المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقد المقاولة .. أحكامها – الالتزامات الناشئة عنها – حقوق المقاول – انقضاءها - مستندها



المحامية علياء النجار
17/05/2009, 10:20 AM
عقد المقاولة ..
أحكامها – الالتزامات الناشئة عنها – حقوق المقاول – انقضاءها - مستندها

تعددت أشكال المقاولة وصورها في العصر الحاضر، وكثر الإقبال عليها سواء على الصعيد الحكومي بإنشاء كثير من المرافق الحيوية كالمصانع والمشافي والمدارس، أم على الصعيد الخاص في الإنشاء والتعمير، ويزداد حجم المقاولات كل عام في مختلف الدول، مما كان لها أثر واضح في اقتصاد البلاد وفي أوضاع العاملين في هذا القطاع، مما أوجب تنظيم عقد المقاولة في القوانين المدنية المعاصرة.
والمقاولة: عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر.وقد حلت المقاولة محل كل من الاستصناع وإجارة الأعمال ((الأجير المشترك أو العام)) في التنظيم القانوني، وأصبحت منفصلة عن هذين العقدين.
فإذا قدم المقاول العمل والمواد فهي كالاستصناع، وإن قدم المقاول العمل فقط فهي إجارة على العمل.
ولإبرام المقاولة صور أهمها ثلاث: أن تتم مباشرة بين المقاول والمستفيد، أو تتم من الباطن (المقاول الثاني) أو بواسطة مؤسسة مالية: بنك أو غيره، عن طريق ما يعرف بالاستصناع الموازي،( وجميع هذه الصور جائز شرعاً، مستمد أحكامها من الفقه الحنفي.)
أما المقاولة من حيث البدل فلها أيضاً صور ثلاث: إما أن يحدد البدل بمبلغ إجمالي، وهي الصورة الغالبة أو النمطية، وإما بالتكلفة وضم نسبة ربح للمقاول، وإما على أساس سعر الوحدة القياسية
وكل إضافة أو تعديل على بنود المقاولة يلزم صاحب العمل بدفع المقابل باتفاق جديد بين الطرفين.
ولهذه الإضافات حالات ثلاث:
الأولى: حالة تعديل التصميم أو زيادة التكاليف لسبب يرجع إلى صاحب العمل، كتقديمه معلومات خطأ عن أبعاد البناء.
الثانية: إذا حدث في التصميم تعديل أو إضافة بإذن صاحب العمل.
الثالثة: حالة إقامة بناء أو إنشاء على أرض مقدمة من صاحب العمل إذا كانت تشوبه عيوب تبلغ من الجسامة حداً يجعله غير صالح للاستعمال المقدر له، ويقتضي الأمر إزالته، والإزالة قد ترتب أضراراً بالغة للمقاول.
وعقد المقاولة ينشئ التزامات متقابلة على كل من صاحب العمل كدفع البدل بعد تسلم العمل كله أو بعضه، والمقاول كإنجاز العمل بنحو جيد في الوقت المحدد، وضمان الضرر أو الخسارة الناشئة عن فعله ضمن مدة عشر سنوات أو أطول منها.
وتنقضي المقاولة في حالات مشابهة لانتهاء الإجارة وهي إنجاز العمل المتفق عليه، وفسخ العقد بالتراضي، أو لعذر، أو بسبب عجز المقاول عن إتمام العمل، وموت المقاول.
وإذا وجد مقاولان: أول وثانٍ (المقاولة من الباطن) كانا مسؤولين بالتضامن في التعويض لصاحب العمل عما يحدث خلال عشر سنوات تبدأ من وقت تسليم العمل، من تهدم كلي وتصدع جزئي في البناء، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته، إذا لم يتضمن العقد مدة أطول.
وإذا اقتصر عمل المهندس على وضع التصميم دون الإشراف على التنفيذ، كان مسؤولاً فقط عن عيوب التصميم، لأن الخراج بالضمان أو الغرم بالغنم .


تعريفها :
كل عقد ينشئ التزامات على عاتق الطرفين المتعاقدين، والمقاولة كغيرها من العقود ترتب التزامات معينة على كل من صاحب العمل والمقاول.
أما التزامات صاحب العمل:
1- تسلّم ما تم من العمل بعد إنجازه: على صاحب العمل تسلّم ما تم من العمل، متى أتجزه المقاول ووضعه تحت تصرفه، فإذا امتنع بغير سبب مشروع، على الرغم من إنذاره رسمياً، وتلف في يد المقاول أو تغيب دون تقصير منه، فلا ضمان عليه، لأن المقاول (أو الأجير الخاص) أمين على في يده، فلا يضمن ما تلف في يده من غير تعد ولا تقصير.
2- دفع الأجرة عند تسلّم المعقود عليه: على صاحب العمل دفع البدل المتفق عليه عند تسلم العمل المعقود عليه، لأن الأجرة تلزم باستيفاء المنفعة ما لم يتفق أو يتعارف على غير ذلك.
فإذا كان عقد المقاولة على أساس الوحدة، مثل كل بناء على حدة، وبمقتضى تصميم معين، ثم تبين أن تنفيذ التصميم يقضي زيادة جسمية في النفقات، جاز لرب العمل أن يتحلل من العقد، مع إيفاء المقاول حقه عما أنجزه من الأعمال مقدرة على وفق شروط العقد.
أما إن كان تنفيذ العمل على أساس تصميم لقاء أجر إجمالي، فليس للمقاول المطالبة بأية زيادة في الأجر.
وإذا لم يعين في العقد أجر على العمل، استحق المقاول أجر المثل، مع قيمة المواد التي يتطلبها العمل.
وإذا لم يتفق المهندس الذي صمم البناء وأشرف على تنفيذه على الأجر، استحق أجر المثل حسب الجاري عرفاً، فإن طرأ ما يحول دون إتمام تنفيذ العمل وفقاً للتصميم الذي أعده، استحق أجر مثل ما قام به من عمل دون الباقي.
