المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترانيم على أوتار الندم والخوف



أحمد محمد عبد الفتاح الشافعي
10/04/2009, 03:34 AM
ترانيم علي أوتار الندم والخوف

من قبل زمن الغربة والخسارة والخيانة ... عشقتهـا وأحببتهـا ... بريت عتبـاتي أرجـل الأصدقاء ... يا زمني الآفل أنا بلا صديق أو حبيب . سيقولون في يوم هربت فيه أحلامي كان يعشقها ... لم يعثر عليها بين دفاتره وكتبـه وأسفـاره، فـتّش عنـها في ذاكرتـه وكتبه فلفظته ومجته …

ساخت أقدامي في شماتتهم، وأنا لم أقدم إلا الخـيرات علي ظهور نوق حمـر لهنّ أجنحة كانت أولها عند أقدامي وآخرها في حلوقهم، وأطفالي أصبحـوا بلا أجنحة، الجوع الأخرس ينهـش منهم البدن والروح، وهم يلعبون القمـار علي ظهور نوقي الحمر، وزوجاتي يعذبهن خلو الفراش في الليل من الغائب خلف أسوار الغربة والتياع الضياع في دروب صحاريهم المجدبة …

إنهم يمقتونني حينما تلتقي عيناي بعينيك وتنام نبضات قلبي بين جفنيك، صراخ قلبي الملهوف عليك يتبـدد ويسقط في قاع الندم عندما يري آثار كف زار كفك، وضممت أصابعك إلي قلبك لتحتفظي بها خلف اعوجاج ضلوعك … الاحتراق في ضوء حبك جنوني، فضلا عن أن حبك نفسـه يفني من يقترب منك فـيذوب فيك ليصبـح أبديا مثلك …

شعرك الأسود طوفان مشاعر، وأحاسيس تنشـر الحياة علي الوديان والقرى، رغم أنني موقن بأنني لن أظفر بك، فلن أكف عن إدامـة الأمل فيك، والإيغال في الاقتراب منك مستعذبا عذابي، وأنت كل يوم تبدين بعدا واقتـرابا، فينتابني طـوفان حـارق تكوي جمراته مشاعري فأنتفض كالمحموم، وأحاول أن انتصر لنفسي من ضـعفي فيك وأهجرك إلي ركن قصي، وتلوح في عينيّ أمي دمعة متلهفة خلف السطح الزجاجـي لعينيها الصناعيتين اللتين استعارتهما لتراني، وأنا منفي خلف سهوب العتمة الجليدية في نظام كوني محكم يحكمه إله ثلجي ناصع البياض، يضع الكرة الأرضية علي طـرف سبابته وهو يمعـن التفكير . ترمقني عين بل عـيون، رأت الـدود تحت جلد فـروة رأسي يتلف الفص الأيسر، وتنهـار مقاومتي فأترك نفسي وآتيك عاريا ضعيفا علك تعطفين، ويرق منك القلـب، وتنتشلين هواني وتأسين علتي، وتضمدين جروحي، وتأخـذين راحتي بين راحتيـك، وتوسدين رأسي بين نهديك كطفل تعذبه غربة أمه، فتلقمينه ثديك الثر فأشبع وأرتوي، ولكن دائما كنت أعود خائبا ذليلا يستعر في كياني رماد الرغبة والمقت والعشـق، ثـار عليّ رجل حكيم حيـّره ترددي وردد بيت شـعر أجهل قائله :
من لم يرتضيني في العين كحـلا
لا أرتضيـه في القـدم نعـلا
أرأيت ما صنعت بي؟! أغـريت بي حفاة العرب وسفهـائهم ليسـقطوا عليّ عقـدهم اللغويّة والنفسـيّة، ويتبـارون في قرض الشعـر في سـوق رغبتي فيـك وعشقي لك … تخيلي أنك لو قلت لي: "انتظر إلي آخر العمر "كنت سأنتظر، وخيـالي قـادر علي أن يخلق من وهمي شبيهـة لك أضاجعـها وأسـامرها وأبثها أشـواقي المحرمـة، وأجوس خـلالها وأتدثـر بهـا...
ــ فيك كل المتناقضات
ــ وفيك ما فيّ …
ــ لأني خلقت منك ، من ضلعك ومن مـائك…
ــ كنت تبعثين رسائلك الشفهية في أفواه من أحبهم وتحبينهم
ــ لا تنسى أنك كنت تتأملنى في ضوء القمر الفضي … ما كان بك إلا أوهـام عاشـق متيم ...
ــ كانوا يقولون لي : معشـوقتك تقرؤك السلام، وتسـأل أن تراك … وهي في مأزق، وتبتغي عونك في محنتها .
ــ قصص اختلقتها أوهامهم وأوهامك ومثاليتك الأفلاطونية، ورومانسيتك المريضة
ــ كنت باغيـة ولم تبغينني إذن …مالا كـنت أدركـه أنـك كنت توقعـين بي لأحقـق أهدافـك ونزوات منافقيك وخدامك وحراسك؛ كما أوقعت غيري في شباك عينيّك لتتسـلي بهذه الدمى البشرية، تجمعينهم وقتما تشائـين، وتفرقيـهم بإشارة نابية مستفزة من طرف ظفر سبابتك وقتـما تشـائين أيضـا .. حراسـك وخدامك والمنافقون والبلطجية أوسعوني ضربا وركلا ونفيا . أوجعوني يا معذبتي ... سيـدتي : أنا مقـرور جائع … هلا أدفأتينني وأطعمتينني وأمنتينني
ــ … … … … … …
ــ لم الصمت والتأبي …عاتب عليك سـيدتي تجـويعي وحـرماني … أنـا مفتقد
للأمان في حماك …!!
ما كنت أطمع في يوم أن أكون أحـد كهنة معبد حبك . ولكنك أردت، وما عليّ إلا الامتثـال والتلبية … لم أصدق أن أكون فراشـة تحوم حـول حمـاك المقـدس لأحـترق من نار أشواقـك … أغريتني وغـررت بي إلي أن أوقـعتني في سـعيرك، ورجعت كسير الرجاء أعزف اللحن الأخير في سمفونية عذابي الأبدي ... آه .. لو كنت منحتينني سلافة ريقـك العـذب مرة لأصبـحت إلهـا يقوّم اعوجاج العالم، ولأرحت البؤساء والمعـذبين في الأرض، ولأطعمت كل الجياع من عشاقك ولأعدت توزيع الهبات والمنح والسبايا والفيء والرشاوى والعمولات، وأعطيت كل ذي حق حقه، ومنعت نور الحياة عن حسادك وشـانئيك ولصوص كنوزك وبنوكك
ــ عاشـق متيم ورمانسي ومجنون !!
ــ ربما …ربما لديك بعض الحـق، لأن بعض الذين يظنـون أنهم حكماء محنكون، انتحوا بي :"ما تظن أنك خليق به هو فوق طاقتك يا بني ... أنت لا تصلح أن تكون أبّـا …الآلهة لا يستجدون ... أنت غير قادر علي الفعـل …نسلك يتسكع علي مواني البحـار والمحيطات …أنت مجنـون ودعيّ …

