خالد أبو هبة
14/04/2009, 12:41 PM
يوميات سفير بدرجة فاشل
مجموعة قصصية قصيرة جدا- خالد الشطـيـبي أبو هبة
1- السفير غير موجود!
أثناء دخوله متخفيا مبنى السفارة الكئيب، رمى سكرتيرته بنظرات حانقة..
لعن زوجته ألف مرّة!
تذكّر أنّ زوجته المتسلّطة هي من تختار له سكرتيرته وفق مقاييس الدمامة والبشاعة! كي تضمن كبح نزوات سعادته..
سرعان ما لحقت به وعلى وجهها ابتسامة بائسة..
أرادت المسكينة أن تطلعه على جدول أعمال اليوم، فنهرها بصوته الأجشّ:
لِم العجلة؟ أمامك اليوم كلّه! اغْرُبي عن وجهي..
وقبل أن تتوارى عن أنظاره، صاح كمن تذكّر شيئا مهمّا:
لا أريد رؤية أحد، أنا غير موجود!!
2- أهلا بالليالي الملاح
استشاط السفير غيظا عندما قرأ عليه موظفوه مقالا في صحيفة محلية ينتقد حكومة بلده..
تَململ يمينا ويسارا، قطّب جبين وجهه العبوس، وضغط على شفتيه مزمجرا:
تبّا للصحافة! ألا يتركوني في حالي.. لماذا يُلاحقونني من بلد لآخر؟!
أرعد وأزبد، وهدّد موظفيه بالويل والثبور إنْ لم يأتوه بتقرير مفصل عن الصحيفة والكاتب..
- سأرفع دعوى قضائية على الصحيفة، سيعلمون من أنا ؟!..
اندهش العقل المدبر بالسفارة من سذاجة السفير..
مقاضاة صحيفة بالخارج من طرف سفير! سابقة خطيرة لم يُسمع بمثلها من قبل..
قال المخبر السرّي بالسفارة: ما رأيكم سيدي نختطف الكاتب ونحضره إلى المخفر للاعتراف؟..
- المخفر؟!، صرخ السفير فاغرا فاه..
• أقصد السفارة سيدي..
حرّك السفير رأسه الكبير محملقا في المخبر السري..
- اختطاف يا غبيّ! هل تظنّ نفسك هناك في العهد الغابر؟!
فجأة تدخل العقل المدبر بالسفارة لإنقاذ الموقف:
نتحرى عنه أولا، سأتولى الاتصال بعيوننا هنا لإمدادنا بالتفاصيل اللازمة، أحتاج إلى ساعة زمن..
تجهّم وجه السفير، تذكر حفلة الليلة الماجنة التي أفسدها الخبر المشؤوم..
عاد العقل المدبر منفرج الأسارير، وقال وهو يخفي سخرية لاذعة:
- سيدي، المقال جزء من كتاب منشور ببلدنا منذ سنتين، والكاتب يعيش هناك وليس مهاجرا مقيما هنا!..
أخيرا تنفس السفير الصعداء، قهقه بصوت عال كمن أتاه الفرج بعد طول معاناة، وبعد مغادرة موظفيه المكتب قفز يرقص من شدة الفرح وهو يتحدث بالهاتف:
المشكلة عدّيناها والحفلة في ميعادها
ألا تبّا للصحافة القبيحة ويا أهلا بالليالي المليحة !!
3- المِسْتَر سعيد في تل أبيب!
أصبح علكة الأفواه وحديث مجالس الدبلوماسيين العرب..
بعدما كشفوا حقيقته المخزية، صار الرفاق يتندرون، يتغامزون، يتفكهون، ويتحرشون بالملحق الثقافي الذي كان ذات يوم موظفا بتل أبيب!
في أحد المجالس حاصروه بأسئلتهم، وحشروه بالزاوية..
اصفر وجهه الشاحب، تلعثم وفمفم وتأوه..
