المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الأقليات العرقية في العلاقات الدولية



أمل عبدالحميد علي
15/04/2009, 09:07 AM
دور الأقليات العرقية في العلاقات الدولية

تعريف الجماعة العرقية :الجماعة العرقية هي تجمع بشري يرتبط أفراده فيما بينهم من خلال روابط فيزيقية أو بيولوجية (كوحدة الأصل أو السلالة ) أو ثقافية (وحدة اللغة أو الدين أو الثقافة) ويعيش هذا التجمع في ظل مجتمع سياسي أرحب ، مشكلا لإطار ثقافي حضاري مغاير للإطار الثقافي الحضاري لباقي المجتمع ، ويكون أفراد هذا التجمع مدركين لتمايز مقومات هويتهم وذاتيتهم ، عاملين دوما من اجل الحفاظ علي هذه المقومات في مواجهة عوامل الضعف والتحلل.
مقومات الذاتية العرقية:
مقومات الذاتية العرقية لا تقتصر علي المقومات الفيزيقية أو البيولوجية (كوحدة السلالة أو السمات الفيزيقية المشتركة) وإنما تتضمن مقومات ثقافية كوحدة الدين أو اللغة أو الثقافة.
الأقلية:
الأقلية هي الجماعة أو الجماعات العرقية ذات الكم البشري الأقل في مجتمعها ، والتي تتمايز عن غيرها من السكان من حيث السلالة أو السمات الفيزيقية أو اللغة أو الدين أو الثقافة ، ويكون أفرادها مدركين لمقومات ذاتيتهم وتمايزهم ، ساعين علي الدوام إلي الحفاظ عليها، وغالبا ما تكون هذه الجماعات في وضع غير مسيطر في ذلك المجتمع ، كما يعاني كثير منها من التمييز أو الاضطهاد أو الاستبعاد في شتي قطاعات المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية .إذن فإن كل أقلية هي جماعة عرقية في حين إن كل جماعة عرقية ليست بالضرورة أقلية .
إن الجماعات العرقية قد تكون جماعات سلالية أو لغوية أو دينية وأن كانت أغلب الجماعات العرقية لا تقتصر الرابطة بين أفرادها علي مقوم واحد، إذ غالبا ما تكون الجماعة العرقية جماعة سلالية ولغوية ودينية . من جانب آخر فإن أغلب
مفاهيم
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين
والعرقية تختلف عن الإثنية في أنها قائمة على الأصل السلالي أو العرقي المشترك، فهي تعبر عن شعب أو قبيلة بغض النظر عن الثقافة والمعتقدات.
والأمة ظاهرة اجتماعية تعبر عن جماعة تشترك في سمات جامعة كالدين والعرق واللغة والتاريخ والثقافة سواء كانت في إقليم واحد أو عدة أقاليم، ومفهوم الأمة هو الأكثر قربا وتشابها مع مفهوم الإثنية.
والقومية تعبر عن جماعة قائمة على المكان، ومن معانيها أنها حركة سياسية تستهدف قيام كيان سياسي (دولة) فالقومية حركة سياسية والأمة كيان اجتماعي.
تصنيف وتحليل
تصنف الجماعات الإثنية من عدة زوايا كالسلالة أو العنصر أو اللغة والثقافة، أو الدين والطائفة، وتصنف أيضا وفقا لغاياتها: الاندماجية والانفصالية والاستعلائية كالصهيونية والنازية.
فالإثنية ظاهرة معقدة ومركبة وقديمة يتطلب تحليلها والسعي في فهمها ضرورة الإحاطة بالأبعاد المادية والنفسية والاجتماعية التي تمثل البيئة الخاصة بالظاهرة والتي تمنح كل جماعة طابعها المميز ودوافع قيام الجماعة الإثنية وتبلورها.
المطالب الإثنية
تطرح الجماعات الإثنية مطالب خاصة بأبنائها تتعلق بالنظام السياسي الذي تعيش في ظله والمجتمع الذي تنتمي إليه، ومن هذه المطالب تأكيد هويتها واحترامها بتمثيلها في النظام السياسي أو منحها وضعا خاصا في البلاد. وكلما تباينت قيم الجماعة الإثنية وهويتها وتمثيلها في المجتمع تزداد نزعتها إلى التمرد والانفصال. وعادة ما تكون اللغة والدين والعادات والتقاليد أكثر الموضوعات حضورا في المطالب الإثنية وقد تمتد إلى النشيد الوطني للدولة وأسماء المدن والرموز المختلفة في الدولة.
