المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحضور الفلسطيني في المسلسل السوري (( ذكريات الزمن القادم ))



طارق الصيرفي
12/04/2009, 06:54 AM
لا شك أن التمثيل يحتاج إلى قدرة وطاقة عظيمتين ، ليظهر بشكل مقنع تماماً ، فتشعر أن الذي تراه ليس تمثيلاً ، بل واقع بحت .
ولا شك أن التمثيل السوري بشكل خاص يتمتع بهاتين الميزتين ، ألا وهما القدرة والطاقة ، مما يجعل التمثيل السوري واقعاً يعيشه الجمهور بكل جوارحه وأحاسيسه .
لقد شاهدنا منذ فترة ، ومازلنا نشاهد على الفضائيات العربية مسلسلاً سورياً رائعاً بعنوان ( ذكريات الزمن القادم ) من تأليف الكاتبة ( ريم حنا ) وإخراج ( هيثم حقي ) .
إن هذا المسلسل كغيره من المسلسلات العربية ، من حيث الأحداث والشخوص والزمان والمكان … وأهم هذه الأحداث الصراع الدائم بين الخير والشر .
لن أتحدث عن أحداث هذا المسلسل وما يحمله من أفكار ومضامين ، ولكن سأتحدث قليلاً عن العنوان ( ذكريات الزمن القادم ) كما سأسلط الضوء على جزء مهم من أحداثه ، وهو الحضور الفلسطيني في المسلسل .
الذكريات : هي الأحداث والأمور التي حدثت في زمن ماض يذكرها الإنسان في وقت لاحق ، بالقلب أو باللسان أو بالاثنين معاً . إذن هي تختص في زمن مضى .
والذي يبدو أن الكاتبة لا تريد ذلك ، فقد أضافتها إلى ( الزمن القادم ) – المستقبل ، بحيث تصبح حياة الإنسان عبارة عن ذكريات في الماضي والحاضر والمستقبل ، بسبب الظلم الذي يمر به هذا الإنسان ( الفلسطيني ) في هذه الحياة من استعمار وحروب ومنافي وغربة وغير ذلك … وقد نرى بصيص أمل في العنوان نفسه ( الزمن القادم ) .
أما عن الحضور الفلسطيني في هذا المسلسل ، فإننا نلاحظ منذ بدايات المسلسل العائلة الفلسطينية التي تسكن المخيم ( رمز اللجوء والتشرد والمنفى ) ، فهذه العائلة المكونة من الأم ( أم يوسف ) والتي ترمز إلى الأرض ( فلسطين ) حيث ترتدي الثوب الفلسطيني على مدى حلقات المسلسل ، وتعتز بالعادات والتقاليد التي حملتها جميعاً من فلسطين إلى هذا المخيم / المنفى . وتتكون الأسرة من الابن الكبير الذي فقد يده في حرب لبنان ، وقد توقف نشاطه تماماً ، فليس له دور بارز يذكر في المسلسل ، وقد يرمز إلى المقاومة الفلسطينية في الخارج،والتي توقف نشاطها لسبب أو لآخر ، كما أن للعائلة صهراً استشهد في ذات الحرب ، فترك ابنه في رعاية جدته ( أم يوسف ).
ومن أهم أفراد العائلة ، الشابة ( خالدة ) وهو اسم مختار – بلا شك – بوعي تام وبرمزية رائعة ، فهو يعني الباقية إلى الأبد . و ( خالدة ) فتاة متوسطة الجمال ، دائمة العمل والبحث عن سبيل إلى العودة إلى فلسطين ، فهي ترمز إلى الجيل القادم ، المتطلع إلى العودة والحرية والاستقلال .
كانت ( خالدة ) مخطوبة لشاب قومي سوري ، ربطهما الحب وهموم الوطن وقضية فلسطين ، ولكنه يختفي لسنوات طويلة ، فتسمع أنباء عن استشهاده ، ورغم ذلك تبقى على صلة بأهله ، ولكنها تلتقيه بعد سنوات شخصاً آخر ، فقد تخلى عن كل ما كان عليه ، من حب وقومية ووطنية صادقة ، وانشغل بجمع النقود والركض وراء الشهرة ، مستتراً وراء الوطنية التي كان عليها .
وقد يرمز هذا الحبيب الخائن إلى الحكومات والأحزاب والمنظمات العربية ، التي حاربت مع الفلسطينيين أول الأمر ، ثم تخلت عنهم وتركتهم وحدهم في الميدان .
ومن العائلة ، الحفيد الذي تركه أبوه برعاية الجدة ، حيث استشهد الوالد في لبنان ، لقد شب هذا الحفيد ، الذي يرمز إلى الجيل الناشئ المتطلع إلى الحرية والاستقلال ، ولكن الاستقلال الفردي ، كما يتطلع إلى الاغتراب لتحقيق الذات ناسياً أو متناسياً الوطن الحبيب .
وفي رحلة الغربة يتعرض صاحبه إلى الغرق ، فيحاول إنقاذه ، ولكنه يفشل ، بل يغرق هو ويموت ، فهذه تمثل نهاية سيئة لمن يتخلى عن الوطن وينساه .
ومن الأحداث الرمزية الجميلة ، التي تدل على الحضور الفلسطيني بكثافة في هذا المسلسل ، ضياع ( أم يوسف ) – أي ضياع فلسطين – وخوف أبنائها عليها ، وبحثهم عنها حتى يتم العثور عليها ، وفرحهم ، وفي هذا أمل كبير جداً تطرق بابه الكاتبة .
وفي نهاية المسلسل مشهد رمزي مؤثر ومعبر ، حيث نرى الأم مع أبنائها تحمل صرةً ، وهي عبارة عن كوفية سوداء ( رمز الفلسطينيين ) وينظرون جميعاً نحو الأفق القريب – البعيد ، ترى ، هل هي العودة إلى فلسطين ؟ أم هي هجرة جديدة ومنفى آخر ؟
ونسمع مع الموسيقى التصويرية ( محمود درويش ) يردد بصوت عالٍ وملِحٍّ خلف هذا المشهد :
كم مرة ستسافرون ؟
وإلى متى ستسافرون ؟
ولأي حلم ؟
وإذا رجعتم ذات يوم
فلأي منفى ترجعونَ
لأي منفى ترجعون ؟؟؟
وهذا ما يجعل التمثيل واقعاً نحياه بكل أحاسيسنا ومشاعرنا وعواطفنا .