اشتد الحصار، توقف حمار الشيخ، وضاق به المكان على سعته..
لم يجد بُدّا من الانسحاب، هرول إلى الباب وفي حلقه غصة، تمتم بكلمات كمن يهدد تلاميذ مدرسة ابتدائية:
"والله لأشكوكم لسعادة السفير"!..
من سوء حظه علقت ملابسه بمسمار مهترئ، تقطع السروال، أجهش سعيد بالبكاء بينما تصاعدت ضحكات الدبلوماسيين على صدى تحية الوداع:
"سلم على السفير يا مستر تل أبيب"!!..
4- نشاط غريب
صحا باكرا على غير عادته، تعطر وتأنق طويلا أمام المرآة..
صفرت زوجته مستغربة الحيوية الزائدة والنشاط غير المعهود!
سألته: أيّ موعد مهم يجليك مبكرا عن البيت؟
ردّ مستنكرا: ألم أخبرك بضرورة الوجود المبكر بالسفارة تحسبا لأيّ طارئ؟
ألا تدركين خطورة الحملة الشنعاء على المنصب؟
أجابت باندهاش أكبر: أعلم، ولكن اليوم الأحد؟!
5- حفرة السفير !
قال السفير لمعاونيه: عليكم نشر أن سفيركم لاعب غولف من الطراز الرفيع..
ليس بإمكان كل سفير أن يلعب الغولف بالخارج، وليس كل سفير قناص للحفر..
همس العقل المدبر في أذنه الكبيرة: أخشى سيدي أن تصل الأخبار إلى العاصمة..
عض السفير شفتيه واستنكر محركا رأسه الكبير: وأيّ مشكلة في ذلك؟
- لعب الغولف كان موضة في العهد البائد، أما حاليا وفي هذا الزمن الأغبر الذي يسمونه العهد الجديد...
فجأة صاح أحدهم: حذار سيدي!
كان الوقت متأخرا، إذ هوى السفير في حفرة مهجورة بإحدى هوامش ملعب الغولف![/size]
مجموعة قصصية قصيرة جدا- خالد الشطـيـبي أبو هبة
1- السفير غير موجود!
أثناء دخوله متخفيا مبنى السفارة الكئيب، رمى سكرتيرته بنظرات حانقة..
لعن زوجته ألف مرّة!
تذكّر أنّ زوجته المتسلّطة هي من تختار له سكرتيرته وفق مقاييس الدمامة والبشاعة! كي تضمن كبح نزوات سعادته..
سرعان ما لحقت به وعلى وجهها ابتسامة بائسة..
أرادت المسكينة أن تطلعه على جدول أعمال اليوم، فنهرها بصوته الأجشّ:
لِم العجلة؟ أمامك اليوم كلّه! اغْرُبي عن وجهي..
وقبل أن تتوارى عن أنظاره، صاح كمن تذكّر شيئا مهمّا:
لا أريد رؤية أحد، أنا غير موجود!!
2- أهلا بالليالي الملاح
استشاط السفير غيظا عندما قرأ عليه موظفوه مقالا في صحيفة محلية ينتقد حكومة بلده..
تَململ يمينا ويسارا، قطّب جبين وجهه العبوس، وضغط على شفتيه مزمجرا:
تبّا للصحافة! ألا يتركوني في حالي.. لماذا يُلاحقونني من بلد لآخر؟!
أرعد وأزبد، وهدّد موظفيه بالويل والثبور إنْ لم يأتوه بتقرير مفصل عن الصحيفة والكاتب..
- سأرفع دعوى قضائية على الصحيفة، سيعلمون من أنا ؟!..
اندهش العقل المدبر بالسفارة من سذاجة السفير..
مقاضاة صحيفة بالخارج من طرف سفير! سابقة خطيرة لم يُسمع بمثلها من قبل..
قال المخبر السرّي بالسفارة: ما رأيكم سيدي نختطف الكاتب ونحضره إلى المخفر للاعتراف؟..