يستخدم الدين للتعبئة والحشد لصالح أو ضد النظام السياسي، وتنادي الجماعات ذات الأغلبية باعتبار دينها هو الدين الرسمي، والإثنية الأقل تطالب عادة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة كما في السودان ونيجيريا.
اللغة
تعتبر مكانة اللغة في النظام السياسي إحدى أدوات الهيمنة والسيادة، والمطالبة بوضع رسمي للغة ما في البلاد مطالبة باعتراف رسمي بأن الجماعة المتحدثة بتلك اللغة ذات شرعية أكبر، وقد تكون المطالب بأولوية لغة أو بالتعددية اللغوية إذا كانت الجماعة الإثنية أقلية. وللغة دور في الحراك الاجتماعي الطبقي والكفاءة الإدارية وشغل المناصب وعلاقات الدولة الخارجية. ومن أمثلة المطالب اللغوية مطالب الأمازيغ في الجزائر بتدريس لغتهم في الجامعات واعتبارها لغة رسمية ثانية، ورفض التعريب في جنوب السودان، والاعتراف باللغات الأفريقية في جنوب أفريقيا بعد انتهاء الحقبة العنصرية.
الدين
يستخدم الدين للتعبئة والحشد لصالح أو ضد النظام السياسي، وتنادي الجماعات ذات الأغلبية باعتبار دينها هو الدين الرسمي، والإثنية الأقل تطالب عادة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة كما في السودان ونيجيريا.
العادات والتقاليد
تطالب الجماعات الإثنية باحترام عاداتها والسماح لأبنائها بممارسة هذه العادات، مثل مطالب السيخ البريطانيين والنساء المسلمات البريطانيات الذين يخدمون في الجيش والأمن بارتداء لباسهم حسب التعاليم الدينية أو العادات والتقاليد.
المطالب السياسية
الانفصال: تكون مطالب الجماعات الإثنية المتعلقة بالنظام السياسي بالانفصال لإقامة كيان سياسي جديد مستقل مثل تيمور الشرقية التي انفصلت عن إندونيسيا، وبعض الأكراد في العراق وتركيا، وجزيرة أنجوان في جزر القمر، وإقليم الباسك في إسبانيا، أو الانفصال للانضمام إلى كيان سياسي آخر مثل إقليم أوغادين الذي يطالب بالانفصال والانضمام إلى الصومال، وكشمير التي تطالب بالانفصال عن الهند والانضمام إلى باكستان (على اختلاف بين الجماعات الكشميرية).
الاستقلال الإداري: في بعض الحالات لا تطالب الإثنيات بالانفصال ولكن بالاعتراف بخصوصية هذه الجماعة كأن تحصل على استقلال إداري أو حكم ذاتي ضمن فدرالية أو مخصصات لأجل الحصول على مخصصات مالية أو الاعتراف بقيمة الجماعة وتميزها في المجتمع. ومن الأمثلة في هذا المجال نيجيريا وبعض أكراد العراق الذين لا يطالبون بالانفصال عن العراق وإنما باستقلال إداري ضمن الدولة العراقية.
المناصب العامة: تتنافس الجماعات الإثنية عادة من أجل السيطرة على جهاز الخدمة المدنية والوظائف الرئيسية في الدولة، ومن أمثلة ذلك مطالبة جماعة الكيوري في موريتانيا والإيبو في نيجيريا واللوزي في زامبيا والهوتو في بوروندي والبربر في المغرب والجزائر، والأورومو والسيدامو والصوماليين في إثيوبيا، والبيض في زيمبابوي الذين نص الدستور على تخصيص 20% من مقاعد البرلمان و25% من مقاعد مجلس الشيوخ لهم برغم أن نسبتهم لا تتجاوز 5% من السكان.
مسألة الأرض: يملك البيض في زيمبابوي نصف أراضي البلاد وهي معظم الأراضي المروية أو التي تحوي على مناجم للمعادن، وتحاول الأغلبية إعادة توزيع الأراضي على نحو أكثر عدالة، لذا قامت مجموعات من المواطنين الأصليين بالاستيلاء على أراض وممتلكات بالقوة. والوضع نفسه ينطبق على كينيا وجنوب أفريقيا، حيث تملك الأقلية البيضاء مساحات شاسعة من الأراضي تفوق كثيرا نسبتها العددية.
