المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حذف وإثبات ألف مبارك ومباركة



أبو مسلم العرابلي
19/04/2009, 05:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السادسة عشرة
حذف وإثبات ألف مبارك ومباركة
ورد لفظ "مبارك" في أربعة مواضع؛ ثبتت ألفه في الثلاثة الأولى، وحذفت في الرابعة؛
في قوله تعالى: (وَهَذَا كِتَـاـبٌ أَنزَلْنَـاـهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(92) الأنعام.
وصف الكتاب بأنه مبارك دلالة على ثراء هذا الكتاب بالإقامة عليه، والاستغناء عن البحث عن الخير في غيره، فهذا الوصف خاص بالقرآن الكريم، ولم يوصف كتاب في القرآن بأنه مبارك غير القرآن الكريم.
وكذلك الأرض المبارك؛ هي الأرض الكثيرة الخيرات التي يستقر فيها أهلها، ولا يرحلون عنها، استغناء عن الحاجة وطلب الخير في غيرها،
ومن ذلك البركة التي استقر الماء فيها بعد ذهاب السيل وانقطاع مائه.
وبروك الناقة هو قعودها عن الذهاب إلى المرعى، وملازمتها مكانها عن شبع فيها، فهو قعود لها مقيد بالشبع، وكانوا يقيمونها لحلبها، لتبرك في محلها بعد ذلك.
فوصف الكتاب بأن مصدق لما بين يديه، بإعادة ذكر ما ورد من السير والقصص في الكتب السابقة؛ ما أغنى عن الرجوع إليها، فمد بقاء هذه القصص،
وإنذاره لأم القرى هو إحياء لها، ومدها لتأخذ بالإيمان، والأعمال الصالحة وعلى رأسها الصلاة؛ فعلى ذلك كان ثبات ألف مبارك في الرسم.
وثبتت ألفه في قوله تعالى: (وَهَذَا كِتَـاـبٌ أَنزَلْنَـاـهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(155) الأنعام.
الطلب باتباع الكتاب المبارك بما نزل فيه من الأحكام في آيات يتوالى نزولها؛ هو رحمة وثبات واستمرار للمتبعين له، وحفظ واتقاء لهم، وعلى ذلك كان ثبات ألفه.
وثبتت ألفه في قوله تعالى: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَـاـهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(50) الأنبياء.
وصف الكتاب بأنه ذكر مبارك؛ لأن التذكير هو حفظ للمذكر مما يلحقه بسبب الغفلة والنسيان، وعلى ذلك ثبتت ألفه، وقد كانت هذه الأمة هي الأطول عمرًا في تاريخ الأمم بسب بركة هذا الكتاب، ومده لها بأسباب القوة والحفظ، والتأييد بالنصر من الله عز وجل.
وحذفت ألفه في قوله تعالى: (كِتَـاـبٌ أَنزَلْنَـاـهُ إِلَيْكَ مُبَـاـرَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَـاـتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَـاـبِ(29) ص.
في الآيات السابقة كان الخطاب مباشرة لمن نزل عليهم الكتاب؛ (ولتنذر) ، (فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون)، (وهذا ذكر ... أفأنتم له منكرون)، وكان نزول الآيات يتتابع، والخير يتواصل بهذا التتابع.
أما في هذا الموضع؛ فإن التدبر للكتاب المبارك لم يقيد بزمن نزوله، والتدبر يكون فيما استقر وضعه وثبتت حدوده، وذلك بعد تمام نزوله.
ونزول هذا الكتاب لأجل تذكر أولي الألباب، وهذا لم تقيد أيضًا بزمن النزول، مما دل على أن ذلك بعد تمام النزول، ومعرفة حدود ما نزل، وعلى ذلك كان حذف الألف فيه.

أبو مسلم العرابلي
19/04/2009, 05:29 PM
ولفظ "مباركاً" بالنصب ورد أربع مرات؛ ثبتت ألف في ثلاث منها، وحذفت في الرابعة؛
في قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَـاـلَمِينَ(96) آل عمران.
البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس وأقدمها، وأدومها بقاء، وما يزال الناس يتوافدون إليه من أول يوم وضع فيه، ولم ينقطعوا عنه، وعلى ذلك ثبتت ألفه.
وثبتت الألف في قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَـاـنِي بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31) مريم.
جعل الله تعالى عيسى عليه السلام مباركًا أين ما كان، وهذا القول منه وهو في المهد؛ فهي بركة قائمة ممتدة من يوم مولده ومستمرة معه في حياته، وعلى ذلك كان ثبات ألف "مباركًا" فيه.
وثبتت الألف في قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ(29) المؤمنون.
طلب لنوح عليه السلام من ربه بأن ينزله بعد الطوفان مكانًا مباركًا تمتد فيه البركة؛ بما سبق من إغراء قومه بفضائل الاستغفار، من إرسال السماء مدرارًا، ويجعل الله لهم جنات وأنهارًا؛ فعلى ذلك كان ثبات ألفه.
وحذفت الألف في قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَـاـرَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّـاـتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ(9) ق.
فأما حذف الألف في هذا الموضع؛ فلأن الجنات وحب الحصيد لا يكونان إلا بعد تام نزول الماء، واستقراره في الأرض، فعلى ذلك كان حذف ألفه منه؛ لأن وجوده بالقدر الكافي شرط سابق لتكون الجنات وحب الحصيد.