وأما التزامات المقاول:
1- المسؤولية عن جودة مادة العمل: إذا تعهد المقاول تقديم مادة العمل كلها أو بعضها، وهي المواد الأولية، كان مسؤولاً عن جودتها على وفق شروط العقد أو العرف الجاري.
2- الحفاظ على مصلحة صاحب العمل: إذا قدَّم صاحب العمل مادة العمل، وجب على المقاول الحرص عليها ومراعاة الأصول الفنية في صنعها، وردّ ما بقي منها لصاحبها، لأنه أمين على مصلحة صاحب العمل، فإن أهمل أو قصر في ذلك، فتلفت أو تعيبت أو فقدت، فعليه ضمانها.
3- تقديم ما يحتاجه إنجاز العمل من آلات وأدوات: على المقاول أن يأتي عملاً بمقتضى العقد بما يحتاج إليه في إنجاز العمل من آلات وأدوات إضافية على نفقته، ما لم يقض الاتفاق العرف بغير ذلك.
4- إنجاز العمل بحسب شروط العقد: يجب على المقاول إنجاز العمل وفقاً لشروط العقد، فإذا أخل بشرط منها، جاز لصاحب العمل طلب فسخ العقد في الحال إذا تعذر إصلاح العمل.
وأما إذا كان إصلاح العمل ممكناً، كان لصاحب العمل إنذار المقاول بتصحيح العمل خلال أجل معقول، فإذا انقضى الأجل دون إتمام التصحيح، جاز له أن يطلب من القاضي فسخ العقد أو الترخيص له في العهدة لمقاول آخر بإتمام العمل على نفقة المقاول الأول.
5- ضمان الضرر أو الخسارة: يضمن المقاول ما تولد عن فعله أو صنعه من ضرر أو خسارة، سواء أكان بتعدية أو بتقصيره أم لا، لأنه (كالأجير المشترك) ضامن لما يسلّم إليه من أموال الناس.
ويستثنى من ذلك ما إذا وقع الضرر بسبب حادث لا يمكن التحرز عنه، عملاً بالقاعدة الشرعية: ((كل ما لا يمكن التحرز عنه لا ضمان فيه)).
فإن كان محل عقد المقاولة إقامة مبانٍ أو منشآت ثابتة أخرى، يصممها المهندس وينفذها المقاول تحت إشرافه، كانا متضامنين في التعويض لصاحب العمل عما يحدث خلال عشر سنوات تبدأ من وقت تسليم العمل، من تهدم كلي أو جزئي في البناء، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته، إذا لم يتضمن العقد مدة أطول، حتى ولو كان الخلل أو التهدم ناشئاً من عيب في الأرض ذاتها، أو رضي صاحب العمل بالعيب.
وإذا اقتصر عمل المهندس على وضع التصميم دون الإشراف على التنفيذ، كان مسؤولاً فقط عن عيوب التصميم، لأن ((الخراج بالضمان)) أو ((الغرم بالغنم)).
ويبطل كل شرط يقصد به إعفاء المقاول أو المهندس من الضمان أو الحد منه، لأن ذلك يتنافى مع المصلحة ومع حق الآخرين.
واحتياطاً من القانون المدني الإسلامي أبان أنه لا تسمع دعوى الضمان بعد انقضاء ثلاث سنوات على حصول التهدم أو اكتشاف العيب، أخذاً بمبدأ المنع من سماع الدعوى وتخصص القضاة.
وأما حق المقاول في الأجر أو البدل:
فمأخوذ من مذهب الحنفية في ضمان الأجير المشترك، بحسب التفصيل الآتي:
أ- إذا كان لعمل المقاول أثر في العين التي يعمل فيها، كالخياط والصباغ، جاز له حبسها، حتى يستوفي الأجرة المستحقة، وإذا تلفت في يده قبل سداد أجره، فلا ضمان عليه ولا أجر له.
ب- وأما إذا لم يكن لعمله أثر في العين كالحمال والملاح، فليس له أن يحبسها لاستيفاء الأجرة، فإن فعل وتلفت، كان عليه ضمان الغصب وهو أنه يضمن الشيء، أياً كان سبب تلفه، قضاء وقدراً، أو بالتعدي أو بالتقصير.

- انقضاء المقاولة:
نصت القوانين المدنية على حالات انتهاء أو انقضاء المقاولة وهي الحالات المشابهة لحالات انتهاء الإجارة لدى الحنفية :
1- إنجاز العمل المتفق عليه: إذا أنجز المقاول العمل المطلوب منه، لم يبق مسوغ لبقاء عقد المقاولة.
2- فسخ العقد بالتراضي أو بالقضاء: ينتهي العقد باتفاق الطرفين على إنهائه أو فسخه، فإن لم يتفقا على ذلك، جاز فسخه قضاءً بطلب أحد الطرفين.
3- فسخ العقد لعذر: إذا حدث عذر يحول دون تنفيذ العقد، أو إتمام تنفيذه، جاز لأحد عاقديه أن يطلب فسخه أو إنهاءه حسب الأحوال، كما تفسخ الإجارة في مذهب الحنفية بالأعذار الطارئة، فإذا تضرر أحد العاقدين بالفسخ، جاز له مطالبة الطرف الآخر بالتعويض المتعارف عليه.
4- عجز المقاول عن إتمام العمل: إذا أصبح المقاول عاجزاً عجزاً كلياً عن إتمام العمل لسبب لا يد له فيه من مرض أو حادث جسيم، فإن المقاولة تنتهي، ويستحق المقاول قيمة ما أتم من الأعمال وما أنفق في سبيل التنفيذ.
5- موت المقاول: ينتهي عقد المقاولة بموت المقاول إذا كان متفقاً مع صاحب العمل على أن يعمل بنفسه أو اعتباراً بمؤهلاته الشخصية.
