المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءات في القصة الومضة محمد رمصيص



إسماعيل البويحياوي
26/03/2009, 06:24 PM
قراءات في القصة الومضة محمد رمصيص


1- قتل الأب والنص المغامر. قراءة في تشكل القصة الومضة بالمغرب.
إن تأطيرا تاريخيا لتطور أشكال القص يسعف على موقعة وموضعة القصة الومضة ضمن صيرورة تحولات كثيرة لحقت بنيتها وأساليبها وتيماتها..و يحديد الأرض التي تحركت ونمت عليها..فعندما نراجع ذاكرة الأجناس القصصية تحديدا يمتد بنا التفكير للمقامة ، فالمقالة القصصية، ثم القصة القصيرة، والقصة التجريبية، فالقصة الومضة..وهذا يعني أولا حداثة سن القصة الومضة. و ثانيا قلة تراكمها…هذا إذا تتبعنا خط تطورها الأفقي مع وجوب الإشارة لتنويعاتها العمودية حيث حملت تارة مسحة رمزية وتارة مسحة واقعية وأخرى عجائبية وما شابه.كتابة جديدة تراهن على لغة مكثفة ومشعة تلتقط المستجد والطارئ في المشاعر والسلوك والعلاقات البشرية، الشيء الذي يمنحها شرعية الانتساب لشجرة القص التجريبي..لكن هذا التأطير التاريخي يجعلنا نركن لاطمئنان زائف خاصة إذا تأملنا الأسئلة التالية ومنها:هل ظهور القصة الومضة جاء نتيجة احتياج محلي وشرط داخلي ؟أم أنها لا تعدو كونها نزعة ارادوية لتجديد الشكل تماشيا وأنماط الحكي بالغرب؟وهل حقا أن تكثيف وإيجاز القصة الومضة هو قوة بلاغية أو مجرد احتماء بالصمت عن قول ما يجب قوله؟ وهل التمرد الفني على النموذج وتحويل وفرة تقنيات القص القديم لنمط جديد يضفي بعض المشروعية على المبدع المغامر؟أم أن التعايش ممكن دون اللجوء للقتل الرمزي للماسبق؟وهل حقا أن الكتابة المضادة غايتها خرق التشابه والتماثل دون عنايتها بتقديم بديل مقنع قصصيا؟جملة من الأسئلة نطرحها للتأمل والتداول..لكن قبل ذلك أرى لزاما علي الوقوف عند تحديد المفهوم. 1-القصة الومضة:
إن تحديد المفهوم بقدر ما يؤسس لفعل تواصلي دقيق وقوة إجرائية لصياغة الحمولة الدلالية للمصطلح بقدر ما يعكس تمثل مستعمله..وهنا يطرح علينا السؤال التالي:لماذا القصة الومضة وليس القصة القصيرة جدا؟
-أولا: توصيف القصة بكونها قصيرة جدا هو توصيف معياري وخارجي يستمد مشروعية من خارج النص.أقصد أن وصفها بالقصر المكثف نابع من مقارنتها مع القصة القصيرة.
-ثانيا:تسميتها’’ بالقصيرة جدا ’’يسير عكس استراتيجية الحذف والتكثيف التي تتبناها القصة الومضة.فتسمية بهذا الطول’’القصة القصيرة جدا’’تبدو مفارقة وقصر الجنس الأدبي المراد وصفه.
-.ثالثا:القصر المفرط وحده غير كاف لانتساب هذا الحكي أو ذاك للقصة الومضة لأنه ملمحا ووصفا للشكل الخارجي مع إهمال المحتوى.وبالتالي نرى من الأليق تسميتها بالقصة الومضة لأنها تركز في ذات الآن على المحتوى كما الشكل ..علما أن الايماض خاصية تحيل على الإشراق المكثف في الزمان والمكان.
إن قصر هذا الجنس الأدبي ليس خاصية كمية بقدر ما هو خاصية جمالية.بمعنى أن اعتماده على التكثيف والحذف يجعله يترك وحدة الانطباع من جهة،ومن جهة ثانية يعوض قصره بامتدادات المعنى وتداعيات الدلالة من خلال جعل القارئ في قلب تشكيل دلالة النص وملأ بياضه وفراغه..لكن هذا يستدعي من القاص كذلك دقة انتقاء اللحظة القصصية واعتماد النهاية غير المتوقعة والمفاجئة..وبالتالي نهجه لكتابة مجازية تحيل ولا تصرح،ترمز ولا تقرر.نسق قصصي تجريبي يحرر المتلقي من سلطة النموذج لأنه يتخلص من الحدث إلى اللاحدث ويتخلى عن نمطية الشخصية ويخلخل زمن الحكي ..لكن هل يعني هذا أن القصة الومضة كفن سردي حديث يمثل مخرجا لأزمة الشكل المتصلب والنموذج القصصي الثابت؟وهل حقا أنها ليست جنسا لقيطا مادامت تمتلك جذور ومشروعية نظرية وإبداعية في القص العربي القديم..بحيث مافتئ النقد الأدبي القديم يردد مقولة ’’البلاغة في الإيجاز’’فضلا عن اعتبارها من طرف بعض النقاد المعاصرين تطويرا لفن الخبر ومواقف الضر فاء التي تجمع بين السخرية والمفارقة. وبأي معنى يمكننا الزعم أن القصة الومضة تؤسس لذائقة قصصية جديدة.هل لأنها تكثيف التكثيف؟أم لاعتمادها الرمز وجوبا لا اختيارا؟أم لركونها للغة شعرية تنهض على العلاقة المتوترة دلاليا بين المفردات؟أم لانزياح معنى مقولها المركز والذي لا يتأسس على دلالة غجرية وطيفية لا تلبث تغير محطتها مع كل قراءة جديدة؟إن اعتماد القصة الومضة لغة رشيقة يجعلها تحتكم للكلمة لا الجملة..والكلمة المشعة والشفافة تحديدا.ولهذا فهي تشبه قطعة الفسيفساء التي يمكننا |أن نرى من خلالها الزخرف كاملا .لكن شريطة امتلاك المتلقي القدر الكافي من الإدراك لجمالية الحذف والتكثيف فضلا عن مراس القاص في صوغ عوالم قصصية قادرة على الإيحاء والتلميح..صحيح أن الأصل في القص الحكائي هو الاستطراد والتوسع لكن القصة الومضة تبني رهانها الجمالي على أن الكتابة هي فن الحذف لا فن الإضافة.
2-بصدد بنية القصة الومضة:
نشدد بداية على أن الشكل نفسه موقفا فنيا، رؤية ومضمونا جمالي يراهن على حساسية تلقي خاصة ونمط تفكير معين وليد زمن فني حديث..علما أن شكل القصة الومضة حكائيا يرمي بنا خارج البناء الأرسطي للدراما:أقصد: بداية قمة فسقوط.. لسبب بسيط جدا هو أن القصة الومضة بدون بدايات في الغالب فهي تركز على النهاية ومن ثمة تشبيهها بالرصاصة والتي ينحصر هدفها الأساس في إصابة الهدف بكل طاقاتها الانفجارية.لكن هل يعني هذا أن الحجم في الفن كلما تكثف وقصر صار صنو العمق والثراء بالضرورة؟وهل في مقدور الجزء أن يعبر عن الكل؟أقصد هل تتوفق القصة الومضة في جعل الجزء المقتطع من صيرورة الحياة ينوب عنها؟علما أن كل قاص له كله الخاص:أي تصوره للذات والعالم والعلاقة بينهما.لكن التحدي المطروح على كاتب القصة الومضة هو :كيف يجعلني أصدق وأستشعر هذا الكل من خلال جزئية المحكي سيما والقصة الومضة تخلصت من أشكال القص التقليدية كبنية القص المتسلسل والمتناوب وما شابه وباتت تراهن على بنية التضمين واللغة الإيمائية وصار فعل القص لديها فعلا لازما وغير معني بمتى ولماذا وقع ما وقع.ومن ثمة ركونها للغة متأهبة يقضة فياضة بالمعاني والإيحاءات القادرة على خلق تيارات من الإشعاعات الدلالية.وبالتالي احتكامها للكتابة الشذرية المؤسسة على التقطيع السردي للحمة الحكي إلى وحدات مستقلة..تخلخل العلائق المنطقية بين الأشياء والوقائع..لنخلص إلى الاستنتاج التالي:القصة الومضة ليست شكلا ولا مساحة لغوية بقدر ما هي تقنية سردية رهانها الترميز لا التصريح والإبراق لا التقرير سندها في ذالك لغة تلغرافية.وعلى هامش هذا التوصيف لا تنفك أسئلة جديدة تلاحقنا مثل:ما هي دلالة تغير بنية وحجم القص؟هل هو تغير يحيل رأسا على تغير في شكل الحياة؟أقصد أن إيقاع الوجود الراهن الموسوم بالسرعة فرض على الحكي التكثيف والقصر؟ أم أن الأمر اختيار جمالي أملته شروط أخرى؟وإذا كان الأمر كذلك فهل هذا يعني أن النص الأدبي مجرد ذيل للواقع ولا يرقى لمستوى تبادل التأثير والتأثر بين هذين المكونين؟ نترك هذه الأسئلة مفتوحة تماما كما هي نهايات القصة الومضة.