… … … …

بكيت بدمع سخين حين رأيت طفلا باكيا مقرورا ونحيلا، بعد فجر يوم معتم، علي فخذيّ امرأة عجفاء من عشاقك تطعمه ذراعها متأففة مستاءة، ولا تحنو عليه، ولا تضعه بين جفنيها، لأنها لم تجد من يهدهد أحزانها وأشواقها، يعتصرها الألم وهي جالسة في سيارة الذي أتي بأطفالها في هذه المبـاءة/الثروة، وأنت تقولين عني دائم: أن ما في جيبي ليس ملكي، والنوم قد هجرك …
ــ كيف أمتلك وأنام وعيون الفقراء تتدحرج تحت قدميّ وعلي سترتي وداخل جيوبي وتترصدني علي النواصي المظلمة، وتتوسلني علي الأرصفة مثقلة بالهموم محرومة وممنوع عليهـا أن تستمتع بمباهجك، تتمني أن يأتي المـوت بغتـة أوتبتلع الأرض أعدائك وأعدائي أو تلتهم الشمس الأرض و … ألسـت القائلة، سيدتي:
إن أمي امرأة ريفيـة تلبس السـواد والملبس الخشن ولا تغتسـل ثكلي لفقـدها أولادها الذين ماتوا في معارك وحروب وهمية افتعلها سماسرة البورصة وتجـار السلاح والسياسة ومنافقوك، ولأن أحـدا لم يطعمها ولم يطعم صغـارها لبنا وخبزا، فقيرة هي بين الأثرياء …لم تتكسب بثدييهـا، ولم تنظر إلي السماء، ولم تذهب إلي شواطئك ولم تزر الأسكندرية أو أثينـا أو طيبة، وسخرت من سـذاجتي وضحكت ضحكة خرقاء :"هئ ..هئ ..هئ "وأنت ترقصين أردافك يمينا ويسارا، مفرجة ما بين فخذيك كامرأة سـاقطة بلا مبـالاة…
لقـد أرحت نفسـك منى، وأرحتيني من نفسـك، فما كنت بقادر علي أن أمدّ بيني وبينك المودة في ليـالي عتمتك، ومللك الأبـدي من حروف كلماتي المنـاجية حواسك السقيمة التي أسقمتها الريالات والدولارات والفرنكات ومحطات الدعـارة ومحطات أثرياء النفط ،وغزوات الرعاه الموسمية …لقد أدمنتك وأدمنتني ... هيهات أن أفـر من مصيري وقدري التعس ….
هدب عيناك نصـال عذاب، وثدياك يمامتان نزقتان تهمان بالفرار، تاركتان صدرا
عريضا ممتدا لامعا أملس لألاء مشرب بلون الطمـي، يصيب منه المدلهـون، كذبـا ونفاقـا، الخير … وبطن خمري ضامر وسطـه بؤرة يتمحور حولها الكون، ويطوف
متقربا إلي إله التناسل والعشق، وكفان صغيران، وقدمان ينبع منهما إشراق نور رباني لا يأتي إلا من السـماء…

لك العـزة . لك أن تطـوحي بي في غيابات المجهـول . لك أسجد يا إله الخصب والجدب ... إله كل شيء ... أخشـى عليك الاحتراق وأن تذوبي كتمثال شمـع، فلا يُبقي منك المنافقون واللصوص وصانعو غرورك علي شئ…
يقولون : أن مصـيرك إلي زوال لأنك جحـدت أحبابك، وأنكـرت عشاقك، واصطنعت لك حاشـية من المدلسين واللصوص، وعبدت نفسـك، وصنعت إلهك من خيالك ووهمك، واحتللت مكانة تتصرفين علي أنك هذا الإله … أخاف عليك من نفسـك، ومن الآتين من القـبور ... من دهاليز القـرون المعتمة: أن يسربلوك بالسـواد ويسلبونك شـبابك، وجسـارة رجـالك الذين لا يباعـون لمن غلب، ويهتكون بكارة عفتك … أخـاف رغم نفـيك لي، ولاحتياجي إليـك أخـاف عليك.

( أحمد الشافعي )
القاهرة 14مارس 2005