المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في كتاب ( في قريتي )



حسن عبدالحميد الدراوي
28/03/2009, 12:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في كتاب قريتي للأديب : حسن عبدالحميد الدراوي

ملخص كتاب ( في قريتي )
لأنني من القرية، ومازلت أنتمي إليها ، آثرت أن أسجل كل ما يمت للقرية بصلة، أصف القرويين بطيبتهم، ومساكنهم البسيطة، وأحلامهم الكبيرة، ومدى تطور القرية عَلَى مر السنين الطويلة التي عاصرتها. سجلت هذه المعايشات الواقعية كلها في قصة سمَّيتها " في قريتي " ، وفاءً وحبًّا لها .
تناولت في هذا الكتاب خمس قصص كالآتي:
القصة الأولى ( الفلنكات ) صورت حقبة مهمة جدًّا في تاريخ مصر وقت إنشاء خطوط السكك الحديدية، من خلال "شحاتة" بطل القصة الذي أنهى المرحلة الابتدائية في قريته وانتقل للإعدادية في قرية مجاورة، أمه كانت تحثه دائما على مواصلة التعليم، وذلك ما جعله يتحمل المشاق . وفي الإعدادية فكر في ترك المدرسة والعودة للعمل بالحقل بسبب المعلم الذي يضربه دومًا ولمساعدة أبيه الذي يعول ثمانية من البنين والبنات، لكن أمين أفندي المهندس ـ الذي كان يتخذه مثلا أعلى له ـ وتشجيع أمه وقفا حائلا ضد فكرة الانسحاب من المدرسة.
وتتطرق القصة لأخيه عبادة الذي اتفق مع أقرانه عَلَى الإغارة على معسكرات الإنجليز ليدمروها، وحاول شحاتة وأحد زملائه أن يرافقا عبادة لحمل الذخيرة دون إخبار الأب حتى لا يثنيه عن المشاركة، ولحسن حظه يعيده شيخ المسجد من الطريق، ويعاتبه أبوه وأمه بشدة عَلَى هذا التصرف.
وينهي شحاتة المرحلة الثانوية ثم يطرح فكرة ترك المدرسة مرة أخرى، ويتخذ أبوه موقفًا محايدًا بين الرفض والقبول ، لكن أمه ترفض بشدة وتهدده بالمقاطعة إن هو فعل، فيمتثل لطلبها ويغادر القرية إلى (المدينة). وفي المدينة يلحظ الفارق العظيم بينها وبين القرية .
وفي إحدى الإجازات يلحظ نشاطًا كبيرًا في تنفيذ مشروع الفلنكات بالسكك الحديدية، وأصبح المنظر العام للقرية غير سابق عهدها لأن الشريط الحديدي بدأ يظهر وما زاده جمالا أنه يسير بجوار الترعة التي تشق القرية .
حياة وحركة جديدة عاشها شحاتة في قريته أثناء إجازة منتصف العام وتنتهي الإجازة ليعود لمدرسته حيث الدراسة والجد والاجتهاد .
وأهل القرية تبدلت علاقتهم بعمال السكك الحديدية بعد بغضهم لهم وخوفهم منهم، فأصبحوا يعدون لهم الطعام ويسوقونه إليهم بأنفسهم.
وتكتمل فرحة أهل القرية بإكمال شحاتة دراسته وتبتهج القرية بعودة ابنها شحاتة يحمل شهادة تخرجه في كلية الآداب قسم تاريخ مع تعيينه عضوًا بهيئة التدريس بالجامعة.
القصة الثانية هي ارتباط عاطفي بين الإنسان والحيوان، يوصل الكاتب من خلاله فكرة التعاطف مع الحيوان والتفاهم والتعايش معه والاقتناع بأنه يفهم ويشعر كما نشعر ، القصة تدور حول فتى صغير وحماره الذي كان من المفترض أن يكون وسيلة مواصلاته إلى المدرسة الابتدائية، ولكنه لشدة حبه واحترامه للحمار رفض أن يركبه، بل كان يطعمه طعامه ويمشي إلى جواره في رحلته يحدثه ويتسامر معه.
