المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التاريخ وسيلة لتقوية فكرة المواطنة في العراق



ابراهيم خليل العلاف
27/04/2009, 05:56 PM
التأريخ وسيلة لتقوية فكرة المواطنة في العراق


أ .د. ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل

-1-
من الحقائق المعروفة، ان الشباب، نظراً، لما يتمتعون به من صفات وخصائص متميزة في مجال الحركة والفاعلية والنشاط واكتساب الأفكار الجديدة بسرعة كبيرة، هم الفئة الرائدة التي ينبغي لها ان تتحمل مسؤولية بناء المجتمع المنشود وتطويره وتنميته في كافة جوانبه(1).
كما ان الشباب، فيما اذا وجهوا وجهة صحيحة، قادرون على وضع حيويتهم ومثاليتهم وتعشقهم للمثل العليا في مواضعها المناسبة، وبالعكس فان الشباب معرضون للضياع ان لم تفهم صفاتهم النفسية، وهمومهم الفكرية، ومشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فقد أكد الباحثون ان المجتمع المتوثب هو المجتمع الذي يعرف ماالذي يريده ذلك الجيل من الشباب المتطلع دوماً وأبداً الى مجتمع جدير بالانسان وسعادته(2).
ولما كان الشباب هم الطليعة والمحرك والمجدد والأمل لمجتمعنا، فان التأريخ من وسائلنا الايجابية التي تسهم في تربية الشباب وفق مبادئ وقيم وأهداف وطنية عليا، وكذلك في اثارة وعيهم بأهمية النهوض المعاصر ومواجهة التحديات التي نتعرض لها في المرحلة الراهنة.
-2-
لقد أدرك المفكرون والتربويون العراقيون والعرب ، منذ بدء عصر النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أهمية التأريخ، وحاجة الانسان الى دراسته واستلهامه باعتبار ان بناء المجتمع بناءاً حضارياً أصيلاً، يتطلب وعيا أصيلاً للماضي الحضاري(3). ومن هنا فان (الاهتمام بالتاريخ) والدعوة الى (احياء الوعي به )، عن طريق تذكير التلاميذ والطلبة بماضيهم وبعظمة دورهم الانسانيكان من الاسس التي اعتمدها المفكرون للدعوة الى التخلص من الحكم العثماني واعادة احياء الكيان السياسي العربي من جديد وكذلك كان هذا التوجه هو القاسم المشترك الذي ألف بين جميع التيارات الفكرية التي شهدها الوطن العربي ابان عصر النهضة(4).
ولقد اسهمت المطابع والصحف والأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في بث الوعي الوطني والقومي عن طريق التلويح بالامجاد الماضية وضرورة احياءها (5).

وحينما قرر القادة العرب القوميون وفي مقدمتهم الشريف حسين بن علي شريف مكة اعلان الثورة ضد السيطرة العثمانية، والسعي لاقامة الكيان السياسي القومي الموحد سنة 1916، كان التأريخ العربي والاسلامي ، بكل حلقاته وخاصة المشرقة منها شاخصاً امامهم(6).
وبعد الحرب العالمية الأولى، وظهور الكيانات السياسية المستقلة ، بدأت ملامح اتجاه اقليمي في كتابة التاريخ تلوح في الأفق. وقد اصبحت المشكلة أشد خطورة عندما تولت الأنظمة الحاكمة في بعض البلاد العربية تنمية هذا الخط، عن قصد أو دون قصد مع التذكير بان الاقليمية ينبغي ان لاتتعارض والنزعتين الوطنية والقومية ، فيما اذا جرت التربية على ان من لايحب وطنه لايحب امته ، وعلى السياق نفسه فقد كان هناك من يقفز فوق النزعة الوطنية فيعزز التوجه القومي ويضعف التوجه الوطني وكلتا السياستان تعدان خاطئتين في تربية الجيل (7).
