المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواضيع علم التاريخ ـ القسم الرابع



نظام الدين إبراهيم أوغلو
14/04/2009, 01:52 PM
القسم الرّابع

من مواضيع علم التاريخ

سيرة الخلفاء الرّاشدين والعلماء المسلمين الأجلاء:

الخلفاء في سطور

1ـ أبوبكر الصّديق (رض):

كان إسمه قبل الإسلام (عتيق بن قُحافة)، وبعد الإسلام أصبح إسمه (عبدالله). وُلد في السّنة الثّانية أو الثّالثة من عام الفيل وهو أصغر من النّبي (ص) بنحو سنتين. وكان محبوباً في الجاهلية، لأنّه كان رجلاً أميناً، كريماً، طيّب الأخلاق، حسن السّلوك، فهو لم يشربْ خمراً في حياتهِ ولم يسجدْ لصنمٍ أبداً. دعا النّبيُّ (ص) النّاسَ إلى الإسلام، فتردّد الكثيرون إلاّ أبا بكرٍ، وكان أوّل من أسلم من الرّجال وكانت السّيدة خديجة أوّل من أسلم من النّساء، أمّا ممّن أسلم من الصّبيان فهو عليّ بن أبي طالب (رض). كَنّى النبي أبا بكرِ بالصّديق، لأنه صدّقهُ، عندما أخبره بقصّة الإسراء والمِعراج، أنه أُسري به ليلاً من المسجد الحرام (في مكّة) إلى المسجد الأقصى (في بيت المقدسِ) ثمّ من هناك عرج إلى السّماء العُلى. جاهد في الإسلامِ بنفسهِ وماله،ِ فاشترى بعض العبيد من القُريش، وأعتقهم مثل: بلال بن رَباح، وتبرّع بكل مالهِ في غزوة تبوك. وهاجر مع الرّسولِ إلى المدينة وكان الكُفّار يبحثون عنهما في كُلّ مكان لقتلهما. وإختفوا في غار ثَور. ونزل آية على ذلك (ثاني إثنين إذْ هما في الغار ويقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا). إختار الصّحابة أبا بكر خليفةً، بعد الرّسول فتولى الخلافة من عام 632 إلى عام 634م، وحكم بين الناس بالعدل.
ظهر المرتدين في زمنه ، وكانوا من سكان البادية، ويريدون عدم دفع الزّكاة، وهُزِمَ رئيسهم مسيلمة الكذّاب، وإنتصر عليه الصّحابي أسامة بن زيد في معركة اليمامة، ثم عادوا إلى الإسلام، ومن أعماله جمع القرآن الكريم بطلب من عُمر (رض). وبدأ فتح الشّام والعراق في خلافته بقيادة خالد بن وليد، في معركة اليرموك، وشارك في غزوة حُنين. وهو والدُ عائشة زوجة الرّسول، ومن العشرة المبشّرين بالجنّة، وتوفي في المدينة.
2ـ عمر بن الخطّاب (رض):
وُلِد في مكّة، وهو ممّن دعا محمد (ص) لدخوله إلى الإسلام بقوله (اللّهم أسلم إحدى العُمرين). اوّل من لُقّب بأمير المؤمنين، ولُقّب أيضاً بالفاروق لذكائهِ وتفريقهِ بين الحق والباطل، إختارهُ الصّحابةَ خليفةً على المسلمين بعد أبي بكر، تولّى الخلافة عام 634ـ 644م.
1ـ لقد أنهى مَعركَة اليَرموكِ في بلاد الشام بقيادة عمرو بنُ العاصِ وكانت ضدّ الإمبرطوريتين الرّومانية والبيزنطينية، والتي أبداها خالد بن وليد. 2ـ فتح العراق مرّةً ثانيةً بقيادة المثنى بن حارثة. 3ـ إنتصَرَ على الإمبراطوريةِ الفارسيَّةِِ وفتحها في معركةِ القادسيَّةِ، بقيادةِ سعدُ بنُ أبي وقاص. 4ـ فتحَ القُدسَ بقيادة عمرو بن العاص. لقد تسّلمها عمر بنفسهِ صُلحاً من بطريق القُدسِ صفر ونيوس. 5ـ فَتحَ مِصرَ بقيادةِ عمرو بن العاص. 6ـ إنتصر في معركة النّهاوند عام642م بقيادة النّعمان بن مُقرّن وعند سقوطه شهيداً فخلفهُ حُذيفة بن اليَمانِ، (وكان الحربُ بينَ العربِ والفرسِ). ومن أعماله أيضاً:
1ـ أنشأ ديوانَ لدفعِ رواتِبَ الجُيوشِ والأنصَارِ. 2ـ أنشأ أيضاً ديوانَ بيتَ المالِ، 3ـ وضعَ التّقويمَ الهِجري وبدأ التاريخ الهجري سنة 622 م. 4ـ وضعَ مكتبةَ الإسكندريةِ العائدة إلى اليونانين. 5ـ أصبحَ في زمنهِ اللّغةَ الرّسميةَ هي اللّغةَ العربيةَ. 6ـ جعلَ البصرةَ والكُوفةَ مدينتانِ. وأسكن شيعةَ أهلَ المدينةِ من بني هاشم في الكوفة، وأخرج خُصومهم وأسكنهم البصرة. وهو من العشرة المبشّرة بالجنّة، وله رواياتٌ كثيرةٌ على عدالتهِ منها: 1ـ قصة المرأة وبُكاء الصّبيان من الجوع. 2ـ قصةُ الحاكم العادل عندما إشتكى رجُلٌ داسَ قميصَ شيخَ القبيلةِ بدون قصدٍ ولكن شيخ العرب لطمهُ وإستهزئه.3ـ وقوله المشهور: إذا فُقِدَ شاةٌ في أقصى البصرةِ فعُمر مسؤولٌ عنها. 4ـ قصة بائعة لبن وغش ولدتها ثم تزويجها من إبنه. 5ـ في إحدى المرات وجدوه يبكي فلما سألوه عن سبب بكائه قال: أنه تذكر وأد إبنته في الجاهلية ومدى تأثره وقسوة قلبه قبل الجاهلية "وكان يقول ف أحاديثه: عندما أتذكر أمران أبكي في الأول وأضحك في الثاني وهو أننا نصنع الأصنام من الحلوى وعندما كنا نجوع نأكله". إغتاله مولى فارسي إسمه فيروز النّهاوندي المعروف بأبي لؤلؤة، وهو في الصّلاة .