فإن لم يكن هناك مثل هذا الشرط أو لم تكن مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد، جاز لصاحب العمل طلب فسخ العقد إذا لم تتوافر في الورثة الضمانات الكافية لحسن تنفيذ العمل.
وفي حال الموت أو الفسخ يدخل في التركة قيمة ما تم من الأعمال والنفقات بحسب شروط العقد وبمقتضى العرف.

- حكم الشرط الجزائي في عقود المقاولات :
يجوز هذا الشرط في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول
و يجوز في المقاولة الأخذ بالشرط الجزائي، منعاً من تأخر المقاول من إنجاز عمله في الوقت المحدد في صلب عقد المقاولة إذا نص في عقد المقاولة بين العاقدين على الأخذ بمقتضاه، أو باتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.
- حكم تحديد ضمان العيوب بمدة معينة والبراءة بعدها:
ليس من المعقول ولا من المقبول شرعاً تحقيقاً للعدالة وتوازن المصالح بين عاقدي المقاولة تحمل المقاول تبعة ضمان العيوب المحتملة أو التي قد تقع في المستقبل لمدة طويلة أو مفتوحة، وإنما لابدَّ من تحديد مدة معينة لتوجيه المسؤولية له، ثم يصبح بريئاً بعدها، وهذا ما عليه عرف المقاولات وواقع تنفيذ الأعمال.
وقد حسمت القوانين هذا الحكم وأنهت مشكلة المدة، وقررت كما تقدم في بيان التزامات المقاول بأنه إن كان محل عقد المقاولة إقامة مبانٍ أو منشآت ثابتة أخرى، يصممها المهندس وينفذها المقاول تحت إشرافه، كانا متضامنين في التعويض لصاحب العمل عما يحدث خلال عشر سنوات، تبدأ من وقت تسليم العمل، من تهدم كلي أو جزئي في البناء، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته إذا لم يتضمن العقد مدة أطول، حتى ولو كان الخلل أو التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها أو رضي صاحب العمل بالعيب، أي إن المسؤولية تظل قائمة ضمن هذه المدة، ولو حدث تراضٍ على الإعفاء منها أو التخفيف منها، رعاية للمصلحة العامة.
ويتبين من هذا أنه يمكن بالاتفاق أو التراضي بقاء المسؤولية عن العيوب لمدة أطول من عشر سنوات من تاريخ تسليم العمل، ويعد هذا التوجه مجالاً لتشديد المسؤولية وإطالة أمدها، ضماناً لمصلحة صاحب العمل ورعاية النفع العام.



الرأي الفقهي في المواد المتعلقة بعقد المقاولة والتزام المقاول :

مادة 617/
الرأي الفقهي:
يعرض النص لضمان المهندس المعماري والمقاول للتهدم أو العيوب التي تصيب ما أقاماه من مبان أو منشآت ثابتة أخرى. ونظراً لخطورة تهدم المباني أو تصدعها بالنسبة إلى رب العمل وبالنسبة إلى الغير، شدد المشرع من هذا الضمان، حتى يدفع المهندس والمقاول إلى بذل كل عناية ممكنة فيما يشيدانه من المنشآت. فالضمان هنا ضمان خاص مقصور على دائرة معينة، وهذه الدائرة تتحدد بتحديد طرفي الضمان وسببه. وعلى هذا يتوجب بحث أربعة مواضيع:
1 ـ طرفا الضمان. 2 ـ سبب الضمان. 3 ـ جزاء الضمان. 4 ـ انتفاء الضمان. 5- مدة الضمان .
1 ـ طرفا الضمان:
طرفا الضمان هما طرفا عقد المقاولة محلها منشآت ثابتة:
حتى يمكن أن يتحقق الضمان، يجب أن يكون هناك عقد مقاولة محلها منشآت ثابتة. فيجب إذن أن تقع المقاولة على منشآت ثابتة، وعلى رأسها المباني من أي نوع كان. ولا يشترط أن يكون المبنى قد شيد بالطوب أو بالحجارة، بل يجوز أن يكون مشيداً بالخشب أو بالحصير (كباين الاستحمام). والمهم أن يكون البناء مستقراً ثابتاً في مكانه لا يمكن نقله دون هدمه. ومع ذلك، فالمصعد وهو يرتفع ويهبط يعتبر في حكم الثابت في مكانه، لأنه لا يتعدى دائرة محدودة في تحركه، ومن ثم يعد من المنشآت الثابتة. ولكن العقار بالتخصيص لا يعتبر من المنشآت الثابتة، إذ هو في طبيعته منقول غير ثابت فيكون ضمانه وفقاً للقواعد العامة.
ولا تدخل أعمال البياض والدهان، ولا أعمال الزخرفة، لأن هذه الأعمال ليس من شأنها أن تهدد سلامة البناء أو متانته (استئناف مختلط 30 مايو 1901 المحاماة 13 ص347). وتدخل الترميمات اللازمة للأجزاء الرئيسية للمباني، وهي الأجزاء التي تعتمد عليها سلامة المباني ومتانتها.
ويجب أن يكون العقد الواقع على المنشآت الثابتة هو عقد مقاولة. فإذا كان العقد عقد مقاولة، ترتب الضمان، ويستوي في ذلك أن يكون الأجر مقدراً جزافاً أو مقدراً بسعر الوحدة، أو أن يكون الأجر مقدراً بحسب أهمية العمل، أو كان أجراً ثابتاً يعطى للمهندس أو المقاول طول مدة العمل.
2 ـ المدين بالضمان:
والذي يترتب في ذمته الضمان هو المهندس المعماري والمقاول في عقد المقاولة. ولا يشترط في المهندس المعماري أن يكون حاملاً مؤهلاً فنياً في هندسة المعمار، فما دام الشخص يقوم بمهمة المهندس المعماري فهو ملتزم بالضمان. وإذا تعدد المهندسون المعماريون، كان كل منهم ملتزماً بالضمان في حدود العمل الذي قام به.
والمقاول هو الذي يعهد إليه في إقامة المنشآت الثابتة. ويستوي أن تكون المواد التي أقام بها المنشآت قد أحضرها من عنده أو قدمها له رب العمل. ففي الحالتين يلتزم بالضمان. وإذا تعدد المقاولون، التزم كل منهم في حدود الأعمال التي قام بها كل منهم وضمن هذه الحدود.
3 ـ الدائن بالضمان:
والذي يطالب بالضمان في عقد المقاولة هو رب العمل، فيرجع على المهندس المعماري أو على المقاول، أو عليها معاً متضامنين. وإذا مات رب العمل حل محله في المطالبة بالضمان ورثته. كذلك يجوز لدائنيه أن يرفعوا الدعوى غير المباشرة باسمه للمطالبة بالضمان. كما يجوز أن يكون دائناً بالضمان الخلف الخاص، تبعاً لنظرية الاستخلاف في الحقوق والالتزامات. ويجوز للمشتري أن يرجع على بائعه بضمان العيب، وفي هذه الحالة يكون للبائع، وهو رب العمل، أن يرجع بدوره على المهندس أو المقاول بالضمان، وله أن يدخلهما ضامنين في دعوى العيب التي يرفعها على المشتري.
ولكن رب العمل لا يكون دائناً بالضمان إذا كان مقاولاً أصلياً تعاقد مع مقاول من الباطن. كذلك لا يلتزم المقاول بالضمان نحو رب العمل، إذ لا توجد علاقة عقدية بينهما.
4 ـ سبب الضمان:
يرجع سبب الضمان إلى البناء. فالضمان يشمل ما يحدث في المنشآت من تهدم كلي أو جزئي، ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها. كما يشمل ما يوجد في المنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته. وليس من الضروري أن يتهدم البناء كله أو بعضه، بل يكفي أن يظهر فيه عيب يترتب عليه الضمان، وهذا العيب إما أن يكون في المواد التي استعملت في البناء أو أن يكون العيب في الصنعة نفسها.
وسواء كان العيب في المواد، أو في أصول الصناعة، أو في الأرض، فإنه يجب أن يتوفر فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون العيب من الخطورة بحيث يهدد سلامة البناء أو متانته.
الشرط الثاني: أن يكون العيب خفياً.
ومتى تحقق سبب الضمان الذي يرجع إلى البناء، فإن المقاول الذي قام بالبناء يكون ملتزماً بالضمان، وكذلك المهندس المعماري الذي عهد إليه بالإشراف على التنفيذ وتوجيه العمل، وهما متضامنين في الالتزام بالضمان. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص106 وما بعد).
5- مدة الضمان:
سواء رجع سبب الضمان إلى البناء أو إلى التصميم، فإنه يجب أن يقوم في مدة معينة إذا انقضت ولم يكن سبب الضمان قائماً لم يكن هناك محل للرجوع بالضمان.
وواضح أن سبب الضمان الراجع إلى التصميم يكون قائماً قبل التسليم بل قبل التنفيذ، ويستمر قائماً بعد التنفيذ والتسليم. ولذلك يكون هذا السبب موجباً للضمان دون حاجة إلى تحديد وقت معين يقوم فيه فهو قائم منذ البداية.
أما سبب الضمان الراجع إلى التنفيذ، فقد يوجد قبل التسليم ويكون خفياً، فيتسلم رب العمل الشيء دون أن يفطن للعيب. ومن ثم يكون العيب موجباً للضمان دون حاجة هنا إلى تحديد وقت معين يقوم فيه، فهو قائم قبل التسليم. والسبب الذي يحتاج إلى وقت معين يقوم فيه، هو السبب الذي يرجع إلى التنفيذ إذا طرأ بعد التسليم. ونظراً إلى خطورة المباني، ووجوب امتداد الضمان إلى ما بعد التسليم، فقد حدد المشرع مدة لذلك هي عشر سنوات تبدأ من وقت التسليم. ولا عبرة للعيب الذي يظهر بعد ذلك، حتى ولو كان العيب يرجع إلى مخالفة عمدية للشروط والمواصفات المتفق عليها، حتى ولو تهدم البناء بعد انقضاء عشر سنوات فأصاب الغير بضرر ورجع الغير على رب العمل، فإن هذا الأخير لا رجوع له على المقاول أو المهندس بعد انقضاء مدة الضمان.
وإذا وجد العيب خلال مدة العشر سنوات، تحقق الضمان، حتى لو لم ينكشف إلا بعد هذه المدة. وفي هذه الحالة لا يبدأ سريان التقادم، ومدته ثلاث سنوات، إلا من وقت انكشاف العيب لا من وقت وجوده.
ويبدأ سريان مدة العشرة سنوات من وقت تسليم العمل. وإذا أبى رب العمل، فمن وقت إعذاره. وإذا كان التسليم على عدة دفعات، فمن وقت أن تتم الدفعة الأخيرة إذا كانت المنشآت لا يمكن تجزئتها لارتباط بعضها ببعض من ناحية الصلابة والمتانة. أما إذا كانت المنشآت يمكن تجزئتها بحيث لا ارتباط بين جزء وآخر، فمن وقت تسلم كل جزء بالنسبة إلى هذا الجزء. ويمكن إثبات التسلم وتاريخه بمحضر التسليم إذا وجد، أو بتسوية الحساب بين رب العمل والمقاول إذا وجد مستند يثبت ذلك، أو أية طريقة من طرق الإثبات، وتدخل البينة والقرائن لأن التسليم واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق. وعبء إثبات التسلم يقع على عاتق رب العمل.
ومدة عشر سنوات ليست بمدة تقادم، ومن ثم لا تكون عرضة لأي وقف، ولو وجد مانع يتعذر معه على رب العمل أن يطالب بحقه، كذلك لا تكون عرضة لأن تنقطع.
