المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجرد نظرة في شعر الراحل حسن بيومي



أحمد محمد عبد الفتاح الشافعي
02/04/2009, 10:22 AM
مجرد نظرة في شعر حسن بيومي

عاشوا في دمائنا وخلايانا … التزلُّف . النفاق. المؤمرات . النهب والسلب .. وقطع الطريق على الآمنين ، وهتك الأعراض . هذا التراث اللعين ورثه كل من جلس على كرسي العرش . كان الفلاح والعامل والإنسان الطيب الفقير البسيط ضحية دائما لكل هؤلاء من أقدم العصور حتى عصرنا الأمريكي/الصهيوني المنكوب ، لم تكن المياه راكدة.. كانت الثورة حلم لكل من تحلَّى بقدر ولو يسير من علم وثقافة عصوره ، وكانت هدفا لكل أصحاب الضمائر ، وللذين تنكبُّوا طريق الظلم ، وكبُرت نفوسهم عن الصغائر… ذخـر بهؤلاء تاريخ مصـر وعلى مر الهكسوس . الفرس . الرومــان . العرب . والمماليك ( العبيد ) هؤلاء ورَّثـُونا أسوأ ما فيهم .. هؤلاء لم يموتوا وإنما العصور .. وكانت مصر سلة الطعام الذي لم ينضب – وياللغرابة- قطٌّ لكل هؤلاء وحرم أهلها الأمن والأمان والغذاء .. سيروا القوافل أولها عند أقدام المصريين وآخرها في حلوق الطلقاء ومن قبلهم الرومان …قاوم أحمس العظيم الهكسوس وطردهم من أرض مصر ومن التاريخ ، وقاوم مسيحيو مصر العسف الروماني وكان عصر الشهداء شاهداً على المقاومة الباسلة . ويقال أن خمسة ملايين من المصريين تركوا الوادي بمدنه وقراه وعاشوا في الأديرة والصحراء … وفي العصر الإسلامي كثرت الهبات والمقاومة العفوية التي طمسها المؤرخون عمـدا ، ونسبوهم إلى الخارجين عن القوانين وأطلقوا عليهم (المطاريد) … كانت الحركة الصوفية في جوهرها ضد جور الولاة و الخليفة العباسي نفسه . ظلت الثورة / الحلم تراود كل جيل . من هؤلاء حسن بيومي المناضل والشاعر اللغوي الكبير ، الذي يقول:
الزيفُ أعْرفُ أينَ سـاحِرَه …،
ومَنْ يرمِي عَلَى الأَطْفَالِ ألْوَانه ..
والحقُّ أعرفُ أَيْنَ وادِيه …،
ومنْ يرْمِي علَى الأيامِ بُستَانَه .
والعِشْقُ معْركةٌ يموتُ بِأَرْضِهَا ..،
مَنْ يلقِ تحْتَ سنَابِك الأعداءِ أحزانَه.
ظلَّ يحلم بالثورة مثله ، مثل : شهدي عطية الشافعي ، وإبراهيم منصور ، ومثل كل المناضـــلين الشرفاء .
00000000000
هــو يدرك أن الذين تبوءوا كراسي الحكم :
يَضحكُون عليْنا بزيفِ الأَمَاني ..
ويحشُوننا بالأَغَانِي … ،
ولأننا أحياناً نصدقهم ، شأننا في ذلك شأن أجدادنا السذج ، فنحن :

جراحٌ تُتَاجرُ فِيهَا الغَوَانِي … ،
فتَحْت سياطِ الممَالِيك نَحْنِي الظُّهور ..
ونحنِي الجِبَاه …،
ولأننا فقراء مساكين ، فليس لنل سوى الإله ندعوه في صلاتنا :
ونرْفَعُ تحْتَ سقْفِ الجوَامِع … ،أهدَابَنا لِلإله.
وهو يعلم كما يعلم الجميع أننا نعيش في عالم مادي غابت عنه القيم ، إنه عالم:
يزِنُ العطاءَ بقِرشِه
ويُخنْدقُ الأحْلامَ
داخلَ كِرْشهِ
وإذا لم ينفع معه سلاح الكلام المنمق المزوق والمزيف ، استخدم فورا سلاح البطش …كلاب مسعورة تبطش وتقتل :
ويظلُّ نهرَ الَّدمْعِ
والآهاتِ
خَارجَ عرْشهِ
لايأبه بآلام الثكالى ، و لا دموع المقهورين … … …
0000000000000000000
النهر عند حسن بيومي مقدس قداسة الوطن . ولد على ضفافه . يمرُّ مباشرة من أمام البيت الذي نشأ فيه طفلا وفتىً يافعاً وشاباً ورجلا كهلا …يستمع إلى شكواه .. ينصت إلى أنات الغليون في عرض النهر .. يتجاوب مع موجه الواني يلطم الشاطئ .. وسيلة انتقال يحمله نحو حلمه المستحيل ، ودنياه الجديدة .. يحمله لينشر الثورة على الوادي الحزين . يجفف دموع المقهورين والمحزونين …
يَا بحْـرُ إنَّا قد أتيْنَا كَيْ نُسَافِرْ
لِمَرافئِ الأحْـلامِ والدنيَا الجَدِيدَة
ينشـد أن يسبح نحو الحلم / الثورة .. يقول :
إنِّي بهذَا النَّهَرْ عائِمْ
منْ منْبَعِ الأَحزَانِ أمضِي
لكنَنِّي – بالعشْقِ – حَالمْ
لِعَوَالمٍ أخرى، بأرْضِي

الثورة عمره ، منذ أن وعَي :
عِشْـرُونَ عامًا
يَا صَوَاري الحُبِّ عاريةً
بوجْهِ الرِّيح والحِيتَانِ والموْتِ البليدْ
منْ يشْتري جِلدِي ،
ويُعْطِيني لِصَدْرِ سَفِينَتي العَارِي ..
شِـرَاعْ؟
وأن وجه الثورة كوجه أنثى : كأنه البدرُ الذي ينْهَلُّ
في الظلْماءِ
يَجْدِلُ من خيوطِ الضَّوءِ
للقلبِ المسافرِ مرْكِباً
… … … …
هذا المركب له شراع ليس ككل الأشرعة
شِراعها الناري يخترق السَّحَاب
ويُذِيب ثلج الكون … ،
ويحلم بشرر الثور ة ينتشر فيكون : شلالا من الشرر المؤجج واللهيب.
وكان الرحيل إلى حيث تتحقق الثورة .. الرحيل نحو المستقبل المستحيل / الحلم
تَتَجاوبُ الْعينَانِ
والشَّفتَانِ تهمسُ بالوَجِيب :
ارْحَلْ …
فمهـرُ الحُبِّ أن نرحلْ
وأنْ نرحَلْ
نسَافِرُ في عُيُونِ الليلِ لا نبْرحْ أمانينا
ونَبْني في وُجُوهِ الْوهمِ سدَّاً من أَغَانِينَا
وهكذا يتمسك الشاعر بحلمه :
لعلَّ ريَاحَنا تَأتِي
ونرْسُوا في مَرَاسِينَا
فَحُلْمُ غَرامِنَا ثَوْرهْ
وأعْشَقُها..وتعْشَقُني
وأعْشَق من يصُبُّ بنهْرِها الظَّمآن قَطْرة
منْ يريق دمه في نهر الثورة العطشى قطرة بل قطرات .. وقطرات ؟
أحمد الشافعي
قاص وكاتب مصري