المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضربة نووية اسرائيلية لايران!



غالب ياسين
08/01/2007, 09:12 AM
عندما تكشف صحيفة بريطانية بوزن الصنداي تايمز عن خطة اسرائيلية لضرب المفاعلات الايرانية باسلحة نووية تكتيكية، فإن علينا ان ننظر الي هذا الامر بجدية، لان هذه الصحيفة بالذات لا تفرد صدر صفحتها الاولي لخبر كهذا دون وجود أجندة خفية للذين ارادوا تسريبه عبرها، والمقصود هنا جهات اسرائيلية استخبارية.
فالصحيفة تخصصت بنشر قصص اخبارية مماثلة، جاءت بمثابة تحريض علي الحرب ضد العراق، عندما قالت قبل الحرب الاولي عام 1991 ان الرئيس العراقي صدام حسين علي بعد بضعة اشهر من انتاج اسلحة نووية، وفي المرة الثانية عندما اكدت قبل حرب اذار (مارس) عام 2003 ان العراق يملك اسلحة دمار شامل، وان المفاعل النووي العراقي يعمل بشكل متسارع لانتاج رؤوس نووية. وتبين في الحالين ان هذه التسريبات المتعمدة، من قبل جهات غربية واسرائيلية، لم تكن دقيقة علي الاطلاق.
ومن هنا يمكن النظر الي التسريبات الاخيرة حول الخطة الاسرائيلية هذه من زاويتين اساسيتين:
الاولي: ان يكون الهدف منها هو بث الذعر في نفوس الايرانيين، ودفعهم الي التفكير في عواقب الاستمرار في عمليات تخصيب اليورانيوم، وبما يؤدي في النهاية الي التخلي عنها.
الثانية: تهيئة الاجواء الدولية لاستخدام اسلحة نووية ضد ايران، وايكال هذه المهمة للدولة العبرية، كرد علي تصريحات الرئيس الايراني احمدي نجاد التي هدد فيها بازالة اسرائيل عن الخريطة.
الاحتمال الثاني ربما يكون الاكثر ترجيحا، لان الولايات المتحدة الغارقة حتي اذنيها في المستنقع العراقي قد لا تكون في وضع يؤهلها دستوريا ولوجستيا لشن حرب جديدة، ولهذا قد تدفع ادارتها باسرائيل للقيام بهذه المهمة ثم تهرع لمساعدتها في مرحلة لاحقة، اي تتدخل للدفاع عنها او حمايتها.
الرئيس الامريكي جورج بوش يتصرف حاليا مثل النمر الجريح، فقد اقترب من الاعتراف بالهزيمة الكاملة في العراق في خطابه الاخير، وهو يستعد حاليا لاطلاق آخر طلقة في جعبته، اي تغيير جنرالاته، وارسال حوالي ثلاثين الف جندي اضافي الي العراق في محاولة اخيرة لتأمين بغداد، وبما يؤدي الي توفير الغطاء لاحقا لبدء عمليات الانسحاب الامريكية مع نهاية هذا العام تمهيدا للالتفات الي الملف النووي الايراني.
ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي قال قبل عام انه لن يكون بمثابة المفاجأة بالنسبة اليه اذا اقدمت اسرائيل علي قصف المفاعلات النووية الايرانية تماما مثلما فعلت بنظيراتها العراقية عام 1981. اما الرئيس بوش فقد صرح علنا بانه سيكون رئيسا فاشلا وعاجزا عن القيام بواجباته كرئيس لدولة عظمي اذا غادر منصبه قبل انهاء التهديد الايراني النووي .
وهذه المواقف الواضحة تشير الي ان الادارة الامريكية قد ترحب باي عدوان اسرائيلي علي ايران، الامر الذي يفســـر تلكـــؤها باتخاذ اي خطــــوات لوقف اطلاق الـــنار اثناء الهجوم الاسرائيلي علي لبنـــان، وامتـــناعها عن ادانة المجازر الاسرائيلية في الضـــفة الغربـــية وقطاع غزة، واخرها مجزرة بيت حانون.
فما تسرب من انباء يشير الي ان الادارة الامريكية بدأت الاستعداد لحرب ضد ايران منذ فترة طويلة، واتخذت خطوات عملية في هذا الخصوص، ابرزها زيادة مخزونها النفطي بشكل هائل وبما يكفي لاكثر من عشرين شهرا اضافية، وهذا ما يفسر ارتفاع اسعار النفط لاكثر من سبعين دولارا للبرميل ثم تراجعها الي خمسة وخمسين دولارا وارسال المزيد من الاساطيل والغواصات النووية وحاملات الطائرات الي منطقة الخليج، واجراء مناورات عسكرية بحرية بمشاركة الدول المضيفة.