ويجوز الاتفاق على إطالة المدة، لأن الممنوع هو الإعفاء أو الحد من الضمان، لا التشديد فيه. ولكن لا يجوز الاتفاق على أن تكون المدة أقل من عشر سنوات.
وإذا حرر محضر التسليم بعد التسلم الفعلي، فالعبرة بتاريخ التسلم لا بتاريخ المحضر. وكذلك الأمر فيما لو سبق التسلم الفعلي تسوية الحساب مع المقاول، فالعبرة بتاريخ التسلم الفعلي. أما إذا كان التسلم قد سبق إنجاز العمل، فالعبرة بتاريخ إنجاز العمل لا بتاريخ التسلم الفعلي.(الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص121 فقرة 2 / 67).




/مادة 618/
الرأي الفقهي:
سبب الضمان يرجع إلى التصميم:
ترى من النص أن سبب الضمان قد يرجع إلى عيب في التصميم. فإذا وضعه المقاول أو المهندس أو شخص آخر غيرهما، كان واضع التصميم هو المسؤول عن عيوب التصميم، ويجب عليه الضمان.
أما إذا كان رب العمل هو واضع التصميم، وكان معيباً، كان هو الملوم، ولا يرجع على أحد.
وعيوب التصميم إما أن ترجع إلى خطأ في أصول الهندسة المعمارية، وإما أن ترجع عيوب التصميم إلى مخالفة قوانين البناء ولوائحه.
وسواء رجع عيب التصميم إلى أصول الفن المعماري، أو إلى مخالفة القوانين واللوائح، فإن واضع التصميم يجب عليه الضمان، سواء أشرف على التنفيذ أو لم يشرف. غير أنه إذا أشرف على التنفيذ يكون مسؤولاً عن عيوب التصميم وعن عيوب التنفيذ في وقت معاً، ويكون متضامناً مع المقاول في حدود عيوب التنفيذ ومستقلاً وحده في الضمان عن عيوب التصميم، ولا يكون المقاول مسؤولاً معه. أما إذا لم يشرف على التنفيذ واقتصر على وضع التصميم، فإنه يكون ملتزماً بالضمان عن عيوب التصميم وحده، ولا يضمن عيوب التنفيذ إذا لم يشرف عليه، ولا يكون المقاول الذي قام بالتنفيذ ملتزماً بضمان عيوب التصميم إذا كان التصميم ليس من وضعه. ولكن إذا كان العيب في التصميم من الوضوح بحيث لا يخفى على المقاول، لا سيما إذا كان العيب يتعلق بمخالفته قوانين البناء ولوائحه، وأقدم المقاول على تنفيذ التصميم بالرغم من العيب الذي فيه، فإنه يكون هو أيضاً ملتزماً بالضمان، ويكون في التزامه هذا متضامناً مع المهندس.
ويلاحظ أن مخالفة القوانين واللوائح قد لا ترجع إلى التصميم ذاته، بل إلى أعمال التنفيذ، وفي هذه الحالة يكون المقاول الذي قام بأعمال التنفيذ هو الذي يجب عليه الضمان، ويكون المهندس متضامناً معه إذا هو أشرف على التنفيذ.
وفي تقسيم المسؤولية بين المهندس والمقاول، يراعى ما ينسب إلى كل منهما من خطأ. فإن كان الخطأ هو خطأ المقاول وحده، كما إذا ارتكب خطأ في التنفيذ، وكان المهندس متضامناً معه لأنه هو الذي أشرف على اللتنفيذ، فإن المهندس يرجع على المقاول بكل التعويض الذي حكم به عليه. وإذا كان الخطأ هو خطأ المهندس، كما إذا كان الضرر يرجع إلى عيب في الأرض، وكان المهندس دون المقاول هو الذي يستطيع كشف هذا العيب، رجع المقاول على المهندس بكل التعويض الذي حكم به عليه. أما إذا كان الضرر يرجع إلى عيب في المواد التي وردها المقاول، وكان المهندس مشرفاً على التنفيذ، فمن حكم عليه بالتعويض كاملاً يرجع على الآخر بنسبة جسامة خطأه. وفي هذه الحالة يكون خطأ المقاول عادة أكثر جسامة من خطأ المهندس، وقد يتعادل الخطأن فيتحمل كل منهما نصف التعويض.
وإذا رجع أي منهما على الآخر، وليست بينهما علاقة عقدية، رجع بموجب أحكام المسؤولية التقصيرية. فإذا ادعى أحدهما أن الضرر قد نشأ بخطأ الآخر، وجب عليه أن يثبت هذا الخطأ. ومن يرجع منهما على الآخر يحل محل رب العمل في حقوقه فيرجع أيضاً بدعوى الحلول.
هذا وإذا علم المقاول بعيب في التصميم، فله أن يوقف العمل، ولا يعود إليه إلا إذا أصلح العيب. وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصاً في هذا المعنى، فكانت المادة 890 من هذا المشروع تنص على ما يأتي:
1 ـ يجوز لمقاول البناء أن يوقف العمل إذا قرر الخبراء أن تنفيذ التصميم الموضوع لا يمكن أن يتم دون خطر على سلامة البناء.
2 ـ ولكن يجب عليه أن يعود إلى إتمام البناء متى بين الخبراء ما يجب إدخاله على التصميم من تعديلات لتوقي الخطر. (مشروع تنقيح القانون المدني ـ مذكرة ايضاحية ـ 3 العقود المسماة ص46 وقد سقط النص من مجموعة الأعمال التحضيرية). (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص117 وما بعد فقرة 66).

/مادة 619/
الرأي الفقهي:
إن ضمان المقاول والمهندس هو ضمان خاص، فتعتبر أحكامه من النظام العام. ويبرر ذلك أن رب العمل لا يكون عادة ذا خبرة فنية في أعمال البناء، ولذلك حماه القانون هذه الحماية الخاصة. لذلك جعل المشرع أحكام الضمان هذه من النظام العام لا يجوز الاتفاق على محوها أو التخفيف منها.
