المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد سامي الجلبي وريادته في الاعلام الرياضي



ابراهيم خليل العلاف
04/04/2009, 11:18 AM
أحمد سامي ألجلبي وريادته في الإعلام الرياضي

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل
افتقدت الأوساط الصحفية العراقية والموصلية خاصة الأستاذ الرائد احمد سامي ألجلبي الذي توفاه الله في احد مستشفيات عمان العاصمة الأردنية يوم الخميس 26 شباط 2009 وقد كان لفقدانه وقع اليم في الأوساط الصحفية والرياضية وكما هو معروف فالرجل خلال شهر
حزيران 2006، حظي بالتكريم مرتين، المرة الأولى من الأسرة الصحفية .والمرة الثانية من اللجنة الاولمبية بالموصل.. وفي المرة الأولى كان التكريم بسبب جهوده الصحفية على مدار نصف قرن. وفي المرة الثانية أنصب التكريم عليه لنشاطه الطويل في خدمة الحركة الرياضية في الموصل .ولمناسبة رحيله سنحاول في هذا الحيز أن نتحدث عن إسهاماته في حقل مايسمى اليوم ب(الإعلام الرياضي ). وليس من السهولة حصر هذا النشاط ولكن لابد من القول أن ما من مهتم بالرياضة والصحافة الرياضية في الموصل إلا ويعرف (أبا صميم) والدليل على ذلك كثرة كتاباته الصحفية، بل وحتى ممارسته لبعض أنواع الرياضة كالتنس في ساحات الموصل الرياضية عبر سنوات عديدة..هذا فضلا عن انه يعد من بناة الصحافة الموصلية المعاصرة وقد ولد في مدينة الموصل سنة 1932 وأكمل دراسته الإعدادية فيها كما حصل على شهادة الدبلوم في الصحافة بالمراسلة من معهد الصحافة في مصر،وقد عمل في الصحافة إلى جانب والده الأستاذ إبراهيم ألجلبي وكانت له بصمات واضحة على جريدة فتى العراق الموصلية التي صدرت سنة 1934 ولا تزال تصدر حتى يومنا هذا باستثناء بعض فترات الانقطاع، ومنذ 2004 وهو يرأس هيئة تحرير جريدة (فتى العراق )الموصلية المعروفة التي أتشرف بان اعمل مستشارا لها.وقد عرفنا الأستاذ ألجلبي رحمه الله واسكنه فسيح جناته ذو توجه عربي- إسلامي، مع تأكيده في كتاباته على الشأن المحلي الموصلي مما أعطى لهذه الجريدة نكهة خاصة يعرفها كل من له صلة بالجريدة كما يعرفها أهل الموصل وخاصة المثقفين منهم. وللجلبي مؤلفات مخطوطة تدور حول الصحافة وقد نشر مؤخرا واحدا منها يدور حول ذكرياته عن الصحافة الموصلية.
أستطيع التأكيد في هذا الحيز أن الأستاذ احمد سامي ألجلبي رائد من الرواد الأوائل الذين اهتموا بتخصيص صفحات قائمة بذاتها للرياضة في صحف الموصل، وكان هو نفسه وراء صفحة (الفتى الرياضية) في جريدتي فتى العراق وفتى العرب منذ أواسط الخمسينات من القرن الماضي.. وفوق هذا كان واحدا من مؤسسي ((نادي الفتوة)) و ((لجنة إدارة الألعاب الرياضية)) التي تشكلت في أواخر الخمسينات من القرن الماضي ((تتولى رعاية وتنشيط الالعاب الرياضية التي لا اتحادات لها وهي رفع الأثقال والدراجات والمصارعة والملاكمة والسباحة وكرة المنضدة والريشة وكرة التنس والكمال الجسماني وألعاب الساحة والميدان)). وقد افتتحت هذه اللجنة في شباط 1959 نشاطها بإقامة ((بطولة المنطقة الشمالية في رفع الأثقال للناشئين والكمال الجسماني للمتقدمين)).
