المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتَّاب المناكفة السياسية



د. محمد اسحق الريفي
08/05/2009, 12:22 PM
كتَّاب المناكفة السياسية

أ.د. محمد اسحق الريفي

كثير من الكتَّاب يتفننون في أساليب المناكفة السياسية، ويختارون عناوين لمقالاتهم تثير القارئ العربي، الذي يبحث عن الفضائح والإثارة، ولا يستطيع استيعاب الحقيقة المجردة إلا بتناولها في سياق المناكفة السياسية، ما يكرس السطحية في التفكير لدى القارئ ويشجعه على ممارسة العنف اللفظي والمعنوي.

وقد يلجأ كاتب المقالات السياسية أحياناً إلى أساليب المناكفة السياسية خلال خوضه للدعاية الحزبية المضادة، حيث يسعى الكاتب عادة إلى النيل من شخصيات حزبية أو حزب بعينه أو فئة من الناس، ولكنه غالباً يفعل ذلك انسياقاً وراء رغبة المواطن العربي، الذي لديه نزعة قوية لتناول القضايا والمشاكل بنوع من العبثية والردح السياسي، للتسلية في معظم الأحيان، وللتهرب من المسؤولية الفردية تجاه قضايا الوطن والأمة، خاصة أن آفاق العمل السياسي تبدو مغلقة أمام المواطن العربي في ظل حالة الاستبداد السياسي التي نعيشها، والخلل في العمل الحزبي السياسي، وغياب المجتمع المدني القائم على احترام حرية التعبير.

والمناكفة السياسية هي نقيض الحوار الجاد والهادف، وهي جدل يستخدم فيه المتجادلون العنف اللفظي والمعنوي والمماحكة والمجاكرة، والتنابز بالألقاب، واللمز والسخرية والاستهزاء، والشتم والتناجش، والاتهام الذي يتجاوز الحقيقة إلى البهتان، وشخصنة القضايا، وتجاوز الموضوعية، والقفز على الحقائق، وعدم الاحتكام إلى العقل والمنطق والدين. ولا يهدف الخائضون للمناكفة السياسية في أحيان كثيرة إلى الوصول إلى الالتقاء مع خصومهم على الحد الأدنى من المواقف السياسية المتفق عليها بينهم، وإنما يهدف كل طرف إلى تخطيء الطرف الآخر والنيل من صحة منهجه وفضحه وتعريته، عادة في سياق استقطاب حزبي عنيف.

لا شك أن للكاتب السياسي أهدافاً سياسية يسعى لتحقيقها عبر مقالاته السياسية، التي لا تخلو من خطاب سياسي وإعلامي موجه للفئة التي يستهدفها الكاتب، ويتضمن هذا الخطاب السياسي مفردات سياسية تعبر عن آراء واتجاهات ومواقف سياسية معينة يسعى الكاتب إلى إقناع القارئ بها وبصحتها. ويعتمد نجاح الكاتب في تحقيق أهدافه على أسلوب تناول الفكرة وتحليل الأحداث وانتقاد الأشخاص، ويعتمد أيضاً على المفردات التي يستخدمها، لأنها المتن الذي يحمل الأفكار ويعبر عن الآراء والمواقف، ولأنها تيسر للقارئ معالجة الأفكار التي تحملها في وعيه، حيث يتفاعل الوعي مع أيديولوجية القارئ وانتمائه الحزبي، فتتشكل آراؤه واتجاهاته، وتتكون مواقفه السياسية. ولا شك أن نسبة كبيرة من القراء لا يسعفهم وعيهم في تبني مواقف سياسية سليمة، لأنهم يبحثون فقط عن الفضائح السياسية والإثارة الرخيصة ويستمتعون بالغمز واللمز والقدح والردح، ولأنهم لا يستطيعون تجرع الحقيقة المجردة بمعزل عن العواطف.

ولذلك يجدر بكتَّاب المناكفة السياسية أن يسألوا أنفسهم: ما جدوى توجيه مقالاتهم السياسية لجمهور المناكفة والردح السياسي؟!!، ولماذا لا يحرصون على مخاطبة وعي القارئ ووجدانه بالمنطق والحقيقة بعيداً عن أساليب الإثارة المبتذلة؟!!

وفي خضم حالة الاستقطاب الحزبي الحادة والصراع السياسي العنيف الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفة المحتلة وغزة، فإن تناول النهج السياسي والأفكار والمواقف السياسية والممارسات الحزبية بالنقد والتحليل أولى من تناول شخصية سياسية أو حزبية بالتشريح والتعرية، وتوعية المواطن الفلسطيني بالممارسات العدوانية للعدو الصهيوني والتحديات الخطيرة التي يشكلها على وجود الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية أولى من إثبات صحة الموقف السياسي الحزبي والانتصار للحزب وشخوصه ورموزه، وتوعية المواطن الفلسطيني بأهمية المواطَنة الصالحة والإيجابية أولى من استقطابه والاستحواذ على وجدانه وأفكاره، وتنميته بشرياً وإنسانياً ووطنياً أولى من تحريضه ضد جهة معينة والتأثير على مواقفه السياسية...

وفي الخاتمة، يجب أن لا يجرنا انكباب القارئ العربي على المواضيع التي تتضمن استهزاء وشتماً مبطناً أو ظاهراً واستخفافاً بالناس إلى الكتابة لجمهور المناكفة السياسية، ويجب على الكاتب أن ينأى بنفسه أن يتحول إلى مهرج يبدد جهده ووقته وتفكيره في تسلية الجمهور وإدخال السرور على نفسه، فنحن كتَّاب المقال السياسي مطالبون بالاهتمام أكثر بالمضمون والحقيقة والتوعية والتعبئة، وليس فقط بالنص والتعبيرات والمفردات على حساب الجبهة الداخلية!

8/5/2009