ويخلص من النص أنه لا يجوز الاتفاق مقدماً على الإعفاء من الضمان أو الحد منه. فلا يجوز أن يشترط المقاول أو المهندس في عقد المقاولة أنه بمجرد تسلم رب العمل البناء تبرأ ذمة المقاول أو المهندس من الضمان عن جميع العيوب الظاهرة والخفية على السواء. فالعيوب الخفية لا يجوز الإعفاء من ضمانها. وكما لا يجوز الإعفاء من الضمان، كذلك لا يجوز الاتفاق على الحد منه. فلا يجوز مثلاً اشتراط أن يكون الضمان لمدة خمس سنوات من وقت تسلم العمل بدلاً من عشر سنوات، أو أن يقتصر الضمان على عيوب معينة، أو ألا يشمل الضمان عيوباً معينة. فكل هذه الاتفاقات باطلة لمخالفتها للنظام العام. ويرجع رب العمل بالضمان كاملاً عن جميع العيوب كل مدة العشر سنوات، بالرغم من أي اتفاق مخالف.
ولكن لا يوجد ما يمنع من تشديد الضمان، إذ أن الضمان إنما قصد به حماية رب العمل، فليس هناك ما يحول دون أن يقوي رب العملل هذه الحماية باتفاق خاص. فيجوزاشتراط أن يبقى الضمان عن العيوب مدة تزيد على عشر سنوات، بحسب جسامة المنشآت ودقة العمل فيها. كما يجوز الاتفاق على أن الضمان يشمل العيوب الظاهرة لمدة عشر سنوات أو أقل أو أكثر، بل يجوز الاتفاق على ضمان المقاول للقوة القاهرة.
جواز نزول رب العمل عن الضمان بعد تحقق سببه:
بعد تحقق سبب الضمان، إذا تبين لرب العمل خطورة العيوب التي انكشفت، فهو حر بعد ذلك، وقد ثبت حقه في الضمان، أن ينزل عن هذا الحق كله أو بعضه نزولاً صريحاً أو ضمنياً.
فإذا انكشف عيب في البناء يتحقق به الضمان، جاز لرب العمل أن ينزل صراحة عن حقه في الرجوع على المقاول أو المهندس بسبب هذا العيب.
وقد يحمل سكوت رب العمل عن الرجوع بالضمان مدة طويلة بعد انكشاف العيب نزولاً ضمنياً عن حقه، ولو كانت هذه المدة أقلمن ثلاث سنوات، وهي المدة التي تتقادم فيها دعوى الضمان، متى اقترن هذا السكوت بملابسات قاطعة في أن رب العملل تعمد بسكوته النزول عن الضمان. ومن هذه الملابسات أن يدفع رب العمل للمقاول أو للمهندس أجره دون تحفظ، أو أن يقوم بإصلاح العيب دون تحفظ ودون إثبات الحاةل ودون أن يدفعه إلى ذلك ضرورة للاستعجال.
وقد يتهدم جزء من البناء ويظهر في باقيه عيب، فيرجع رب العمل بالضمان فيما يتعلق بالتهدم، ولا يرجع الضمان فيما يتعلق بالعيب، فهنا يكون رب العمل قد نزل عن الضمان نزولاً جزئياً في التهدم دون العيب. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص140).

/مادة 620/
الرأي الفقهي:
يتلخص من هذا النص أن رب العمل يستطيع أن يرفع دعوى الضمان في خلال ثلاث سنوات يبدأ سريانها من وقت انكشاف العيب أو حصول التهدم. ويثبت وقت انكشاف العيب أو حصول التهدم بجميع طرق الإثبات، لأن المطلوب هو إثبات واقعة مادية. ولا يكفي لإثبات العلم أن يسكن رب العمل اللمبنى، فقد لا يظهر العيب إلا بعد السكنى بمدة طويلة، فإذا انكشف العيب أو حص التهدم بعد خمس سنوات فعلاً من وقت تسمه البناء، كانت المدة أمامه ثلاث سنوات أخرى لرفع دعوى الضمان، فيكون قد انقضى ثلاث عشرة سنة من وقت تسلم البناء وهذه هي أقصى مدة يمكن أن تنقضي من وقت التسلم إلى وقت رفع الدعوى.
ولما كانت هذه المدة هي مدة تقادم، فإنه يرد عليها أسباب الانقطاع. أما وقف التقادم فلا يرد عليها، لأن المدة لا تزيد على خمس سنوات. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص129).

/مادة 621/
الرأي الفقهي:
يلتزم رب العمل بتسلم العمل بعد إنجازه. والتسلم هنا ليس هو مجرد التسلم، بل هو تقبل العمل والموافقة عليه بعد فحصه.
وهذا المعنى الزائد تقتضيه طبيعة المقاولة، إذ أنها تقع على عمل يجب عند إنجازه أن يستوثق رب العمل من أنه موافق للشروط المتفق عليها، أو لأصول الصنعة، ويكون ذلك بفحصه فالموافقة عليه وهذا هو التقبل.
ولكن ليس ما يمنع من أن يسبق التقبل التسليم أو يليه. فيتسلم صاحب العمل العمل دون أن يتقبله، فيرجىء فحصه إلى فرصة يتمكن فيها من وسائل الفحص. ومن ثم يتم التسلم قبل أن يتم التقبل. فإذا انفصل التقبل عن التسلم فالعبرة بالتقبل دون التسلم، إذ أن ما يترتب من نتائج إنما يترتب على التقبلل. فهذه النتائج يعجل بها مع التقبل إذا سبق، وتتراخى إلى التقبل إذا تأخر عن التسلم. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص147).
