المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاصلاح والغرب : تجارب من التاريخ العربي الجديث



ابراهيم خليل العلاف
14/04/2009, 05:39 PM
الإصلاح والغرب.. تجارب من التاريخ العربي الحديث

أ.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل
ليست دعوات الإصلاح والتغيير التي تنطلق اليوم من الغرب ممثلا بالولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوربي، بجديدة على المنطقة العربية.. إن كان ذلك على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الشعبي.. ومما يؤسف له ان النتائج التي تمخضت عن الأخذ بأساليب التغيير والإصلاح الغربية، كانت وبيلة؛ إذ أسهمت في أمرين اثنين مهمين: أولهما وقوع حالات من التفكك السياسي، والانحطاط الاجتماعي، والتخلف الاقتصادي. وثانيهما نجاح الغرب في الوصول إلى المنطقة والتحكم في مقدراتها. ولنبدأ أولا بما يعرف في التاريخ الحديث، بحركة الإصلاحات والتنظيمات (العثمانية) فنقول، أن تلك الحركات، بقدر ما كانت استجابة لدعوات الإصلاح الأوربية، فإنها استهدفت الإجابة على سؤال جوهري وهو لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟.
لقد شهدت الدولة العثمانية، والولايات العربية ومنها، ولايات العراق الثلاث: بغداد، والبصرة والموصل ضمنها منذ منتصف القرن الثامن عشر، محاولات عديدة لإصلاح نظمها ومؤسساتها الإدارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وجاء ذلك بعد أن أدرك المسؤولون العثمانيون، ان نظم الحكم العثمانية، ومؤسساتها العسكرية، وهياكلها الاقتصادية، أصبحت غير قادرة على استيعاب التطورات الحديثة التي شملت مجالات الحياة المختلفة في أوربا وظهر ذلك واضحاً في سلسلة الهزائم العسكرية التي منيت الدولة العثمانية نتيجة تمسكها بتقاليدها القديمة وتكتيكها الحربي القديم، فاضطرت إزاء ذلك إلى التوقيع على معاهدات مهينة. والذي يهمنا هنا الإشارة إلى ان دعاة الإصلاح في الدولة العثمانية انقسموا إلى فريقين، ذهب كل منهما مذهبه في سبل الإصلاح، فالفريق الأول كان يرى ان العلاج يكمن في تطبيق الأنظمة الإسلامية والتقاليد العثمانية الأصلية. أما الفريق الثاني، فقد ارتأى ان الإصلاح في الدولة العثمانية يستلزم "اقتباس النظم الأوربية واستلهامها". ولقد أدرك هؤلاء ان القوة الأوربية لا تقاوم بالارتداد إلى الإسلام الأول، أو الاعتصام بالأساليب العثمانية الأولى، بل السير في الطريق الذي أوصل أوربا من الضعف إلى القوة ومن الهزيمة إلى النصر. ويظهر ان نجاح الأقطار الأوربية آنذاك في الامور العسكرية وفي تطوير أنظمتها الاقتصادية واندفاعها في سبيل النهضة الشاملة بسرعة متزايدة رجح كفة الفريق الثاني. وعليه فقد صارت حركة الإصلاح تستهدف تطبيق القوانين والأنظمة الأوربية مع عدم التفريط بأحكام الشريعة الإسلامية. ويمكن هنا التذكير ببيانين مهمين نظما الحياة العثمانية منذ أواخر القرن التاسع عشر هما مرسوم خط شريف كلخانة 1839 ومرسوم خط شريف همايون1856 ومع ان صدور هذين المرسوم استهدف الحيلولة دون تدخل الدول الأوربية في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية بدعوى حماية الأقليات المسيحية وغير المسيحية بعد تأكيد مبدأ المساواة والحرية الا ان المرسومين بعد تبني سلسلة من الإجراءات والتشريعات والقوانين الأوربية الحديثة فتحا الباب للتغلغل الأوربي وبكافة أشكاله، ومنها بالطبع تغلغل الإرساليات التبشيرية والهيئات الدبلوماسية والقنصلية إلى معظم مدن الدولة العثمانية ومما ساعد على ذلك ان الطبقة البرجوازية العثمانية الناشئة في استانبول والمدن الكبرى أخذت بالظهور بعد التطور الاقتصادي وازدياد الاستثمارات المالية الأجنبية وتأسيس البنوك والمؤسسات المالية، ولم تكتف هذه الطبقة بالنجاح الاقتصادي الذي حققته على صعيد الاستيراد والتصدير، وإنما راحت تساند أي اتجاه إصلاحي يسير نحو التخلص من الأوضاع الإقطاعية المختلفة السائدة في الدولة العثمانية ودعمها في هذا التوجه نخبة من المثقفين أو ما يسمى بالانتلجنسنيا.