3-بصد د محتوى القصة الومضة: إذا سلما مبدئيا بالتفاعل الجدلي بين الشكل الفني والواقع المادي في إطار جدلية الأدب والواقع.فان الهزات العنيفة التي مست المجتمع وجدت صداها في مرايا القصة الومضة .ونقصد بذلك أولا انهيار الأنظمة الشمولية وتنامي التطرف وتشتت المجتمع إلى بنيات أكثر انغلاقا!في ذات الآن الذي فرض علينا الزمن الرقمي نزعة فردا نية قاتلة إذ كل بهاتفه الخلوي الخاص وحاسوبه الشخصي وما شابه..فهذه التحولات المتلاحقة دفعت بهموم الذات إلى واجهة الحكي موازاة وتراجع القضايا القومية!وإجمالا يمكننا رصد أهم موضوعات/تيمات القصة الومضة لدى الجيل الجديد من كتابها بالمغرب’’ 1’’في:القلق، الغربة،العجز،العنف، التطرف،القمع ،الجنس ،الفقر…تيمات تعييد استثمار المداخل الوجودية للأدب كالضجر والعزلة والموت.مع التركيز على باطن الذات وتمزقاتها مما يجعلهم يعوضون توظيف العين كجهاز لاقط بالذاكرة كعين باطنية..فقط يجب التشديد على أن تفاعل النص بالواقع لا ينبغي اختزاله في الانعكاس الآلي الفج بقدر ما هو تأثير وتأثر مركب. فالتحولات التي تلحق بالواقع تستقر بالوعي الجمالي للمبدع ولا تلبث تجد لها شكلا فنيا.كما أن واقعنا المأزوم جراء الهزائم الحضارية والعسكرية المتتالية وتخلفنا موازاة و تقدم الآخر لا تعكس بشكل تقريري في تجاويف القصة الومضة فضلا عن واقع التهميش والإقصاء الذي مس مرافق الحياة جعل من المبدع يعلق آماله على دمقرطة الشأن العام ويمكن أن نجد لهذا معادل جمالي في مرايا النص المومضة: تعدد الأصوات وتنويع ضمائر الحكي للقول بأننا جميعا معنيين بالتحول والتلقي وبناء المعنى..كما أن الفردانية والعزلة والاستلاب الذي فرضه الزمن الافتراضي علينا يعكس بشكل فني في الشخصية القصصية التي تبدو و كأنها بلا إرادة في مواجهة هذا السيل العارم من المعارف التي تبدو أحيانا عاجزة عن التخلص من التبعية واسترداد وضعها الإنساني.وأعود في نهاية هذه الورقة لأختمها بتساؤلات مربكة كما بدأتها: -ما حدود وطبيعة المتعة التواصلية التي تحققها هذه الكبسولة القصصية؟ -وهل يسعف حجمها المتناهي في الصغر على استيعاب القضايا الإشكالية الكبرى؟
-وهل تستطيع القصة الومضة خلق حساسية وذائقة تلقي جديدة بتعايشها مع باقي أشكال القص أم بالتمرد عليها؟
تلكم كانت جملة من الانشغالات النظرية والجمالية التي أردنا تأملنا جماعيا قصد البحث لها عن أجوبة والتي ستبقى بالضرورة نسبية..
-*نص المداخلة التي تقدم بها الباحث في الصالون الأدبي بالدار البيضاء: محور القصة القصيرة جدا بالمغرب/ يومه14/4/2007
1-الجيل الجديد من كتاب القصة الومضة بالمغرب نقصد به سعيد منتسب جزيرة زرقاء/.عبد الله المتقي الكرسي الأزرق/لحسن برطال أبراج/حب على طريقة الكبار عز الدين الماعزي/ مصطفى لغتيري مظلة في قبر…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- القصة الومضة بين اقتصاد الحكي وانزياح المعنى. قراءة في تجارب مغربية
بمراجعة البدايات الأولى لتشكل السرد و تجلياته نجده مقرونا بالامتداد و الاتساع و الاستطراد.. لكن بمجيء القصة الومضة ستقلب هذه المعادلة باستبدال خاصية الإضافة بفن الحذف مؤسسة شرعيتها على الاقتصاد في اللغة و التخييل و الزمن … و بهذا استطاعت أن تتجاوز التعارض المخادع بين الحكي والحيز الضيق .. و من ثم بنائها لجاذبيتها على خيانة الأصل و التمرد على الجذور. و القصة الومضة بذلك تنتهك الميثاق السردي التقليدي القائل أن التشويق و الحكي مشروط بفسحة زمنية اكبر…وباستبدال الاتساع بالقصر و الإضافة بالحذف خلقت حكيا محتفيا بالمضمر و المعنى المندس بين فروج النص… لهذا يمكن اعتبار هذا الجنس الأدبي نوعا مغامرا و يخاطر بنفسه و دلالته لأنه مليء بالفجوات و البياض اللذان قد يسيئان إليه…لكن بالمقابل هي فجوات منشطة لجهاز التأويل المطالب دوما بمضمرات النص قصد حيازة المعنى.. علما أن الكتابة الشذرية كخيار جمالي للنص المومض لم يترك أمامه من خيار سوى اعتماد الإيحاء و الرمز الضامن الأساسي لشباب النص والحيلولة دون شيخوخته…و أصبح من المستحيل منطقيا القول بأحادية المعنى و أحادية الحقيقة الأدبية.. مادام قصر القصة الومضة يعني أنها نص مخترق بالبياض و الفجوات المستدعية للتأويل كتشابك يتحكم فيه الاحتمال و ليس اليقين. نص يختزل العالم في كلمات عوض الفصول و هو افتراض يتأسس على أن الكتابة كما الحياة مسارات متقطعة و متجزئة و قلما تأتي موصولة يكفي فيها الفسيفساء المعزول للتعرف على الزخرف كاملا…
1. في الحاجة إلى تأويل النص المومض:
تنبع ضرورة التأويل من كون اللغة الأدبية تستعمل للإخفاء بذات القدر التي توظف فيه للإفصاح… وبالتالي إنبناء النص الأدبي على المقول و المسكوت عنه…و في هذا السياق تطرح قيمة المحذوف والمغيب، الكتابة و البياض و تقابل القيمة الدلالية للقول مع الصمت و الامتلاء بالفراغ. خاصة والقصة الومضة تؤسس كينونتها على فن الحذف و بلاغة اللامقول. الأمر الذي يفرض على متلقيها نوعا من النوسان بين المصرح به و المضمر. و لهذه الاعتبارات نرى أن المحذوف و المسكوت عنه يثيران و يحرضان على الاستكشاف أكثر من غيرها يقول بير ماشرى في هذا السياق:” لا نشعر بوجود الايديولوجيا في النص الأدبي إلا من خلال جوانبه الصامتة الدالة و التي يجب أن يتوقف عندها الناقد ليجعلها تتكلم، فالنص قد يحرم عليه –إيديولوجيا- قول أشياء معينة. و يجد المؤلف نفسه – في محاولة قص الحقيقة بطريقته الخاصة- مضطرا إلى الكشف عن حدود الايديولوجيا التي يكتب منها، ومضطرا كذلك إلى الكشف عن ثغراتها وصوامتها، أي الكشف عما هو غير قابل لأن يقال. و مادام النص يحتوي هذه الثغرات و الصوامت فانه يظل دائما غير متكامل” (1)
إن إستراتيجية الحذف تجعل من القصة الومضة نصا مليئا بالثقوب و الغياب… نص غائر في الترميز و المراوغة الأمر الذي يوسع من رغبة القارئ في قول صمته، طالما الحذف مسافة جمالية مغرية بالتأويل و آلية لاتساع النص و تعميقه.. فيغدو المتلقي شبيها بمسافر غجري وظيفته التأثيث المتجدد و اللانهائي للفضاءات المرتادة… لكن لنا أن نتساءل مع ذلك: ترى إلى أي حد تستثمر القصة الومضة البعد الايجابي للحذف و الإضمار كآلتين لإنتاج المعنى؟ ألا تحكم القصة الومضة المغربية على نفسها بالانزواء و هي تنتسب لثقافة الامتلاء؟ و ما السبيل لإعادة الاعتبار للمكتف و المبرق في عملية التواصل الإبداعي؟ جملة من الأسئلة سنعمل على استثمارها في صلب مقاربة للنماذج التالية:
2. تجارب مغربية:
أ.2. 1. ابراهيم بوعلو ومكر الرغبة:
في قصة “حفل في الشارع” (2) يخبرنا السارد بذهاب رجل ثري لاستقدام خادمته من حي شعب… ذهاب تزامن و عرس حال دون حركة سيارته الفاخرة لضيق الأزقة في ذات الوقت الذي كانت لديه مواعد هامة جدا… و فجأة شاهد من بعيد خادمته ترقص مع الجموع مستعملا نفير سيارته بعصبية لمناداتها دون جدوى. فلاحظ حنقه و تسلقوا سطح السيارة و اخذوا يرقصون و يغنون الشيء الذي جعله يغمى عليه…