لقد شعر الأب بخطورة الأمر بعد أن اشتكى إليه الناظر من شدة تعلق الفتى بالحمار، وعدم استعماله فيما خلق له، ووجه الناظر عدة نصائح للفتى دون جدوى، وحاول الأب إقناع الابن بأن الحمار خلق للخدمة وسخر للركوب، لكن الفتى أظهر الطاعة وأضمر العصيان، فكان عندما يبتعد عن أعينهم يعامل الحمار كأنه صديقه.
قرر الأب التخلص من الحمار بدعوى تجهيز أخته لزواجها، وباع الحمار دون علمه، وكم كانت الصدمة قاسية عليه، أثرت في نفسه كثيرًا لدرجة أنه كان يجلس في نفس الأماكن التي كان يصحب الحمار إليها ويحدثه كأنه موجود أمامه.
قرر الفتى أن يفعل شيئًا للحمار، كل ما يطلق عليه حمار، فأنشأ جماعة بالمدرسة باسم (جمعية محبي الحمير)، وفي المدرسة الثانوية ينشر نفس الأفكار، ولشدة حبه للحمار دخل كلية الطب البيطري بل وتخرج فيها بتفوق وعين معيدًا بها، وظل مصرًّا عَلَى العناية بالحمير والتخصص في أبحاثه فيها، وهكذا كان للحمار أثر في مسار حياته.
القصة الثالثة تتعرض لحقبة من الحقب كانت البنت فيها لا تستشار في زواجها، ولم تكن تعرف أو ترى الخاطب إلا بعد موافقة أبيها عَلَى الزواج وقضي الأمر، وتُقحم البنت في الأمر فجأة ودون علمها حتى إنها تستيقظ ذات يوم لتجد النساء يقدمن لها التهاني عَلَى خطبتها وتحديد موعد زواجها، وفي غضون أسبوع واحد تتم كل إجراءات الزواج، والأب الفقير يتوجه إلى أحد معارفه ليقترض منه مبلغًا من المال لمتطلبات الزواج.
وتظل العروس طوال الأسبوع تحاول تخيل مظهر الخاطب، وترد عَلَى ذهنها كل الخواطر، وتخاطب نفسها في كثير من الأوقات عنه، وتتخيل أن الأرانب في الدار تحاول محادثتها وتوصيل فكرة لها، إن ذهنها وصل إلى أعلى درجة من الشرود والخوف من الآت.
وتصور القصة مظاهر عقد القران وحفل الزفاف بالتفصيل، ولكن أثناء ذلك يغشى عَلَى العروس وتتدهور حالتها الصحية، ولا يعلم أحد سبب ذلك حتى بعد عرضها عَلَى عدد من الأطباء، وتلجأ الأسرة إلى أحد العرافين الذي ينصحهم بعمل زار لكي يخرج الجن من جسمها عَلَى حد قوله، ويطول الأمر ولكن بعد فترة تتحسن حالتها.
يتم الزواج وتمضي شهور وهي لا تنجب، وسالم زوجها لا يصبر عَلَى عدم الإنجاب، وتذهب مرة أخرى للعراف، وتتكرر حفلات الزار دون جدوى ويهدد الزوج بأنه سيتزوج أخرى إذا لم تنجب، وسيظل يتزوج حتى تنجب إحداهن.
القصة الرابعة ( الشاعرة المفقودة ) تتعرض لمأساة رومانسية بين فتاة تتمتع بموهبة الشعر من الصغر ، وتنمو موهبتها وتصقل بعد دخولها الجامعة، ويشجعها أبوها دائمًا عَلَى كتابة الشعر وعدم التوقف عن الكتابة مهما كانت الظروف. الأم لا يعجبها الأمر ولكنها تصمت عَلَى مضض .
وفي الجامعة تقع في حب شاعر رومانسي فقير، والفقر دائمًا سبب في وقوع المآسي بقصص الحب، ولهذا بعد أن نضج الحب بينهما انتبها عَلَى التزامات الارتباط عندما تقدم لخطبتها شاب مكتمل الإمكانيات ومستعد للزواج في نفس اليوم.
