المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وداع تحت المطر



خالد ساحلي
08/01/2007, 01:25 PM
المطر يتساقط على المدينة الناس يهرعون، يمر هو على الشارع المحاذي يرفع رأسه عاليا ترتعش يداه من البرد كما يرتعش قلبه للأعين التي تراقبه من و راء النافذة ، في الطابق الخامس للعمارة الفرنسية القديمة أحس بالستائر تتحرك من وراء الزجاج يلمحه المارة حين يخفف خطى السير في اليوم الماطر هو لا يملك مطّرية ، يرميه الناس بإشارات الرؤوس المتحركة للأعلى و للأسفل ، بالعيون الغمازة يطردونه من حيّهم بمعاني كلمات الجاهلية ، يعرفونه و يعرفون ضياع وقته في كتابة مالا ينفع ، على القصاصات الورقية و على ظهر لفائف السجائر ، يناديه الجميع "بالقطيم"1 يعرفون أنه ترك هنا بعضه ، زرع عمره بين الشوارع
و أزقتها الحمقاء القديمة رواحا و مجيئا علـّه يهتدي لمهجته المفقودة، يتعقب بنظره الطائر إلى النافذة سلوان و قطعة من ألم، لظى شوق محرق،
كان بقلبه الصغير تكبر بدرة هو لا شك بدر في ليالي الزمن الحالك ، كبرت بدرة و كبر الوجع ، ترك في اليوم الماطر بصمات على الجدران بنظراته ، على النافذة رمى شوقه الأبدي هناك ، انتكاسة نفس و حكم قدر ، الراحل عن المدينة التي ألفت الشوارع مروره و ابتهجت لوقع أقدامه ، ما ذنب أن تموت البذرة في قلب صاحبها ؟ في اليوم الماطر ... كان القلب ماطرا بأسى كبير ، منتحب الداخل ، ذاك المطأطئ رأسه يمضي مثقل الخطوات ، استدار وجد الستائر تتحرك، شاهد من بعيد شبح امرأة تلّوح بمنديل أخضر ، يذكر المنديل الربيعي المطرّز ، كانت من خلال نافذتها تعلن الوداع.

هامش:
القطيم = كلمة محرّفة تعني كتيم نسبة لقبيلة كتامة البربرية ، كانت تقال لتفريق العربي عن البربري، أصبحت تعني فيما بعد الغبي.