3ـ عُثمان بن عفّان (رض):

ولد في مكّة، قُريشي من بني أُمَيّة من تُجار مكّة المكرّمة، إعتنق الإسلام على يد أبي بكر الصّديق (رض)، وضِعَ إسمهُ للخلافة في شورى ستة أشخاصٍ وهم (عُثمان، علي، زُبير، طلحة بن عُبيد، سعد بن أبي وَقّاص، وعبد الرّحمن بن عوف)، وجاء الى الخلافةِ بعد عمرَ (رض) وعن توصيةٍ منهُ،، وهو لم يُرِدْ الخلافةَ ولكِنّ الوفود أصرّوا عليه بالخلافة، وتولّى الخلافةَ عام 644 ـ 656م. إستمرّت الفتوحاتُ في زمنهِ عن طريق بلاد الفارس توغّلوا الى بلاد التّرك ووصلوا الى أطراف القُسطنطينّة، وفتح أيضاً جزيرتي قبرص ورودوس والمغرب والجزائر وليبيا وأندلس وتونس ودول أفريقيا أخرى. وفي زمنه جُمع القرآن الكريم مرّة ثانية وكُتِبَ على الصّحف ووزّعهُ على الولاّة. وتبرّع في غزوة التّبوك بمالٍ عظيمٍ. ومن أبرز أخطاءهِ في السّياسة أنه إعتمد على بني أميّة ولم يعرفْ أنّ الحقد والخلاف لا يزال لم ينتهِ عند بني أمية ضدّ القريش، فعيّن أبناء بني أميّة على الولاّةِ، وأسرف الولاّة من بيت المال لبني أمية، كذلك نفوا الصّحابي أبي ذر الغفاري. وهناك رواية حول عزل عثمان عبدالله بن أبي سرح وتوليه محمد بن أبي بكر على مصر، وهنا حصل أمراً عندما كاتب عُثمان (رض) الأمر لمروان بن الحكم زوّر الكتابة وختم عثمان ويُريد فيه قتل حامله، وبعده كشف الأمر. ويُقال أنّ رأس الفتنة الكبرى كان عبد الله بن سبأ اليهودي اليمني، لإستخراج أزمة سياسية. وقُتل عُثمان (رض) وهو في بيتهِ يقرأ القرآن الكريم، ومن قبل أشخاص من القبائل المتفرّقة، حتى يصعب أخذ الثأر منهم. تزوّج من بنتي الرّسول (ص) رُقيّة, وأُم كلثوم لحبه الكثير لرسول الله ولعدم فقد صلة الرّحم بينهما، لذا لُقّب بذي النّورين، وهو من الحُفاظ الجيّدين للقرآن الكريم، ومن العشرة المبشّرة بالجنّة وكان الرّسولُ (ص) والملائكةُ يستحون منهُ .