مبررات المطالب الإثنية
تقدم الجماعات الإثنية عادة مبررات تاريخية أو إدارية لمطالبها كأن تكون أكثر تعليما وكفاءة وخبرة.. وتستند المطالبة التاريخية إلى حيازة الأرض أو الإقليم قبل التحولات السياسية التي خلقت الواقع الجديد كالاستعمار الذي غير كثيرا أوضاع الإثنيات، وفي مرحلة ما بعد الاستعمار أيضا تعقدت المطالب الإثنية مثل المجموعات التي كان لها دور نضالي في التحرر والاستقلال.
وثمة مبررات متعلقة بالجدارة والكفاءة، فثمة مجموعات تطالب بإتاحة الفرصة لتتمكن من تحقيق توازن في الفرص والموارد مع جماعات أخرى مثل الجنوبيين في السودان، وتطالب جماعات أخرى بأفضلية لأنها تمتلك خبرات تؤهلها أو أنها تطالب بالمساواة وترك المسائل للجدارة والكفاءة لشغل المناصب والاستفادة من الفرص.
فاعلية المطالب الإثنية
تعود فاعلية المطالب الإثنية إلى الجماعة نفسها وإلى النظام السياسي، فمن العوامل المتعلقة بالجماعة الإثنية: طبيعة هيكل المجتمعات الإثنية وحجم الجماعة ومدى تماسكها والتركز الإقليمي وطبيعة الإقليم ودور النخبة السياسية للجماعة الإثنية في تعبئة مطالبها وطرحها والدفاع عنها.
ومن العوامل المتعلقة بالنظام السياسي ومؤسساته وسياساته: درجة التوافق القائم في المجتمع بشأن قواعد اللعبة السياسية، والعلاقة بين المؤسسات والقوى الاجتماعية، والإجراءات المتبعة للحفاظ على النظام وحل الخلافات واختيار القادة.
إن تجاهل النظام السياسي لمطالب جماعة إثنية معينة أو عدم اعترافه بها أو عجز مؤسسات النظام عن استيعاب المطالب المتصاعدة بالمشاركة السياسية، يؤدي في معظم الأحوال إلى تشدد الجماعات المستبعدة ولجوئها إلى وسائل غير مشروعة للحصول على مطالبها.
المطالب والجماعة والإقليم
ثمة أربع أنماط ممكنة وهي:
جماعة متخلفة في إقليم فقير: وتطالب عادة بتوزيع نسبي لوظائف الخدمة المدنية والنفقات العامة، وقد يؤدي تجاهل مطالبها أو رفضها إلى المطالبة بالانفصال رغم التكلفة الاقتصادية المترتبة على ذلك، وغالبا ما تكون هذه المطالب في مرحلة مبكرة ومتكررة. ومن أمثلة هذه الحالة مملكة التورو في أوغندا، وأوغادين وأورومو في إثيوبيا، والهوسا في نيجيريا.
جماعة متقدمة في إقليم فقير: وتطالب بعدم التمييز وعدم التوزيع النسبي أو حجز الفرص والحصص وأن يترك اختيار الوظائف والتسهيلات حسب الكفاءة وعلى أساس المساواة، وتعاني عادة من عنف يستهدفها من الجماعات الأخرى، وتطالب بالانفصال في حال مواجهة أعباء البقاء في إطار الوحدة أو في حال تعاظم فوائد الانفصال، وتكون مطالبها عادة في مرحلة متأخرة. ومن أمثلة هذه الحالة جماعات السكان الأصليين في القارة الأمير كية وأستراليا، والسكان الأصليون في إقليم كاتنغا بالكونغو.
جماعة متقدمة في إقليم غني: تطالب عادة بعدم التمييز في الإنفاق وتوزيع الفرص، وتعاني من تمييز وعنف، ويندر أن تطالب بالانفصال، وقد تطالب به إذا كان ذلك لا يكلفها كثيرا، ومن أمثلة هذه الحالة جماعة اللوزي في زامبيا، وجماعة الإيبو في نيجيريا، والبالويا في الكونغو.