القصة في معناها الظاهر بسيطة للغاية لكن إحالاتها شديدة الثراء: حيث تؤشر حالة إغماء الرجل الثري على الموت السريري للطبقة البورجوازية و عدم وفائها بالتزاماتها الوطنية: ثانيا رقص الأطفال على سطح سيارته يحيل على أن الفئات الكادحة إن توفر لها الشرط الموضوعي لإسماع صوتها لا محال سيكون على جثه الطبقة البورجوازية و دوسها. ثالثا الخادمة التي نسيت جراح القمع و الاستعباد مرحليا بفعل الرقص و جعلت من جسدها لوحة فرجوية لإثارة الانتباه و التماطل في تلبية طلب النداء… و فطنت تلقائيا إلى أن لغة الجسد الراقص يسعف على إسماع صوتها المخنوق و يترجم تضاد المصالح: فراحة السيد الثري لا بد أن تكون على حساب شقاء الخادمة. تضاد يترجم الصراع القائم داخل المجتمع المغربي و فئاته الاجتماعية و تصادم المصالح علما أن الجسد لحظة الرقص يسلم نفسه للانفعالات الداخلية غير عابئ بالقيود التي يفرضها الثقافي و الاجتماعي و الديني”فمع الموسيقى يباح للجسد الخروج عن وقاره،وقول ما لم تقله إيماءاته في حالة السكون أو الأفعال النفعية.إن الموسيقى تدفع إلى الانطلاق والعودة من جديد إلى حالات الجسد الغريزية كما تبدو في الطبيعة”3. رابعا: بالرجوع للغة النص نجد السارد و من خلفه الكاتب ينحاز للطبقة الكادحة باستعماله ضمير الغائب حيث يقول: “اعترضت سيارته” علما أن تغييب شخصية ما هو قتل رمزي لها و تقليل من دورها في صنع الحدث… و بذلك فنص مماثل يضمر مكر الرغبة الرامية لإنصاف المغبون و إحقاق الحق و الثأر من المستبد ولو رمزيا… عند هذا المستوى يمكننا طرح السؤال التالي: هل حقا قصر النص المومض يترجم قصر النفس أم العكس؟ و هل يمكن الزعم أن الإيجاز مرادف للسهولة أم أن الايماض معنى استعاري يفيد الإشراف في حيز ضيق و بالتالي اشتراطه لحفر و تأمل خاصين…
2-2 محمد تنفو و لغة الجسد
في قصة ” بالطباشير الأبيض فقط” (3) نطلع على حكاية أستاذ قام برسم امرأة على السبورة بالطبشور الأبيض و أمر تلامذته بملأ الفراغ بما يناسب من الأعضاء… و بعد اكتمال الجسد ذبت فيه الحياة… فترجلت المرأة عارية على المنصة الإسمنتية للقسم. فأمر الأستاذ تلامذته بالانتقال إلى مرحلة متقدمة من تصوره البيداغوجي الخاص جدا… هنا يشتغل القاص على مفصل دقيق و حساس جدا تتماس فيه الرغبة و عنف الواقع. نص يسير عكس التصور القائل أن الفرد لا يبلغ السعادة المطلقة و الخلاص الكامل إلا عندما تغادر الروح الجسد… و بذلك فهو يقلب المعادلة المختلة أصلا و التي تعلى من قيمة الروح المقدسة مقابل تبخيس الجسد المرهون باللذة بسبب الخطيئة الأولى و الخطايا المتوالية فيما بعد. و بالتالي تشديده على أن السعادة الحسية ممكنة كذلك لحضة الحياة… الأمر الذي ترجم بإقبال التلاميذ على فعل الخلق الجماعي من خلال ملء بياضه حيث صار بؤرة العلامات و ملتقاها… إذ بملء فراغاته انتقل من الصورة الجامدة إلى الكائن الحي و من السكون إلى الحركة لتسحب عنه سمة الجسد الغفل من أي تأشير دلالي. علما أن المرأة ليست فحسب ذلك الجسد الصرف ذا الجغرافيا المميزة والمستثيرة للنظرة الجمالية أو الايروسية، بيد أنها أيضا جملة من السلوكيات و الحالات و الانفعالات والمواقف المفارقة لكينونتها البيولوجية و الفيزيائية و المعانقة لمقولات و تصورات ثقافية تستوطن الدهن و العين و المجتمع(4) الأمر الذي جعل هذا النص يضمر دعوة دفينة لتحرير الجسد من حالة التبات و السكون إلى الحركة و الكلام و استعادة حيويته باقتحام أحواز المعرفة و التعلم… غير أن نهاية النص الملتبسة تحتم علينا التخمين حول مآل الجسد العاري و التساؤل عن غاياته- علما أن العري حالة طبيعية بخلاف اللباس كحالة ثقافية- و إن كنا نقر أن الجسد لا يستعيد قدرا من عافيته التأثيرية إلا لما يطأ لغة التخييل و نبرات الكلام المشحونة بالتساؤلات المركبة من قبيل: هل ثمة تعارض بين المعرفة و المتعة؟ بين التحريم و الوعي؟ أم أن تصالح الفرد بالجسد من خلال معرفته و تأمله يوقف نزيف الرغبة و سطوة الكبت.
ج-2-3- مصطفى لعنتري ووجع المفارقة:
تتلبس النهاية المفارقة جل نصوص مجموعة “مظلة في قبر” (5) فإذا كان الرائي في قصة “المرآة” يكتشف في النهاية أن المرآة كانت تتأمل وجهها فيه. فان قصة ” الخلاص” تنتهي بتحول الصياد إلى ضحية و انتقاله من فعل القتل إلى فعل الانتحار. و بهذا فقصة “الخلاص” تلامس آلية الإنسان المعاصر الذي فتته الضجر و داسه الفراغ ..و بالتالي فقدان التوازن… حيث أضحى يمارس فعل الانتحار لمجرد تأمله دافعا عابرا… خاصة إذا علمنا أن قيامه بهذا الفعل جاء كردة فعل على استخساره طلقة في حق عصفورة ضئيلة… عصفورة أصبته بعدوى الضآلة… و لقتل هذه الصفة لم يكن أمامه من خيار سوى محو الجسد الحامل لها…علما أن فعل انتحاره خلق حالة من الالتباس. ترى هل انتحاره تتويج للألم أم للذة؟ فإذا كان محو الضآلة لذة فان فعل المحو لم يتحقق إلا بأعلى درجات الألم و هي قتل الذات! و بهذا يتكشف لنا انه في عمق كل لذة توجد ذرة من الألم… الأمر الذي يعني أن كل فرد تتقاذفه غريزتي الهدم و البناء الموت و الحياة. ترى هل تدل فجائية حدث انتحار الصياد على غياب قناعته باستقبال الموت و انه لا يعدو كونه عزاء نفسي كاذب و خلاص فردي مخادع؟ ربما كان الأمر كذلك.. إن رمزية مكان حدوث الحدث/ الغابة يعيد للواجهة تلك العلاقة المفارقة و التي تربط الإنسان بالطبيعة على اعتبار انه امتدا لها… فهل حقا بتدميرها (فعل القتل) يدمر ذاته في سياق نظرته النفعية التي تعني السيطرة عليها؟ أم أن فعل انتحار الصياد يصبغ موته بمغزى خاص و يترجم قلقه على اختلال توازنه واحتجاجه على العنف؟ لاسيما و الانتحار في سياق مماثل يتجاوز كونه إيماءة للتحدي و اليأس إلى أحواز الموقف الفلسفي القلق. – إن الانتحار- و الحالة هذه- موت قيد الانجاز… جعلنا السارد نصاحب المنتحر في لحضة مفصلية يخرج فيها من حيز الحياة و يدخل حيز الموت. إذ قلما نمسك بلحظة الموت في رهنيتها حيث يقال عادة في صيغة الماضي: لقد انتحر- أو في صيغة الاستقبال: سينتحر لا مجال… و بهذا فنص الخلاص أشبه ما يكون بمشهد يمشى فيه المنتحر في جنازته…علما أننا لا نفكر في الانتحار إلا بوصفه فعلا للآخر و ما نحن إلا متفرجين لأننا في العمق لا نعترف بأننا سنموت و نستبعد كليا فعل الانتحار عن ذواتنا…ومع ذلك يصر بطل هذه القصة الومضة على تذكيرنا أن اللذة زائلة بينما يضل الموت أزليا و هو في ذلك يلتقي مع البوذية التي ترى أن العالم ألم…
د-2-4- عز الدين الماعزي و لعبة الحب:
في النص التاسع من مجموعته “حب على طرقة الكبار”6″ يخبر ساردها بلعبة معتادة يتسلى فيها رجل بنزع أوراق وردة قصد التحقق من حضور الحب أو غيابه… منتهيا بإدخال الوردة كطرف أساسي في هذه الحالة العاطفية المركبة… إذ تعيش المرأة و الوردة حالة توحد صوفي مشتكية من فعل العري و البرد و الألم جراء فعل تدميري مارسه الرجل عليهما. وهذه النهاية البائسة جراء غياب الحب تحيل على ارتهانه للمعاناة و التوتر و الانفعال… و القاص بذلك يعيد لأذهاننا النهايات التعيسة لأشهر العشاق في التاريخ…إن تقمص الوردة صوت المرأة و الصراخ في وجه الرجل بالقول أنت لا تحبني في نهاية النص ناتج عن فعل التعرية الرمزي.. و بالتالي استشعارها لبرودة تتضاد كليا و نار الصبابة و العشق و حريقهما المتوقد. و البرد في هذا السياق كناية على الفتور و الضعف و الوهن. فلا شيء يثير الموت فينا اكتر من البرد. صفات تتضاد مع العشق كخلفية درامية بني عليها النص…وهو إحساس مصحوب بالعنف و الانفعال و الشغف بالأخطار و المغامرة. أما حالة العري التي عاشتها الوردة/المرأة فهي نتاج تأرجح الرجل بين إثبات الحب و نفيه مما جعلهما تعيشان صراعا داخليا مريرا و تعانيان من وطأة التوتر جراء غياب الاستقرار العاطفي مع وجود التشديد هنا أن الوردة لا تعوض المرأة و لا تلغيها و لكنها تستدعيها رمزيا.. لكن هل يعد هذا التأرجح بين حضور الحب و غيابه حب على طريقة الكبار؟! و هل صفة الكبار في الحب مرهونة بالتوتر و الانفعال و جو المخاطرة؟ أم أن بطل القصة المتصف بالتقلب السريع و الاستجابة المباشرة للمثيرات العاطفية يطمح من خلف هذا السلوك الدنجواني لإبقاء الحب في مستوى العشق العنيف و الانفعال الحاد؟..ولعله من طريق الصدف أن الحب يشكل احد الأجوبة الممكنة لسؤال الموت الذي سبق و طرح القاص مصطفى لعنتري في نص ” الخلاص”.
2-5- عبد الله المتقى و التخيل القلق:
يتسم متخيل مجموعة”الكرسي الأزرق” بالقلق و الإحساس الغامر بالتوجس… صحيح أن الحياة الفنية للمجموعة مثيرة بصورة ما، ولكنها تمضي بصورة معينة لتواجه مشكلة فقدان جوهر الإنسان. فطفل قصة “حمام” مثلا يستهل نهاره بتتبع رشاقة طيران صرب من الحمام و الذي سرعان ما يختفي تاركا الفضاء لطائرات حربية تجعل الردى على مرمى حجر منه. و حالة الحرب كناية على عجز العقل البشري على احتواء الاختلاف و تدبيره. وخوف الطفل من هذه الأجواء المشحونة بالرعب يعيد طرح سؤال مصير الإنسان الغامض…وذات القلق تعيشه امرأة قصة “بدون ستائر” متجنبة عيون النهاريين و هي عائدة من ليلة حالمة رفقة نديمها موقنة أن اللذة المسروقة التي انتزعتها انتزاعا سرعان ما ستتحول إلى ذكرى عابرة. يقول السارد في ص8: “لكن صفير القطار، و قارورة العطر التي نسيتها في جيب حاكيته، سيضلان تذكارا منسيا على جدران غرفة بدون ستائر باذخة” ترى هل من تفسير لهذا الشعور بالاجتثاث؟ وما سبب إحساس هذه الشخصية بالعداء و الكراهية للمجتمع؟ هل لأن رغبات الفرد ما لبثت تتقوى و تتصادم مع عنف الواقع وقوانينه؟ أم أن حالة الوحدة التي عادت لها بطلة النص أفقدتها المبرر المعقول للاستمرار في الوجود؟
إن ما يزيد متخيل هذه المجموعة توترا و قلقا كون صاحبها اشتغل في أكثر من مفصل على سؤال الضجر و الموت و الرغبة المرجأة إلى حين… فموت الجدة في قصتي “دادة، و رقية لفقية” يسحب معه متعة تلقي حكاياتها و دفئها الاستثنائي و إصابة الطفل/ البطل بضياع عاصف الأمر الذي منح بعض قصص هذه المجموعة نكهة جنائزية…
إن ضياع الشخوص بفعل العزلة و الاضطهاد شكل البذرة المخصبة و النواة الأم التي تشقق عنها حكي المجموعة الجريح جراء الرغبات المعطلة و التي قلما تعانق موضوع رغبتها. يقول السارد في قصة “قوارير زرقاء” ص34.
- السيدة الأولى: مزقت ميثاق النكاح، وصاحت بمرارة.
كم نشفت في انتظار لا أحد
* السيدة الثانية: خرجت من غرفة النوم، ولعابها يسيل زبدا
كم تعفنت
* السيدة الثالثة: حزمت حقيبتها، و قالت بهدوء.
كم تأخرت
و السيدة الرابعة: عضت سي السيد، و صرخت في جهة
كم أنا جائعة.”
3. استنتاجات تركيبية:
نخلص من قراءة هذه النماذج إلى أن القصة الومضة –كجنس أدبي- تأسس على اللغة الإيمائية المكتفة بالإشارة و الإيحاء و الرمز مستعيضة عن الكل بالجزء لأنها في الأساس تعتمد كتابة سردية اختزالية محذوفة التقديم في الغالب بخلاف نقطة النهاية التي تتجمع فيها جملة من العناصر البنائية و الجمالية… نهاية مقرونة بالدهشة و المفارقة الأمر الذي يجعلها مخيبة لأفق انتظار المتلقي…فضلا عن اعتمادها على الحذف و الإضمار مؤسسة لقص يحتفي باللامقول و القصدية المفتوحة دلاليا مادامت تراهن على قص المسكوت عنه…حيث اشتباك الاستهام بالرغبة و الحلم بالحنين و اللذة بالألم و عودة المكتوب المحتفي بعوالم رمزية مليئة بالسحر والممنوع والغامض والسحري والمبهم.. إذ مع الحذف كوسيط جمالي للكتابة المومضة صارت دائرة الغامض أكثر اتساعا و بات المبعد أكثر إثارة و إغراء لتوليد فائض المعنى…وبهذا يمكننا القول أن القصة الومضة تؤسس شعريتها على قانون الندرة كإستراتيجية تعتمد التشطيب و المحو الإخفاء و الغياب الحذف و الإضمار و تفجير مكبوت النص و استيعاب فجواته و انقطاعاته و هي بذلك تشتت المعنى على اللامعقول و الصمت و البياض حيث يصير الشكل نفسه حاملا للمعنى و يعوض طول النص بسمكه و طبقاته الأمر الذي يجعل من المغيب يرتدي وشاح الفتنه و الإغراء بالملاحقة. علما أن الفجوة بين المعنى و التعبير هي التي تثرى الكتابة و تحرر الدلالة من سجن المكتوب و تخلصها من وهم تطابق النص بالواقع…وإذا كان لا وجود لصيغة تعبيرية بدون إستراتيجية صامته فان الكتابة المومضة لهذا الاعتبار توجه الاهتمام لجدل خصب بين المكتوب و المحذوف بين الصمت و الكلام و بين التذكر و النسيان و بهذا تنجب لنا شعرية المحو و الحذف نصا جريحا لأنها تقوم على البتر و حجب بعض مسالك النص الأمر الذي يجعل معناه ينزف بلا توقف…
احالات:
* نص المداخلة التي تقدم بها الباحث في الملتقى الأول للقصة القصيرة جدا بالفقيه بن صالح/ المغرب. يوم 2 فبراير 2008.
1. تيرى انجلتون: الماركسية و النقد الأدبي. ترجمة و تقديم جابر عصفور. دار قرطبة للطباعة والنشر 1986. ص40
2. خمسون قصة في خمسين دقيقة. ابراهيم بوعلو. دار النشر المغربية، ط1983. ص49-50
3. مجلة علامات ع20. 2003 مقالات “تمثلات البارد و الساخن” لسعيد بنكراد ص14
4. كيف تسلل وحيد القرن. محمد تنفو- قصص قصيرة جدا. منشورات الكوليزيوم القصصي2004. ص32
5. في قبضة الثقافة-هشام العلوي. منشورات اتحاد كتاب المغرب2004. ص102.
6. مظلة في قبر مصطفى لغتري. منشورات القلم المغربي. 2006.
7. حب على طريقة الكبار. عز الدين الماعزي مطبعة وليلي 2006. ص22
8. الكرسي الأزرق عبد الله المتقي. مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب 2005
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- اللغة الشعرية في قصص عبد الله المتقي مجموعة ” الكرسي الأزرق” نموذجا*.