4ـ علي بن أبي طالب (رض):

ولد في مكّة وهو إبن عم الرّسول (ص)، وصهرهِ لأنّه تزوّج من إبنتهِ فاطمة، ثاني الدّاخلين في الإسلام بعد خديجة، وأوّل الدّاخلين من الصّبيان. كنيتهُ أبو تُراب وأبا الحسنين، ولقبته والدته بالحيدر الكرار لأنه كان كالأسد في الشجاعة. كان عالماً وفقيهاً وأديباًً، وهو من أبطال المعارك الأولى التي خاضها في بدر وأحد وخيبر والخندق وحُنين. فهو رابع خُلفاء الرّاشدين، تولّى الخلافة من عام 656 إلى661م، وهو أيضاً لم يُرِد الخلافةَ مثل عُثمان (رض)، لأنّه سئِمَ من حال الفوضى والفتن، ولكِنّ الوفود من مصر والشام والعراق أصرّوا عليه بالخلافة. لقد وقعت في زمنه واقعتان: 1ـ واقعة الجمل، في البصرة وأنهاه بسُرعة وأُستشهد فيها بعض الصّحابة، والتي وقعت بينهُ وبين طلحة والزّبير وعائشة، أسّرها ثُم أطلق سَراحها. 2ـ واقعة الصِّفين، والتي وقعت بينهُ وبين معاويةَ، وإنتهى بالتّحكيم بعد الهُدنة. . وبتوصية من الرسول (ص) لقد بَرزَ في معرَكةِ الخَندقِ مع رئيسِ العدوِّ بالرّغم من كونهِ صغيرَ السِّنِ وقَتلهُ.
عندما هاجر رسول الله (ص) خلَّف علياً على فراشه وأمره برد الودائع ثم الهجرة إليه، وعندم دخل المشركون البيت حسبوا أنه الرسول وتركوه، ونزلت الأية (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ) الأنفال 30. نعم أعرف: لقد ذُكرَ في القرآنِ (ويُطعِمونَ الطّعامَ على حُبّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً) فيها إختلاف الرأي الإنسان 8. وقال (ص) فيه (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها)، قيل أنه حديث ضعيف.
وكان لهُ من فاطمة بنتان زينب وأم كلثوم وإبنانِ سيدا شباب أهل الجنّة: الحَسنُ وقد قُتل بالسّمِ، والحسينُ وقد أُستُشهِدَ في كربلاء. وولد له من زوجاته الأخرى أكثر من عشرين أولاد. وهو صاحب كتاب الدّيوان، ونَهجُ البَلاغةِ، وكذلك راوي لكثيرٍ من الأحاديثِ الشّريفةِ. أما عن وفاته لما كان يريد الصّلاة ثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع سيفه، فضربه عبد الرّحمن ابن ملجم بالسيف على رأسه وإغتاله.

5ـ عمر بن عبدالعزيز بن مروان (رض):

