المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعرية الخطاب الصوفي عند أحمد بن عجيبة (ت 1224 ه)



ابراهيم ابويه
29/03/2009, 02:04 AM
شعرية الخطاب الصوفي عند أحمد بن عجيبة (ت 1224 ه)
ذ. نور الدين ناس الفقيه (*)
شكل التصوف أحد أهم الاتجاهات التي ارتبطت بالأدب المغربي عبر تاريخه الممتد، وقد بدأ هذا
الشكل الفكري الأدبي بسيطا مع دولة الأدارسة يمتح من الكتاب والسنة وعقيدة الأشعري ومذهب
الجنيد.غير أن دخول كتاب "الإحياء" لأبي حامد الغزالي مع مطلع القرن السادس الهجري سيحدث
رجة كبرى في المجتمع المغربي، إذ سيكون بمثابة الشرارة الأولىلاندلاع نار التصادم بين أهل
الفقه والمتصوفة، بعد أن عرى ممارسات بعض الفقهاء الذين راموا قلب الحقائق الدينية وتكييفها
تبعا لأهوائهم وخدمة لمصالحهم.
وهكذا، وبمبادرة من فقهاء الأندلس، تم إحراق كتاب "الإحياء" في العهد المرابطي( 1).أما الموحدون،
فقد أعادوا الاعتبار لهذا الكتاب وشجعوا التصوف والمتصوفة واعتنوا بهم إيمانا بفكرهم واعتقادا أو
مواربة لهم ومسايرة، احتسابا لسلطتهم ودرءا لسخطهم( 2).وقد اتخذ التصوف في العصر المريني
شكلا مبتذلا بعد أن أسرف أهله في ممارسة البدع وادعاء الكرامات والولايات ، مما أدى إلى نشوء
تيار معارض حمل لواءه كل من "ابن عباد الرندي"(ت 792 ه) و"محمد بن سليمان
الجزولي"(ت 870 ه) و"أحمد زروق التازي"(ت 899 ه).ولبث وضع الفكر الصوفي على ما هو عليه
إلى أن انبرت الزاوية الدرقاوية، التي يمثل "ابن عجيبة" أحد روادها ، إلى التصدي لتلك الزوايا
المضللة(العيساوية والحمدوشية خاصة).وقد تعرضت الدعوة الدرقاوية، بزعامة "أحمد بن
عجيبة"،إلى جملة من المضايقات بسبب نهجها الإصلاحي الذي لم يرق أصحاب الرياسة وأرباب
المصالح، فهدمت مراكزها وزواياها في تطوان، وطرد "ا بن عجيبة" من طنجة وأحرق منزله،
والأدهى من ذلك أنه اتهم بالمروق عن الدين وبإحداث البدعة،فاعتقل وأتباعه، وزج بهم في غياهب
.( السجون ونكل بهم أشد التنكيل( 3
-1- الشاعر:
"أحمد بن عجيبة الحسني"( 1160 ه- 1747 م/ 1224 ه- 1809 م) ولد بمدشر "اعجيبش" من قبيلة
الحوز التي تقع تطوان في أحد سفوح جبالها، بدأ مسيرته العلمية بحفظ القرآن الكريم، ثم تنقل لتعلم
التجويد لدى جملة من مشايخ القراءة ، حصل بتطوان علوم التفسير والحديث والفقه والتوحيد
والمنطق ثم انتقل إلى فاس للتعمق في علوم الشريعة، وبعد فترة عانقت نفسه العلم الآخر الأجل:
علم الحقيقة.ولعل سبب ذلك كان مطالعته كتاب "الحكم العطائية" للشيخ" تاج الدين بن عطاء الله
السكندري".وقد بلغت مؤلفاته اثنتين وأربعين مابين كتب ومقالات، ومنها ديوانه الشعري المثبت
ضمن كتاب "الفهرسة"الذي حققه الدكتور"عبد الحميد صالح حمدان" وقدمه وعلق عليه أيضا، وذلك
بعد قراءته للترجمة الفرنسية للفهرسة التي قام بها المستشرق الفرنسي"جان لوي
ميشون"( 4).وتضم حوالي أربعمائة بيت موزعة على قصائد مختلفة تراوحت مابين مطولات
.( ومقطوعات ونتف شعرية( 5
-2- مقومات الشعرية الصوفية عند "أحمد بن عجيبة":
يمكن أن نتبين مقومات الشعرية"العجيبية" من خلال خمس ثيمات أساسية شكلت ديدن أغلب شعراء
التصوف في المشرق والمغرب معا، وترددت في ديوان شاعرنا بشكل لافت، وهي:
-أ-الحب الإلاهي( أوالتلويحات الخمرية):
حيث نجد شاعرنا منح المعجم الخمري دلالات جديدة خرجت بالخمر إلى دائرة الرمز الصوفي، فهو
يستخدم مصطلحات كالمدامة والخمر والدنان قاصدا بها معاني الفناء والحب:
سقاني حبي من مدامة حبه فأصبحت من خمر الهوى أتضلع
فلما سقاني زاد منه تعطشي فكان فؤادي بالجوى يتقطع
فلو أن الكون عرشه مع فرشه كؤوس لخمر الحب ما أنا قانع
