المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحد عشر قفصا لترويض الزمن



مصطفى ملح
12/04/2009, 06:44 PM
أحد عشر قفصا لترويض الزمن


الصَّيَّاد :

نَصَبَ الفِخاخَ
ونامَ يَنْتَظِرُ الذي يَأْتي ولا يَأْتي .
ثَوانٍ ثُمَّ ساعاتٌ فَأَيَّامٌ فَأَعْوامٌ ؛
تَبَدَّلَ شَعْرُهُ صَدِئَتْ مَحاريثُ الشِّتاءِ
تَزَوَّجَتْ صُغْرى البَناتِ فَصارَ جَدّاً ،
غَيْرَ أَنَّ فِخاخَهُ في أَسْفَلِ الوادي
أَحاطَ بِها نَسيجُ
العَنْكَبُوتْ !


المُسافِر :


وَجَدَ القِطارَ مُعَطَّلاً ،
والسّْكَّةُ اصْطَدَمَتْ بِها قَدَمُ الحَياةِ
فَحَوَّلَتْها عَظْمَةً سَوْداءَ تَنْخُرُها نُسُورُ الصَّيْفِ .
أَبْصَرَ في المَحَطَّةِ نِصْفَ مِرْآةٍ
وبِالقُرْبِ النِّساءُ الخائِفاتُ مِنَ النُّسُورِ
وقَدْ نَسينَ بَياضَهُنَّ يَسيلُ فَوْقَ المِرْآةْ ..
فَتَحَ الحَقيبَةَ
ثُمَّ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيها وماتْ !


المَيِّت :

بَحَثُوا عَنِ الكَفَنِ المُناسِبِ لي
ولَكِنْ ماتَ حَفَّارُ القُبُورِ قُبَيْلَ مُنْتَصَفِ القَصيدَةِ .
عادَ جيراني وأَهْلي إِلى أَكْواخِهِمْ
ونَمَتْ على قَبْري النَّباتاتُ القَصيرَةُ ،
ثُمَّ حينَ يَجِنُّ لَيْلي
أَخْلَعُ الكَفَنَ الذي فَوْقي
وأَدْخُلُ مِثْلَ لِصٍّ مِنْ شَبابيكِ الحَياةِ ؛
فَأُبْصِرُ الأَحْياءَ كُلَّهُمُو
عَبيداً رُكَّعاً غُرَباءَ عُمْياناً
وأَكْثَرَ مَوْتاً مِنّي !


العَريس :

سَقَطَ الجَمالُ على السَّريرِ
فَذابَتِ الحِنَّاءُ في جِسْمِ الأَميرَةِ :
ثَغْرُها فَجْرٌ مُغَطًّى بِالحَريرِ
بَياضُها مِثْلَ اصْطِدامِ قَصيدَتَيْنِ
ووَجْهُها قَمَرٌ مِنَ الياقُوتِ في كَفِّ الصَّباحِ ..
على السَّريرِ جَمالُها تَعِباً ومُنْتَظِراً ؛
لِماذا لَمْ يَعُدْ ، بَعْدُ ، العَريسُ ؟
أَجابَتِ الحَسْناءُ في التِّلْفازِ :
ماتَ بِساحَةِ الحَربْ !


الظِّلّ:

يَمْشي وَرائي
ثُمَّ أَتْبَعُهُ إِذا ما الشَّمْسُ مالَتْ
كَالمُريدِ يَقُودُهُ شَيْخُ الطَّريقَةِ نَحْوَ تُفَّاحَةِ التَّصَوُّفِ .
ذاكَ ظِلّي :
سَيِّدي عَبْدي أَميري قائِدي قَيْدي
هُوَ امْتِدادي في المَكانِ وصُورَتي الأُخْرى ..
ولَكِنْ إِنْ أَنا يَوْماً رَحَلْتُ مُوَدِّعاً
هَلْ يا تُرى ظِلّي يَمُوتْ ؟!



الرِّحْلَة :

حَمَلُوا على ظَهْرِ البِغالِ الماءَ والزَّيْتُونَ
والقِصَصَ القَصيرَةَ والسَّجائِرَ والكِلابَ الضَّالَّةْ ..
كانَ الرِّجالُ يُفَتِّشُونَ هُناكَ في الصَّحْراءِ
عَنْ بَعْضِ الأَميراتِ اللَّواتي
خانَهُنَّ حِصانُهُنَّ فَمُتْنَ في وَسَطِ الحِكايَةِ ،
مَرَّتِ السّاعاتُ
لَمْ يَجِدُوا سِوى كَهْفٍ قَديمْ
دَخَلُوا إِلَيْهِ .. ونَامُوا !


الزَّمَن :

جَدّي عَلى ظَهْرِ الحِمارِ
يُراقِبُ اللَّقْلاقَ وهْوَ يَلُفُّ في مِنْقارِهِ
وَطَناً صَغيراً مِنْ حَشائِشَ ذَابِلَةْ ..
جَدّي يُراقِبُ حَفْلَةَ الميلادِ في الكُوخِ المُجاوِرِ ،
رَأْسُهُ مُتَمايِلٌ مَعَ آهَةِ المِزْمارِ
والطَّبْلِ الذي يَهْتَزُّ كَالنَّاقُوسِ ..
مَرَّتْ أَشْهُرٌ
هَزَمَ الشِّتاءُ دُوَيْلَةَ اللَّقْلاقِ ،
أَطْفَأَتِ السُّيُولُ مَشاعِلَ الميلادِ ..
مَرَّتْ أَشْهُرٌ
سَقَطَ الحِمارُ ماتَ جَدّي !


النِّسَاء :


في القَلْبِ سَبْعُ نِساءٍ :
أُولى تُقَبِّلُني فَأَتْبَعُها إِلى الصَّحْراءِ ،
ثَانِيَةٌ تَصُبُّ المِلْحَ والقَطْرانَ في رِئَتَيَّ ،
ثَالِثَةٌ مُحايِدَةٌ كَتَشْكيلٍ رَمادِيٍّ ،
ورَابِعَةٌ تُواري جُثَّثي بِالرَّمْلِ ،
خَامِسَةٌ تُزيلُ الرَّمْلَ تَرْميني إلى الأَشْباحِ ،
سَادِسَةٌ تَمُرُّ ولا تَقُومُ بِشَيءٍ ،
وأَخيرَةٌ تَبْكي عَلَيَّ .. وتَمْضي !


شَهْرَزاد :

وَقَفَتْ أَمامَ الكُوخِ مَرْكَبَةُ الأَميرِ
وجيءَ بِالحُرَّاسِ فَاقْتَحَمُوا زَوايا الكُوخِ ،
لَمْ تَكُ شَهْرَزادُ هُناكَ ..
عادُوا يَحْمِلُونَ فَقَطْ عَقَارِبَ ساعَةِ الحَائِطْ
رَسائِلَ كانَ يَبْعَثُها الغَريبُ إِلَيْها
قَارُورَةَ الكُحْلِ العَتيقَةَ والعُطُورَ الهَادِئَةْ ..
عادُوا فَظَلَّ لأَجْلِها
قَصْرُ الخَليفَةِ ساهِراً حَتَّى طُلُوعِ النَّصّْ !



السِّرْك :


كُلُّ التَّذَاكِرِ بيعَتْ
مُلِئَتْ زَوايا السِّرِْكِ بِالمُتَفَرِّجينْ
زَأَرَتْ أُسُودُ البَهْلَوانِ وَلَمْ تُخِفْ أَحَداً ،
لأَنَّ زَئيرَها لا يَبْرَحُ الأَقْفاصَ ..
قَبْلَ نِهايَةِ العَرْضِ الرَّتيبِ ،
رَأَيْتُ أَنَّ النَّاسَ قاطِبَةً
مُجَرَّدُ بَهْلَوانِيِّينَ في سِرْكِ الحَياةِ :
جَميعُهُمْ يَثِبُونَ كَالقِرَدَةْ
ويَقْضُونَ الفَراغَ بِداخِلِ الغيرانِ ،
ثُمّ أَخيراً
يَتَساقَطُونَ على زَرابي السِّرْكْ !



الشَّاعِر :


حَمَلَ المُحارِبُ بُنْدُقِيَتَهُ وأَطْلَقَ ناراً ،
والعازِفُ احْتَضَنَ الرَّبابَةَ لاِكْتِشافِ جَزيرَةِ المُوسيقى ،
ومُرَوِّضُ الأَبْقارِ قامَ إِلى حَظيرَتِهِ ،
وبائِعَةُ الرَّغيفِ إِلى الرَّصيفِ ،
وقَارِئُ القُرْآنِ هَبَّ لِيَفْتَحَ الكُتَّابَ ،
والبَنَّاءُ يَذْهَبُ في اتِّجاهِ الوَرْشَةِ ،
والمُصْلِحُونَ إِلى منابِرِهِمْ
وصَاحِبُنا رَأَى قَلَماً وقِرْطاساً
وبَعْدَ تَرَدُّدٍ .. كَتَبَ القَصيدَةْ !

سرجون محمد
13/04/2009, 01:48 AM
الله .. الله
منتهى الابداع والتمكن من الحرف
اشكرك جدا
وبارك الله فيك
وفقك الله

أحمد نمر الخطيب
13/04/2009, 07:28 AM
الأخ الشاعر مصطفى ملح
قصيدة تحتفل بمشهدية خاصة
هنا المشهد المحرك الأساس للشعر
أحييك
ودم متألقاً
مودتي لك

ريمه الخاني
13/04/2009, 09:06 AM
نص فريد وروح جديده رغم بعض سوداويه فيها
سلم القلم شاعرنا العزيز

هلال الفارع
13/04/2009, 10:41 AM
أخي مصطفى ملح الشاعر الذي أحييه وأرحّب به..
لقد بهرتني لقطاتك،
وأخذت من دهشتي كل مأخذ..
نصوص محكمة اللغة والقيمة الشعرية،
وصور تتلألأ في فضاء البيان.
الذي أدهشني أيضًا بعض الزحافات العروضية القاسية في هذه اللقطات،
ولست أدري كيف يمكن لشاعر بهذه المقاييس الفنية الراقية،
أن يجرفه البحر أحيانًا إلى شاطئه.. !!
سأضع لك أمثلة على هذه الزحافات، ولن أستغرقها كلها:
( وَجَدَ القِطارَ مُعَطَّلاً ،
والسّْكَّةُ اصْطَدَمَتْ بِها قَدَمُ الحَياةِ
فَحَوَّلَتْها عَظْمَةً سَوْداءَ تَنْخُرُها نُسُورُ الصَّيْفِ .
أَبْصَرَ في المَحَطَّةِ نِصْفَ مِرْآةٍ
وبِالقُرْبِ النِّساءُ الخائِفاتُ مِنَ النُّسُورِ
وقَدْ نَسينَ بَياضَهُنَّ يَسيلُ فَوْقَ المِرْآةْ ..
فَتَحَ الحَقيبَةَ
ثُمَّ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيها وماتْ ! )

بَحَثُوا عَنِ الكَفَنِ المُناسِبِ لي
ولَكِنْ ماتَ حَفَّارُ القُبُورِ قُبَيْلَ مُنْتَصَفِ القَصيدَةِ .
عادَ جيراني وأَهْلي إِلى أَكْواخِهِمْ
ونَمَتْ على قَبْري النَّباتاتُ القَصيرَةُ ،
ثُمَّ حينَ يَجِنُّ لَيْلي
أَخْلَعُ الكَفَنَ الذي فَوْقي
وأَدْخُلُ مِثْلَ لِصٍّ مِنْ شَبابيكِ الحَياةِ ؛
فَأُبْصِرُ الأَحْياءَ كُلَّهُمُو
عَبيداً رُكَّعاً غُرَباءَ عُمْياناً
وأَكْثَرَ مَوْتاً مِنّي !

لن أزيد.. أرجو أن تعود إلى القصيدة عروضيًّا ليكتمل بهاؤها العظيم.
لك تحيتي.

مصطفى ملح
15/04/2009, 04:07 PM
الله .. الله
منتهى الابداع والتمكن من الحرف
اشكرك جدا
وبارك الله فيك
وفقك الله

العزيز الأستاذ سرجون محمد :
شيك محبّتي مغمّسة في هواء الرّوح العذب ..
أعتز بشهادتك التي ستدفع قصيدتي لمواصلة الحفر السري
في تلك الصخرة : صخرة كهف الذات ..

مصطفى ملح
15/04/2009, 04:12 PM
الأخ الشاعر مصطفى ملح
قصيدة تحتفل بمشهدية خاصة
هنا المشهد المحرك الأساس للشعر
أحييك
ودم متألقاً
مودتي لك
عزيزي الأستاذ أحمد نمير الخطيب :
شكرا .. أحيانا يكتب الشعر بالمشهد ، فيصير السّرد
مكوّنا أساسيا من مكونات الكتابة الشعرية ..
أعتقد أن السّرد قد يقي الشعر من الخطابة والتقرير
خاصّة إذا استطاع الشاعر المزج الحذق بين السرد
الجميل والشعر الكثيف ..