في كتب التاريخ نجد له صفة مميّزة، لأنه كان يقتدي طريق الرّسول والصّحابة الكرام، ووصفوه بالحاكم العادل المنصف أكثر من غيرهم، بالرّغم من أنه كان من المتأخرين في الحكم، ولهذا وصفوه بالخليفة الخامس. وهو ثامن الخليفة الأموي، وهو من أحفاد الخليفة عمر بن الخطّاب (رض)، إشتهر بتقواه وتمسكهِ بالسُنّة النّبوية، وهو صورة طيّبة للحاكم العادل، والخليفة الصّالح. وُلد عام 62هـ (641م). عاش النّاس في زمنه في خيرٍ وسلامٍ. وقد تولىّ الحكم سنة 99هـ (717م) الى سنة 101هـ (720م) بقي في الحكم مدة عامين وأشهر فقط . تولّى الولاية وعمره (25) سنة، وتولّى الخلافة وعمرهُ (37) سنة، وتوفي وعمره (39) سنة. قتلته زوجته وذلك بوضع السم له في الطعام. وكان صاحب علم وأدبٍ وتواضعٍ ، وكان لايعيش حياة الملوك، بل عاش كواحدٍ من الشّعب . ومما يدلّ على أدبه وتواضعهِ مع النّاس، وإليكم القصة: ذات ليلة كان الخليفة في مجلسهِ مع بعض النّاس، فجاء هواءٌ شديدٌ وإنطفأ المصباح، وكاد يقع، فقال أحدهم: يأمير المؤمنين، لقد أنطفأ المصباح، ونام الغلام الذي يُصلحهُ، فهل أُصلحه أنا؟ فقال عمر: ليس من الأدب أن يجلس صاحب البيت ويقوم الضّيف. ثم قام الخليفة، وأصلح المصباح بنفسهِ، فعاد النّور إلى المجلس، ثمّ رجع الخليفة إلى مكانهِ وقال (قُمتُ وأنا عُمرُ ورجعتُ وأنا عُمرُ). وفي زمنهِ لم يبق فقيراً في بلده، ويوم وزّع زكاة بيت المال للفقراء، جاء عامل البيت المال إليه، وقال لقد وزّعت الزّكاة، ولكن بقي المال كما هو، فأمره بتوزيعيه على الشّباب الذين يريدون الزّواج فوزّعه، ولكن المال كما هو، فأمره الخليفة على إعطائه للمَدينين لدفع ديونهم. لقد إنصرف الخليفة في خلافته إلى الإصلاح الدّاخلي والمالي، وأظهر تسامحاً مع العلويين والنّصارى والموالي.

بعض العلماء المسلمين في سطور:

1ـ الإمام الأعظم أبو حنيفة:

هو النّعمانُ بنُ ثابتٍ، ولد بالكوفة سنة 699م. كما نعلم أنّه ظهرت 73 فرقٍ أو مذاهبٍ بعد الخلفاء الرّاشدين، ومن أشهرهؤلاء، أئمةِ مذاهبِ الأربعةِ لأهل السّنةِ. وكان أعظم وأفقه هؤلاءِ أبي حنيفة وهو فقيهُ العراقِ وإمامها، وكان في أوّل أمرهِ تاجراً للملابس، وإشتغل بالتّدريس والفُتيا في الكوفة لّما أراد الله به الخير إتّجهت نفسه لتعلّم الحديث والفقه، وكان ممّن سلّم له دقة النّظر وأغوصُ الفكر، وصّحة الرأي، وقوّة الحجّة، إماماً في القياس والإستنباط، أدرك أنس بن مالك من الصّحابة. وروى عن كثير من جلّة التّابعين، من بينهم نافع مولى عبدالله بن عمر (رض). قال فيه الإمام الشّافعي رحمه الله: (النّاس عيال في الفقه على أبي حنيفة)، وقال فيه سفيان إبن عيينة: (ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة)، أسّس مذهبَهُ بالكوفةِ، وقد رسم أُصولَ منهجهِ في الفقه بالإعتمادِ على القرآن الكريم ثمّ السّنة النّبويّة ثمّ الإجماع ثمّ القياس وأخيراً الإستحسان. ومن أساتذتهِ حمّاد الأشعري وزيد بن علي ومحمد الباقر وجعفر الصّادق وعبدالله بن الحسن وجابر الجعفي وإبراهيم النّخعي والشّعبي، ولقد أخذ عنه الفقه خَلقٌ كثيرٌ، من بينهم أبو يوسف ومحمد وزُفر بن الهذيل وغيرهم رضي الله عنهم، وله من الكتب كتاب الفقه الأكبر، ورسالته إلى عُثمان البتّي، وكتاب العالم والمتعلّم وكتاب الرّد على القدريّة. إستدعاهُ الخليفة العباسي المنصور لتولي القضاء في بغداد فرفض فأمره بهِ إلى السّجن فكان يُساط كلّ يومٍ حتى توفي سنة 767م وله من العُمر سبعون سنة.