أبو مسلم العرابلي
19/04/2009, 05:54 PM
وردت "مباركة" أربع مرات، وقد حذفت الألف فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَواةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَـاـرَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَـاـلَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35) النور.
وفي قوله تعالى: (... فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَـاـرَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَـاـتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(61) النور.
وفي قوله تعالى: (فَلَمَّا أَتَـاـهَا نُودِي مِنْ شَـاـطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَـاـرَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَـاـمُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَـاـلَمِينَ(30) القصص.
وفي قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَـاـهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَـاـرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) الدخان.
سقطت الألف في المواضع الأربعة جميعًا لأجل قدم البركة في الشيء الموصوف بالبركة، وانقطاعه بعد ذلك؛
فالشجرة في الموضع الأول مباركة قبل أن يوقد منها، والنار كانت كامنة فيها، وبركتها هي في النار التي فيها، وهذه محدودة تزول بانتهاء ونفاد النار منها.
والسلام الذي في الموضع الثاني؛ هو لفظ محدد يقال عند دخول البيوت، أو عند الانقطاع إليه؛ فتكون منه البركة، وينتهي أمره بما يكون من كلام وحديث بعده.
والبقعة في الموضع الثالث؛ مباركة قبل قدوم موسى عليه السلام إليها، والمجيء عندها، وهذه البركة لأجل الأمر الذي حدث في تلك الليلة، وانقضت بانقضاء هذا الأمر، ولن يظهر منها شيء ثانٍ لغير موسى عليه السلام، وآلت الشجرة بعد زمن كبقية الشجر إلى زوال.
وإنزال القرآن في ليلة محددة في الموضع الرابع؛ هي الليلة المباركة، والليلة مدة من الزمن تنقضي، وتنتهي بطلوع فجر اليوم التالي لها.
فالأربعة المذكورة هن من المحدودات الثوابت، غير الدائمات؛ الشجرة، ولفظ السلام، والبقعة، والليلة؛ فسقطت لأجل ذلك منهن الألف.

أبو مسلم العرابلي
19/04/2009, 06:13 PM
وردت "بركات" جمع "بركة" في موضعين بغير الإضافة؛ وقد حذفت الألف فيهما؛
في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَـاـتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَـاـهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (قِيلَ يَـاـنُوحُ اهْبِطْ بِسَلَـاـمٍ مِنَّا وَبَرَكَـاـتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48) الأعراف.
سقطت ألف بركات لأنها علامة جمع لا قيام له، أو لأن قيامه لا يدوم.
وبركات متفرقة على الزمان، وبين الأمم، وهذه البركات في الأولى موعود بها،
وفي الثانية ليست ممتدة للجميع؛ فستنقطع هذه البركات عن الذي سيمتعون بها، ثم يمسهم العذاب، وهي في موضع الوعد بها أيضًا.
ووردت "بركاته" بالإضافة في موضع واحد، وقد حذفت ألفها؛
في قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَـاـتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(73) هود.
وسقوط ألفها كذلك؛ لأن هذه البركات خاصة بأهل بيت إبراهيم عليه السلام، وفي حياتهم، ولا تمتد إلى غيرهم. ولذلك كان القول في الصلاة: وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

أبو مسلم العرابلي
19/04/2009, 06:52 PM
ورد لفظ "بارك" بصيغة الفعل الماضي مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَـاـرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) فصلت.
جعل الله تعالى في الأرض الرواسي، وبارك فيها، وقدر الأقوات فيها، وكل ذلك في الأيام الأربعة الأولى من خلق السموات والأرض، وهي أيام محددة في زمن سابق قد مضى، وخلفتها أيام كثيرة، وعلى ذلك كان حذف ألف بارك منه.