مصطفى ملح
15/04/2009, 04:25 PM
أخي مصطفى ملح الشاعر الذي أحييه وأرحّب به..
لقد بهرتني لقطاتك،
وأخذت من دهشتي كل مأخذ..
نصوص محكمة اللغة والقيمة الشعرية،
وصور تتلألأ في فضاء البيان.
الذي أدهشني أيضًا بعض الزحافات العروضية القاسية في هذه اللقطات،
ولست أدري كيف يمكن لشاعر بهذه المقاييس الفنية الراقية،
أن يجرفه البحر أحيانًا إلى شاطئه.. !!
سأضع لك أمثلة على هذه الزحافات، ولن أستغرقها كلها:
( وَجَدَ القِطارَ مُعَطَّلاً ،
والسّْكَّةُ اصْطَدَمَتْ بِها قَدَمُ الحَياةِ
فَحَوَّلَتْها عَظْمَةً سَوْداءَ تَنْخُرُها نُسُورُ الصَّيْفِ .
أَبْصَرَ في المَحَطَّةِ نِصْفَ مِرْآةٍ
وبِالقُرْبِ النِّساءُ الخائِفاتُ مِنَ النُّسُورِ
وقَدْ نَسينَ بَياضَهُنَّ يَسيلُ فَوْقَ المِرْآةْ ..
فَتَحَ الحَقيبَةَ
ثُمَّ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيها وماتْ ! )
بَحَثُوا عَنِ الكَفَنِ المُناسِبِ لي
ولَكِنْ ماتَ حَفَّارُ القُبُورِ قُبَيْلَ مُنْتَصَفِ القَصيدَةِ .
عادَ جيراني وأَهْلي إِلى أَكْواخِهِمْ
ونَمَتْ على قَبْري النَّباتاتُ القَصيرَةُ ،
ثُمَّ حينَ يَجِنُّ لَيْلي
أَخْلَعُ الكَفَنَ الذي فَوْقي
وأَدْخُلُ مِثْلَ لِصٍّ مِنْ شَبابيكِ الحَياةِ ؛
فَأُبْصِرُ الأَحْياءَ كُلَّهُمُو
عَبيداً رُكَّعاً غُرَباءَ عُمْياناً
وأَكْثَرَ مَوْتاً مِنّي !
لن أزيد.. أرجو أن تعود إلى القصيدة عروضيًّا ليكتمل بهاؤها العظيم.
لك تحيتي.
الشاعر المتألق هلال الفارع :
أشكرك بعمق . زورقي بلع الشطّ . قصيدتي قربان في بحركم .
ربما لا زلت ضيفا . سأكتفي بقولي لك :
ما قلته مهم بشكل كبير ،
أشكرك وأصافحك بأصابع قد لامست الشمس ،
وتقبل مودتي مغسولة بهواء الجزيرة ..

مصطفى ملح
15/04/2009, 04:32 PM
نص فريد وروح جديده رغم بعض سوداويه فيها
سلم القلم شاعرنا العزيز
الكاتبة المحترمة ريمه الخاني :
شكرا لقلمك الذي لامس بعضا من تشكلات قصيدتي :
الجدة والفرادة أمران يسعى إليهما كل شاعر ،
أعتقد أن تحقيقهما لن يتم إلا بتمثل حقيقي لتجاربنا الحياتية ،
الحياة هي المدرسة الأولى : زهرة اللغة ومجازها الأبيض
اللامحدود وشتلتها المزروعة في حديقة النفس ..
طبعا هناك سوداوية أفضل الحديث عنها لاحقا ..

أحمد نمر الخطيب
15/04/2009, 05:03 PM
عزيزي الأستاذ أحمد نمير الخطيب :
شكرا .. أحيانا يكتب الشعر بالمشهد ، فيصير السّرد
مكوّنا أساسيا من مكونات الكتابة الشعرية ..
أعتقد أن السّرد قد يقي الشعر من الخطابة والتقرير
خاصّة إذا استطاع الشاعر المزج الحذق بين السرد
الجميل والشعر الكثيف ..