يعد تلويث نقاء الجنس الأدبي إحدى خصوصيات هده الاضمومة القصصية. إذ أن نصوصها لا تتوانى في نفي سلطة النوع الأدبي الآمر بالتزام اشتراطاته وحدوده. والقاص من خلف هذا يراهن على إنتاج خطاب أدبي بصرف النظر عن جنسه… أولنقل انه يراهن على نص متعال على الأجناس الأدبية ،صحيح انه نص يستفيد منها ويتداخل معها ولكنه متعال عليها ويرفض حصر نفسه في خانة محددة . يدخل في اشتباك عميق مع طرائق التعبير الشعري ويوظف تقنيات الحكي المكثف خالقا نوعا من التجاور الفني لهذه المكونات كلها ، الأمر الذي يجعل نصوصه تندرج في إطار “القصة-القصيدة” وهي تجربة لها جذور في تراث القص العربي حيث يمثل يحي الطاهر عبد الله (1) علامة بارزة في هذا السياق .فقط لا ينبغي اعتبار اللغة الشعرية كبنية شيئا جاهزا يتم إضافته عنوة للنصوص . أو حلية أسلوبية يتم استعارتها بشكل فوقي لمنح القصص نكهة خاصة .فهي تتشكل وفق تدرج الموقف الدرامي و صيرورة الأحداث ..
إن شبكة العلاقات اللغوية المتفاعلة على متن هذه المجموعة وفق المبدأ الحواري لا تفوت فرصة فسح المجال بقصديه لهيمنة البعد الجمالي للغة القصة .وتضيق الخناق على بعدها الابلاغي الأمر الذي يجعل الوظيفة الشعرية للغة هذه المجموعة بؤرة الخطاب القصصي من خلال توسل القاص انحرافات أسلوبية تخلق فجوة دلالية ومسافة توثر معنوي على خلفية التلميح والإيحاء ..
1.شعرية العنوان :
إذا كان النص هو الأصل والعنوان هو الفرع، فان الترابط العضوي بينهما هو الذي يولد دلالة كليهما .صحيح أن العنوان هو العتبة الدلالية التي تنقلنا من حيز الواقع لحيز التخييل وبالتالي اتصافه بالراية التي توجه فعل القراءة .لكن يبقى النص هو مصدر الضوء والعنوان عاكس له .مع احتفاظ العنوان بعدة وظائف منها :الإغراء ، الإيحاء ، الوصف والتعيين..وإذا أخدنا الوظيفة الإيحائية لعنوان “الكرسي الأزرق” لوجدناها تقلق أكثر ما تطمئن لان القارئ لا يلبث يطرح على نفسه الأسئلة تلو الأسئلة من قبيل :ترى من هو صاحب أو صاحبة الكرسي؟ وهل الكرسي أهم من صاحبه حتى يغيب المالك و يحضر المملوك ؟وهل الكرسي يحيل على معنى رمزي (منصب أو وضع اعتباري) أم يحيل على شيء مادي نفعي ؟ولماذا هو ازرق وليس بلون آخر ؟فهل اللون إحالة على الحلم والدهشة أم هي زرقة مجردة من الدلالة؟ إن هذه البلبلة من الأفكار تجعل حيرة التلقي تتعمق وتحيل القارئ رأسا على النص الحامل للعنوان عله يستقر على معنى محدد. سياق يجعل من العنوان سؤالا إشكاليا والنص إجابة عنه .فسياق النص وحده الكفيل برفع هذه الحيرة واللبس .سياق يطلعنا على كرس مفارق لوظيفته وبشكل مضاعف .إذ بخلاف مهمته الأصل؛ أي جلوس الأفراد عليه إما بقصد الاستلقاء أو الانتظار،يقدم لنا مستلقيا و كأني به مل من تعاقب الأجساد المنهكة عليه تباعا.لنتأمل هذه النواة السردية ص 67 :”الكرسي الذي يقف على رجليه ، يبدو الآن مستلقيا على قفاه قرب الباب ، يتأمل تلك المرأة التي تتصبب عرقا مالحا وعطرا ،وذلك الرجل الذي يلهث تباعا وسراعا .”:إن استلقاء الكرسي على قفاه قرب الباب يحيل على فوضى المكان وأن أحد أفراد القصة قد طوح به لانخراطه في حالة عاطفية خاصة. وهذا يعني أن قصة “الكرسي الأزرق”قصة محذوفة التقديم إن لم نقل أنها حكت نهاية النهاية . والقاص في كل هذا يتوسل تقنية “جبل الجليد “(**)تقنية تسقط الاستهلال عمدا للدفع بفضول المتلقي إلى حدوده القصوى .فتتحول القصة إلى مجرد واجهة للتلميح بما وقع .واجهة يلزمها الكثير من الحفر والتأويل حتى يمنحنا النص بعضا من أسراره ويجعل معنى المعنى يفيض على حوافي ألحكي .في المقطع الثاني والأخير من القصة يشتغل القاص على تقنية “الساعة الرملية “حيث يقطر بقية الحدث بأناة وروية، ويصير التخمين واقعا ثابتا.اقصد كون الكرسي الأزرق هو الشاهد الوحيد على وقائع ليلة حالمة ! ومن هنا صفة الزرقة الملازمة له.فهذه الصفة/ اللون تغدو إشارة إلى الأحداث الباطنية العميقة والمرتبطة بتصوير طبيعة الشخصية النفسية. يقول السارد:«الكرسي الأزرق يقطب جبينه الآن ،لان هذه المرأة التي تجفف جسدها، كانت تموء كهرة قبل قليل، وتنشب أظافرها بين كتفيه»
نستخلص أن إستراتيجية الحذف الناظمة لأفق القصة القصيرة جدا راهنت على المعنى المندس بين الوحدات السردية والوظيفة الإيحائية للغة بغاية مفاجأة القارئ وإدهاشه.
2.مستويات اللغة الشعرية للقصص.
تعددت الوسائط التبالغية التي توسلها القاص قصد تشيد لغة شعرية لمحكياته بدءا من التكرار اللغوي وإسقاط أدوات الربط مرورا بالانزياحات الأسلوبية وقوفا عند شعرية الوصف المكثف اضمومة من الأدوات الجمالية خلقت انزياحات دلالية متعددة وأضفت عمقا شعرية على قصص المجموعة .
3. التكرار اللغوي :
يمنح التكرار اللغوي إيقاعا موسيقيا للمحكيات بتوزيعه أجزاء الجملة إما بالتساوي أو بالتفاوت في الطول والنفس. غير أن التكرار اللغوي لا يكتفي بخلق الإيقاع وإنما يمتد إلى تنويع الدلالة والاحتفاظ باللفظ نفسه عبر الثورية كمحسن معنوي. فإذا كان الكرز في قصة تحت نفس العنوان ص31 يحيل على الفاكهة الضامة للون وشكل محركين لرغبة الحيازة والاستمتاع.فان الكرز في نهاية النص يفارق إحالته على الفاكهة ويصير معادلا موضوعيا للجسد،إذ بواسطة الثورية تخلق فجوة دلالية بين المعنى القريب ونظيره البعيد: يقول السارد في قصة كرز ص31:
«أنا أحب الكرز…أنا اتلمض الكرز
وكانت طامو تحكي لي كثيرا عن الكرز.
حتى صرت أراها كرزا
لذيذة وطرية
في عينها كرز
في فمها كرز
فوق نهديها كرز
وأحيانا كنت أتذوق الكرز.»
وإذا كان التكرار اللفظي يفيد عادة تأكيد المعنى سواء كان لفظيا أو معنويا فانه في سياقات قصصية متنوعة يأتي بقصديه مفارقة حيث يوظف بغاية تعميق الإحساس بالضدية كما في قصة حمام ص10 ضدية تخدم الصراع الدرامي بين السلام والحرب، الحلم والواقع. فإذا كانت مفردة”حمام” تكررت ست مرات فهي لم ترد سوى لتهيئ الجو لأحداث دمار تدق بعنف نهاية القصة.لنتأمل هذه القطرات السردية المكثفة والتي استطاعت أن تجسد انفعالات متضادة في كلمات ولحظات سريعة التحول من الشيء لنقيضه. يقول السارد ص10:
«حمامتان رشيقتان، تهذلان،ترفرفان،وطفل يكاد يطير فرحا.
لعب الطفل حتى شبع،ثم نام بهدوء في السطح، يحلم بحديقة للحمام.
حمام يرفرف فوق رأسه، وحمام يمشي رشيقا فوق العشب واركسترا من الهديل و…
يمر سرب من الطائرات الحربية.
يختفي الحمام.
و…
يفتح الطفل عينيه خائفا .»
إن السرد المسهب هنا يصبح غير ذي معنى في وقت تتحدث فيه الطائرات الحربية والمدافع. فقصة”حمام” من خلال صورها ومعانيها وظلالها توصل الفكرة المجردة بسرعة الضوء-فكرة عجز العقل في إدارة الصراع- كما تصل طلقة المدافع إلى هدفها …إن انصراف القاص عن رصد ميدان القتال إلى الصدى النفسي له، يحيل على أن الحروب لا تنتهي بوقف إطلاق النار بقدر مالها امتدادات سيكولوجية غائرة. بدليل أن الحلم واللعب والمرح فارقوا الطفل بمجرد حضور الطائرات الحربية ولم يبق سوى الخوف مرتسما على محياه. وعموما فهذه الخصيصة –خصيصة امتدادات الحرب- تحضر في مجمل السرود الحربية التي تناولت الحرب ومنها” الحرب والسلام” لتولستوي ” وداعا للسلام” لهيميغواي، و”أفول القمر” لجون شتينبك و غيرهم.