وورد لفظ "باركنا" متصلا بضمير الجمع في ستة مواضع؛
في قوله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـاـرِقَ الأَرْضِ وَمَغَـاـرِبَهَا الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(137) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (سُبْحَـاـنَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَـاـرَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَـاـتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1) الإسراء.
وفي قوله تعالى: (وَنَجَّيْنَـاـهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا لِلْعَـاـلَمِينَ(71) الأنبياء.
وفي قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَـاـنَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَـاـلِمِينَ (81) الأنبياء.
وفي قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاـهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ(18) سبأ.
وفي قوله تعالى: (وبَـاـرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَـاـقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ(113) الصافات.
البركة التي كانت من الله تعالى في المواضع الخمسة لأرض فلسطين وقراها، أو جزء من بلاد الشام أو عامته، أو وادي الأردن خاصة، والبركة حاصلة فيها قبل هجرة إبراهيم ولوط عليهم السلام إليها، وقبل توريث بني إسرائيل في فترة من الزمان لها، وقبل الارتحال إليها، وقبل تجارة أهل اليمن معها، ولم يكن المقصود بهذا الذكر لها بيان استمرار البركة فيها؛ فإن العلم السابق بالبركة الحاصلة فيها هو الدافع لاختيارها والمجيء إليها، وعلى ذلك كان حذف الألف من باركنا.
وأما المباركة على إبراهيم وإسحاق عليهما السلام فهي بركة عليهما خاصة، ولا تمتد لجميع ذريتهما، لأن منهم الذي يظلم نفسه، وعلى ذلك كان حذف الألف منه.

أبو مسلم العرابلي
19/04/2009, 08:42 PM
ورد لفظ "تبارك" تسع مرات؛ ثبتت ألفه في سبعة مواضع؛
في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـاـلَمِينَ(54) الأعراف.
كل ما سخر هو بركة مستمرة وعلى ذلك ثبتت الألف.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـاـمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَـاـمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَـاـهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـاـلِقِينَ(14) المؤمنون.
والبركة للمخلوق في رحم الأم تستمر بعد كسي العظام لحما، وبعد خروجه للحياة حتى يصير رجلا كاملاً، ولأجل ذلك جرى إثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـاـلَمِينَ نَذِيرًا(1) الفرقان.
تنزيل الفرقان من الله تعالى ليكون بركة دائمة ومستمرة لكل من يخشى في عمله ما وصله من إنذار الله تعالى للناس عواقب أعمالهم، وعلى ذلك جرى تثبيت الألف.
وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّـاـتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَـاـرُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا(10) الفرقان.
ومن بيده البركة السابقة بجعل جنات تجري من تحتها النهار والقصور للناس بيده البركة اللاحقة، وقادر على أن يخص النبي عليه الصلاة والسلام ببعضها؛ فيجعل له جنات وأنهار وقصور إن نشاء. وعلى ذلك جرى تثبيت الألف.
وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا(61) الفرقان.
من صفات السماء أن ذاتها تشف عما فوقها، وما بعدها، وما يكون فيها، فيظهر من خلالها، وهي صفة دائمة مستمرة فيها، وبسبب هذه الصفة نرى النجوم والكواكب والشمس والقمر، ولو كانت السماء معتمة لما رأينا من ذلك شيء، وعلى ذلك كان ثبات تبارك فيها.
وفي قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَـاـتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـاـلَمِينَ(64) غافر.
جعل الله تعالى الأرض قرارا، والسماء بناء، وتصوير ما خلق من الناس، والذي سيخلق منهم، ورزقه بالطيبات لمن كان منهم، والذي سيكون بعد ذلك، كل ذلك قائم ومستمر، فعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) الزخرف.
مُلك الله تعالى للسموات والأرض وما بينهما هو ملك دائم ومستمر، وعليه كان ثبات الألف.
وحذفت ألف تبارك في موضعين آخرين؛
في قوله تعالى: (تَبَـاـرَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَـاـلِ وَالْإِكْرَامِ(78) الرحمن.
وفي قوله تعالى: (تَبَـاـرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1) الملك.
فأما إسقاط ألف تبارك في نهاية سورة الرحمن فقد كان بعد تمام تعداد نعم كثيرة لله تعالى لعلى خلقه، فكانت الخاتمة عن أمور مباركة سابقة الذكر، وعليه كان حذف الألف.
وأما إسقاطها ألفها في أول سورة الملك؛ فقد أشار الله تعالى على قدم ملكه مما عرف؛ بقوله تعالى: (وهو على كل شيء قدير) أي على تبديل ذلك وزواله وذهاب بركته، فعلم أن الحديث عن شيء سابق وبركة سابقة، وعليه كان حذف الألف.