- المخفر؟!، صرخ السفير فاغرا فاه..
• أقصد السفارة سيدي..
حرّك السفير رأسه الكبير محملقا في المخبر السري..
- اختطاف يا غبيّ! هل تظنّ نفسك هناك في العهد الغابر؟!
فجأة تدخل العقل المدبر بالسفارة لإنقاذ الموقف:
نتحرى عنه أولا، سأتولى الاتصال بعيوننا هنا لإمدادنا بالتفاصيل اللازمة، أحتاج إلى ساعة زمن..
تجهّم وجه السفير، تذكر حفلة الليلة الماجنة التي أفسدها الخبر المشؤوم..
عاد العقل المدبر منفرج الأسارير، وقال وهو يخفي سخرية لاذعة:
- سيدي، المقال جزء من كتاب منشور ببلدنا منذ سنتين، والكاتب يعيش هناك وليس مهاجرا مقيما هنا!..
أخيرا تنفس السفير الصعداء، قهقه بصوت عال كمن أتاه الفرج بعد طول معاناة، وبعد مغادرة موظفيه المكتب قفز يرقص من شدة الفرح وهو يتحدث بالهاتف:
المشكلة عدّيناها والحفلة في ميعادها
ألا تبّا للصحافة القبيحة ويا أهلا بالليالي المليحة !!
3- المِسْتَر سعيد في تل أبيب!
أصبح علكة الأفواه وحديث مجالس الدبلوماسيين العرب..
بعدما كشفوا حقيقته المخزية، صار الرفاق يتندرون، يتغامزون، يتفكهون، ويتحرشون بالملحق الثقافي الذي كان ذات يوم موظفا بتل أبيب!
في أحد المجالس حاصروه بأسئلتهم، وحشروه بالزاوية..
اصفر وجهه الشاحب، تلعثم وفمفم وتأوه..
اشتد الحصار، توقف حمار الشيخ، وضاق به المكان على سعته..
لم يجد بُدّا من الانسحاب، هرول إلى الباب وفي حلقه غصة، تمتم بكلمات كمن يهدد تلاميذ مدرسة ابتدائية:
"والله لأشكوكم لسعادة السفير"!..
من سوء حظه علقت ملابسه بمسمار مهترئ، تقطع السروال، أجهش سعيد بالبكاء بينما تصاعدت ضحكات الدبلوماسيين على صدى تحية الوداع:
"سلم على السفير يا مستر تل أبيب"!!..
4- نشاط غريب
صحا باكرا على غير عادته، تعطر وتأنق طويلا أمام المرآة..
صفرت زوجته مستغربة الحيوية الزائدة والنشاط غير المعهود!
سألته: أيّ موعد مهم يجليك مبكرا عن البيت؟
ردّ مستنكرا: ألم أخبرك بضرورة الوجود المبكر بالسفارة تحسبا لأيّ طارئ؟
ألا تدركين خطورة الحملة الشنعاء على المنصب؟
أجابت باندهاش أكبر: أعلم، ولكن اليوم الأحد؟!
5- حفرة السفير !
قال السفير لمعاونيه: عليكم نشر أن سفيركم لاعب غولف من الطراز الرفيع..
ليس بإمكان كل سفير أن يلعب الغولف بالخارج، وليس كل سفير قناص للحفر..
همس العقل المدبر في أذنه الكبيرة: أخشى سيدي أن تصل الأخبار إلى العاصمة..
عض السفير شفتيه واستنكر محركا رأسه الكبير: وأيّ مشكلة في ذلك؟
- لعب الغولف كان موضة في العهد البائد، أما حاليا وفي هذا الزمن الأغبر الذي يسمونه العهد الجديد...
فجأة صاح أحدهم: حذار سيدي!
كان الوقت متأخرا، إذ هوى السفير في حفرة مهجورة بإحدى هوامش ملعب الغولف![/size]