المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النظام السياسي العربي والاقليمي من التاريخ الى المستقبل !!



ابراهيم خليل العلاف
13/04/2009, 09:07 PM
النظام السياسي العربي والإقليمي من التاريخ الى المستقبل !!


أ .د. إبراهيم خليل العلاف



لم يكن الأستاذ نبيه أمين فارس، المؤرخ ،والأستاذ في الجامعة الأمريكية ببيروت في كتابة الشهير " من الزاوية العربية" المنشور في مطلع الخمسينات من القرن الماضي مبالغا عندما قال: " إن النصف الأول من القرن العشرين كان سخيا جدا بالنسبة الى العرب ، أو قل سخيا أكثر مما يستحقون ،إذا ما نظرنا الى جهادهم القومي طوال هذه الفترة من الزمن، وإذا كان العرب قد قاسوا بعض الويلات ، فأن النعم التي أتمت عليهم، الأكثر والأعظم ، فما من محنة إلا وكان في طيها منحة ، فما عبس في وجههم يوم إلا وابتسم لهم اخر ، الى أن فاجأهم الدهر ببسمة أيما بسمة ،فنالوا استقلالهم السياسي في أكثر أقطارهم على أهون سبب ، وعلى حساب حرب عالمية أنهكت العالم بأسره تقريبا الا هم ، وواكبتهم ظروف أخرى مؤاتية لا تأتي في حياة الشعوب إلا مرة في ألف سنة.(1)
واليوم ، يقف العرب ، ونضالهم السياسي والإقليمي ،على عتبة النصف الأول من القرن الحادي والعشرين وقفة جديدة ، ليست كالوقفة السابقة .. أنها وقفة الحيرة ،والارتباك، والعجز، والفشل في مواجهة التحديات الجديدة.. فما الذي جرى؟ والى أي حد يمكن لهم ولنضالهم الصمود؟ وهل تتيسر للعطار فرصة لاصلاح ما أفسده الدهر، وبمعنى أخر هل يستطيع نظامهم السياسي والإقليمي التكيف مع المتغيرات الهائلة التي يشهدها العالم المعاصر؟ يقينا أنها أسئلة مشروعة وللإجابة عليها لابد من العودة قليلا الى التأريخ لمعرفة جذور هذا النظام الذي صنع على أعين الغرباء والأجانب والمستعمرين .. نظام تأسس منذ الأيام الأولى لانتهاء الحرب العالمية الأولى في أجواء الاحتلال، فأصبح لا يعبر عن إرادة شعبية حقيقية فضلا عن أنه صار يوما بعد أخر فاقدا للشرعية، مع إن السلطة في معظم الدول العربية لم تشهد تداولا طبيعيا، بل اعتراها الكثير من التخبط ، فمن توريث .. الى قتل .. الى عزل .. الى انقلاب تلو انقلاب ..(2)
إن الدولة العربية الحديثة، وحتى الجهاز الاتحادي المتمثل بجامعة الدول العربية ، لما يمض على أيام تأسيسها الأول سوى نصف قرن من الزمان، عانت ما عانت ، وانتقلت من تجربة سياسية الى تجربة سياسية أخرى وكل الانتقال تم في أوضاع ليست طبيعية ، ففي ظل القوى الاستعمارية نمت هذه الدول ، وفي ظروف تحدى إسرائيل والصهيونية العالمية انتعشت ، حروب، ومواجهات، ونكسات، ومحن وهزائم ،وقليل من الانتصارات لم تسمن ولم تغن من جوع.. لنأخذ العراق على سبيل المثال ، فقد ظهرت دولته الحديثة في إعقاب الحرب العالمية الأولى على أنقاض احتلال بريطاني ثم حدثت متغيرات جاءت بالعسكر الى السلطة رافقها ارتباك في تبني نظم وتوجهات اقتصادية وسياسية ، وحكم لحزب وأخيرا احتلال أمريكي وسقوط كل مقومات الدولة السياسية والاقتصادية والثقافية .. وهذه مصر انتقلت من تجربة الاحتلال البريطاني، الى حكم ملكي ضعيف سقط صبيحة يوم 23 تموز/ يوليو 1952 اثر ثورة عارمة قادها العسكريون وأخيرا حزب حاكم لا يزال يحتكر السلطة منذ أكثر من 30 عاما وسينتهي بالتوريث.. وهذه تونس التي حكمت من قبل الحبيب بورقيبة منذ 1957 وجدد له الحكم ثلاث مرات قبل إن يهيمن حزبه على الجمعية التأسيسية سنة 1974 ليخلد الرجل رئيسا مدى الحياة ، كل ذلك قبل ان ينقلب عليه زين العابدين بن علي عام 1987 ويحكم هو الأخر الى يومنا هذا، والسودان لا يزال منذ سنة 1958 يحكم من قبل العسكر. وفي سوريا ، التي عانت منذ الخمسينيات والستينات من القرن الماضي من وطأة الانقلابات العسكرية والتي أتت بالاب ليحكم ردحأ من الزمن قبل إن تنتقل السلطة الى ولده وما جرى في سوريا فتح الباب أمام شهية توريث السلطة في الجمهوريات العربية المعاصرة . وإذا ما انتقلنا الى الأنظمة الملكية فان السلطة توريث من الأب الى الابن أو الأخ أو احد أفراد العائلة الحاكمة بعيدا عن ارادات الناس ، أو تأثير مؤسسات المجتمع المعروفة ... وغالبا ما يترافق التوريث مع حالات من القتل أو العزل كما جرى مثلا في سلطنة عمان عندما عزل السلطان قابوس أباه السلطان سعيد(3) ..
إذن النظام السياسي العربي، يعاني من اختلالات بنيوية ، وهو بحاجة الى إصلاح، والمشكلة الرئيسية انه لا يزال بعيدا عن إن يبدأ بالإصلاح ... حتى دعوات الإصلاح الخارجية لم تعد تجد لها صدى وكل ما نجده كلام وكلام يدور كله حول الحاجة الى الإصلاح، ومما يؤسف له إن معظم النخب المثقفة العربية أصبحت تعاني إما من مرض السكوت، أو العزلة ،أو من مرض التدجين والسير في ركاب السلطة والسعي باستمرار لتلميع صورتها، مع المعرفة التامة بما تعانية من ترهل وضمور وتفكك وفساد أخذت ريحته تزكم الأنوف .. إما النظام الإقليمي العربي فقد وصل كما يقول احد الكتاب المشهورين الى نهاياته .(4)
وكما هو معروف فأن هذا التصور مبني على أساس واضح، وهو أن العمل العربي المشترك دخل في نفق مسدود ، فجهازه المؤسسي المتمثل بجامعة الدول العربية شبه مشلول ، وقاعدته الأيدلوجية منهارة، وقدرا ته التعبوية ضعيفة خاصة بعد إن فشل في مواجهة، وحل، بل وفهم ألازمات الإقليمية العديدة التي تعصف اليوم بالساحة العربية وأبرزها:انهيار عملية التسوية في فلسطين ، والصراع الداخلي في لبنان ، والوضع في العراق بعد التاسع نيسان 2003 ،وانفجار الخلافات بين الفصائل الفلسطينية الرئيسية ،وانحلال وتفكك الدولة في الصومال .
وفي الستينات والسبعينات من القرن الماضي كنا نتلمس بسهولة حالات من الاستقطاب الحاد التي عرفتها الأنظمة العربية ،(المحافظة) و(الثورية) كما كانت تسمى، والتي عكست الى حد ما الصراع الأيدلوجي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي" لكن هذه الحالات سرعان ما انتهت بشكل أو باخر ، وحتى التناقضات الجذرية التي تولدت عن المسالة العراقية -الكويتية في التسعينات فقد تم احتواها ولكن هل أستعاد النظام الإقليمي العربي عافيتة ؟ الجواب كلأ ، فالحد الأدنى من العمل العربي والتنسيق العربي غير متحقق" ويبدو وأن لذلك أسباب ، ولعل من أهم هذه الأسباب، فضلا عن الاحتلال الاميركي للعراق في التاسع من نيسان 2003 ، دخول إيران لاعبا محوريا في المنظومة الأمنية والاستراتيجية الخليجية والعربية من موقعها الفاعل ليس في الساحة العراقية بل وحتى في الساحات السورية واللبنانية والفلسطينية .