نخلص إلى أن القاص بلجوئه للتكرار اللفظي قصد منح قصصه إيقاعا موسيقيا وإثراء دلالتها بمحسنات معنوية كالثورية فضلا عن قلبه لقاعدة التوكيد التي تشدد على المعنى من خلال اشتغاله على انزياحات سياقية تفاجئ وتدهش لأنها تراهن على التبالغ(التواصل ببلاغة)لا الإبلاغ .
2.اختفاء أدوات الربط وشعرنة النعوت الديناميكية:
إذا كان إسقاط أدوات الربط اللغوي يمنح لحمة القصة إيقاعا سريعا من خلال تلاحق الأفعال وتتابع الصور القصصية الغائرة بالأحاسيس المشتتة وفوضى العالم كما سيمر معنا.
فإنها جماليا تكثف الجمل وتشعرن اللغة.
كما تفيد هذه التقنية استعمال إيصال الخبر واختزال زمن التلفظ.كما في قصة “طوق حمامة » تقول الساردة ص61: «عزيزي إنني أذوب كالشمعة أتراك تحس كم يموت عمري أمام عيني؟» ونفس الدافع النفسي يحرك المخاطب الذي ورد رده تلغرافيا وغاية في الإيجار وبدون حروف ربط .يقول في نهاية القصة:«عزيزتي …لا يمكن أن نستمر..محبتي..«.
إن التسلسل السريع للجمل السردية المكثفة يتناسب والحالة النفسية القلقة والمتوترة للشخصية.فتصوير حالة شعورية مماثلة لا يقبل الإطالة والتمديد ومن ثم إسقاطه لحروف العطف وتحرير اللغة من نثريتها وشحنها بعمق شعري مسنود بحضور النعوت الديناميكية وصفات حركية بقصد استحضار المعنى الغائب والنبش في ذاكرة العلامة-أو لنقل بلغة عبد القاهر الجرجاني:الإحالة على معنى المعنى”فادا كان المعنى هو المفهوم من ظاهر اللفظ الذي نصل إليه بغير واسطة.فان معنى المعنى هو أن نعقل من اللفظ معنى ثم يفض بك ذلك إلى معنى آخر”(2) علما أن النعت يعد مظهرا أساسيا للغة الشعر بسبب خلقه لانزياحات سياقية سواء أكان مفردة واحدة أو جملة مع الأخذ بعامل السياق الذي يلعب دورا حاسما في دلالته وشعرنته وتحويله من معنى أول إلى معنى ثان وثالث كما هو نعت الزرقة الدالة على حالة عاطفية ومناخ سيكولوجي خاص كما في قصة”علبة زرقاء” يقول السارد:«على حافة السرير ..لم يمهلها حتى تتنصل من ملابسها..تسللت أصابعه إلى عرصة صدرها تملصت منه برفق،و انسحبت إلى مرآتها…مخلفة خلفها ما يشبه الاشتعالات… صففت شعرها رشت إبطيها برائحة الجنة…وبعد هذا وذاك…بذلا مجهودا لذيذا ضد الشكوى والأرق .» إن ما سرد في قصة كاملة يمكن إرجاعه لزرقة حالمة تجاوزت مجرد الإحالة على لون إلى مناخ عاطفي وحالة حب كاسحة. إن نعت العلبة بالزرقة يحيل على مشاعر في غاية الاشتباك و التركيب. مشاعر بدأت بالود(تسللت أصابعه لعرصة صدرها)ومرت بالشوق والشغف(انسحبت إلى مرآتها…مخلفة خلفها ما يشبه الاشتعالات) وانتهت بانتهاء التوتر (بدلا مجهودا لذيذا ضد الشكوى والأرق) إن نعت الزرقة الملحقة بالعلبة وان ورد كلمة مفردة فإنها تتمدد لتصير مناخا وإحالات يصعب حصرها.حيث يفيض اللون /النعت على إحالته الأولى ليعانق المعنى الثاني أو معنى المعنى دلك بواسطة “النعت الديناميكي” الأمر الذي يجعل صفة الزرقة الوجدانية تحيل على المعنى المركب لحقيقة الحب حسب سوفوكليس حيث يقول:«الحب ليس وحده الحب .ولكن اسمه يخفي في ثناياه أسماء أخرى متعددة ،انه الموت والقوة التي لا تحول ولا تزول، انه الشهوة المحض،الجنون العاصف والنواح.»(3)فقط لا ينبغي حصر دلالة الزرقة في بعد ايجابي ومهادن فهي تستبطن صراعا دفينا بين رغبة المرأة في استرداد سلطة المبادرة والاقتراح وفعل اختيار زمن الحدث وشكله موازاة ورغبة الرجل في بلوغ مراده ،عند هذا الحد يمكننا القول أن:«النعت الذي يأخذ صفة الديمومة نابع من تشكيله للغة ؛ لأنه لا يستقر على زمن واحد، بل ينتقل من خلال الحدث على مستويات شعورية متعددة ، مرة هو في غيبوبة الحلم، مزاوجا بين زمن ماض وحاضر،ثم يعود إلى اليقظة حالا في زمن حاضر ،ليضرب في مجاهل الكابوس والهذيان عائدة مرة ثالثة إلى الصحوة والوعي»(4)
3- شعرية الوصف المكثف:
يخضع رسم المكان القصصي في هذه الاضمومة لمزاج البطل.فإذا كان مزاجه سيئا ورد المكان رماديا كابيا.وإذا كان مزاجه رائقا ورد الحبر الموصوف مبتهجا . وهذا التفاعل بين حدي هذه المعادلة يبدو منطقيا غير أن هذه القاعدة لا تحترم في المطلق.. وعموما فشعرية لغة الوصف المكاني جاءت في اغلب النصوص مكثفة وكأني بها تتكفل بنصف ما تريد قوله وتترك النصف الآخر للمتلقي-أمر تأتي لكون القاص انتهج شعرية الإضمار والحذف كما في قصة”إلى آخره” حيث صفة”دفء” المضافة للبحر توفقت في اخراج المكان من بعده المسطح.”دفء” استمده البحر من حضور المرأة، الأمر الذي جعل هذه الصفة ذات عمق نفسي.يقول السارد ص11:«المرأة تختفي،وحين تظهر،تصفع الماء برفق،تضحك،يتصبب جسدها مطرا مالحا،وكان الرجل يتمدد تحت الشمسية،يسترق السمع ل “ققنس”ويدخن سيجارة شقراء.المرأة تتصبب الآن زخات مالحة، والرجل يلتهم جسدها بعينه.البحـر دافئ.» وبخلاف هذا الإسقاط النفسي الحالم على المكان يأتي في قصة”غرقي”موسوما بالغضب صفة واحدة مرة أخرى استوعبت حالة شعورية منفعلة فحولت البحر إلى مقبرة هائلة للهاربين سريا من أوطانهم ويبدو وكأن البحر يمثل نقطة تجمع شخوص هذه المجموعة .بل نقطة انطلاق نحو المجهول وطريق الهروب من الواقع المر. يقول السارد في ص 23: « خلسة يخرج الطفل أقلامه الملونة،ويرسم بحرا وقاربا مكتظا بالهاربين، ثم ريثما يستغفله المعلم،يلكمه على قفاه،وكاد القسم يموت من الضحك . غضب البحر.انقلب القارب . و..غرق المعلم.والأطفال..” وفي ذات الاتجاه الذي يجعل الحالة النفسية للشخصية تلون المكان المرتاد.نصادف بطل قصة”خنز” حيت تدفعه حالته المرضية لجعل البيت مفارقا لرمزية الدفء وحرارة الأمومة الأمر الذي جعل مجمل النعوت سلبية وعاكسة لانكسار داخلي حد الانتحار البطيء.يقول السارد ص 60:«الغرفة شاحبة” الصمت مقلق” “الرائحة خانزة” وكان متكوما فوق السرير، يستشعر قرحة النتانة بداخله…ضوء الغرفة اصفر ناصح الآن …الرائحة تكتسح الغرفة لم يجمع وقفته،لم يتفقد فم المرحاض،ولا قمامة الأزبال بحتا عن مصدر الرائحة فقد كان يعرف أنها بداخله،وتتسرب عبر مسامه إلى الخارج…»
نستنتج من هذه المقارنة أن قصص هذه الأضمومة هي قصائد شعرية مهربة لأحواز السرد.
قصص ذات عمق شعري خاص.سندها في ذلك وسائط تبالغية خاصة بالقصيد.الأمر الذي جعل خطاب المجموعة يشبه في توجهه وتكتيفه لغة الشعر الإيحائية وبسبب ذلك فهي أقل تمثيل للواقع،متعددة المرجع والإحالة ومطاوعة للتأويل المضاعف..
إحالات:
*الكرسي الأزرق.عبد الله المتقي-منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب.2005.
1. انظر على وجه التحديد مجموعة “حكايات الأمير”يحيى الطاهر عبد الله. دار الفكر المعاصر1978.
(**)تقنية تعني أن ما يظهر من جبل الجليد هو عشره، أما تسعة أعشاره الباقية فتختفي تحت الماء.
2.عبد الله الغدامي المشاكلة والاختلاف.المركز الثقافي العربي بيروت1994،ص40.
3.في الحب و الحب العذري.صادق جلال العظم.منشورات عيون 1987.ص14
(4)اللغة الشعرية.ناصر يعقوب.المؤسسة العربية للدراسات والنشر2004-ص172.