دخلت المدرسة الحديثة، ودخل القانون الحديث ودخلت الطباعة وظهرت الصحافة وتأسست المستشفيات الحديثة، وتراجع دور علماء الدين وبدأ المثقفون الذين تمثلوا بالأفندية والضباط والمعلمين والمحامين والمصرفيين يمارسون نشاطهم، فتأسس الحزب الحديث ليحل محل التجمعات الطائفية والعرقية والمذهبية والعشائرية ودعمت ثورة 1908 الدستورية كل الدعوات إلى الحرية والسيادة والعدالة والمساواة وكان محمد علي باشا في مصر (1805 – 1849) ومدحت باشا في العراق (1869 – 1872) ثم في سوريا وغيرهما في الولايات العثمانية يرفعون شعارات التحديث والإصلاح، وظهر تأثير حركة الإصلاح العثمانية واضحاً في الأقطار العربية.. في مصر وبلاد الشام والحجاز واليمن وتونس وكل المنطقة العربية وطبق نظام الولايات وتوسعت رقعة المواصلات وتأسست المكتبات والمدارس العالية وحُّدثت نظم التعليم وحلت مشكلة توطين العشائر.. وتأسست أنظمة جديدة للضرائب والأوقاف والزراعة والصناعة والتجارة وسرعان ما تحولت بعض المناطق في الولايات العربية إلى ساحة للصراعات والتنافسات الأوربية ويعد العراق والخليج العربي مثالاً بارزا على ذلك.
ومع حركة الإصلاح هذه ذات الطابع الرسمي، شهد الوطن العربي حركات تجديدية ذوات طابع ديني، وقد تجاوزت بعض تلك الحركات اسلوب الدعوة المحض إلى الإصلاح لتتبنى شكل الثورة المسلحة ضد النظم الحاكمة المتهرئة وضد التغلغل الاستعماري الأوربي في الولايات العربية، ومن ابرز تلك الحركات الوهابية والسنوسية والمهدية.. كما ظهر مفكرون ورجال نهضة عرب اخذوا على عاتقهم الدعوة إلى الإصلاح والتغيير ومما ساعدهم على ذلك تنامي الوعي القومي الذي اسهموا في خلقه، وسبقت الوعي القومي هذا نهضة فكرية بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر، وشملت مختلف جوانب الحياة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد ذهب مؤرخو عصر النهضة العربية الحديثة مذاهب شتى في عرض الاتجاهات الفكرية التي شهدتها المنطقة العربية ولكنها لاتخرج برأينا عن الاتجاهات الدينية والقومية والاشتراكية والليبرالية.. وكان لكل توجه ممثلين بارزين معروفين اثارت سيرهم الذاتية الكثير من الاهتمام والجدل ليس هنا محل مناقشته، لكن مما يمكن الوقوف عليه ونحن ننتهي من هذا التلخيص ان الغرب بقدر ماكان يدعو إلى الإصلاح والتغيير ويساند حركاته، لكنه قام، بسبب أطماعه في المنطقة العربية، بعرقلة هذا الإصلاح والتغيير بل وبتشويه صورته، وكلنا يعلم ماذا حل بتجربة محمد علي باشا في مصر وكيف ان الغرب حجّم هذه التجربة ووضعها في غير سياقها التقليدي بالانسياح نحو الأرض العربية المجاورة لمصر عندما كبل مصر بمعاهدة لندن 1840 ثم الإقدام على احتلالها سنة 1882.. كما ان تجربة الإصلاح والتحديث العراقية في عهد مدحت باشا انتهت بالاحتلال البريطاني للعراق أبان الحرب العالمية الأولى، وهكذا فان الدرس التاريخي الذي ينبغي ان نعيه ونحن نواجه دعوات الإصلاح الجديدة الصادرة من الغرب، هو ان الإصلاح والتغيير لابد وان يكون محلياً، والدوافع اليه لابد وان تكون نابعة من ارض المنطقة ومياهها وقيمها ومبادئها فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وكما قال احد المسؤولين العرب، لنحلق رؤوسنا قبل ان يحلقها لنا الآخرون..

عبدالله سويدان العكله
28/05/2009, 11:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

نعم أستاذنا فالأصلاح مطلوب في كل مكان وزمان, واوافقك الرأي بأن الاصلاح القادم من الغرب لن يفيدنا, فهدفه السيطرة على مقدراتنا.