شروط التسلم:
يشترط حتى يكون رب العمل ملتزماً بالتسلم، والتسلم هنا يتضمن التقبل، أن يكون العمل موافقاً للشروط المتفق عليها. فإذا لم تكن هناك شروط متفق عليها، أو كانت هناك شروط غير كاملة، فما تقضي به أصول الصنعة لنوع العملل محل المقاولة يحل محل الشروط المتفق عليها أو يكملها إذا كانت ناقصة.
ويجب أن تكون المخالفة للشروط أو لأصول الصنعة التي تبرر عدم التزام رب العمل بالتسلم جسيمة إلى حد أنه لا يجوز عدلاً إلزامه بالتسلم، إذا يكون العمل غير صالح للغرض المقصود منه، كما يتبين من ظروف التعاقد. فإذا لم تبلغ المخالفة هذا الحد من الجسامة، بقي رب العمل ملتزماً بالتسلم، وأن يكون له الحق إما في طلب تخفيض الأجرة أو تعويض عن الضرر. وفي جميع الأحوال، يجوز للمقاول إذا كان العمل يمكن إصلاحه أن يقوم بهذا الإصلاح في مدة مناسبة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص149 فقرة 82).
متى يكون التسلم وأين يكون:
التسلم يقع عادة في اللزمان والمكان اللذين يقع فيها التسليم. فيكون التسلم في الميعاد المتفق عليه أو الميعاد المقبولل لإنجاز العمل وفقاً لطبيعته ولعرف الحرفة. وفي جميع الأحوال، يجب على رب العمل أن يقوم بتنفيذ التزامه من التسلم (والتقبل) بمجرد أن يتم المقاول العملل ويضعه تحت تصرفه، أي يسلمه إياه. ويكون التسليم والتسلم في موطن المقاول أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص150).
اخلال رب العمل بالتسلم:
إذا لم يقم رب العمل بالتزامه من تسلم العمل وتقبله في الميعاد القانوني، كان للمقاول أن يجبره على تنفيذ التزامه عيناً. فما على المقاول بعد أن ينجز العمل ويضعه تحت تصرف رب العمل دون عائق إذا رأى أن هذا الأخير قد تلكأ في معاينة العمل ليتقبله ويتسلمه أن يعذره بالتسلم عن طريق إنذار رسمي على يد محضر ويحدد ميعاداً معقولاً لذلك. فإذا مضى الميعاد، اعتبر رب العمل قد تسلم العمل حكماً، حتى ولو لم يتسلمه حقيقة، وترتب على هذا التسلك الحكمي جميع النتائج التي تترتب على التسلم الحقيقي، وتبرأ ذمة المقاول من العيوب الظاهرة، ويبدأ سريان ميعاد ضمان العيوب الخفية.
ويمكن فوق ذلك، وتطبيقاً للقواعد العامة، أن يلجأ المقاول إلى العرض الحقيقي. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص153 فقرة 86).

/مادة 622/
الرأي الفقهي:
دفع الأجرة يكون في الموعد المحدد في الاتفاق. فإذا لم يوجد اتفاق على ميعاد معين، أو مواعيد معينة، وكان هناك عرف للصنعة يحدد مواعيد دفع الأجر، وجب اتباع ما يقضي به العرف. وإذا لم يوجد لا اتفاق ولا عرف، فإن دفع الأجرة يكون مؤخراً لا مقدماً وعند تسلم العمل. وهذا الحكم هو الذي تقضي به طبيعة عقد المقاولة.
على أن دفع الأجرة عند تسلم العمل مشروط فيه أن يكون العمل مطابقاً للمواصفات والشروط المتفق عليها ولأصول الفن لهذا النوع من العمل. ولرب العمل حبس الأجر، فلا يدفعه لا في الميعاد المتفق عليه، ولا في الميعاد الذي يقضي به العرف، ولا عند تسلم العمل، إذا وجد أن العمل غير مطابق للمواصفات المشترطة، أو غير متفق مع ما تقضي به أصول الصنعة. ويبقى الأجر محبوساً حتى يصلح المقاول العيوب التي شابت العمل، وهذا ما تقضي به القواعد العامة والدفع بعدم تنفيذ العقد.
ويبقى الأجر في ذمة رب العمل واجباً دفعه في الميعاد. وإذا تأخر عن الدفع بقي الأجر في ذمته قائماً حتى يسقط بالتقادم. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص198 وما بعدها).

/مادة 623/
الرأي الفقهي:
هناك ثلاثة شروط لانطباق النص:
1 ـ الشرط الأول:
أن يكون الأجر متفقاً عليه بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة. فإذا كان مقدار الأجر غير متفق عليه أصلاً، أو متفقاً عليه ولكنه أجر إجمالي على أساس تصميم معين، فإن النص لا ينطبق.
2 ـ الشرط الثاني:
مجاوزة المقايسة مجاوزة محسوسة لسبب لم يكن معروفاً وقت العقد. والمقصود مجاوزة المقايسة مجاوزة محسوسة هو مجاوزة كميات الأعمال المقدرة في المقايسة لا مجاوزة أسعارها، لأنه في الحالة الأخيرة لا يعتد بها، والعبرة بالأسعار الواردة في المقايسة. وعلى كل حال، لا يقام لزيادة الأسعار الفعلية عن الأسعار الواردة في المقايسة وزن، إلا في حدود نظرية الظروف الطارئة مطبقة في مبدئها العام.
ولا يكفي أن تكون الزيادة محسوسة، بل يجب أيضاً ألا تكون متوقعة وقد إبرام عقد المقاولة. فإذا كانت المجاورة متوقعة عند إبرام عقد المقاولة، أو كان من الممكن توقعها، زاد الأجر بمقدار هذه المجاوزة، ولا خيار لرب العمل.