ولأنها جميلة جدًّا كانت محاطة دائمًا بالخطَّاب، وكلهم عَلَى قدر من يسر الحال، وقاومت بكل قوتها ورفضت واحدًا واثنين وثلاثة، ولكنها لم تستطع مقاومة التيار القوي، خاصة بعد أن اكتملت أنوثتها ولم يعد الخطاب يطيقون صبرًا عَلَى نيل ودها وموافقتها، وهو يزداد حزنًا ويأسًا وانكسارًا كلما سمع بخاطب يتقدم لها، ولا يعطيها جوابًا شافيًا، لكنه في النهاية استسلم وأطلق لها العنان لتعيش حياتها بعيدًا عن الضغوط، ورغمًا عنها تتزوج وتدخل حياة جديدة مليئة بالمسؤوليات والأعمال الشاقة وأعباء الزواج، حيث لا مكان للشعر ولا للرومانسية، وفعلا مات الشعر داخلها، ولم تعد تتذكر شيئًا لا عن الشعر ولا عن الشاعر.
القصة الأخيرة ( اليوم الحزين ) تصف مرحلة من أسوأ مراحل تاريخ مصر، وهي نكسة 67 ، وعملية الخداع الإعلامي التي صورت للمصريين أنهم انتصروا عَلَى الإسرائيليين .
وتصور القصة فرقة من فرق الجيش التي نجت من الموت وحلت عَلَى القرية، وجلست تستريح، زاعمين أنهم منتصرون وأنهم فقط في عملية تبادل مراكز، وتسارع القرية كلها للترحيب بالأبطال وتقديم كل غالٍ ونفيس لهم من طعام وشراب وهدايا، الجميع سعداء بالأبطال، وبطل القصة مبهور بهم ويجلس نهاره معهم ويبيت عَلَى الأرض معهم، فقد رفضوا المبيت في المنازل، وتربط بينه وبين قائدهم علاقة قوية.
وفجأة تظهر الحقيقة ويُصدم الناس بأن إسرائيل احتلت سيناء وجزيرة شدوان في البحر الأحمر ومرتفعات الجولان السورية ، وتمكنوا من فرض سيطرتهم على القدس كاملة ، وأتت الأوامر للفرقة بالتوجه للقاهرة، وخلت القرية من الأبطال بعد توديع ممزوج بالبكاء والنحيب.
أيام عصيبة عاشتها القرية وخاصة الفتى الذي أنهكه الحزن، وحاول الرئيس جمال عبد الناصر التنحي عن الحكم ولكن رفض الناس بشدة، حتى أهل هذه القرية أسرعوا إلى مكاتب البريد لإرسال برقيات للرئيس بألاَّ يتنحى، ويسافر الفتى إلى المدينة في محاولة لإنقاذ مصر بأن يتطوع في الحرس الوطني، ولكنه لم يعرف مَاذَا يفعل ليتحقق ذلك، ويتوه في المدينة، ولا ينقذه من الهموم إلا ملاقاة صديقه قائد الفرقة عَلَى رصيف محطة القطار، ويكتشف أنه كان متوجها لقريتهم ليشكرهم عَلَى كل ما قدموه له ولفرقته، وهو في الحقيقة كان يضمر أنه يسعى لخطبة أخته بعد ما رآه من جمال القرية وأهل القرية، ويستضيفه في القرية لثلاثة أيام ولكنه لم يستطع محادثته في الموضوع لكثرة الزوار وتردده، وفي اللحظة التي قرر فيها محادثته أتاه استدعاء من الجيش لمواجهة غارات الإسرائيليين، ولم يتأخر القائد عن تلبية النداء لحظة واحدة، وغادر القرية دون تخطيط متى سيزورها مرة أخرى لخطبة أخت صديقه، لأنه لا يعرف ما يخبئه له الغد المظلم.
يبقى أن أقول إن القصص مطعّمة باللهجة العامية القروية في بعض الأحيان، حيث تطلب الأمر إيرادها لنقل الصورة الواقعية لأهل القرية ، كما وصفت الأطعمة والأشربة كما هي بأسمائها المتعارف عليها عندهم، كما وصفت بعض عاداتهم التي عشتها معهم ، وأفتخر بأنني أنتمي إليهم.
والله ولي التوفيق.
حسن عبد الحميد الدراوي