أخي الشاعر الجميل مصطفى ملح
نعم يا صديقي
فالكتابة المشهدية لا تتأتى
إلا لفارسِ ركب سفينة السرد
وأبحر في أمواج الشعر
وأنت كنت كذلك
مودتي لك

ماهر خالد قطيفان
15/04/2009, 11:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقف باحترام لأصحاب الحروف المضيئة
أشكرك على هذه الصور الرائعة
موفقـــــــــــــين

إياد عاطف حياتله
15/04/2009, 11:22 PM
إبداع ولا أروع
أحيي عينك الساحرة في تصوير ما لا يُرى

:fl:

مصطفى ملح
15/04/2009, 11:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقف باحترام لأصحاب الحروف المضيئة
أشكرك على هذه الصور الرائعة
موفقـــــــــــــين
الفنان ماهر خالد قطيفان :
شكرا على المرور السريع الذي ترك عطرا سماويا
لا زال يسري في أخاديد الحواس ..

مصطفى ملح
15/04/2009, 11:48 PM
إبداع ولا أروع
أحيي عينك الساحرة في تصوير ما لا يُرى
:fl:
الشاعر إياد عاطف حياتله :
شكرا أخي .. لقد سعيت إلى التقاط تناقضات العالم أمامي ،
الحفلة في البيت والعريس ميت في الحرب ،
الفخاخ الصدئة للقبض على زمن شرس ،
ثم كتابة القصيدة بالأظافر والروح والأنفاس وبقايا الحواس ؛
تحيتي إليك وإلى طفلنا العظيم : حنظلة ..

نادية كيلاني
06/05/2009, 04:32 AM
أالسِّرْك :


كُلُّ التَّذَاكِرِ بيعَتْ
مُلِئَتْ زَوايا السِّرِْكِ بِالمُتَفَرِّجينْ
زَأَرَتْ أُسُودُ البَهْلَوانِ وَلَمْ تُخِفْ أَحَداً ،
لأَنَّ زَئيرَها لا يَبْرَحُ الأَقْفاصَ ..
قَبْلَ نِهايَةِ العَرْضِ الرَّتيبِ ،
رَأَيْتُ أَنَّ النَّاسَ قاطِبَةً
مُجَرَّدُ بَهْلَوانِيِّينَ في سِرْكِ الحَياةِ :
جَميعُهُمْ يَثِبُونَ كَالقِرَدَةْ
ويَقْضُونَ الفَراغَ بِداخِلِ الغيرانِ ،
ثُمّ أَخيراً
يَتَساقَطُونَ على زَرابي السِّرْكْ !


الفاضل مصطفى ملح

أعجب جدا من هذه القصيدة

التى تحمل من العمق والفلسفة والحكمة والتصوير بالغ المنتهى

هى أيضا قصص قصيرة محكمة البناء شاهدة على عصر

جميل جدا ووفقك الله

:mh09:

كمال دليل الصقلي
06/05/2009, 05:02 AM
أحد عشر قفصا لترويض الزمن
الصَّيَّاد :
نَصَبَ الفِخاخَ
ونامَ يَنْتَظِرُ الذي يَأْتي ولا يَأْتي .
ثَوانٍ ثُمَّ ساعاتٌ فَأَيَّامٌ فَأَعْوامٌ ؛
تَبَدَّلَ شَعْرُهُ صَدِئَتْ مَحاريثُ الشِّتاءِ
تَزَوَّجَتْ صُغْرى البَناتِ فَصارَ جَدّاً ،
غَيْرَ أَنَّ فِخاخَهُ في أَسْفَلِ الوادي
أَحاطَ بِها نَسيجُ
العَنْكَبُوتْ !
المُسافِر :
وَجَدَ القِطارَ مُعَطَّلاً ،
والسّْكَّةُ اصْطَدَمَتْ بِها قَدَمُ الحَياةِ
فَحَوَّلَتْها عَظْمَةً سَوْداءَ تَنْخُرُها نُسُورُ الصَّيْفِ .
أَبْصَرَ في المَحَطَّةِ نِصْفَ مِرْآةٍ
وبِالقُرْبِ النِّساءُ الخائِفاتُ مِنَ النُّسُورِ
وقَدْ نَسينَ بَياضَهُنَّ يَسيلُ فَوْقَ المِرْآةْ ..
فَتَحَ الحَقيبَةَ
ثُمَّ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيها وماتْ !
المَيِّت :
بَحَثُوا عَنِ الكَفَنِ المُناسِبِ لي
ولَكِنْ ماتَ حَفَّارُ القُبُورِ قُبَيْلَ مُنْتَصَفِ القَصيدَةِ .
عادَ جيراني وأَهْلي إِلى أَكْواخِهِمْ
ونَمَتْ على قَبْري النَّباتاتُ القَصيرَةُ ،
ثُمَّ حينَ يَجِنُّ لَيْلي
أَخْلَعُ الكَفَنَ الذي فَوْقي
وأَدْخُلُ مِثْلَ لِصٍّ مِنْ شَبابيكِ الحَياةِ ؛
فَأُبْصِرُ الأَحْياءَ كُلَّهُمُو
عَبيداً رُكَّعاً غُرَباءَ عُمْياناً
وأَكْثَرَ مَوْتاً مِنّي !
العَريس :
سَقَطَ الجَمالُ على السَّريرِ
فَذابَتِ الحِنَّاءُ في جِسْمِ الأَميرَةِ :
ثَغْرُها فَجْرٌ مُغَطًّى بِالحَريرِ
بَياضُها مِثْلَ اصْطِدامِ قَصيدَتَيْنِ
ووَجْهُها قَمَرٌ مِنَ الياقُوتِ في كَفِّ الصَّباحِ ..
على السَّريرِ جَمالُها تَعِباً ومُنْتَظِراً ؛
لِماذا لَمْ يَعُدْ ، بَعْدُ ، العَريسُ ؟
أَجابَتِ الحَسْناءُ في التِّلْفازِ :
ماتَ بِساحَةِ الحَربْ !
الظِّلّ:
يَمْشي وَرائي
ثُمَّ أَتْبَعُهُ إِذا ما الشَّمْسُ مالَتْ
كَالمُريدِ يَقُودُهُ شَيْخُ الطَّريقَةِ نَحْوَ تُفَّاحَةِ التَّصَوُّفِ .
ذاكَ ظِلّي :
سَيِّدي عَبْدي أَميري قائِدي قَيْدي
هُوَ امْتِدادي في المَكانِ وصُورَتي الأُخْرى ..
ولَكِنْ إِنْ أَنا يَوْماً رَحَلْتُ مُوَدِّعاً
هَلْ يا تُرى ظِلّي يَمُوتْ ؟!
الرِّحْلَة :
حَمَلُوا على ظَهْرِ البِغالِ الماءَ والزَّيْتُونَ
والقِصَصَ القَصيرَةَ والسَّجائِرَ والكِلابَ الضَّالَّةْ ..
كانَ الرِّجالُ يُفَتِّشُونَ هُناكَ في الصَّحْراءِ
عَنْ بَعْضِ الأَميراتِ اللَّواتي
خانَهُنَّ حِصانُهُنَّ فَمُتْنَ في وَسَطِ الحِكايَةِ ،