شوقي بن حاج
27/03/2009, 07:22 PM
أخي/اسماعيل البويحياوي

جميل منك هذا الجهد في الجانب التنظيري للق.ق.ج

وهذا السهر منك لولوج كل ما يتعلق بالحراك القصصي

في بلدنا الثانية المغرب العزيز...

ما شد انتباهي أن للق.ق.ج في المغرب مكانة كبيرة

غير موجودة في الكثير من الدول العربية

بل تكاد تكون الإستثناء...

لم أقرأ كل الموضوع حول "الومضة "

لي عودة

تقبل الربيع كله

باسين بلعباس
27/03/2009, 08:01 PM
مجهود يستحق الشكر والتنويه،وقراءات تحتاج جِلسات،
والحاجة إلى التفرد بها لتجاوز ما تقول شكلا إلى الأبعد الذي نريد جميعا معرفته..
كم نحن في حاجة هنا إلى مثل هذه الدراسات المتخصصة،
لخلق المعرفة الإبداعية والعلم بالفن،وتناوله من الداخل،
والتمييز بين الفنون التي فرضتها ثقافة العصر،وحركية المجتمع المعاصر
أخي البويحياوي :عملك يستحق التثبيت..
لك الشكر

شوقي بن حاج
27/03/2009, 10:07 PM
أخي/اسماعيل البويحياوي

في متصفح مارؤيتك الخاصة في عنصر التكثيف أيها القاص أو الناقد

تسائلت في رد على القاص الرائع/كمال الصقلي

أخي / كمال دليل الصقلي

أتفق معك بان التكثيف هو ركيزة ركائز القصة القصيرة جدا

فإذا علمنا لأن الأدب كله مبني على أفكار وعلى مشاعر وأحاسيس

مبنية على لغة أدبية خاصة تحمل اللغة البلاغية والإيحائية

إذا فالشعر والقصة والمسرح كلها أجناس تتفق من حيث

الفكرة واللغة وربما حتى الختمة / القفلة

ليبقى لنا التكثيف الشديد كخاصية للق.ق.ج وهي تتفق مع بعض الأجناس

خاصة الشعر...لكن ارتباط الق.ق.ج بهذا الخاصية هو ارتباط أشد تعلقا

فقط هنا أتسائل في تمثيلك بنص للأديب / عبد الحميد الغرباوي

هل يمكننا أن نضع أشكالا داخل الق.ق.ج بمعنى أيمكننا أن نفرق مثلا بين :

الشذرة - الومضة - اللقطة - القصيصة....