وفيما يتعلق بفلسطين ، فليس اليوم ثمة رؤية واضحة موحدة لتسوية الصراع العربي -الإسرائيلي خاصة بعد انفجار الصراع السياسي الداخلي بين الفصائل الفلسطينية وخاصة في منطقة السلطة (غزة والضفة الغربية ) بين حماس وفتح .. وهاهي تركيا تحاول إن تقوم بتطوير دورها الإقليمي لتتوسط بين سوريا وإسرائيل وتتدخل في العراق، وتتحاور وتتصارع عبر مسالك ودروب كثيرة .(5)
لسنا هنا في معرض الدخول في أسباب ومسببات إخفاق النظام السياسي العربي والنظام العربي الإقليمي ولكن لابد من الوقوف عند عاملين أساسيين: اولهما يتعلق بعلاقة الترابط العضوي بين مقتضيات الأمن الإقليمي العربي وامتداداته في دائرة الجوار الإسلامية المتمثلة بإيران وتركيا والى درجة إن بناء منظومة إقليمية عربية فاعلة ، لا يمكن إن يتم بدون توسيع تلك الدائرة وبما ينسجم مع متطلبات الأمن الإقليمي التي تقتضي إدماج القوتين الإسلاميتين الرئيسيتين في قلب المنظومة الإقليمية العربية .
إما العامل الثاني، فيتعلق بضرورة مواجهة حالة التأزم الطائفي،وإبعاد هذه الحالة عن لعبة التحالفات السياسية الإقليمية". ومن الطبيعي إن هذه التحديات تفرض إعادة تصور مفهوم جديد للشراكة ليس مع الغرب وحده ، وإنما مع القوى الإقليمية المتواجدة على الأرض والمياه" وقد لا نكون بعيدين عن ما يجري من تطور في الفكر السياسي العالمي الجديد وخاصة في ما يسمى اليوم مفهوم (السيادة المتقاسمة )هذا المفهوم الذي لا يمكن إن يتناقض مع مفهوم (السيادة الوطنية) المعروف.(6)
وإذا ما أردنا إن نضع هذا المفهوم في سياقه الحقيقي ، فإننا بحاجة وبحاجة ماسة الى تطوير فكرنا السياسي الوطني والقومي باتجاه التوسع في فهمنا للسيادة، ودوائر تشكلها، فالنظام العربي والنظام الإقليمي كما يقول احد المراقبين ، وكما هو متداول ليس مترا صفة ثابتة من الأحجار بقدر ما هو ترتيب زمني يخضع لتوازنات دقيقة ينتجها نمط توزيع القوة، والتحالفات الاجتماعية المهيمنة .
إن النظام العربي والإقليمي هو إطار تنتظم فيه القوى المحلية المهيمنة ، وأنماط تحالفاتها وتوازنات القوى فيما بينها ، وهو أيضا إطار لترتيب العلاقة بين مجال جغرافي معين وبين النظام الدولي وقواه المهيمنة.(7)
إن منطقتنا العربية منطقة استثنائية ، فهي تضم مورد قوة رئيسية بامكانه إن يتحكم باستقرار ورفاهية المناطق المركزية العالمية نفسها وهو( النفط) ، غير أنها في الوقت نفسه منفصلة عن تلك المناطق بسبب فقرها الثقافي والتكنولوجي ، و معاناتها من عدم التوازن السياسي والاقتصادي. ومع إن النظام الدولي ليس في استطاعته تهميش منطقتنا فانه ليس بقادر على دمجها وإمامنا تجارب عديدة أبرزها التعثر الأمريكي في العراق ،وتفاقم أخطاء إدارة ما بعد الاحتلال، والتأزم الاجتماعي العراقي، والتحديات التركية، والإيرانية، والإسرائيلية (8) .
