المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحـثا عن دالية العشق في عيون قصائد:



حسن العابدي
11/03/2009, 06:44 PM
*بحثا عن دالية العشق في عيون قصائد:

"أحــبكِ بجنون البحر"
*


‏إن أي حديث عن مجموعة ´´أحبك بجنون البحر´´ للشاعر العرائشي أحمد الدمناتي» هو من قبيل المهمات التي تستوجب الإشارة إلى أن صاحب المنجز الشعري قارئ مهتم بحقل الشعر٬ إبداعا و متابعة. كتب عن زمرة من الإصدارات الشعرية المغربية و العربية الحديثة، و قضايا الشعر و النقد عامة، بأسلوب تعطلت فيه الفوارق بين لغة الشعر و لغة النثر. و بذلك اجترح الشاعر/الناقد أحمد الدمناتي في كتاباته طريقة خاصة إنمازت بها كتابته الشعرية و النقدية على السواء. و التي نشر معظمها في أكثر من منبر ثقافي وطني ‏و عربي.
‏ثانيا إن المتحدث عنه شاعر رقيق تحمل نصوصه الشعرية بين تلا فيفها بصمة صوت مبدع مميز سقط رأسه من رحم نثيرة جميلة و مجنونة، راشحة برذاذ العشق. في لجة قصائدها تستحم حوريات الشعر لاهية، و تأبى التنشف إلا بروح الشاعر و حريرية لغته المموسقة الآسرة، و عذرية معانيه الندية. بالرغم من أن الزمن المعاصر هو زمن اللاحب ، أو كما يحلو للشاعر أن يصفه في قصيدة إني أعمقهم جرحا ص. 63 ‏´´إن القرن العشرين لا ينصف العشاق و لكن ينصف الذين يتخذون الحب بأسمى معانيه لعبة للتسلية (.. .) لذة للتنفيس عن مكبوتات النفس´´. بيد أن الشاعر يراهن على تسمية الحب الرديفة للوجود و الكفيلة في آن بانتشال الإنسان من براثن المادة، عن طريق ربطه بجوهره الإنساني الخالص حين يقول :

‏فلدمعة آمنت أن الحب نعمة/ إلهية دنستها القلوب الخائنة
و لشمعة احترقت خجلا من/ عبثية الليا لي الماجنة
‏أكتب هده الرؤية الشعرية/ )الحبلى بالعشق و الصدق و الحب. . .و . . .


‏ثالثة الأثافي أن المجموعة الشعرية موضوع الحديث أبصرت النور، و حصلت على شهادة ميلادها على أرض غير مغربية ، بمبادرة من الجمعية المصرية لرعاية الشباب منذ 1996 ‏. و لا زال صاحبها كما كان ينضح شبابا و يقطر شاعرية ، و يفيض حيوية و عطاء. قابضا على جمر الكتابة ء مصطبرا على حرقة الكلام مواظبا على الإبداع في وفاء لا يضاهى لأرومة الكلمة الصادقة ، و لانية الإنسان المنذور لمثل هذا الاختيار، المدرك لحقيقة ‏وجوده المتجلية في كونه حيوانا محبا بالتعريف. من حيث أن الحب هو إكسير حياته و سر وجوده وعنوان إنسانيته التي ضيعها في متاهات أملتها صنمية عصر ارتمى مختارا بين أحضان المادة ، و أعلن وفاءه لها، في ضحى لفظا بدون معنى و جسدا بلا روح. يدين بالآلية و المجانية و التشيؤ. و من أجل تصحيح المسار يعتبر صوت الديوان التفاتة نوعية تحتفي بقيمة الحب، يتغنى بها الشاعر سمفونيات ضدا على كل أشكال المسخ و المحو التي تتهدد الذات الإنسانية. يحدوه في ذلك رغبة عارمة تشد بتطبيب حنين طفولي يحلم بالإقامة في مكان بدئي يقع في عالم الطفولة رمز الحياة الحقيقية (في الحب و البحر و المطر) ص. 34 ‏.

‏حبيبتي با ساكنة مدينة أشوا قي
يطرزني عشقك/على دفاتر طفلة بريئة
تبيع خدها الخجول للنوارس المتعبة
بحر. . . نوارس . . . خجر
حوريات البحر
‏دمعة لحظة اشتعال الطفولة
‏تتغيا الإضاءة السابقة مقصدا واحدا مفاده أن تجربة أحمد الدمناتي الشعرية استمدت أسباب حضورها من كيميائها الشعرية و معمار لغتها بنضال من مضامين نصوص شدت إليها الأنظار. نقرأ في مقدمة الكتاب بقلم الشاعر و الصحفي محمد سعيد خليل: (هذا الشاعر أحمد الدمناتي، يكتب بماء الورد، فهو يتنفس الشعر، و ينام مع الشعر، و يصحو على الشعر. . . فالشاعر الحقيقي يطرق الأبواب و القلوب و يحتلها).
‏الكتاب من الحجم الصغير، صادر في إهاب طباعي يحاكي لون السماء، و يستصدي صفحة البحر و هو ما نصادفه منذ الدفة الأولى التي تحوي صورة أنثى مكمولة القسمات و الصفات الأنثوية و قد تسلحت بكل عناصر الإغراء الأنثوي، ناهينا عن المصاحبات النصية/الرسومات الداخلية التي لا تخرج عما سطرته لوحة الغلاف بتواطؤ مع عتبة العنوان، إلى آخر مصراع ارتسمت على يمينه بشكل شاقولي بارز الأحرف قصيدة من قسم الاهداء الفرعي الأول و هي سمفونية العشق رقم ا ص. 8 ‏أ ، تحاذيها في الأعلى صورة أنيقة طبيعية للشاعر أنيقا كعادته. و لعل لحضور اللون الأزرق دلالته المتصاقبة و معاني الانطلاق و اللامحدودية اللتان ينيطهما الشاعر بالحب كمفهوم يرتفع عن التحديد و التنميط. ‏حازت المجموعة الشعرية على فرادة نمطها و شخصيتها الإبداعية الخاصة، بكونها استطاعت أن تخرق المواضعات الجمالية و المظهرا نية المعهودة في إخراج المكتوب الشعر ي، على الأقل من حيث انقسامها إلى إهداءات/قصائد انتصبت عناوين لأقسام مستقلة يشتمل ‏كل قسم منها على طائفة من. النصوص متفاوتة الطول و مذيلة برسومات، لا تخطئ ‏عين الناظر فيها حضور أشكال تعبيرية تستدعي بشكل لافت جسد أنثى في وضعيات تستصدي إلى حد بعيد عتبة العنوان الموسومة ب ا´أحبك بجنون البحر´´ و كذا فضاء القصائد الدلالية.
‏تحتوي المجموعة على 5 ‏1 قسما تراوحت القصائد المنضوية تحتها بين الثلاثة و العشرة، و كلها إلى القصر أميل، تنسج إلى جوار بعضها نصا واحدا شديد الوفاء لما يؤشر عليه عنوان المجموعة. لتكون موضوعات المرأة و الوطن و القصيدة/الكتابة الشعرية، هي الخيوط الناظمة لمحتوى قصائد المجموعة أو هي الإبدال الموضوعاتي لدالية الحب بما هو شعور إنساني نبيل ، و أضمن سلاح لاحتواء العالم و الدخول في علاقة حميمية مع الأشياء. ذلك أن الحب هو الإمكانية الروحية الوحيدة للسمو فوق الفوارق و تذويب الحدود بين الموضوعات بالنسبة للإنسان.
‏عتبة العنوان
‏يؤطر العنوان مسار سفر رمزي دائم إلى فضاء أنثى غير متعينة في واقع التجربة المحسوسة بما يدل عليها من جهة الإسم أو الصفات ء مشارا إليها بنص عبارة العنوان "أحبك" دونما احتساب لتكاليف مغامرة تقصد الشاعر ركوبها، تنقاس مجازيا بمدى البحر و جنوده، ‏ترجمة لرغبة جامحة تتوخى الانطلاقة من قيود الصمت القاتل عن طريق الانسرار عبر فعل اللغة و الكلام بما هو بوح و عري و إنجاز تحول إلى بؤرة تستجمع حالات الذات و هواجسها بالقدر الذي تعكس نزوعا نحو الحرية و التماهي مع الأشياء و التوحد بالموجودات. لتنحث جسدا واحدا أبعاده الوطن أو السيئة و المرأة، و بالتالي المعنى أو القصيدة التي يمكن اعتبارها نموذجا مصغرا للوطن أو الإقامة المعنوية في هذا الوجود. و النتيجة الحتمية لذلك ، أن الخبرة الشعرية التي أثمرتها تجربة الشاعر من خلال هذه المجموعة ء هي خبرة ينتظمها هاجس الأوب إلى زمن و مكان طفوليين كادت أن تعفي على آثارهما إكراهات أزمنة لاحقة. إلا أن يد هذه الأزمنة لم تستطع أن تمتد أبعد من خطوط التماس بين حد الطفولة و حد الواقع أو الذات المثخنة بجراحة الواقع لتصادر منها تاريخها الشخصي الذي دأبت على استنداد أسباب وجودها و مناعتها منه. إذ فيه تكمن "سيرة حياتها" في قصيدة من نفسر طينة العبارة الأخيرة. تقول القصيدة :
‏حبيبتي خارج المكان
وتتخطى رمانية الوقت
‏وتجهض بأغانيها فضاء الصمت
أحبها دوما حتى الموت
‏لأنها سيرة حياتي
‏و من هنا كان لزاما على الشاعر من أجل أن يصفي حسابه مع اللحظات التي ناء بثقلها ضمانا للانفلات من إسارها، أن يعانق المطلق الرمزي المتمثل في أنثى خارج ما هو معطى في الواقع. أنثى تمثل الحماية و الدفء و الأمان و الاستمرار . . . لعلها الحياة أو ما يقوم مقامها من النساء و الأفكار و الجماليات عملا بالمقولة الصوفية ´´ما لا يؤنث لا يعول ‏عليه´´.
‏يحضر البحر أيضا بما هو امتداد ملغز و ساحر و ينطوي على كثير من المفارقات، ليشد من أزر المنزع الأنطلوجي السابق إلى ما يحقق الرواء و يزخر بالحركة و الحياة. أليس البحر/الماء عنصرا من العناصر التي لا تقوم الحياة إلا بها؟ ! و قوة لا تعدلها قوة في مقابل معاني اليبس و الجفوة و اللاحياة و السكون التي يرفضها الإنسان و يمقتها؟ ! فمن قدرات البحر و ما يتناسل من مؤداه يقد الشاعر كثافة جنونه الهادر ´´و يكون للبحر سر العشق´´ ص. 93 ‏.
‏فهدا انكساري المعقلن
‏في متافيزبقا الجنون السرمدي
أسكن ثقوب الناي
‏والناي طفلة تسكن الندى
إزرعي في أعماقي نورسة غجرية