وكان لابد من الوقوف بوجه ذلك الاتجاه الخطير الذي يؤدي حتماً الى ردود فعل لدى الشباب حين لايجدون مجالاً لفهم واقع بضوء ماض، وحين تتعذر عليهم المقارنة فيندفعون في اتجاه مضاد، وخاصة اذا رافق مثل هذا الاتجاه نوع من التعصب، أو رافقه اهتمام بالتأريخ السياسي العسكري، فلايرى الجيل فيه الآ سلسلة مملة من المعلومات، لاتاريخ متصل الحلقات، متشابك النواحي تتمثل فيه المشاكل والانجازات وتتوالى فيه فترات القوة والضعف(8).
وهكذا برزت محاولات تستهدف التخطيط لتقديم التاريخ بمنهج جديد، خاصة بعد ان تصاعدت حركة الوعي السياسي ، وتنامت الأفكار الديمقراطية، وتطورت وسائل البحث التاريخي وتخرجت أجيال من المؤرخين الاكاديميين من الجامعات العربية والاجنبيةوبدأت تعمل من اجل انشاء اقسام متخصصة بالتاريخ. ومن هنا ذهب الدكتور قسطنطين زريق المرخ المعروف الى القول بأنه "مادمنا مدفوعين في هبتنا ... الى وعي تاريخي، فليكن هذا الوعي صحيحاً متفتحاً مستنيراً كي يكون لنا مصدر قوة دائمة لامبعث هزات عابرة، وعاملاً من عوامل البناء والانتاج والابداع، لاقوة تجرنا حينا الى الوراء وحينا الى الأمام، فتحيرنا وتعيق سيرنا وتحول دون ما نبتغي من تقدم ثابت وانطلاق خير حثيث"(9).
واذا كان التنبه للتاريخ من أعظم عوامل النهضة الحديثة منذ بزوغ فجرها، فان العودة الى التاريخ أمر طبيعي في كل آن ومكان، ولكنه يشتد بصفة خاصة في فترات المواجهة والتحدي وعندما يهب الشعب لينشد القوة والتماسك فيجد ان اهم مقومات التوحد التقاليد الماضية والأمجاد والبطولات السالفة، فيعود الى هذه الأمجاد والتقاليد ويعيده اليها قادته وابطاله، ليتقوىبها وليفيد منها العضد المعنوي والروحي في نهضته المتوثبة، وفي سعيه لبناء حياته الجديدة ،ويمكن ان نستشهد في هذا الصدد بما كتبه السير ريتشارد لفنجستون وكيل جامعة اكسفورد بالمملكة المتحدة بعد خروج بلاده من الحرب العالمية الثانية منتصرة وذلك في كتابه الموسوم: ((التربية لعالم حائر )) ،اذ أفرد للتاريخ بوصفه أداة للتربية الوطنية، وللتدريب الاخلاقي فصلا مهما قال فيه : (( ان على من يضع المناهج المدرسية في التاريخ ان يحيط الطالب بكل ما هو سام وجليل من القصص والقصائد عن الرجال ذائعي الصيت حتى يقلدهم ويتوق الى ان يكون مثلهم )) .ومما قاله كذلك ان على مدرسي التاريخ ان يصوروا التاريخ لتلاميذهم على انه قصة ارتقاء الانسان ارتقاء تدريجيا من مرحلة الهمجية الى مرحلة الحضارة، وان الذين صاغوا الحضارة هم رجال الفكر ورجال العمل ورجال الالهام وهذا القسم الاخير يضم المعلمين وعلماء الدين والمثقفين والشعراء والفنانين وكل هؤلاء يسهمون في تقوية صرح الحضارة .كما يدعو لفنجستون الى ان لايقتنع التربويون بتلقين الطالب المعلومات التي يحتاج اليها لاعداده لمهنة ما وتعليمه كيف يستخدم عقله ،بل ينبغي ان نعده ونزوده بمبادى روحية واضحة تساعده في ان يكون له موقف معين من الحياة ،وان نلقنه المادة والاساس اللازمين له لتبني فلسفة محددة نحوها، ودراسة التاريخ تساعد على ذلك. وهنا لابد من نركز على كشف حقائق معينة ودراسة حركات كبرى في العالم وتتبع تطور الحضارة وتعقب نهوض شعب من الشعوب او سقوطه وتطور النظم الدستورية والافكار السياسية ودراسة التوسع الاستعماري والحركات الوطنية والتطور الاجتماعي وكل مايتعلق بالصناعة والزراعة والتجارة والاجور واي شيى يوضح اثر العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سير حركة التاريخ. ويختم لفنجستون كلامه بالقول ان المواطنين يصنعون ،لايولدون وفكرة المواطنة تحتاج الى تنمية وتدريب ولهذا السبب يجب ان نعلم الطالب، في المدارس والجامعات ، كيف يكون مواطنا صالحا من خلال مساعدته على ان يعرف حقوقه وواجباته ليس على الصعيد النظري فحسب بل وعلى الصعيد التطبيقي فالمواطنة اولا واخيرا سلوك، وعمل، ومعرفة. وفي اعداد المواطن الصالح ،كما في شؤون كثيرة من شؤون الحياة ،نهيى الوسائل ،ونعرف كيف نستخدمها والهدف الذي نريد الوصول اليه ،وحب المرء لوطنه مثل حبه لشخص اخر ينبع من مصدر فائق البهاء والجاذبية وخير الدول هي التي تربي مواطنيها على ان ما تملكه هذه الدولة هو ملك لهم وينبغي عليهم المحافظة عليه .(10).