2ـ الإمام الغزالي:

أبو حامد محمد الغزالي وُلِدَ بخُرسَان في قصبةِ طوس عام 1056م وتوفي عام1111م، متكلّم وفقيه وصوفي لُقّب بحجة الإسلام، نشأ أولاً نشأةً صوفيّةً ثمّ إنصرفَ إلى دراسةِ الفقهِ والكَلامِ والفَلسفةِ. درّسَ في المدرسة النّظاميّة ببغداد ثمّ إنقطع عن التّدريس إلى الزّهد والعبادة وقصد الحقّ، وبعد عشْرِ سنواتٍ تجوّل فيها بين دمشق وبيت المقدس والقاهرة ومكّة وبلاد المغرب ثمّ عاد إلى نيسابور ومنها إلى طوس وإتّخذ خانقاه للصوفيّة ومدرسة للمشتغلين بالعلم حيث توفي هناك. له كتب كثيرة منها كتاب الوسيط والبسيط والوجيز والخلاصة في الفقه، ومنها إحياء علوم الدّين وهو من أحسن مؤلّفاتهِ والمنقذ من الضّلال ومشكاة الأنوار وكتاب المستصفي في أصول الفقه، وله كتاب المنخول والمنتخل في علم الجدل، وله تهافت الفلاسفة في الفلسفة، ومحك النّظر في المنطق وغير ذلك.

3ـ إبنُ سينا:

ولد في مدينة بُخارى سنة 980م وعاش فيها بدايةَ حياتهِ، وكانتْ في ذلك الوقتِ مُلتقى العُلماءِ والأُدباءِ كما كانتْ تضمُّ عدداً من المكتباتِ الكبيرةِ. وعيَّنَ له والدُهُ عدداً من الأساتذةِ . وقد حفظ القرآن، ودرسَ عُلوم اللّغةِ والأدبِ وهوَ دون العاشرةِ من عُمرِهِ. مالَ إبنُ سينا إلى دراسةِ كُتُبِ اليونانِ على إختلافِ أنواعها، وقد برعَ في علم الطّبِ وهو لايزالُ صغيراً، وقد بدأ كِبارُ الأطباءِ يدرسونَ عليه ذلك العلم، وكذلك إشتغلَ في الرّياضيّاتِ والفلك وعلم الطّبيعة والفلسفة والموسيقى والمنطق وقد كانت له مؤلفاتٌ قيّمةٌ في هذهِ العلومِ، ممّا يدلُّ على عبقريّتهِ، وقد تُرجمت مؤلفاته إلى اللّغة الّلاتينيّة وخاصّة كتابهُ (القانون في الطّب) وقد ألّفه وهو في الثّانية والعشرينَ من عُمرهِ، وكان مَرجِعاً هامّاً، وتُرجِمَ إلى عشراتٍ من اللّغةِ الأجنبيّةِ، وظلّ يُدرَّسُ في جامعاتِ أوروبا حتى نهاية القرن الخامسَ عشرَ. ويقول عنه بعضُ فلاسفةِ الغربِ إنّه أرسطو الإسلام وأبُقراطُهُ، وقد بلغَ عددُ مؤلّفاتهِ حوالي 276 كتاباً وبحثاً، ومن أهم مؤلّفاته في الفلسفة كتابُ (الشِّفاء) وهو في ثمانيةَ عشَرَ مجلّداً وكتاب (الإشارات والتّنبيهات) في المنطقِ وغيرها. وقد توفي إبن سيناء عام 1037م.

4ـ الإمام البخاري:

