المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يبيعون دمهم لإنقاذ المرضى



محمد التهامي بنيس
29/03/2009, 03:12 PM
يبيعون دمهم لإنقاذ المرضى
انتهت فترة الصمت القصير في جلستنا على هدير قوي مفاجئ صادر عن طفطفات ودراجات نارية يقودها شباب يحملون وراءهم فتيات ترسل صرخات لم تكن صرخات استغاثة بل هي صرخات زهو تكسر الهدوء وتبعث القلق لدى المارة ورواد المقهى كما تفزع ساكنة العمارات ونزلاء العيادات الطبية ,تتبعهم سيارة يحلو لها أن تطوف حول المدار على صوت احتكاك متعمد للفرامل كما لو أن سائقها المتهور المتخدر دون شك , يتدرب على كيفية الهروب عند نقط التفتيش أو المراقبة , وسرعان ما يلتحق بكوكبة الدراجات النارية معجبا بنفسه وامتطائه تلك السيارة الفاخرة , مما أوضح أنهم ليسوا من الفئة التي شاهدنا نماذج منها , ولست أدري ما الذي دفع صديقي إلى إثارة حوادث السير في مثل هذا الطيش وطلب مني أن نقوم بزيارة عابرة لقسم المستعجلات بالمستشفى , ولأنه ملحاح لم أجد بدا من تلبية طلبه , حتى إذا كنا بباب المستشفى لاحظنا ازدحاما غير عاد , حيث يعرض شباب دمه للبيع لإنقاذ مريض محتاج لدم ولإيراد مدخول يعينه على مواجهة مشاكله المالية وضعف حاله وفقره , فكان المشهد مؤلما وأصدق تعبيرا عن كل تعليق . أما في مدخل المستشفى وبين حركة الدخول والخروج تلاحظ أن المريض يدخل المستشفى وفي جسده وجع وهو يخرج منه إن كتبت له النجاة , وفي حياته أوجاع الدنيا , وتلاحظ آخر يغادره مؤثرا على نفسه أن يبقى على مصارعة آلامه وأوجاعه ما دام لا يقدر على الدفع المسبق والبعدي ويلزم بشراء أدوية لا تتوفر في المستشفى أو عليه الانتظار لشهور وسنوات كما هو الأمر بالنسبة للمحتاجين لدورهم في تصفية الدم وهم يعانون من أوجاع القصور الكلوي
غريب حال فاس اليوم , في جولة قصيرة , تسجل هذه الملاحظات التي تستوجب أكثر من قراءة . وأكثر من مقالة , وهي تستوجب المعالجة الجذرية , فهل ما شاهدناه يجعلنا نميز بين نموذجين لمعالجة الإقصاء : 1 – الانصهار بأن يترك الشخص ما يميزه عن الآخرين لينصهر في النسيج الاجتماعي السائد 2 – أو يشارك الشخص في هذا النسيج السائد كليا أو جزئيا سواء كان فقيرا أو معدما دون أن يفقد هويته 3 – لكن الاندماج الاجتماعي في مجتمع فاس معرض للصراع بين طبقتيه " الفقراء والأغنياء " وهو ما يطرح مشكلة التفكك الاجتماعي السائد ولا يزيد الوضع إلا استفحالا, وما النماذج التي سمحت الزيارة بمعاينتها إلا غيض من فيض
محمد التهامي بنيس