لقد وقف الأستاذ احمد سامي الجلبي في حفل افتتاح بطولة رفع الأثقال للمنطقة الشمالية قائلا: ((ان البطولة ستضم أبطالا من (نادي الموصل الرياضي) ومن (نادي الجزيرة) و(من شركة نفط الموصل في عين زالة) ومن (نادي بروشك في اربيل)...)) والطريف في الأمر انه استطاع إقناع المسؤولين في متصرفية (المحافظة) الموصل آنذاك لأجراء اكتتاب عام لجمع مبلغ من المال عن طريق إقامة الحفلات الرياضية. ولم يقتصر الأمر على الدوائر الرسمية بل اشتركت في دعم الحركة الرياضية مؤسسات وشركات أهلية خاصة بل وأفراد نذكر منهم على سبيل المثال ((شركة الحاج يونس وأولاده، وشركة يوسف عزوز وأولاده، والسادة محسن العاني وشعلان بنيان ومراد مراد)) والذين تبرعوا بالكؤوس المهداة إلى الفائزين..
كان الأستاذ ألجلبي يعتقد ((بان العالم كله أتجه إلى رعاية الحركة الرياضية. كما أولت الدول المتمدنة اهتمامها الكامل وعنايتها الزائدة الى الرياضة في بلادها.. والموصل هذه المدينة العريقة بمكانتها الرياضية، كانت وما زالت تعج بالأبطال وبالمواهب وبالقابليات الخام في مختلف المجالات الرياضية ولذلك فهي بحاجة مستمرة الى رعاية في توجيه وصقل...)). وقد جرت محاولات عديدة ((لرفع المستوى الرياضي، إلا أن تلك الجهود ظلت مقصورة على الجو المدرسي، أما الرياضة الشعبية ومنها رياضة الحديد، والدراجات، والملاكمة، والمصارعة وما إلى ذلك من اللعبات الشعبية فكادت أن ترفع من قاموس الرياضة في هذا البلد لولا الروح الرياضية الكامنة في نفوس أبنائه ذلك لان الموصل حرمت لعدة سنوات ماضية من أندية رياضية أو مؤسسات ترعى الرياضة الشعبية)).
أجرى الأستاذ (أبا صميم) حوارات عديدة مع قادة الحركة الرياضية أمثال حيدر يونس وشفيق ألجليلي وعبد الجبار المصري وغيرهم. كما خصص كأسا سماه كأس المحرر الرياضي لفتى العراق لكرة القدم وكان إلى جانبه في تحرير الصفحة (الفتى الرياضية) فاضل الشكره رحمه الله.
في العدد 1963 من جريدة فتى العراق الصادرة يوم 11 حزيران 1956 دعا في كلمة له بعنوان (همسة) إلى إنشاء (الملاعب الليلية) ((التي تتيح الفرص لممارسة جميع الفعاليات الرياضية في الصيف أو في الشتاء)).. وقال أن الصيف عندنا يشل الحركة الرياضية ويحول دون استمرار الفعاليات والتمرين. وفي العدد 1943 من جريدة فتى العراق الصادر يوم 22 آذار 1956 دعا إلى إنشاء (أندية رياضية في الموصل). وقال إن المدينة تفتقر إليها. وفي العدد 1970 من جريدة فتى العراق الصادر يوم 5 تموز 1956 أكد أهمية (الصحافة الرياضية في دفع حركة الرياضة). وتتوالى مقالات الأستاذ ألجلبي، وتتصاعد دعواته إلى الاهتمام بـ (الرياضة الشعبية) وصيانة ((القابليات الضائعة المبعثرة هنا وهناك))، فكل محلة في الموصل تكاد لا تخلو من فريق لكرة القدم وكل المقاهي تكاد لا تخلو من الحديد و الأثقال، حتى شواطىء دجلة فأنها تشهد يوميا أنواعا عديدة من المباريات الخاصة في المصارعة والملاكمة (العدد 1990 من جريدة فتى العراق 17 أيلول 1956).
وفي العدد 2064 من جريدة فتى العراق (20 حزيران 1957)، يجري الأستاذ ألجلبي حوارا مع (الأستاذ ونس نصراوي) مدرب كرة القدم المعروف، وتم الحوار في ركن من أركان حديقة نادي المعلمين في الموصل.. وفي الحوار يكشف نصراوي النقاب عن دوره في تدريب فريق الحرس الملكي ثم فريق منتخب الجيش ثم فريق نادي المنصور في الكرخ ففريق الشرطة الذي كان يعد آنذاك في طليعة الفرق الرياضية العراقية. وقد قال نصراوي ان العراق يعج بالقابليات الرياضية لكنها بحاجة الى رعاية وتوجيه..وقد اجاب على سؤال يتعلق بمن يرشحه لكي يكون ضمن المنتخب الوطني لكرة القدم آنذاك فقال ان ممن يرشحهم (موفق عبد المجيد) حامي هدف منتخب الجيش وجمولي، ورحومي، وناصر جكو، وسرسم فندي، وجليل شهاب، وعمو بابا..
