المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب مجري عن القضية الفلسطينية



ثائر صالح
06/01/2007, 02:38 PM
كتاب مجري عن القضية الفلسطينية

عرض: ثائر صالح

المؤلف: جولت روشتوفاني
العنوان : محكومان بالتعايش
العنوان الفرعي: صراع اليهود والفلسطينيين في الأرض المقدسة
الناشر: دار كورفينا للنشر – بودابست 2006
اللغة: المجرية


صدر للباحث المجري البروفيسور جولت روشتوفاني كتاب جديد يتناول جذور وحال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ربيع 2006، هو آخر كتاب وضعه ضمن سلسلة من الدراسات العلمية العميقة عن الإسلام السياسي والمنطقة العربية. ومن بين كتبه الأخيرة "الإسلام على أعتاب القرن الحادي والعشرين" (1998) و"الإسلام والغرب- " بالإضافة إلى ترجمة كتاب البروفيسور السوري الأصل بسام طيبي عن الحروب الصليبية (نشرت صحيفة الحياة دراسات عن الكتب الثلاثة).
الكتاب، كما عودنا روشتوفاني، كبير الحجم، يقع في 445 صفحة من القطع الكبير، ويحوي على عدد من الخرائط والرسوم التوضيحية. كما اختتم الكتاب بثبت يضم نحو 500 من المراجع وقرابة 140 وثيقة، تدلل على الدقة العلمية والمنهجية التي اتبعها الكاتب. وعلاوة على حجم الكتاب الكبير وكثرة مصادره، فهو يتناول أحدث الظواهر. فقد درس نتائج الإنتخابات الفلسطينية التي فازت فيها حركة حماس وكذلك تأثير تأسيس شارون حزب كاديما ثم خروجه من حلبة الصراع السياسي الإسرائيلية بفعل حالته الصحية.
يطمح روشتوفاني إلى الموضوعية قدر الإمكان رغم تعذر الحياد التام في هذه الحالة، ويدرس هذا الصراع من زاوية إنسانية، الصراع الذي يتناوله الجميع (طرفا الصراع والعالم كله) انطلاقاً من مواقف عاطفية بالدرجة الأولى، هذا ما يجعل البحث الموضوعي مهمة عسيرة، ناهيك الوصول إلى حل للصراع. في هذا الصدد يقر المؤلف باستحالة الوصول إلى حل عادل يرضي الطرفين في ظل الظروف الحالية والتوازنات الراهنة، لكنه في نفس الوقت متفائل في أمر التوصل إلى حل قد يكون الأفضل من بين الخيارات السيئة المتاحة. ويشير البروفيسور روشتوفاني إلى قضية هامة لا يتفق معها أغلب المحللين السياسيين ولعلها أبرز ما في الكتاب من آراء جريئة، وهي أن فوز حركة حماس في الإنتخابات الفلسطينية الأخيرة يعزز من أمل التوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويشير إلى أن "الكثير من مرشحي حماس الذين فازوا هم نساء ورجال يحملون شهادات عليا ولا يرتبطون بأعمال العنف من قريب أو بعيد. زيادة على ذلك فإسرائيل تتعاون بشكل جيد مع البلديات التي يقودها بالكامل أو جزئياً فلسطينيون محسوبون على حماس" (ص 410). غير أنه أشار في حفل تقديم الكتاب الذي أقيم في جامعة كورفينوس (الإقتصاد سابقاً) يوم 25/4 أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الموقف الأوروبي المتشدد إزاء السلطة الفلسطينية الجديدة، المتمثل في عزلها ووقف المساعدات وجعل مهمتها مستحيلة يضعف من هذا الأمل، ويدفع حماس إلى مواقع راديكالية مجدداً. وينعكس هذا الأمل الذي عبر عنه في العنوان الذي أعطاه للكتاب: محكومان بالتعايش (أو حُكم عليهما بالتعايش). وذكر المؤلف أن الزمن لا يعمل لصالح الحل العادل، إذ تتغير الوقائع على الأرض يومياً مما يجعل التوصل إلى حل أصعب فأصعب مع مرور الزمن.
يبدأ الكتاب باستعراض تاريخي لتواجد الفلسطينيين واليهود على أرض فلسطين، ويشير في الفصل الأول بوضوح إلى ضرورة خوض هذا البحر من الرمال المتحركة بسبب أهميته على صعيد تأسيس اسطورة الحق التأريخي في امتلاك هذه الأرض المستندة إلى نصوص مقدسة في حال اليهود، وإلى معطيات علم الآثار والمصادر التاريخية في حال الفلسطينيين على حد سواء. فهو يعتبر كل هذا "مثالاً ناصعاً على خلق ماضٍ يناسب العلاقات والمصالح المميزة لعصرنا الحالي" (ص 22). يضع روشتوفاني اساطير الأصل الكنعاني والفلستيني في مقابل اسطورة أرض الميعاد، ويدرس دورها في خلق اسس القومية المعاصرة. والفصل الأول دراسة تاريخية تفصيلية منذ ظهور اليهود في فلسطين مروراً بسيطرة الرومان ونشوء الشتات اليهودي (الدياسبورا) وظهور المسيحية ومن ثم السيطرة الإسلامية العربية والعثمانية. يدرس كذلك نشوء الحركة الصهيونية وعلاقتها الملتبسة بالدين اليهودي وفكرة الوطن القومي، وبدايات السيطرة الكولنيالية اليهودية على فلسطين ثم يبحث في حال فلسطين تحت الإنتداب البريطاني (1917-1948).