مَرَّتِ السّاعاتُ
لَمْ يَجِدُوا سِوى كَهْفٍ قَديمْ
دَخَلُوا إِلَيْهِ .. ونَامُوا !
الزَّمَن :
جَدّي عَلى ظَهْرِ الحِمارِ
يُراقِبُ اللَّقْلاقَ وهْوَ يَلُفُّ في مِنْقارِهِ
وَطَناً صَغيراً مِنْ حَشائِشَ ذَابِلَةْ ..
جَدّي يُراقِبُ حَفْلَةَ الميلادِ في الكُوخِ المُجاوِرِ ،
رَأْسُهُ مُتَمايِلٌ مَعَ آهَةِ المِزْمارِ
والطَّبْلِ الذي يَهْتَزُّ كَالنَّاقُوسِ ..
مَرَّتْ أَشْهُرٌ
هَزَمَ الشِّتاءُ دُوَيْلَةَ اللَّقْلاقِ ،
أَطْفَأَتِ السُّيُولُ مَشاعِلَ الميلادِ ..
مَرَّتْ أَشْهُرٌ
سَقَطَ الحِمارُ ماتَ جَدّي !
النِّسَاء :
في القَلْبِ سَبْعُ نِساءٍ :
أُولى تُقَبِّلُني فَأَتْبَعُها إِلى الصَّحْراءِ ،
ثَانِيَةٌ تَصُبُّ المِلْحَ والقَطْرانَ في رِئَتَيَّ ،
ثَالِثَةٌ مُحايِدَةٌ كَتَشْكيلٍ رَمادِيٍّ ،
ورَابِعَةٌ تُواري جُثَّثي بِالرَّمْلِ ،
خَامِسَةٌ تُزيلُ الرَّمْلَ تَرْميني إلى الأَشْباحِ ،
سَادِسَةٌ تَمُرُّ ولا تَقُومُ بِشَيءٍ ،
وأَخيرَةٌ تَبْكي عَلَيَّ .. وتَمْضي !
شَهْرَزاد :
وَقَفَتْ أَمامَ الكُوخِ مَرْكَبَةُ الأَميرِ
وجيءَ بِالحُرَّاسِ فَاقْتَحَمُوا زَوايا الكُوخِ ،
لَمْ تَكُ شَهْرَزادُ هُناكَ ..
عادُوا يَحْمِلُونَ فَقَطْ عَقَارِبَ ساعَةِ الحَائِطْ
رَسائِلَ كانَ يَبْعَثُها الغَريبُ إِلَيْها
قَارُورَةَ الكُحْلِ العَتيقَةَ والعُطُورَ الهَادِئَةْ ..
عادُوا فَظَلَّ لأَجْلِها
قَصْرُ الخَليفَةِ ساهِراً حَتَّى طُلُوعِ النَّصّْ !
السِّرْك :
كُلُّ التَّذَاكِرِ بيعَتْ
مُلِئَتْ زَوايا السِّرِْكِ بِالمُتَفَرِّجينْ
زَأَرَتْ أُسُودُ البَهْلَوانِ وَلَمْ تُخِفْ أَحَداً ،
لأَنَّ زَئيرَها لا يَبْرَحُ الأَقْفاصَ ..
قَبْلَ نِهايَةِ العَرْضِ الرَّتيبِ ،
رَأَيْتُ أَنَّ النَّاسَ قاطِبَةً
مُجَرَّدُ بَهْلَوانِيِّينَ في سِرْكِ الحَياةِ :
جَميعُهُمْ يَثِبُونَ كَالقِرَدَةْ
ويَقْضُونَ الفَراغَ بِداخِلِ الغيرانِ ،
ثُمّ أَخيراً
يَتَساقَطُونَ على زَرابي السِّرْكْ !
الشَّاعِر :
حَمَلَ المُحارِبُ بُنْدُقِيَتَهُ وأَطْلَقَ ناراً ،
والعازِفُ احْتَضَنَ الرَّبابَةَ لاِكْتِشافِ جَزيرَةِ المُوسيقى ،
ومُرَوِّضُ الأَبْقارِ قامَ إِلى حَظيرَتِهِ ،
وبائِعَةُ الرَّغيفِ إِلى الرَّصيفِ ،
وقَارِئُ القُرْآنِ هَبَّ لِيَفْتَحَ الكُتَّابَ ،
والبَنَّاءُ يَذْهَبُ في اتِّجاهِ الوَرْشَةِ ،
والمُصْلِحُونَ إِلى منابِرِهِمْ
وصَاحِبُنا رَأَى قَلَماً وقِرْطاساً
وبَعْدَ تَرَدُّدٍ .. كَتَبَ القَصيدَةْ !

العزيز البهي مصطفى ملح
اشتغال دقيق جمع بين الحكمة والفلسفة..فولد عملا لن تنساه الذاكرة.
دمت متألقا.

مصطفى ملح
06/05/2009, 09:59 PM
الأخت نادية كيلاني:
شكرا على الانطباع الطيب الذي تركه النص فيك،
إن أقصى ما تصبو إليه نفس الشاعر أن يتحقق نوع
من التواصل الفعّال مع ماتخطّ أنامله من خربشات صغيرة
فوق الرّملّ؛ رمل الحياة..
طبعا لقد أشرتِ إلى مسألة أساسية،
يتعلّق الأمر باستثمار النفس السّردي في الشّعر،
وهذا أمر يغريني لأن السّرد يملك القدرة على اختزال العالم بتناقضاته الكبيرة،
بينما الشّر هو لغة الإيحاء والتكثيف والرّمز بالدّرجة الأولى،
وأظن أن القصيدة إذا وفّقت بين حكائية السّرد وتكثيف الشّعر ستكون
أقرب إلى وجدان القارىء،
شكرا مرّة أخرى وكل لحظة وأنت بألف ألف قصيدة ..

مصطفى ملح
06/05/2009, 10:05 PM
القاص العزيز كمال دليل الصقلي:
شكرا لأنك قرأت النص بحذق وألمعية؛
النفس الفلسفي أرومه وأطارده كما يطارد الصياد أشباح ليل بعيد،
والحكاية أحبّها لأنها اختزال للعالم وتفسير إبداعي لغموضه الأسود،
أزعم أنك تعرف حبّي للحكاية وغرامي بها،
فقبل أن أقرأ الشعر كنت أحشر أنفي وروحي كليهما في عوالم
الأساطير والحكايات القديمة ذات المخيال الشاسع: ألف ليلة وليلة
والزير سالم وعنتره وسيف بن دي يزن ..
أحبّ أن أخلق نوعا من الزواج الحقيقي وليس العرفي بين كل من الشعر والسرد،
وأهدي القصيدة لهما بمناسبة عيد ميلادهما الأول،
وأنت أهديك محبّتي ..

عز الدين بن محمد الغزاوي
06/05/2009, 11:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
* أخي المتألق مصطفى ملح ، لقد كنت مبدعا في قصائدك وطوعت الكلمة و المعنى لتعطي نتاجا متناسقا يحكي القصة و يسرد الأحداث ، فتشد القارئ إلى النهاية.
* إن كتاباتك الشعرية المتميزة تجمع بين الفلسفة و التأمل العميق ، و هذا يدل على باعك الطويل و مراسك
المحترف في ميدان الإبداع.
* دمت متألقا كعادتك وحفظك الله و سدد خطاك / عز الدين الغزاوي.

محمد إبراهيم الحريري
07/05/2009, 08:21 AM
مراحل تتقارب وتآلف مشهديا لتألف بيها تجربة تفردت بشاعريتها وتميزت بلغتها لتجعلها فيما قصد الشاعر لوحة كلية لتجربة نمت وترعرعت تحت أفياء الخيال الشاعري .
شكرا لك أيها الشاعر الذي خط لقلمه مجالا يليق به شاعرية .
وفقك الله .

محمد أكراد الورايني
07/05/2009, 04:51 PM
أخي العزيز مصطفى ملح, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لله درك أيها الشاعر الرقيق..نحث فني بديع في جسم اللغة, والله أخي تمنيت لو كان عنوان
هذه التحفة الفنية, مائة قفص لترويض الزمن حتى يطول معها عمر المتعة..
أحييك وأشد على يديك أخي مصطفى.
دمت مبدعا خلاقا.

مصطفى ملح
08/05/2009, 01:27 AM
الأستاذ عز الدين بن محمد الغزاوي:
شكرا على مرورك الدافىء بمائدتي الشعرية،
لكما طاب من شهي المحبّة وحلو الأمنيات لك بالحلول الأبديّ السّاحر
في حقول الشّعر العامرة بالأخيلة والمجازات،
أشكرك على استحسانك النبيل للقصيدة وهذا يدفعني بلا شكّ
إلى مواصلة الحفر اللغوي بإزميل الوجدان في حجرقديم عصيّ اسمه
الشّعر؛
تقبّل محبّتي عالية مثل برج من أشعّة لاترى بالبصر إنّما بالبصيرة..

مصطفى ملح
08/05/2009, 01:34 AM
الأستاذ الشاعر المبدع محمد ابراهيم الحريري:
أحييك بعمق يوازي العمق الذي تطفح به نصوصك،
أشكرك على قدرتك على اختزال مقصدية قصيدتي في عبارات قصيرة ودالة،
وهذا دليل خبرة ومراس واضحين،
طبعا أنا مغرم بالسّرد لأنه يدفعنا إلى كتابة الشّعر بالحواسّ كلها وليس فقط بالإحساس؛
السّرد يمنح إمكانية كبيرة لتشغيل باقي الحواسّ خاصّة البصرحيث تتحوّل القصيدة
إلى مشاهد تتحرّك أمامنا وليس مجرّد عواطف وانفعالات،
أنا سعيد، بكل صدق، برأيك النبيل..

مصطفى ملح
08/05/2009, 01:39 AM
صديقي الأستاذ القاص محمد اكراد الوايني:
مرحبا بك في خيمتي الشعرية البسيطة،
فعلا ملاحظتك واقتراحك مهم فالزمن العتيّ العصيّ السّفّاح الذّبّاح
يحتاج ألف ألف قفص لترويضه،
لكن القصيدة لاتملك عزيزي غير الحلم سلاحا أخيرا لتجميل الواقع وتنقيحه
من اللون الأسود العالق بمزهرياته الذابلة،
أنا أحلم معك،
ربما الشّعر يغيّر التّاريخ والجغرافيا والقيم،
ويضيف اللون الأخضر المتفائل إلى وجه الجوكاندا،
لتصير أقلّ عبوسا وأكثر ابتساما،
محبّتي..