ولكي يعاد المسار، وتعتدل المسيرة ،ويستطيع النظام السياسي العربي والإقليمي إن يتخلص مما يعتريه من أخطاء وأوهام، لابد من العمل لتجديد بنى هذا النظام إن كان على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الثقافي والفكري، والتجديد لا يأتي بالوعظ والإرشاد وإنما بالعمل الجاد المخلص .
يأتي بتغير الأطر السياسية والاجتماعية والفكرية وبعبارة موجزة بالحكم الراشد ، وبالتنمية المستدامة وبقليل من الجهد لإجراء نوع من الانفتاح السياسي على تجارب الآخرين الناجحة ولعل في مقدمتها التجربة اليابانية والتجربة الماليزية.
نعم إن التاريخ لا يرجع الى الوراء، بل هو في تقدم مضطرد والتغيير بحاجة الى اطر فكرية غير تقليدية وهنا لابد إن تقوم مراكز البحوث ومنها مركزنا هذا بواجباتها وأولى واجباتها،أجراء البحوث، وتقديم الدراسات التي تسهم في انتهاج العرب لمجموعة من الخطوات وأبرزها(9) الانتقال من التفكير في الوحدة على المدى القريب الى العمل الخلاق من اجل التنسيق البناء، والانتقال من الاكتفاء بخطاب سياسي مساند أو متعاطف مع بعضهم البعض الى إيجاد حال من التآزر بالمصالح وترك الفردية المفرطة والذهاب باتجاه روح المجموع ، والتحول من تنافر القمم الى انسجام القاعدة، ووضع حد للعبة البحث من مصلحة الأنظمة ،الى العمل الجاد للبحث عن مصالح الناس، وإيجاد بديل للمعادلة السياسية التقليدية التي تقوم على وجود قلب عربي وإطراف الى إيجاد مراكز عربية عدة متعاونة. وفي كل الأحوال لابد من التفاؤل، والنظر الى المستقبل ، وليس كالتأريخ من علم يساعدنا في قراءة احتمالات المستقبل فهل نحن قادرون على إن نكون بمستوى ما تضعه علينا امتنا من مسؤولية وطنية وقومية .. ؟!
الهوامش:
(1) نشر بيروت سنة 1953
(2) انظر : عبدالرحمن احمد خيزران، ((النظام السياسي العربي والمعالجات
المطلوبة )) ،مقال منشور على الشبكة العالمية للمعلومات... وموقع الكاتب نفسه
(3) المصدر نفسه
(4) انظر: السيد ولد أباه ، ((هل انتهى النظام الإقليمي العربي؟))،جريدة الشرق
الأوسط" العدد 10285 في 25 يناير / كانون الثاني 2007
(5) المصدر نفسه
(6) المصدر نفسه
(7) جابر حبيب جابر ،((اتجاهات التغيير في النظام العربي))، "جريدة الشرق الأوسط" العدد 10695 في 10 مارس/آذار 2008
(8) المصدر نفسه
(9) انظر : عمار علي حسن ،((من اجل إصلاح النظام الإقليمي العربي)) ،منشور في موقع على الانترنت www.Syria-news.com بتاريخ 8شباط 2008 *القيت هذه المحاضرة الافتتاحية في ندوة مركز الدراسات الاقليمية بجامعة الموصل والتي عقدت يوم 26 تشرين الثاني 2008 بعنوان ((النظام السياسي العربي والاقليمي :التغيير والاستمرارية .

عبدالوهاب محمد الجبوري
14/04/2009, 08:02 PM
بوركت اخي الغالي واستاذنا الكبير دكتور ابراهيم ... محبتي واشواقي

ابراهيم خليل العلاف
14/04/2009, 09:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا اخي العزيز الاستاذ عبد الوهاب الجبوري وادعو الله ان يوفقنا لخدمة عراقنا وامتنا .الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف:fl: