المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسين جلبي حديد من خلال مذكرات ولده الاستاذ محمد حديد السياسي العراقي المعروف



ابراهيم خليل العلاف
27/04/2009, 05:50 PM
حسين جلبي حديد من خلال مذكرات ولده الاستاذ محمد حديد السياسي العراقي المعروف
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية –جامعة الموصل

.
منذ أكثر من 25 سنة وأنا أحاول الكتابة عن الحاج حسين جلبي حديد (1863ـ 1958) باعتباره واحدا من الرجال الذين كان لهم دور في تكوين التاريخ العام لمدينة الموصل أبان ما نسميه نحن بالعصر الحديث .. ويبدو ان الفرصة اليوم قد سنحت بعد ان صدرت مذكرات ولده السياسي ، والاقتصادي والصحفي والوزير الأستاذ محمد حديد رحمه الله، وذلك من خلال دار الساقي للطباعة والنشر في بيروت (2006) .
ولعل مما قوى الرغبة في الكتابة عن الحاج حسين حديد ان ولده تحدث كثيرا عن سنوات تكوينه في الموصل ، والدور الذي قام به والده في ذلك .
وابتدأء لابد لنا من التذكير بان الاستاذ احمد علي الصوفي رحمه الله ، المؤرخ والمربي المعروف أشار وباسطر قليلة في كتابه القيم: (( تاريخ بلدية مدينة الموصل )) ، ج1 ، مطبعة ا لجمهور ، الموصل 1970 الى تولي الحاج حسين حديد لرئاسة بلدية الموصل وكالة بعد وفاة السيد حسن فائق سنة 1927 ، واستمرت وكالته الى سنة 1929 .. وقال انه في عهده حصل اختلاس كبير في صندوق بلدية الموصل وقد قام بهذا الاختلاس (امين الصندوق) آنذاك ، مما اضطر الحاج حسين حديد الى التنحي عن وكالة رئاسة البلدية التي اسندت الى المرحوم عبد القادر جلبي زكريا واستمر هذا يدير البلدية حتى سنة 1931 . وفي هذه السنة توقف العرف السابق وهو ان الانتخابات كانت الوسيلة التي يصل بها الشخص الى رئاسة البلدية .. ومنصب رئيس البلدية كان (شرفيا) لايتلقى من يتولاه أية رواتب او مخصصات .. ولكن بعد تعديل قانون البلديات سنة 1931 ، اصبح رئس البلدية يعين من قبل وزير الداخلية ، واذا كانت البلدية من الدرجة الاولى كبلدية الموصل يكون تعيين الرئيس من قبل وزير الداخلية وبارادة ملكية .
نعود الى مذكرات الاستاذ محمد حديد الموسومة : ((مذكراتي : الصراع من اجل الديموقراطية في العراق)) لنرى ما الذي كتبه عن والده .. وقبل هذا ما الذي كتبه محقق الكتاب الاستاذ نجدت فتحي صفوت عند تقديمه للكتاب .. يقول الاستاذ صفوت ان الحاج حسن جلبي حديد هو حسين بن محمد علي بن الحاج محمود بن رفاعي بن حديد (المتوفي سنة 1888) وعائلة حديد ، عائلة موصلية كانت تتاجر مع سوريا قبل الحرب العالمية الاولى ، ثم اتجهت الى الصناعة ، واستثمار العقارات .. كان الحاج حسين حديد من وجهاء الموصل وتجارها الاثرياء ، وكان ناشطا في المجتمع الموصلي ، وفي قضية الدفاع عن عائديتها الى العراق خلال الخلاف الذي نشب بشأنها مع تركيا عقب الحرب العالمية الاولى ، ونقل عن المرحوم الاستاذ ناجي شوكت ، الذي كان متصرفا للواء الموصل ، واصبح فيما بعد رئيسا للوزراء ، ان شوكت هو الذي اختاره لمهمة رئاسة البلدية وكالة ، اذ لما توفي رئيس بلديتها سنة 1927 اخذ ناجي شوكت يبحث عن رجل متفتح الذهن، عصري التفكير ليتولى رئاسة البلدية ويواكب متطلبات الحياة الجديدة ، حتى علم ان لاحد اعضاء المجلس البلدي ولدا يدرس في اوربا . قال ناجي شوكت في الصفحة ((89) من مذكراته : ((سيرة وذكريات ، بيروت 1977) بهذا الصدد : فكرت في الاستفادة من مثل هذا الرجل الذي اقدم على ارسال ولده الى الخارج ليتابع دروسه ، وقد وليته رئاسة البلدية الشاغرة بالوكالة ، فكنت موفقا في هذه التولية )) .
يقول محمد حديد في الصفحة (35) من مذكراته ، ان بلدية الموصل عندما كان والده رئيسا لها بالوكالة انشأت مشروع اسالة الماء ، وكان المشروع بدائيا اول الامر ، ثم تطور الى مشروع متكامل مع زيادة الامكانات المادية .
ويضيف : (( ان لوالده مجلسا او ديوانا يجتمع الناس فيه ، يتداولون الاخبار ، ويتبادلون الاحاديث في شتى مناحي الحياة الخاصة والعامة .. ولم تكن الفروق الطبقية آنذاك حادة او بارزة ويرد ذلك الى المباديء الاسلامية التي تستند الى المساواة )) ،ويقول : (( وقد شاهدت الغني في الموصل يقف بمحاذاة الفقير لاداء الصلاة في الجامع ، كما كانت المقاهي مشتركة يؤمها رجال من جميع الطبقات ويلتقون احيانا في مقهى واحد )).