‏فبالرغم من أن حديث الشاعر عن البحر باسمه نصا غير وارد بشكل يوقفنا عن كثب و بتفصيل على حواف المعنى السابق ، فإن تواتر كلمات من قبيل نورس ، المرافئ الياقوت ، الموج... و ما إلى ذلك من العناصر المرتبطة بعالم البحر، يؤثث لذلك و يصب في الحساب الشخصي للمعنى المومإ إليه و يدل عليه في أكثر من عبارة و قصيدة على امتداد مساحة الديوان نمثل له بالنموذج التالي من "نورس يخطف خواتم حبيبتي" ص. 90 ‏.
‏أنا النورس الغجري
‏الناعس في أحداق الموج/ علميني معانقة المساء المتعب النائم في أحداق المرافئ
‏واقرئي سفر أحزاني في قناديل أعماق البحر

‏المـــدينــة :
‏يعتبر ذكر مدينة طنجة بالتنصيص إختزالا لمكان موجود أو مفتقد يتأثث من تفاصيل ‏المحكي و تداعيات الوصف و الصور التي جندها الشاعر لخدمة المعنى عبر ثقوب المجاز، ‏يشرئب من أرشيف الذات ربائد الطفولة لينكتب من جديد على ايقاع تلاوين وعي لاحق يؤرخ لعلاقة الذات بالأمكنة و الشخوص:
‏نموذج1:
‏بولد ‏من أجفان البحر المتعب/ نورس يتيم
يعانق أنيرة البحر/ النائمة في عيون المحار
ويهدي لجفون الأصداف الساهرة/باقة الأزهار
ودميعات الأطفال الصغار
‏وطنجة امرأة غجرية/مسكونة بعشق الشعر

نمــــوذج2
فطنجة امرأة غجرية/تغتسل بدموع الفجر الخجول
هدا ندائي/احتضاري
فسافري في جراحاتي المسائية/رمحا مطرزا برذاذة المطر
فكال الرماح من قيس إلى نزار/أعيادها الانتحار
فاختارت قصائد الانتحار
وتبقى طنجة موال عشق لم يعزف بعد


‏القصيدة /المعنى :
‏هي الاحتواء اللغوي و الامتلاك الاستعاري لمتحول الدلالة الناجم عن تلاحم العناصر المومإ إليها باعتبارها خيوطا ناظمة لمضامين قصائد المجموعة. أو لنقل هي اللحمة و السدى في نسيج المكتوب الشعري ككل. حين تتحول المدينة و الحبيبة و كذا القصيدة في حد ذاتها إلى أشباح لغوية تتحرك في فضاء القصائد و تنسج من فائض معناها و لازم اشتغالها-تصريحا أو تلميحا - ظلال القصيدة كهاجس قائم بذاته يصلح لكي يكون موضوعا مستقلا يشتغل عليه الفاعلية الشعرية ، تعانقه كما تناوشه من بعيد. من شأن النماذج التالية المفتلذة من صلب قصائد المجموعة أن توقفنا على ذلك.
‏1- الإهداء ص. 5 ‏بقلم الشاعــر:

‏-"إلى كل الذوات التي تحب الشعر و تعشق الاحتراق في أحداق الكلمات الصادقة.
إلى كل القلوب التي تحب وتتعذب وتبكي. فهي قصائد الدنيا العاشقة"

2 -أسافر في أعماقك طفلا ص. 30 ‏:
‏أسافر في حناياك طفلا
‏يعشق كراسات الرسم وقصص الأطفال
يعشق القصيدة لحظة الاشتعال
ويبني على شواطئ أشواقك قصورا من رمال

-3‏اختاري يا صغيرتي ما يعجبك ص. 44
‏أتعجبك أهات الشعر حين تصمد جراح مواجعي البريئة
أم تعشقين دموع الفجر

‏تتبادل المكونات السابقة : المرأة ، البحر، القصيدة/المعنى، مواقعها بشكل مرأوي متصاد فلهذا نواها تتقاطع تارة و تتباعد لتلتقي أحيانا في بؤرة وحيدة تشكل وجها متكاملا لاعتمال المعنى و اشتغال الدلالة في رحم المكتوب الشعري، ليصبح عود الضمير تبعا لغلك في كل العبارات من طراز "أحبك:حناياك-أشواقك. " صالحا للتدليل على أي من هذه العناصر المذكورة مجتمعة أو بالتفريد.
و خلاصة القول إن الشاعر أحمد الدمناتي إذ يعزف سمفونية العشق في هذه المجموعة ، يواجهنا في حالات عدة حين يتذكر و يتأمل و يحاول التواصل مع الأشياء، متعبا حينا، متوفزا أحيانا، مستنفدا للطاقة تارة أخرى. و تلك حالة العشاق و الشعراء على السواء في جنونهم و اضطرابهم مدا و جزرا كما البحر في حركته و الكتابة في قلقها و اهتياجها. إلا أن هذه الحالات لا تحضر مجتمعة في قصيدة واحدة و إنما مبثوثة هنا و هناك في كل القصائد بشكل متعايش.
*أحبك بجنون البحر ديوان شعري صادر بمصر.
*أحمد الدمناتي شاعر وناقد مغريي.

أحمد نمر الخطيب
02/04/2009, 06:36 PM
أخي الشاعر والناقد المبدع حسن العابدي
دائماً حين يطالعني موضوع نقدي، أبحث عن الجديد، وأبحث فيه عن انكسار كربونية النسخ، وقلما أجد، لكنني هنا وجدت مادة نقدية طازجة خارجة لتوها من رحم الإبداع، ولا تكتسب قيمتها إلا بقراءة هذه المجموعة الشعرية، لأنها أبدعت على جسد هذا النص، ومن مفاصله،
أحييك أيها العزيز على هذا الإبداع
مودتي لك