ويبدو ان التطورات الحاصلة حاليا في المنطقة تصب في خدمة هذه الاهداف الامريكية، ونحن نشير هنا الي حالة الاستقطاب الطائفي المتصاعدة الي حد الجنون التي بدأت بالحرب الاهلية الطائفية في العراق، ووصلت قمتها باعدام الرئيس العراقي صدام حسين يوم عيد الاضحي، وتوجيه اهانات استفزازية له قبل لحظات من صعوده الي حبل المشنقة، والتمثيل بجثته، وترحيب ايران بهذا الاعدام بطريقة تنطوي علي الكثير من التشفي.
ايران وحلفاؤها في العراق قدموا خدمة كبيرة للمخطط الامريكي الذي يريد تقسيم العرب والمسلمين علي اسس طائفية، وتأسيس حلف بغداد جديد من الدول السنية المعتدلة لتوفير غطاء للحرب المقبلة.
صمت ايران علي حكام العراق الذين خرجوا من رحم الاحتلال، وشرعوا مخططاته، والممارسات البشعة التي مارسوها في العراق بما في ذلك التطهير العرقي وتشكيل فرق الموت ساهم في عزلتها في العالم الاسلامي، مثلما ساهم في التقليل من حجم الانتصار الكبير والتاريخي الذي حققه حزب الله ضد اسرائيل. فمن المؤسف ان شعبية الحزب ورئيسه السيد حسن نصر الله تراجعت ولو جزئيا وبسرعة، بسبب الموقف الملتبس وغير الواضح مع حكام العراق الجديد وممارساتهم الطائفية البغيضة.
هناك من يجادل بان ايران اذكي من ان تدفع الامور الي المواجهة مع الولايات المتحدة، فهي دولة مؤسسات، وصاحب القرار في ايران لا يمكن ان يرتكب اخطاء نظيره العراقي، والمسألة مسألة مساومة واعلاء قيمة الثمن المنتظر من واشنطن والغرب، وهو دور ايراني اقليمي اكبر، ومساعدات غربية. ويقول هؤلاء ان ايران حصلت من امريكا علي كل ما تريد دون ان تطلق طلقة واحدة، عندما خلصتها، اي امريكا من اكبر عدوين لها، وهما نظاما طالبان في الشرق والبعث في الغرب.
وربما تنطوي وجهة النظر هذه علي بعض الصحة، ولكن هناك شريطين اساسيين حتي تستقيم، وهو تخلي النظام الايراني عن طموحاته النووية اولا، او قبول امريكا بايران عضوا في النادي النووي، والشرطان مستحيلان حتي الآن، لان تخلي النظام الايراني عن طموحاته النووية قد يكون بداية انهياره، وقبول امريكا بايران قوة نووية يعني بداية النهاية لهيمنتها علي ثلثي احتياطات النفط في العالم المتمركزة في منطقة الخليج.
دول الخليج العربية ستكون الخاسر الاكبر في حال اندلاع الحرب او التوصل الي صفقة سلمية امريكية مع ايران حول البرنامج النووي، فاندلاع الحرب يعني انتقاما ايرانيا بتفجير ابارها النفطية وضرب القواعد العسكرية الامريكية فيها، وحدوث تسرب نووي في منطقة الخليج اثر ضرب المفاعلات الايرانية باسلحة تقليدية او غير تقليدية لان هذه المفاعلات، وبعضها تطل علي الخليج. اما التوصل الي صفقة امريكية ـ ايرانية، فيعني دخول هذه الدول لبيت الطاعة الايراني، ودفع الجزية لحاكم طهران.
نأمل ان لا تتطور الامور في هذا الاتجاه، وان يتم التوصل الي حل يجنب المنطقة العربية مواجهة جديدة، ولكننا نعترف بان الامل شيء، والواقع علي الارض مختلف تماما. فالحروب في الغرب ضد دول الشرق، والعربية والاسلامية منها بشكل خاص، تبدأ من خلال التسريبات والحشد الاعلامي. وما نشرته الصنداي تايمز ربما يكون البداية في هذا الخصوص.

عبد الباري عطوان