مولده ونشأته :
ولد المحدّث والحافظ والفقيه والمؤرّخ الإسلامي الإمام "محمد بن إسماعيل البخاري" في مدينة "بخارى" بعد صلاة الجمعة في (13 من شوال 194هـ/ 4 من أغسطس 810م) وهو من أصل تركماني، وكانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء، وقد عاش في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال؛ فكان أبوه عالمًا محدِّثًا، عُرِف بين الناس بحسن الخلق وسعة العلم، وكانت أمه امرأة صالحة، لا تقل ورعًا وصلاحًا عن أبيه، وأول من أسلم من أجداده هو "المغيرة بن برد زبة"، وكان إسلامه على يد "اليمان الجعفي" والي بخارى وأصبح "الجعفي" نسبًا له ولأسرته من بعده. نشأ البخاري يتيمًا؛ فقد تُوفِّيَ أبوه مبكرًا، فلم يهنأ بمولوده الصغير، لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم، تدفعه إلى العلم وتحببه فيه، وتزين له الطاعات؛ فشب مستقيم النفس، عفَّ اللسان، كريم الخلق، مقبلا على الطاعة، وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات المحدثين.
وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث، ووجد حلاوته في قلبه؛ فأقبل عليه محبًا، حتى إنه ليقول عن هذه الفترة: "ألهمت حفظ الحديث وكانت حافظته قوية، وذاكرته لاقطة لا تُضيّع شيئًا مما يُسمع أو يُقرأ، وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين. وقد رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار فزار خُرسان والعِراق والحِجاز ومصر والشّام.

شيوخه :
ولذلك لم يكن غريبًا أن يزيد عدد شيوخه عن ألف شيخ من الثقات الأعلام، ويعبر البخاري عن ذلك بقوله: "كتبت عن ألف ثقة من العلماء وزيادة، وليس عندي حديث لا أذكر إسناده". ويحدد عدد شيوخه فيقول: "كتبت عن ألف وثمانين نفسًا ليس فيهم إلا صاحب حديث". ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ، بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، ومن شيوخه المعروفين الذين روى عنهم: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حاتم الرازي.

مؤلفاته :
تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها:
1ـ الجامع الصحيح : المسند من حديث رسول الله (ص) وسننه وأيامه.
2ـ الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة.
3ـ التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).
4ـ التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (ص) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ / 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ / 1907م).
5ـ خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة (1306هـ / 1888م).
6ـ رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ / 1840م) مع ترجمة له بالأوردية.
7ـ الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ / 1941م).
8ـ وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير.
9ـ المسند الكبير .
10ـ الصّحيح البخاري :
هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله (ص)؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح". وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع. وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن. وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.

وفاة البخاري :
شهد العلماء والمعاصرون للبخاري بالسبق في الحديث، ولقّبوه بأمير المؤمنين في الحديث، وهي أعظم درجة ينالها عالم في الحديث النبوي، وأثنوا عليه ثناءً عاطرًا..
فيقول عنه ابن خزيمة: "ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري".
وقال قتيبة بن سعيد: "جالست الفقهاء والعباد والزهاد؛ فما رأيت -منذ عقلت- مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة".
وقبَّله تلميذه النجيب مسلم بن حجّاج ـ صاحب صحيح مسلم ـ بين عينيه، وقال له: "دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسيد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله".
وعلى الرغم من مكانة البخاري وعِظَم قدره في الحديث فإن ذلك لم يشفع له عند والي بخارى؛ فأساء إليه، ونفاه إلى "خرتنك"؛ فظل بها صابرًا على البلاء، بعيدًا عن وطنه، حتى لقي الله في (30 رمضان 256هـ = 31 أغسطس 869م)، ليلة عيد الفطر المبارك.

وشخصيات وقادة إسلامية كثيرة منها:

عبد الرحمن بن عوف ـ طلحة بن عبيد الله ـ الزبير بن عوام ـ سعد بن أبي وقاص ـ سعيد بن زيد ـ أبو عُبيدة الجراح. وكذلك خالد بن الوليد ـ أبو عبيدة الجراح ـ عُمرو بن العاص ـ سعد بن أبي وقاص ـ وحمزة بن عبد المطلب ـ سالم مولى أبي حُذيفة ـ زيد بن حارثة ـ أسامة بن زيد ـ بلال الحبشي ـ سلمان الفارسي ـ صهيب الرّومي ـ أبو ذر الغفاري ـ المقداد ـ أبو الدّرداء ـ عمّار بن ياسر ـ معاذ بن جبل ـ أُبي بن كعب ـ صلاح الدّين الأيوبي ـ نور الدّين الزنكني ـ الغازي عثمان آلطغرل ـ الغازي أورخان آلطغرل ـ مراد الأول ـ محمد الفاتح ـ سليمان القانوني ـ عبد الحميد الثاني ـ الشّيخ شامل القفاسي ـ عمر المختار الليبي ـ الشّيخ محمود الحفيد في شمال العراق. وشخصيات إسلامية كثيرة لاتحصى ولا تعد.