كان بيت الحاج حسين حديد في محلة باب السراي وفي زقاق القنطرة التي سميت بقنطرة بيت حديد .
يقول محمد حديد ان جدته لوالده كانت من (عائلة الحاج زبير) واخوالها من (عائلة حمو القدو) .. اما زوجة الحاج حسين حديد فهي خديجة بنت الحاج خالد بن خالد بن الحاج نعمان الدباغ واخوالها من (عائلة عقراوي) وهم من تجار الموصل ، واصلهم أكراد من مدينة عقرة وكانت عائلة الحاج نعمان من العائلات التي عملت في التجارة وخاصة تجارة الاصواف . وعرفت عائلة حديد بانها محافظة ومتدينة ، وملتزمة باداء الفروض والشعائر الدينية ، وكانت ترعى مسجدا يسمى (مسجد الشيخ عبد الحليم) ويقع على بعد خطوات من دار الحاج حسن حديد ، وقد اوقفت المسجد بضعة دكاكين للانفاق عليه الى ان سيطرت مديرية الاوقاف عليه .
وقد اشار الصديق الباحث عماد غانم الربيعي في كتابه ((بيوتات موصلية )) الذي نشره سنة 2002) ان الحاج حسن حديد كان متوليا لجامع فتحي الصباغ وسمي فيما بعد بمسجد الحاج حسين جلبي . وقال حديد ان عائلة والده كانت تمتهن التجارة ، ثم تحولت الى تملك العقارات والاراضي الزراعية ، وأول من دشن هذا التحول من التجارة الى العقار هو الحاج محمود جد الحاج حسين حديد عندما بدأ بشراء راض حول مدينة الموصل ، فضلا عن استمراره في تجارته ، وسار ابنه الحاج محمد علي على هذا المنوال عندما اشترى بعض الاراضي الزراعية قرب مدينة الموصل . وكانت الاسرة قبل اتخاذها لقب (حديد) تعرف بآل الحاج محمود ، وقد مارس الحاج حسين حديد في شبابه التجارة لكنه تركها ليتجه الى تشييد العقارات ، وادارة الاراضي التي اخذ يزرعها في بعض القرى المحيطة بالموصل ، وكانت له مراسلات مع محال تجارية في مدن سورية وتركية ، واتخذ من بعض غرف (في خان الجنت) مكتبا يدير منه اعماله ويقع هذا الخان على ضفاف نهر دجلة .. كما انشأ مجمعا سكنيا خارج سور المدينة يؤجره للموظفين الاتراك الذين كانوا يعينون لادارة المصالح الحكومية في ولاية الموصل ابان العهد العثماني الاخير .
وعلاوة على تلك الانشطة فقد شارك الحاج حسين حديد في ادارة الشؤون العامة لولاية الموصل ايام الدولة العثمانية ، فقد انتخب عضوا في المجلس البلدي ، وعين عضوا في محكمة الجزاء ، حيث كانت المحاكم العثمانية تنتدب عضوا مدنيا للعمل في هيئتها الى جانب القضاة الرسميين . شجع الحاج حسين حديد ولده محمد في دخول معترك الصناعة الوطنية ، وقد اسهم في انشاء مصنع للزيوت النباتية في بغداد ، والذي افتتح في 1942 وكان (دهن زبيدة) النباتي اول منتج له ، فضلا عن صابون (الجمال) وصابون (الهناء) ومسحوق (أمواج) وقد أمم المصنع من قبل الحكومة سنة 1964 . وقد تولى محمد حديد ادارته حتى سنة 1958 . وقد تحدث محمد حديد عن سفرات والده الى لبنان وفرنسا والنمسا ومرافقته اياه ، وكانت اغلب تلك السفرات لغرض العلاج ، وقد اشار الدكتور محمد صديق الجليلي رحمه الله في سجل وفيات بعض الشخصيات الموصلية الذي زود كاتب هذه السطور بنسخة منه ، ان الحاج حسين جلبي حديد توفي يوم 5 تموز 1958 عن عمر يناهز الـ (95) أي قبل تسعة ايام فقط من قيام ثورة 14 تموز 1958 والاعلان عن تأسيس جمهورية العراق واسقاط النظام الملكي وتعيين ولده ( محمد حديد) وزيرا للمالية .. ومن طرائف ما كنت أسمعه، وانا طفل، ان الناس في الموصل كانوا يشبهون الشخص الذي يمتنع عن سماع بعض الاحاديث ويسمع ما يريده فقط بانه (حاج حسين جلبي) والذي اشتهر بعزوفه عن سماع ما لا يريد ويحرص على سماع ما يريد فقط . ومن مآثره انه تبرع برواتبه عندما كان رئيسا للبلدية وكالة بانشاء بناية للمكتبة المركزية العامة والتي تقع اليوم قرب البلدية ، وحدثني الحاج عبد الجبار محمد جرجيس امين المكتبة الاسبق بان الذي اشرف على بنائها المهندس سالم جلميران .. رحم الله الحاج حسين حديد فقد كان من الرجال الذين خدموا الموصل .