وخلال توليه الإشراف على صحيفة الفتى الرياضية استطاع تشكيل فريق لكرة القدم يحمل أسم (فريق جريدة فتى العراق) خاض الكثير من المباريات مع الفرق الأهلية المختلفة. كما اعد فريقا باسم الجريدة أيضا في كرة السلة وأقام بطولة المنطقة الشمالية للدراجات الهوائية باسم الجريدة ولثلاث سنوات متتالية وكان مما يؤكد عليه الأستاذ ألجلبي (إعداد الشباب)، وتنشئتهم وبناء أجسامهم وعقولهم،خاصة بعد انتهاء فترة الامتحانات العامة.. وتساءل في (العدد 5/ 2006 في 23 حزيران 1957 من جريدة فتى العراق): ((فهل فكر المسؤولون بإنشاء مسابح شاطئية (جراديغ) على غرار تلك التي تقيمها الأندية الرياضية في بغداد.. إننا نطالب بتشكيل اتحاد للسباحة في الموصل يتولى القيام بهذه المهمة !!)). ويعد ألجلبي من أوائل الذين نادوا بإنشاء ملاعب رياضية نظامية في الموصل.. وكثيرا ما ردد في كلماته التي كان ينشرها في (الفتى الرياضية) أسماء أولئك الذين بزغوا في سماء الرياضة في الموصل ومنهم صالح كحكح، وصالح دبابة، وحامي الهدف فتحي (بني)، وصموئيل إسماعيل يوسف (صامو)، ويوسف حمادة، ومولود، وصابر، وأبو غنيمة، وإبراهيم عزيز، ومحمود الأسود، ومحمود أبو شكر، ويونس حديد، ورفعت وغيرهم. وقد ذكر القراء بالأيام التي كان الشباب يسرع ويتراكض إلى الساحات الرياضية في ارض القشلة وملعب الطيران وفي ساحة نادي الجزيرة وهو يردد ((تلعب زين صامو)). وفي إحدى مقالات (العدد 2031 من جريدة فتى العراق الصادر في 7 شباط 1957) انتقد أولئك الذين لا يؤمنون بدور الرياضة وأثرها وقال: ((في الموصل.. هنا في هذه المدينة التي دفعت أعداداُ كبيرة من أبطالها إلى العاصمة لتحتضنهم ولتقودهم الى قمة المجد، أجل، هنا لا يزال الكثيرون من رجالنا لا يؤمنون بالرياضة وأثرها، بل ولا ينظرون إلى الرياضة باعتبارها حركة تربوية سامية لها أثرها الفعال في إعداد الجيل إعدادا صالحا وبث الروح الخلقية العالية في نفوس أفراده)). وبعد ان استعرض الواقع الرياضي في الموصل آنذاك (شباط 1957) وقوله بان الحركة الرياضية لا تزال تحبو، والمبالغ اللازمة لتنشيط الرياضة محدودة، نشر بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 كتابا مفتوحا الى مدير معارف (تربية الموصل) وذلك بعنوان ((مسؤولية تقدم الحركة الرياضية في الموصل)) قال فيه أن الموصل لا تزال في ميدان الرياضة، متأخرة عن بغداد والبصرة وكركوك مع أن منتخباتها كانت تنتزع المراتب الأولى في كافة الميادين الرياضية وان عوامل متعددة عملت على تأخرها.. وأضاف انه يأمل في أن تحظى الرياضة بالاهتمام بعد الثورة والموصل بحاجة الى اتحاد جديد لكرة القدم، وبحاجة الى اتحادات للسباحة ولرفع الأثقال ولألعاب الساحة والميدان.. وبحاجة إلى اتحادات عاملة، وبحاجة إلى كثير وكثير من الجهود الرياضية الصادقة المخلصة لتستطيع اللحاق بالركب الرياضي العارم.. لقد كان للأستاذ احمد سامي الجلبي دور كبير في تنشيط الحركة الرياضية في الموصل ودعم مطالب الرياضيين وإبراز ما يواجهونه من مشاكل في صفحة الرياضة ونأمل اليوم من المسؤولين عن (رياضة الموصل) والاكاديمين الرياضيين خاصة أن يضعوا هذا التراث الصحفي الرياضي نصب أعينهم وهم يوثقون حركة الموصل الرياضية عبر التاريخ.