يتناول الباحث في الفصل الثاني الصراع على امتلاك فلسطين، فيدرس ظروف نشأة دولة اسرائيل والحروب العربية الإسرائيلية ثم معاهدات وخطط السلام وعملية اوسلو وأخيراً العلاقة الخاصة التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن دراسة هذا الصراع لا تكتمل دون دراسة معمقة لطبيعة وتنوع طرفي الصراع، وهذا ما يفعله في الفصل الثالث، ويضع يده على التناقضات في داخل المعسكرين، مثل التناقض بين الطابع الديمقراطي – العلماني لإسرائيل مع الطبيعة العنصرية اليهودية لها، التناقض بين اليهود الشرقيين السافارد واليهود الغربيين الأشكناز، ودور الراديكاليين اليهود المتطرفين. من الجانب الآخر يأخذ مشكلة الهوية الفلسطينية والتنافس بين المنظمات الفلسطينية والإرهاب الذي يلجأ إليه بعضها والصراع بين الأجيال القديمة والشابة في الحركة الفلسطينية، وكذلك إصلاح الأجهزة الفلسطينية.
يحمل الفصل الرابع كل آلام القضية الفلسطينية في عنوانه: الآفاق والنفق المظلم. هنا يتوسع الكاتب في شرح التطورات التي حصلت في السنوات الأخيرة مثل انتفاضة الأقصى وبناء الجدار العازل وخريطة الطريق ومبادرات السلام التي اتخذتها منظمات المجتمع المدني لدى الطرفين وأخيراً الإنسحاب الإسرائلي وحيد الجانب من غزة. ثم يبحث في تفاصيل نقاط الصراع الأساسية مثل قضية اللاجئين والمستوطنات الإسرائيلية ومشكلة القدس والمياه والإقتصاد.
في ختام الفصل يقدم المؤلف الحلول الممكنة المتمثلة في قيام دولتين أو دولة ديمقراطية واحدة (ويشير إلى المصطلح الشهير إسراطين الذي ابتكره الرئيس الليبي معمر القذافي)، وما يتعلق بهذا الأمر، مثل طبيعة الموقف الصهيوني الأصلي المتمثل في دولة واحدة لقوميتين، والإعتراف المتبادل، و"التهديد الديموغرافي كقنبلة موقوتة"، وإمكانات نجاح خطط الفصل الاحادي التي يعتبرها أمراً قد يكون مفيداً لإسرائيل لفترة مؤقتة لكنه لا يمثل حلاً للمشكلة، والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة التي تشكل عقبة في طريق إمكانية التوصل إلى حل. وأخيراً يتساءل: هل ثمة من حل؟ فيدرس العوامل البشرية والدينية المؤثرة في عملية التوصل إلى الحل، ويقلّب احتمالات الحل السياسي. يشير إلى أن التأريخ يشهد على حل كل الأزمات عاجلاً أم آجلاً، لكنه يعتبر الإجابة على أسئلة متى وكيف ستحل القضية الفلسطينية محض تكهن لا مسؤول. فهناك كم هائل من العوامل على الصعيد المحلي والمنطقي والعالمي التي تؤثر على هذه العملية، وهناك كثير من العوامل العاطفية والدينية وفي بعض الأحيان عوامل لا عقلانية غير مفهومة بالنسبة للبعيدين عن الصراع، كل هذا يجعل أحداث الماضي القريب وحتى الوقائع القائمة اليوم غير صالحة لتكون أساساً للتكهن وإطلاق التوقعات عن ماهية المسار اللاحق للحل. وبرغم جاذبية الحل القائم على أساس دولة ديمقراطية واحدة للشعبين فالمؤلف يعتبره حلاً بعيداً عن الإحتمال بشكل كامل. بالمقابل غدا الحل القائم على أساس دولتين مقبولاً من قبل الطرفين والأطراف الدولية كذلك. والسؤال "فقط" هو متى تقوم الدولة الفلسطينية وما هي حدودها وعاصمتها وما هي شروط الدولة المستقلة وما هي العملية التي تقوم خلالها (أو في بدايتها أو نهايتها): هل عبر خطوات وحيدة الجانب من قبل إسرائيل أم عبر مباحثات ثنائية أم بتأثير دولي مباشر. ويشير روشتوفاني في شأن قيام الدولة الفلسطينية إلى أن الفلسطينيين فوتوا ثلاث فرص لإعلان دولتهم، في 1937، 1947 و2000، ولأسباب مختلفة. ويستشهد بقول شلومو بن عامي في هذا الصدد: "يناضل الفلسطينيون بشكل حازم على الدوام من أجل حلول الأمس، الحلول التي رفضها الجيل أو الجيلان السابقان" (ص 403).
بهذا الكتاب الجديد عزز روشتوفاني مكانته العلمية في المجر بصفته أهم متخصص في الشؤون العربية والإسلام السياسي أكثر فأكثر، وهو إلى جانب نشاطه العلمي وعمله التدريسي كرئيس لقسم العلاقات الدولية في جامعة كورفينوس، يعمل دون كلل لتهشيم الصورة النمطية السلبية السائدة عن العرب والإسلام لدى الشعب المجري، وينشط في تعزيز العلاقات المجرية العربية القائمة على أساس الفهم المتبادل والإحترام لقيم وثقافة الطرفين، ولا يتوان عن تلبية أية دعوة من الدعوات الكثيرة التي توجه إليه للحديث عن مجال تخصصه، الأمر الذي يفعله بحسٍ تربوي عالٍ وقدرة علمية نادرة ووضوح فكري مشهود ونزعة انسانية مثيرة للإعجاب وتواضع جم، هو تواضع العالِم الكبير.