-3-
لقد شهد العراق، منذ تأسيس دولته الوطنية سنة 1921، اهتماماً بارزا بالتاريخ وسعيا متواصلاً لاستخدامه، وسيلة للتوعية الوطنية بين الشباب وينبغي ان نذكر باعتزاز التأثير الكبير للمفكر والمربي الاستاذ ساطع الحصري (1880-1968) الذي تولى ادارة التعليم في العراق بين سنتي 1921 و 1927 ليس على النظام التعليمي فحسب، وانما على التوجه الوطني للشباب في العراق(11). فالتاريخ، عند ساطع الحصري هو الأساس الثاني في تكوين الوطن والانسان، واهماله بمثابة استسلام لحالة من الذهول تصيب الذاكرة والشعور(12).
ولما كان ساطع الحصري يؤمن بأن "التاريخ هو الذاكرة " ووحدة التاريخ هي أحد الأسس المهمة في التكوين الوطني، فقد عاش طول عمره يدعو الى معرفة التاريخ ودراسته وكتابته وتعليمه للطلبة. ومن هنا فقد كان تعليم "تاريخ الوطن" " من أبرز ماأكدته المناهج والكتب الدراسية التي وضعها الحصري للتعليم في العراق (13).
كان ساطع الحصري يؤكد أن تدريس التاريخ، بالنسبة لطلبة المدارس، ينبغي أن يستهدف تقوية الشعور الوطني في نفوس ابناء العراق (14).
لذلك وضع عددا من القواعد امام المدرسين وأوصاهم باتباعها في تدريسهم لمادة التاريخ منها(15):
- تجنب ذكر الوقائع والاسماء والتواريخ الكثيرة، وتجنب جعل الدروس مجموعة اسماء وارقام.
- العناية بالمقارنة بين الأحوال الحاضرة والماضية.
- الاهتمام بتصوير الوقائع والأحوال على نحو يؤثر في مخيلة التلاميذ وجعلهم يتخيلونها كأنهم يرونها.
- الاعتناء في انتخاب الوقائع التي تؤثر في شعور التلاميذ، وتحرك عواطفهم وتبعث فيهم الهمة.
- استعمال الخرائط دائماً وبيان حدود الممالك ومواقع المدن واماكن الحروب.
- زيارة الأبنية التاريخية والأطلال القديمة.
- لفت انظار التلاميذ الى اسباب الوقائع المهمة ونتائجها، خاصة اسباب انقراض الدول العريقة ونتائج الاختلافات الداخلية.
ويفرق ساطع الحصري بين اهداف تدريس التاريخ في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وبين اهداف تدريس التاريخ في الجامعات، فهو يرى ان تدريس التاريخ بصورة علمية بحتة وبنظرة موضوعية ذاتية مطلقة مجردة من جميع انواع التأثيرات الذاتية ، ممكن في الجامعات، لكنه متعسر في المدارس، فهو يرى ان المعلم لايستطيع ان يدرس الا جزءا صغيرا من التاريخ ولايستطيع ان يتوسع الا في قسم قليل من الوقائع، فيضطر لذلك الى انتقاء قسم من الوقائع والأبحاث، وبديهي ان الانتقاء، يتضمن بطبيعته التأثير الذاتي والترتيب القصدي.. ومادام الانتقاء ضرورياً، فمن الطبيعي ان يأخذ الاتجاه الذي تقتضيه التربية الوطنية ، خاصة انه لايوجد بين ايدي المربين واسطة تربوية اثمن وانجح من دروس التاريخ، لانماء الشعور بفكرة المواطنة وتطويرها باستمرار (16).
-4-
وفي الثلاثينات من القرن العشرين قامت بعض التنظيمات السياسية والفكرية التي تأسست في العراق، كجمعية الجوال ونادي المثنى في بغداد، ونادي الجزيرة في الموصل، ونادي المهلب بن ابي صفرة في البصرة، بدور بارز في تنشيط الاهتمام بالتاريخ والتركيز على أن القوة هي في الوحدة والتماسك وهي السبيل الى تحقيق التقدم والنهضة، ولاسبيل الى الى ذلك الا باستلهام قيم الحضارة العربية والاسلامية في عصورها الزاهرة 17)
لقد وضعت وزارة المعارف العراقية خلال السنوات من 1932 حتى 1941، منهاجاً مفصلاً لتنمية الوعي بالمواطنة الصالحة وقد اهتمت بمناهج التاريخ، واعادت النظر في الكتب المدرسية، ومما ساعد على ذلك أن بغداد كانت آنذاك مركزا ثقافيا مهما وملتقى لمفكرين وادباء ومربين وشعراء وسياسيين ومثقفين عرب وغير عرب (18) . وقد كان لجهود الدكتور سامي شوكت مدير المعارف العام آنذاك دور كبير في ذلك التوجه وخاصة في مجال تأجيج الحماسة الوطنية بين الشباب، وتعكس مجموعة محاضراته وأحاديثه التربوية التي القاها آنذاكفي الاذاعة بعنوان "هذه اهدافنا من آمن بها فهو منّا" (19) جهوده الحثيثة في مجال "تربية الناشئة العراقية" على أسس ومبادئ وطنية.
كان التاريخ، من ابرز المواضيع التي ركز عليها الدكتور سامي شوكت. ففي محاضرة القاها على مدرسي ومدرسات التاريخ في مدارس بغداد بعنوان "تاريخنا كيف ننظمه وندرسه؟؟ "تتضح ابعاد الفلسفة التي سار عليها النظام التعليمي في العراق ابان الثلاثينيات من القرن الماضي. ومما جاء في المحاضرة ان بسمارك موحد المانيا في القرن التاسع عشر اكد لأولئك الذين جاؤوا لتهنئته بالوحدة ان التهنئة ليست له بل للمعلم لأنه هو الذي هيأ المانيا لتكوين دولتها القومية الموحدة. ويعقب الدكتور شوكت على ذلك فيقول انه اذا كان بسمارك جعل الفخر كلّه بصورة عامة للمعلم فلاشك في ان معلم التاريخ في المقدمة، فهو الذي يلقن من يكون تحت اشرافه وادارته من التلامذة الكرامة والامجاد الماضية ، وكل مزية تخلق في التلاميذ بصورة خاصة والبشر بصورة عامة الإِباء والشمم والاعتماد على النفس (20)
ويقول شوكت ان التاريخ نوعان تاريخ للعلم ، وتاريخ للتثقيف، وخاطب مدرسي ومدرسات التاريخ بقوله: "ان موضوعنا وما يطلب منكم هو التاريخ للتثقيف والتوجيه" وان الغاية من التاريخ ينبغي ان تتركز على جعل التلميذ العراقي يحس بالثقة والايمان والحب. "اما التاريخ للتاريخ فلا شأن له في مجتمعنا الحاضر وهو يخص الاختصاصيين والمتفرغين الى العلم فقط". وفي ختام محاضرته اكد شوكت ان كل الدول الناهضة تهتم بالتاريخ، وتسعى الى تنقيحه من جميع مايؤخر نهضتها ويضر تلامذتها، لذلك فلابد من اعادة النظر في الكتب التاريخية المقررة على الطلبة، وتخليصها من كل مايشتم منه رائحة الضعف والاهانة والمس بالكرامة والعزة (21).
-5-
عدت السلطات البريطانية، بعد الاحتلال البريطاني الثاني للعراق أثر فشل ثورة نيسان – مايس 1941، الاتجاه الوطني في التعليم، والاهتمام بالتاريخ من ابرز أسباب الثورة، لذلك عمدت بالتعاون مع النظام الملكي الى قمع هذا الاتجاه. لذلك ظل التعليم في العراق ولفترة طويلة يعاني من عدم وضوح الرؤية والتخبط وفقدان الاستقرار والتخلف في جميع مفاصله(22).
-6-
لذلك على من يضع المناهج الدراسيةاليوم ان لايغفل الجانب المعنوي من التاريخ فهو الذي يدفع المواطنين الى التضحية وامتداد الانتصار للخير ومناهضة الشر (23)
-7-
ان المرحلة الراهنة تضع على عاتق المؤرخين والتربويين الذين انصرفوا، لرسم منهج علمي موضوعي لدراسة التاريخ وتدريسه في المؤسسات التعليمية والتربوية مسؤولية جسيمة(24) فهؤلاء ينبغي ان لاينسوا ان الأساس هو كيفية "استخدام التاريخ وسيلة لتكريس فكرة المواطنة "ويعد الدكتور فاروق عمر فوزي وهو أحد المؤرخين العراقيين المعاصرين، من أبرز الذين استوعبوا أهمية ان يكون التاريخ "أداة توجيه وتوعية وتعبئة متكاملة للجيل في المدارس والكليات" ومعنى هذا "انه ليس هناك تربية مفصولة عن الهدف السياسي في عصرنا الحاضر، فالسياسة الواقعية لأية سلطة لابد من ان تهدف الى اعادة بناء الجيل على وفق القيم والمفاهيم التي تؤمن بها" "ونحن من خلال ابرزنا لمفاهيم الماضي ومظاهره الايجابية نؤكد على دور الماضي في تكوين الشخصية الوطنية المطلوبة، وحين نؤكد مواقف تاريخية معينة للأفراد او الناس فهدفنا من ذلك تكوين انماط سلوكية ايجابية لدى طلبتنا (25).
لذلك، لانكون مغالين اذا اعتبرنا موضوع التاريخ مركز الثقل في منهاجنا في الحقبة الحرجة التي نمر فيها.
ولقد ايد العديد من المربين والمفكرين ذلك، ولكنهم أكدوا أن تكون موادالتاريخ مقتبسة مختارة متنوعة بحيث تصبح مصدراً لتفكير الطالب وتوجيهه الوجهة التي تنسجم مع قيمنا وأهدافنا العليا(26).
ان التعمق في علم التاريخ يكون في المراحل الجامعية ومابعدها في حين تهتم المدارس باعطاء الناشئة دروساً تاريخية مختارة. وتضع أسساً ينبغي مراعاتها في اختيار وانتقاء المواضيع التي تساعد على انجاز وظيفة التاريخ في مجال تكوين "حوافز وقيم لدى الناشئة من ابنائنا وبحيث نحصل على نخبة طبيعية مثقفة قوية في شخصيتها تعي تاريخ أوطنها وتعتز بتراثها الحضاري وتحيط بعمق بالواقع الراهن وتشعر بمسؤوليتها تجاه االمصالح الكبرى وتعرف كيف تعمل من اجل تحقيقها(27).
اما ابرز تلك الأسس فهي:
1.تنمية الاتجاه نحو الولاء للوطن، وترسيخ وحدته.
2.تنمية الوعي بفكرة الوحدة العراقية وتوجيه تدريس التاريخ على نحو يجعل الطالب يعتز بأبناء وطنه ويجعله يدرك بأنه ينتمي الى حضارة عريقة لها دورها الفاعل في التاريخ الانساني.
3.تنمية الادراك بأهمية التراث الحضاري في العراق ودوره في تشييد الحضارة الانسانية.