-ب-الحقيقة المحمدية:
يعتبر شاعرنا ،كغيره من شعراء التصوف،الحقيقة المحمدية العماد الذي قام عليه الكون، وصلة
الوصل بين الله تعالى والناس.وقد أشار الحلاج إلى أن لمحمد حقيقنين: إحداهما قديمة، وهي النور
الأزلي الذي منه استمدت الأكوان كل علم وعرفان، والأخرى حادثة وهي الرسالة المحمدية التي
وجدت في زمان ومكان معينين( 6).وعن هذه الحقيقة عبر "ابن عجيبة" في داليته:
وصل إله الكون في كل لحظة على عنصر الكون سر محمد
تقدم كل الكون نور بهائه فكان إلى الرحمان أول عابد
قد انشقت الأسرار من سر سره فأبدى لنا سر الإله الممجد
-ج- التوسل:
يروم توسل شاعرنا نشدان المغفرة والثواب وتحسين الظاهر والباطن كي يلقى مولاه بقلب سليم،
وهو في كل ذلك يدعو ويتوسل بأ سماء الله الحسنى:
فيا أول اجعلني في أول سابق إلى حضرة القدوس في خير مقعد
ويا آخر اختم لي بخير سعادة تضم إلىروح الوصال المؤبد
ويا ظاهر حسن ظواهري التي بتهذيبها يسري المدد إلى العبد
ويا باطن زين بتحقيق نعمة الشهود بواطني بجمع مؤبد
-د-مدح سالكي الطريق وبيان شروطهم:
عدد شاعرنا مجموعة من الشروط التي ينبغي للمريد اتباعها في سلكه دروب التصوف الطويلة
كالتحلي بآداب الفقر والزهد في الحياة طلبا لرفع الهمة:
وللفقر آداب تحقق نسبة إلى من له علم التصوف ذائع
زهادته في الكون رفعا لهمة وإيثاره بذلا بقلب يسارع
علاوة على مصاحبة الشيخ الموجه التي تجعل النفس الدنية تنخنس وترعوي، فيتجرد المريد من
هوى النفس وحظوظها:
ولا يمكن الخلوص من رق نفسه إلا باصطحاب الشيخ ذي الحال والسر
يملكه زمام أمره كله فتنخنس النفس الدنية بالحصر
فتستوي الحظوظ عنده بلا عين مع الحقوق العليا بغيب عن الغير
-ه- الزهد:
يقوم غرض الزهد عند"ابن عجيبة" على ترك حظوظ الدنيا وكل ما قد يفضي إلى الابتعاد عن الله عز
وجل:
يا عبدي كن مستصغيا لقولي وألق سمعك بلا بعا د
مرادي منك نسيان المراد بصدق الحب منك والودا د
مرادي منك الترك للحظوظ وما يفضي بك إلى البعا د
وتبعا لهذا ينبغي للمؤمن أن يسلم لخالقه جميع أموره وأن يريح عقله و فؤاده من التدبير:
أتترك الراحة في التسليم وتتعب الجنان بالعناد
تدبيري سابق لكل كون فلا تنازعني في مراد
أرح فؤادك من التدبير فالعجز عن نفسك أمر باد
تلكم أهم المضامين التي أسهم ائتلاف عناصرها في تحديد بعض ملامح الشعرية في ديوان"أحمد بن
عجيبة"،مضامين ظلت خاضعة في منطلقها الفكري للتصور السني البعيد عن مغالاة الفلسفة
الإشراقية وعكست عمق الثقافة الإسلامية ومتانة التكوين الفقهي لدى شاعرنا،وإن كانت ثقافته
العروضية محدودة بالنظر إلى اختلال أوزان بعض أشعاره التي أوردناها، وباعترافه هو نفسه
بتقصيره في تحصيل علم العروض على الوجه الأكمل....
الإحالات:
-1- لمزيد من التفصيل حول حادثة إحراق"الإحياء" ينظر:
48 )المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش - -بحوث في التصوف المغربي.د.حسن جلاب(ص 8
1995/ ط 1
، 177- -لماذا أحرق كتاب الإحياء؟عبد القادر العافية.مجلة دعوة الحق ع 7،ص 175
1974/ السنة 16
-2- انظر"الذيل والتكملة"لابن عبد الملك المراكشي.ج 2/ص 250 ،تح:محمد بن شريفة 1984
- -3- انظر"محاكمة الدرقاوية"ضمن"إشكالية إصلاح الفكر الصوفي في القرنين 18 و 19 ج 1،ص 181
1994 .للدكتور عبد المجيد الصغير / 233 .ط 2، دار الآفاق الجديدة، 1415
L’autobiographie(FAHRASA) du saufi marocain Ahmad ibn ‘Ajiba.Jean -
4-louis Michon ,
Leiden1969
-5- انظر قسم المنظوم في الفهرسة من ص 102 إلى ص 125
-6- "الطواسين"للحلاج،تح:ماسينيون،ص 9، مكتبة المثنى،بغداد
*باحث من كلية الآداب،جامعة سيدي محمد بن عبدالله- فاس-