جماعات متخلفة في إقليم غني: تطالب بنسبة في الوظائف والإنفاق وتعاني من تجاهل مطالبها ورفضها واستبعاد من المناصب وقد يكون الاستبعاد مرده إلى أسباب موضوعية، وتطالب عادة بالانفصال بغض النظر عن الفوائد والخسائر المترتبة على ذلك، ومن أمثلة هذه الحالة جماعة اليوروبا في نيجيريا، والباغاندا في أوغندا، والكيكويو في كينيا.
إدارة التعددات الإثنية:يقصد بالإستراتيجيات الفلسفات العامة الظاهرة والمستترة التي تتبعها النظم في التعامل مع الجماعات الإثنية ومطالبها. وأهم هذه الإستراتيجيات: الاستيعاب والدمج، واقتسام السلطة، والاستئصال والترحيل.
تقوم عمليات الاستيعاب والدمج على عمليات ثقافية بتكوين ثقافة موحدة وأنظمة تعليم ومناهج وأساليب تربوية موحدة، وعمليات استيعاب مادية بصهر الجماعات ببعضها إما بإلحاقها بهوية الجماعة الرئيسية أو بتكوين هوية جديدة. كما تقوم على عمليات استيعاب مؤسسي بإنشاء مؤسسات يشارك فيها جميع الأفراد من مختلف الجماعات على أسس غير إثنية.
وأما إستراتيجية اقتسام السلطة فتقوم على ائتلاف حاكم ذي قاعدة عريضة تحتوي داخلها الجماعات الإثنية في المجتمع، وقد تم تطوير هذا النظام بين الكاثوليك والبروتستانت في هولندا، وكذلك الأمر في سويسرا.
وتقم إستراتيجية القسر على الهيمنة وهي الأكثر شيوعا، وتمارسها الإثنيات الكبرى والأقليات الحاكمة. وقد تقوم الأنظمة السياسية بعمليات تطهير عرقي واستئصال وترحيل جبري، كما جرى بين اليونان وتركيا وبين موريتانيا والسنغال، وترحيل جماعات التوتسي في رواندا إلى الدول المجاورة، ثم حدث العكس عندما سيطر الهوتو.
المؤسسات:
تمثل المؤسسات أهمية خاصة في عملية إدارة التعددية الإثنية، وهي مؤسسات حكومية وأخرى غير حكومية. وفي المؤسسات الحكومية تأتي المؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية والقيادية والمؤسسة العسكرية. وفي المؤسسات غير الحكومية تأتي الأحزاب وجماعات المصالح.
وقد يؤدي الفساد السياسي إلى تأجيج الصراعات الإثنية واستخدامها لأغراض منفعية ومصالح شخصية، وتؤدي عمليات النهب والترهل إلى زيادة التوتر الاجتماعي والتمرد وتأخير الاندماج الوطني.
السياسات:تعد السياسات أدوات النظام في الاستجابة لمطالب الجماعات وترجمتها. ومن أهم السياسات المتبعة في إدارة التعددية الإثنية:
السياسات الاستخراجية والتوزيعية، وسياسة إعادة التوزيع، وسياسة الضبط وإعادة التنظيم، والسياسات الرمزية. وتقوم السياسة الاستخراجية على حشد وتعبئة الموارد المادية والبشرية وتوزيع الموارد القائمة بصيغة جديدة يرى النظام أنها أكثر حفظا لأمنه واستقراره، وتقوم سياسة الضبط على ممارسة الضبط ومراقبة سلوك الأفراد والجماعات داخل المجتمع. وتستخدم السياسات الرمزية لدعم الشعور بالمواطنة والولاء للنظام وأهدافه.
أسباب قيام الإثنيات :
1/الأسباب السياسية الدولية: فقد تمثلت في الصراعات التنافسية العسكرية بين الدول القومية الحديثة التي أسفرت عن كل من زيادة الطلب على توسيع الثروات، ومن ثم زيادة الطلب على النماء الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى بلورة سياسات تهدف إلى تيسير سبل الاتصالات والتعليم واللغة المشتركة بين الشعوب المختلفة، مما أوجد اختراقا لتلك الشعوب، ومن ثم شكل خطرا على هويتها وثقافاتها التي ترتكز أساسا على اللغة، وكانت النتيجة الطبيعية والمنطقية هي استنفار تلك الشعوب نحو إبراز خصوصيتها، والتأكيد عليها، فوجدت في القومية الإثنية الملاذ والملجأ.
2/الأسباب الاقتصادية :تتمثل في هيمنة جنسيات معينة على الاقتصاد، مما أدى إلى تذمر وتضايق الجنسيات "الدنيا"، والتي كانت تحرم من ذلك، ففي عصور الإمبراطوريات – التي سادت أوروبا حتى الحرب العالمية الأولى – كان البولنديون والأوكرانيون والسلوفاكيون يشكلون الجنسيات "الدنيا" التي لم يكن لها مكانٌ إلا في الحقل، بينما كان الأرمن والألمان واليونانيون واليهود يشكلون الجنسيات "العليا" التي تمسك بالاقتصاد، وكذلك بالحكم، وكانت النتيجة الطبيعية والمنطقية هي تطلع تلك الجنسيات "الدنيا" نحو تجمعهم في دول قومية إثنية تمثلهم، حيث يصيرون فيها هم الحكام والتجار.
3/الأسباب الاجتماعية الإنسانية: تركزت في غياب الروابط التقليدية المجتمعية، والذي أدى إلى طرح القومية الإثنية كحل أمثل لتعويض مثل هذا الغياب، حيث ساهم صعود الدولة القومية الحديثة في إضعاف وتغييب الروابط التقليدية التي تربط بين الفرد وبين الوحدات الاجتماعية التي تتمثل في: الأسرة والقبيلة والعشيرة والكنيسة، مما أوجد "فراغا عاطفيا"، تم ملؤه بأشكال جديدة من الهوية، كانت الخطوط الإثنية من أهمها.
تعتبر القومية الإثنية مطلبا للطبيعة الإنسانية، قد تم تأجيجها واستنفارها من قبل الدولة القومية الحديثة، وهي في النهاية سلاح ذو حدين، فهي تمثل مصدرا للتماسك والتوحد، كما تمثل أيضا مصدرا للعداء والتشرذم.
وقد أسهمت "العولمة الاقتصادية" في زيادة الآثار السلبية لهذا المد القومي الإثني، حيث تلقي بثمارها لجماعات إثنية بعينها، وهي الجماعات الإثنية المفضلة دوما تاريخيا وثقافيا، مما "يوغر" قلوب الجماعات الإثنية الأخرى؛ ما سيفضي إلى إشعال صراعات إثنية طاحنة.
القومية الإثنية كانت سببا مباشرا للصراع والانقسام والتشرذم، فإنه مقتنع أيضا بأنها كانت سببا للاستقرار والتماسك في الداخل الأوروبي، بل يذهب بفرضيته إلى أن انسجام الدول الأوروبية فيما بينها بعد الحرب العالمية الثانية، إنما يعود إلى نجاح القومية الإثنية، وأن الديمقراطية الليبرالية لم تكن لتتحقق في أوروبا إلا بالقومية الإثنية.
قضايا اللاجئين التي تعتبر أبرز وأخطر نتيجة لعمليات التطهير الإثني والعرقي، إلا أنه يؤيد عدم عودة اللاجئين إلى بلادهم - بعد وقف إطلاق النار- على اعتبار أن عودتهم ستؤدي إلى مزيد من العنف المتتالي الذي لا ينتهي، فالحل الواقعي، من وجهة نظره، يكمن في التقسيم بين المتصارعين إثنيا، ومن ثم، ينصح المجتمع الدولي بالسعي نحو تفعيل سياسة التقسيم بدلا من إبقاء القوات العسكرية التي لا ولن تستطيع أبدا تهدئة الأوضاع، وهو طرح يتضمن -صراحةً- إنكار حق عودة اللاجئين، بحجة أنه حق غير واقعي.
القومية الإثنية من ضمن أهم القوى في عالمنا الحديث، حيث تنعكس، على سبيل المثال، في العديد من سياسات الهجرة؛ إذ يتم منح المواطنة أوتوماتيكيا لمن ينتمي إلى الجماعة الإثنية المهيمنة، وهي سياسة يعمل بها عدد غير قليل من الدول: ألمانيا وكرواتيا وتركيا وأرمينيا وصربيا وبلغاريا وفنلندا وإسرائيل.
النتائج المتمخضة عن وضع الأقليات
أكثر من مليون مسلم تم تهجيرهم أثناء حرب البلقان الأخيرة من البوسنة والهرسك.
تدرك الأقليات انتماءها لمجموعات هامشية، الأمر الذي يؤثر في سلوكها تجاه الآخرين. ويغمر هذه المجموعات شعور مشترك بالعزلة والآلام المشتركة كما توثِّق سماتها الثقافية والجسمية المشتركة من وشائج العلاقات بينها. ويمكن القول في هذا السياق إن شعور الأقليات بالانتماء إلى جذورها قد يتواصل حتى بعد التحامها في النسيج الاجتماعي للأغلبية. يُعد الأشخاص المنحدرون من أصل أرمنيّ، مثالاً حيًا لعدم الذوبان في الكيانات الاجتماعية الكبرى. فبالرغم من انقطاع هؤلاء الأشخاص عن ممارسة طقوسهم الدينية، إلا أنهم يزدادون تشبثا بالانتماء لطائفتهم الأرمنيَّة.
تتخذ استجابة الأقليات للهيمنة على مقدراتها أشكالاً مختلفة، حيث يتخلى البعض عن موروثاته ويتبنى ثقافة الأغلبية بسلبية ودون مقاومة. ويسعى الآخرون للانفصال وإقامة دولة خاصة بهم. وقد عبَّرت محاولات بعض المجموعات الصغيرة من الأمريكيين السود، من خلال النزوح إلى إفريقيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين عن ردود فعلها إزاء سيطرة الأغلبية البيضاء. وتستخدم بعض الأقليات أساليب مختلفة تتحدى من خلالها مختلف ضروب الهيمنة. ومن أهم هذه الأساليب المقاضاة في المحاكم ضد قوانين التفرقة والعزل، وعدم الامتثال لهذه القوانين، واستخدام كافة أشكال العنف في مواجهتها.
تضم معظم الدول أقليات عرقية. ولا تشكل الدول الأوروبية استثناء في هذا المجال، حيث عاش عدد كبير من الأقليات الوطنية داخل حدودها. فقد كانت هنالك أقليات ألمانية قبل الحرب العالمية الثانية يطلق عليها ألمان إقليم السوديت في دولة تشيكوسلوفاكيا (سابقًا). وتعيش أقليات دينية أيضًا داخل هذه الدول، حيث تشكل طائفة الكاثوليك الرومان أقلية في شمالي أيرلندا، وكذلك المسلمون في البوسنة والهرسك. ويوجد في فرنسا ودول جنوب أوروبا عدد من الأقليات العربية. ففي فرنسا يعيش حوالي مليون ونصف المليون من الأقليات المغاربية، كما يعيش حوالي ثلاثة ملايين مهاجر تركي في ألمانيا. وتمثل الأقليات الهندية والباكستانية حوالي 3% من عدد السكان في المملكة المتحدة (1,56 مليون نسمة) حسب إحصاءات عام 1991م. وتوجد أقلية مسلمة في الولايات المتحدة، معظمها في كاليفورنيا، ويبلغ حجم هذه الأقلية حوالي ثلاثة ملايين نسمة.
في جنوب إفريقيا، كانت الأقلية البيضاء التي يبلغ عددها خُمس السكان، تمارس التفرقة العنصرية ضد السود والملونين. كانت قوانين الفصل العنصري تستند إلى ما يُطلق عليه أيديولوجية الأبارتيد، التي تضفي على هذه السياسة صفة رسمية تميز البيض عن الملونين في مجالات السياسة والتعليم ومختلف جوانب الحياة. انظر: التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا. وكانت تعيش في الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، أربع عشرة مجموعة رئيسية، وضمت حدوده أقليات وطنية متعددة. وقد قامت الدولة أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، بطرد عدد من المجموعات العرقية عن أوطانهم، شملت الألمان الذين كانوا يقطنون قرب شواطئ نهر الفولجا، وتتار القرم، والكالموك بحجة عدم ولائهم للدولة. وقد عانى المسلمون من التمييز أثناء الحكم القيصري والحكم السوفييتي حتى انهياره عام 1991م، كما يعاني اليوم سكان فلسطين من العرب والمسلمين صنوف القهر والحرمان على يد الكيان الإسرائيلي الذي يحتل بلادهم.