المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يونان لبيب رزق والمزاوجة بين التاريخ والصحافة



ابراهيم خليل العلاف
27/03/2009, 05:44 PM
يونان لبيب رزق والمزاوجة بين التأريخ والصحافة
ابراهيم خليل العلاف

مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل
رحل عن دنيانا يوم 15 كانون الثاني - يناير 2008 المؤرخ المصري الكبير الأستاذ الدكتور يونان لبيب رزق ، وهو من أبرز المؤرخين العرب ، الذين اهتموا بالصحافة فسعوا إلى المزاوجة بين عملهم وهوايتهم كصحفيين . والدكتور يونان لبيب رزق استطاع من خلال مقاله الأسبوعي في جريدة الأهرام، وعمره أكثر من (10) سنوات، والموسوم :((الأهرام .. ديوان الحياة المعاصرة)) أن يجعل الثقافة التاريخية ثقافة شعبية ،حتى أن المصريين سموه ( ذاكرة مصر) ،كما عرفه الجميع على اختلاف ثقافتهم لما كانت تتميز به مقالاته من وضوح في الفكرة، وبساطة في الأسلوب، وعمق في المعنى . وقد قال أحد زملائه انه كان حتى قبل يومين من وفاته رحمه الله ، يمارس نشاطه العلمي والصحفي بشكل معتاد في لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة .
والدكتور يونان لبيب رزق، ولد في السابع والعشرين من تشرين الأول / اكتوبر سنة 1933 .. وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، ثم التحق بكلية الآداب / جامعة القاهرة وتخصص في التاريخ وتخرج فيها سنة 1955 عمل لفترة من الزمن مدرسا في مدرسة خليل أغا الثانوية في العباسية، ولم يقف عند هذا الحد ،بل أكمل دراسته العليا، فنال شهادة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة عين شمس سنة 1963 وبعدها شهادة الدكتوراه من الجامعة ذاتها سنة 1967 . وقد عين مدرسا في قسم التاريخ بكلية البنات جامعة عين شمس .
لم يكن الدكتور يونان لبيب رزق في عمله، مقتصرا على الجامعة ،وإنما شارك في الحياة العامة ، صحفيا ، وعضوا في المجالس القومية المتخصصة والمجلس الأعلى للصحافة ،ومقررا للجنة العلمية لتاريخ مصر المعاصر في هيئة دار الكتب والوثائق القومية المصرية، ومجلس الشورى، ورئيسا لمركز الأهرام للدراسات التاريخية .
حصل سنة 1995 على جائزة الدولة التقديرية، وفي سنة 2004 نال جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية ،والتي تعد من ارفع الجوائز في مصر . كما حصل على جائزة مؤسسة الفكر العربي سنة 2002 ،وجائزة الحركة الثقافية اللبنانية سنة 2004 .
عرف باهتمامه بالتأريخ المصري ، وقد قال الدكتور صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى عنه ،أنه كان من اكبر علماء التاريخ المصري، واحد كبار المدافعين عن حقوق وطنه في( طابا )أيام كانت إسرائيل تحتلها .. وقد بذل جهودا كبيرة من اجل تجميع الوثائق ودراستها، وتأكيد حق مصر فيها حتى تمت استعادتها وضمها للتراب المصري سنة 1989 .
له قرابة (50) كتابا منشورا منها :
• الحياة الحزبية في مصر في عهد الاحتلال البريطاني (1970)
• حرية الصحافة في مصر (1778 ـ1924) 1973
• الأحزاب المصرية قبل الثورة (1977)
• مصر والحرب العالمية الثانية (1977)
• الوفد والكتاب الأسود (1978)
• الأصول التاريخية ومسألة طابا (1983)
• قراءات تاريخية على هامش حرب الخليج (1991)
• توفيق دياب المتمرد النبيل ورائد التحديث في الفكر والصحافة (1992)
• الأهرام في ديوان الحياة المعاصرة (1995) وهو بعدة مجلدات
• مشكلة جنوب السودان (1994)
• العنصرية والصهيونية (بالاشتراك) 1995
• تاريخ الوزارات المصرية 1878 ـ1953 (2002)
• قضية وحدة وادي النيل بين المعاهدة وتغير الواقع الاستعماري 1994
• فؤاد الأول المعلوم والمجهول (2006)
كما اهتم بالمذكرات الشخصية وتولى نشر وتحقيق بعض المذكرات منها مذكرات فخري عبد النور (1992) ،ومذكرات عبد الرحمن فهمي (1993)
قضى الفترة من 1969 ـ1979 أستاذا، ثم رئيسا لقسم التاريخ في كلية البنات ـ جامعة عين شمس منذ 1979 .. كما ترأس الجمعية التاريخية المصرية ، وكان ينتمي إلى الجيل الثاني من المؤرخين المصريين الرواد أمثال محمد شفيق غربال، وأحمد عزت عبد الكريم ،ومحمد فؤاد شكري .
كان مؤرخا منصفا ، اهتم بالتدقيق، واستخدام الوثائق استخداما علميا واسعا .وكان يرى أن العملية التاريخية عملية مستمرة ، وليست ثمة فواصل بين عصر وآخر . فالتاريخ عنده رقائق متراكمة بعضها فوق بعض ولايمكن وضع حد بين حقبة وأخرى .. وقد استنكر اعتبار الحملة الفرنسية على مصر 1798 حدا فصلا بين العصور الوسطى والعصور الحديثة ، لان هذا الحدث أجنبي، وعد تولي محمد علي باشا حكم مصر 1805 بداية التاريخ المصري الحديث .. كما رفض تصنيف التاريخ على أسس دينية لكنه قال أن الدين عنصر مهم من عناصر صناعة التاريخ وليس التاريخ كله .. وقد أكد بأن هناك تاريخ حديث Modern History وتاريخ معاصر Contemperory History والتاريخ المعاصر ، بنظره ، يختلف عن التاريخ الحديث والمفترض أن يكون قد عايش التاريخ المعاصر أجيال لاتزال باقية على قيد الحياة .وكان يعتقد بان التاريخ لايكرر نفسه، ودعا إلى عدم التعرض بالحكم على أفعال الحاكم إلا بعد رحيله استنادا إلى أن الوثائق المهمة لايكشف عنها إلا بعد مرور خمسين عاما ، وقد شهد جميع من جايله بأنه كان رجلا وطنيا مخلصا لوطنه ، حاضرا في كل فعل يؤكد هذا التوجه ، ولئن فقدت المدرسة التاريخية العربية هذا المؤرخ فان عزاؤنا هو انه ترك للأجيال من الكتب والدراسات المفيدة ما تجعلهم يذكرونه ويستحضرون سيرته ومواقفه خاصة، وانه اكتسب احترام النقاد المصريين الرواد الذين أسهموا إسهامات تأسيسية مهمة في تاريخ الحياة المصرية الحديثة. وقد ذكر الدكتور عبد المنعم تليمة أن الدكتور يونان لبيب رزق لم يترك حدثا مهما ولا شخصية مرموقة إلا وصاغ فيها صياغات تتسم بالجدية والموضوعية ، وكان يرى انه ليس في نواميس التاريخ معنى للثبات فالتاريخ يتغير باستمرار .
*موقع (الحوار المتمدن ) الالكتروني .