لتبقى تسمية الق.ق.ج هي الجامع بينها

تقبل القرنفل كل

ووددت هنا أن نفتح النقاش حول التساؤل

وأعتقد أنه يحدد بدقة بعض التسميات

تقبل الإبداع كله

إسماعيل البويحياوي
27/03/2009, 11:39 PM
أخي/اسماعيل البويحياوي

جميل منك هذا الجهد في الجانب التنظيري للق.ق.ج

وهذا السهر منك لولوج كل ما يتعلق بالحراك القصصي

في بلدنا الثانية المغرب العزيز...

ما شد انتباهي أن للق.ق.ج في المغرب مكانة كبيرة

غير موجودة في الكثير من الدول العربية

بل تكاد تكون الإستثناء...

لم أقرأ كل الموضوع حول "الومضة "

لي عودة

تقبل الربيع كله

شكرا أخي شوقي
نتعاون أخي لإغناء المنتدى بكل ما يتعلق بها الجنس القصصي الوليد. أنوه بكل ما تقوم به من اقتراحات لعديد من المحاور والمختارات وطرح أسئلة قمينة بتوسيع الأفق الإبداعي وتطوير معرفتنا وتجربتنا في المجال.
أقترح أن يقوم الإخوة بإضافة مقالات ودراسات حول الومضة أو مايتصل بها تعميما للفائدة.
مودتي أخي

إسماعيل البويحياوي
27/03/2009, 11:48 PM
مجهود يستحق الشكر والتنويه،وقراءات تحتاج جِلسات،
والحاجة إلى التفرد بها لتجاوز ما تقول شكلا إلى الأبعد الذي نريد جميعا معرفته..
كم نحن في حاجة هنا إلى مثل هذه الدراسات المتخصصة،
لخلق المعرفة الإبداعية والعلم بالفن،وتناوله من الداخل،
والتمييز بين الفنون التي فرضتها ثقافة العصر،وحركية المجتمع المعاصر
أخي البويحياوي :عملك يستحق التثبيت..
لك الشكر

أهلا وسهلا بالمبدع باسين بلعباس
شكرا لك .. نضع أخي اليد في اليد لإثراء التجربة نحو أفق أرحب وأعمق. القصة الومضة تنال الاهتمام يوما بعد يوم. وتطرح قضاياها هنا وهناك. لم أقم سوى بنقلها وتقاسم قراءتها مع الإخوة في المنتدى.
مودتي وتقديري أخي.

سعيد نويضي
28/03/2009, 01:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

سلام الله على الأخ الفاضل اسماعيل البوحياوي...

دراسة قيمة تحتاج إلى أكثر من قراءة...أشكرك على هذه الدراسة و لك التحية و التقدير...

و للحديث بقية إن شاء الله...

إسماعيل البويحياوي
28/03/2009, 01:45 AM
أخي شوقي
أصدقك القول لن يستطيع أحد أن يدعي الآنن على الأقل، أنه سوف يقدم جوابا نهائيا. ربما اجتهادات ووجهات نظر. ولكن لابأس بكلمة صغيرة في الموضوع.
ماتوقفت عنده في " أفاعيل الكثافة" هو محاولة بسيطة جدا لتتبع اشتغال درجات الكثافة بين القصة القصيرة والقصيرة جدا " والنكاية في القص جدا". فالكتابة السردية انطلاقا من الرواية القائمة على التوالي ( السيرورة والصيرورة أو التحول) والامتداد واستغوار اللحظات في عشرات وحتى مئات الصفحات مرورا بالقصة القصيرة الأقل وقوفا والأسرع إلى القصيرة جدا( صفحة أو أقل) والومضة أعلى درجات الكثافة والاختزال ( أسطر أو جمل).
الكتابة القصصية القصيرة جدا والوامضة هي في بداياتها وتفاعلها وانفتاحها ولم تطلها يد النقد والتنظير بالقوة والعمق والإشباع الكافي. والسؤال أهم من الجواب لأنه يدعولعدم الاطمئنان للسائد ويحفز على البحث والحفر هنا وهناك التماسا لبعض الضوء. وهذا المتصفح بعض من ذلك. القصة القصيرة جدا تحكي لحظة مركزة مكثفة لكن الومضة أسرع وأكثر كثافة وتوسلا ببلاغة الحذف والإضمار والبياض الدلالي - القليل جدا الذي يعني الكثير ويوحي به - كما هو وارد في القراءات أعلاه.إنها أقاصي الكثافة والغوص البعيد في أغوارها.
تلتقي الق الق جدا أو الومضة - وفقا للرأي الذي يسمي القصة القصيرة جدا ومضة، ويبدو أنه يريدها كذلك، بل هناك حديث عن الق الق جدا البرقية الإسمس - مع أجناس أخرى في عدة خصائص. فالكتابة الشذرية كتابة تقوم على الاختزال والتكثيف وتعدد المعاني والإيحاءات أو الومض والبرقية وتلتقي فيه مع القصة الومضة. الخاصية الشذرة كآلية في الكتابة تهرب من الإسهاب والإطالة والترهل و وظف في عدة أجناس كتابية كالقصة الومضة والحكمة والشعر وغيرها وفقا لاختيار الكاتب.
تلتقي الشذرة واللقطة والومضة في السرعة والإيجاز والحذف والاختزال والكثافة والإيحاء .. أو " تجويع اللفظ وإشباع المعاني"..
أما القصصية فهي توفر النص على خاصية الحكي والسرد. أو ما يسمى الحبكة التي تضمن هوية النص السردية و تسعى الكتابة التجريبية إلى التخفيف أو التخلص منها وكسر تواليها وسيروتها وعوالمها التخييلية بشكل من الأشكال بالشعر وكسر الإيهام السردي أو توقيفه ومخاطبة القارئ وغيرها.
مودتي.

إسماعيل البويحياوي
28/03/2009, 01:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

سلام الله على الأخ الفاضل اسماعيل البوحياوي...

دراسة قيمة تحتاج إلى أكثر من قراءة...أشكرك على هذه الدراسة و لك التحية و التقدير...

و للحديث بقية إن شاء الله...

أخي سعيد نويضي
هو مجرد نقل من باب قرأت هذا وأعجبني يا أصدقائي. أتمنى أن تقرأوه معي لا غير. قراءا ت لصديق ناقد شاب واعد هو محمد رمصيص لنفيد منها جميعا. سأعمل - إن وجدت - على إضافة كل مايتعلق بالقصة الومضة.
مودتي أخي.

حسن الشحرة
09/05/2009, 04:49 PM
بحث قيم
نشكرك عليه
تقديري

إسماعيل البويحياوي
21/05/2009, 05:40 PM
بحث قيم
نشكرك عليه
تقديري
عفوك أخي حسن الشحرة على التأخر في الرد
فعلا حفر الناقد المغربي محمد رمصيص ودراساته حول القصة القصيرة يستحق كل التقدير.
مودتي

عبدالله بن بريك
18/04/2012, 04:48 PM
مقالة رائدة في التعريف بالقصة/الومضة ،جمعت بين التنظير و التطبيق.

تحياتي للأستاذين اسماعيل البويحياوي و محمد رمصيص.