ضغط السلطات الاستعمارية، لقد كانت التجربة علي حد ‏قول سيكوتوري تجربة قاسية وانتصر القمع علي عدد من الإرادات الرخوة.‏ لكن علي الرغم من هذه السياسة التي اتبعتها السلطات الاستعمارية وتخلي عدد لا ‏بأس به من قيادات الحزب إلا أن نمو الوعي الوطني ورغبة الحزب في الاستمرارية ‏وضرورة تقويته هي التي وحدت جمع الغينيين في الصراع، تلك القوة التي عبأت ‏المسلمين والكاثوليك والطبعيين هدف لتحقيق واحد، وجندت الرجل والمرأة والشباب ‏والشيوخ.‏

وذاد الحزب من دعايته لأهدافه من أجل الاستقلال، وزاد الحزب من دعمه للطبقة ‏العاملة وأخذ سيكوتوري يدافع عن حقوق هذه الطبقة ويعمل كل ما في وسعه من ‏أجل تهيئة ظروف مناسبة للعمل.والواقع أن مؤسسات الحزب كانت تتفق مع مبادئ ‏النظام الغيني فقد كان الحزب يعبر دوما عن إرادة الشعب.وقد أدي كل هذا إلي قيام ‏نواة من المناضلين للحزب لعمل فروع جديدة للتجمع الديمقراطي الأفريقي في أقاليم ‏أخري وبثوا فيها النشاط .‏

ونتيجة لهذه الجهود التي بذلها الحزب من أجل الترويج لقضية البلاد, تحول الحزب ‏من تدريجيا من مجرد تنظيم صغير إلي منظمة جماهيرية تتمتع بالمساندة المتزايدة ‏من الشعب ويكمن السبب في ذلك أن الحزب وجه الدعوة لكل أفراد الشعب الغيني.‏ ولم يغفل الحزب إلي أهمية الدور الإعلامي في الترويج لمبادئه وبرنامجه الذي ‏يؤدي في نهاية الأمر إلي استقلال البلاد، ولذا تسلح الحزب بالسلاح الإعلامي عن ‏طريق صحيفة تنطق باسمه وتفضح مفاسد النظام الاستعماري، والقائمين عليه ‏بشكل منتظم.‏

كما كان أحمد سيكوتوري والحزب وجهان لعملة واحدة حيث أنه أصبح سكرتيرا ‏عاما للحزب، كما أنه استطاع عام 1953 أن ينظم إضرابا شمل جميع البلاد واستمر ‏ثلاثة وسبعين يوما اضطر بعدها الحاكم الفرنسي إلي الاستقالة من منصبه، وحاول ‏عام 1954 سيكوتوري أن يحصل علي المقعد النيابي المخصص لغينيا في البرلمان ‏الفرنسي، إلا أن عمليات التزوير لم تمكنه من ذلك غير أنه بعد ذلك استطاع أن ينجح ‏في الحصول علي المقعد في البرلمان الفرنسي عام 1956.‏

وبحلول 1958 ظهر ما يسمي بدستور ديجول وناقشت فرنسا نوع العلاقة التي ‏تربطها بمستعمراتها في ضوء المبادئ الدولية، وفي ضوء تصاعد المستمر لحركات ‏المقاومة الوطنية في الدول الخاضعة للاستعمار, فأعلن ديجول عن دستوره الذي ‏تقرر بموجبه أن تكون فرنسا مع البلاد الخاضعة لها والتي تميل إلي الدستور ‏‏"رابطة للجماعة الفرنسية"وأن يتمتع أعضائها بالاستقلال الداخلي.‏

وقد خيرت المستعمرات الواقعة تحت النفوذ الفرنسي بين أربعة أمور كانت علي ‏النحو التالي:

‏1- الاحتفاظ بوضعها كما جاء في الدستور 1956.
2 – الانضمام إلي فرنسا كليةً. ‏
3 – أن تصبح عضوا في الجماعة الفرنسية تحت زعم أن العضوية في هذه ‏الجماعة تؤهلها.
4 – الاستقلال التام وجاء نتيجة تصريح شفهي تورط فيه ديجول.‏

وفي الوقت الذي أعلن فيه رؤساء الحزب الديمقراطي الأفريقي تأيدهم لدستور ‏ديجول، فقد عارضه سيكوتوري ودعا الشعب إلي رفضه وفي أثناء الاستفتاء الذي ‏أجرته فرنسا فضلت غينيا الحرية مع الفقر علي العبودية مع الغني والثراء، وعلي ‏الرغم من كل التهديدات التي نالتها من ديجول بقطع المعونة المالية عنها إلا أنها لم ‏تخش ذلك وأثرت الحرية علي كل اعتبار.‏

وفي 12 أكتوبر 1958 أعلنت الجمعية الإقليمية لغينيا عن إرادة الشعب التي ‏ظهرت في الاستفتاء عن استقلال البلاد وتشكلت أول حكومة أفريقية لجمهورية ‏غينيا برئاسة أحمد سيكوتوري.‏

محمد السنوسى الغزالى
28/05/2009, 07:26 PM
شكرا على هذه المعلومات القيمة..نحتاجها فعلا..لك الود