4.تنمية التفكير الناقد لدى الناشئة وذلك عن طريق تكوين النزعة العلمية لديهم، وهذه النزعة هي أكثر من مجرد طريقة تاريخية مضمونها عدم الحكم على مواضيع تفتقر إلى الإثباتات حتى في مجال حياتهم الاجتماعية، وبهذا نربي فيهم روح الثقة والصلابة القائمة على الفكر دون الجمود (28)

-8-
ان تحقيق اهداف التاريخ، في مجال البناء الوطني للشباب يتطلب توفر مدرس للتاريخ يدرك قبل كل شئ بأنه ينتمي الى وطن عريق والى حضارة زاهرة، وعليه ان يكون مخلصاً لوطنه مواليا له مثل ولائه للحقيقة والانسانية. وعندئذ، يستطيع ان يسهم في بناء شخصية طلبته، وتكوين جيل يفهم مرحلته، فضلاً عمّا يفرضه البناء العلمي المتين ومتطلبات العصر ومستجداته وهذا يكون من خلال وضع مناهج دراسية في مختلف المراحل تاخذ بنظر الاعتبار الاسس العلمية والتربوية والنفسية المعروفة لدى صانعي المناهج (29).
الهوامش:
(1) انظر: احسان محمد الحسن "مهام الشباب العربي في عملية نقل العلم والتكنولوجيا"، مجلة دراسات عربية، بيروت، السنة 27، العدد 3،4 ، كانون الثاني – شباط 1991، ص63.
(2) عبد الله عبد الدائم، الثورة التكنولوجية في التربية الحديثة، (بيروت، 1974)، ص ص 53 – 55.
(3) انظر: سليمان موسى ،الحركة العربية (بيروت، 1977)، ص 282
(4) انظر: ابراهيم خليل احمد، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516 – 1916، (الموصل، 1983)، ص ص 239، 378 – 404.
(5) المصدر نفسه، ص ص 404 – 422.
(6) للتفاصيل انظر: سليمان موسى، المصدر السابق ،ص283
(7) انظر: وداد القاضي "عشرون سنة من المستقبل العربي: التاريخ" مجلة قضايا عربية، بيروت، السنة6، العدد2 ، حزيران 1979، ص 30.
(8) عبد العزيز الدوري "نظرة الى التاريخ" محاضرة عامة القيت في الجامعة الأردنية،غير منشورة .
(9) انظر كتابه: نحن والتاريخ، (بيروت، 1959)، ص ص 17 – 18.
(10) ترجم كتابه من قبل الاستاذ وديع الضبع ونشرته مكتبة النهضة المصرية في القاهرة سنة 1948 وهو كتاب نادر ومهم لدي نسخة منه .انظر الصفحات 60 ،61 ،65 ،140 .
(11) للتفاصيل انظر: ابراهيم خليل احمد، تطور التعليم الوطني في العراق 1869 – 1932، (البصرة، 1982)، ص ص 159 – 246.
(12) للتفاصيل انظر: ساطع الحصري، مذكراتي في العراق، جـ1، 1921 – 1927، (بيروت، 1967)، ص 38.
(13) المصدر نفسه، جـ1، ص 38.
(14) المصدر نفسه، جـ1، ص38.
(15) للتفاصيل انظر: محمد عبد الرحمن برج، ساطع الحصري، (القاهرة، 1969)، ص ص 161 – 162.
(16) المصدر نفسه، ص 162.
(17) انظر: عماد احمد الجواهري، نادي المثنى وواجهات التجمع القومي في العراق 1934 – 1942، (بغداد، 1984)، ص ص 13 – 14.
(18) احمد، تطور التعليم الوطني في العراق، ص ص 343 – 345.
(19) نشر ببغداد سنة 1939.
(20) شوكت، هذه أهدافنا، ص ص 42 – 45.
(21) المصدر نفسه، ص ص 42- 45.
(22) احمد، تطور التعليم الوطني، ص 354.
(23) المصدر نفسه، ص 355.
(24) مجلة آفاق عربية، السنة (12)، العدد 13، كانون الأول 1988، ص ص 10 – 11.
(25) للتفاصيل انظر: فاروق عمر فوزي، دور التاريخ في التوعية القومية، (بغداد، 1988)، ص ص 5 – 14.
(26) المصدر نفسه، ص 13.
(27) المصدر نفسه، ص ص 6 – 7.
(28) المصدر نفسه، ص ص 14 – 15.
(29) انظر: الدوري، المصدر السابق .