3 ـ الشرط الثالث:
أن يخطر المقاول بمجرد تبينه للزيادة رب العمل بذلك. ولم يشترط النص شكلاً خاصاً لهذا الإخطار ولا ميعاداً معيناً يجب أن يتم فيه. ولذلك يجوز أن يكون الإخطار على يد محضر، أو بكتاب مسجل، أو بكتاب عادي، أو شفوياً. وعلى المقاول عبء إثبات أن الإخطار قد تم. ويجب أن يتم الإخطار فور تبين المقاول للزيادة. فإذا سكت من الإخطار بعد تبينه الزيادة مدة لا مبرر لها، حمل ذلك على أنه نزول ضمني عن حقه في استرداد قيمة هذه الزيادة، وبقي الأجر كما جاء في المقايسة دون تعديل. ويجب أن يشتمل الإخطار على مقدار ما يتوقعه المقاول من الزيادة في الكم وما يستتبع ذلك من زيادة الأجر، ويتقيد بما ذكره في الإخطار.
فإذا لم يخطر المقاول رب العمل بالمجاوزة، أو أبطأ في إخطاره بدون مبرر، أو لم يذكر في الإخطار مقدار ما يتوقعه من الزيادة، أو في القليل الأسس التي تقوم عليها المجاوزة المتوقعة، سقط حقه في استرداد ما جاوز به قيمة المقايسة من نفقات. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص164 فقرة 95).
المجاوزة جسيمة:
إذا كانت المجاوزة جسيمة، فإن رب العمل يكون بالخيار بين أمرين:
1 ـ الأمر الأول: أن يبقى مقيداً بالمقاولة ويطلب من المقاول إتمام العمل. وفي هذه الحالة يزيد الأجر بما يتناسب مع الزيادة الجسيمة، ويبقى عقد المقاولة نافذاً بجميع شروطه، فيما عدا الأجر فإنه يزيد الزيادة المناسبة.
2 ـ الأمر الثاني: أن يتحلل رب العمل من المقاولة إذا رأى أن الزيادة الجسيمة في الأمر مرهقة له. وفي هذه الحالة يطلب من المقاول وقف العمل، على أن يكون ذلك دون إبطاء. فإذا أبطأ في هذا الطلب إبطاء لا مبرر له كان للمقاول أن يمضي في العمل. ويفترض أن رب العمل قد اختار الأمر الأول، أي إيفاء المقاولة مع الزيادة في الأجر. والطلب الذي يتقدم به رب العمل لوقف التنفيذ لا يشترط فيه شكل خاص، فقد يكون على يد محضر أو مكتوباً أو شفوياً، ولكن عبء إثبات التقدم بهذا الطلب يقع على عاتق رب العمل. فإذا تقدم رب العمل بهذا الطلب، وجب على المقاول أن يوقف تنفيذ العمل، ويتحلل رب العمل من المقاولة، ولكن يجب عليه أن يعوض المقاول بإيفائه قيمة ما أنجزه من الأعمال مقدرة وفقاً لشروط العقد، دون أن يعوضه عما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل. فيرد للمقاول قيمة ما أنجزه من الأعمال إلى يوم إخطاره بوقف العمل، وتقدر هذه القيمة لا بحسب ما أنفق المقاول فعلاً، بل بحسب ما هو مقدر طبقاً لما جاء في المقايسة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص167).

/مادة 624/
الرأي الفقهي:
نطاق تطبيق النص:
المفروض لتطبيق النص أن هناك عقد مقاولة حدد فيه الأجر إجمالاً على أساس تصميم متفق عليه بين المقاول ورب العمل. وعلى هذا، هناك شروطاً ثلاثة يجب توافرها في عقد المقاولة حتى يدخل في نطاق تطبيق النص:
ـ الشرط الأول: أن يكون الأجر قد حدد بمبلغ إجمالي لا يزيد ولا ينقص. وقد أراد رب العمل أن يحدد نهائياً ومقدماً مقدار الأجر الذي يدفعه. حتى إذا كان الأجر الإجمالي غير محدد تحديداً نهائياً فلا يدخل في هذا الفرض.
ـ الشرط الثاني: أن تكون المقاولة على أساس تصميم متفق عليه، وذلك حتى تتبين حدود العمل على وجه كامل واضح نهائي. فيجب أن يكون التصميم كاملاً، ولا يلزم أن يتمثل في رسوم، ولكن يجب أن يكون وصفاً كاملاً يتضمن جميع الأعمال المطلوبة. ويجب أن يكون التصميم كاملاً وقت إبرام المقاولة، لا في وقت لاحق، وذلك حتى تكون المقاولة قد أبرمت على أساس تصميم معين متفق عليه. ثم يجب أن يكون التصميم واضحاً مفصلاً دقيقاً. وأخيراً يجب أن يكون التصميم نهائياً.
ـ الشرط الثالث: أن يكون عقد المقاولة مبرماً بين رب العمل الأصلي والمقاول. أما إذا أبرم بين مقاول أصلي ومقاول من الباطن، فلا يسري النص وإنما القواعد العامة.
ومتى توافرت الشروط الثلاثة فقد دخلنا في نطاق تطبيق المادة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون المقاولة محلها إقامة بناء أو غير ذلك، كصنع أثاث، أو أن يكون محلها عملاً كبيراً أو عملاً صغيراً. وإذا توافرت الشروط الثلاثة، فإن الأجر الإجمالي الجزافي الذي اتفق عليه الطرفان في عقد المقاولة لا يكون قابلاً للتعديل لا بالزيادة ولا بالنقص، وذلك حتى لو أدخل المقاول تعديلاً على التصميم ولو كان نافعاً أو ضرورياً، أو زادت أسعار المواد الأولية أو أجور العمال. وليس هذا تمشياً مع إرادة المتعاقدين، فقد قصد رب العمل من أن يكون الأجر إجمالياً جزافياً، وقبل المقاول منه ذلك، لأنه أراد أن يعرض بصفة نهائية حاسمة ما يجب عليه دفعه من الأجر، فهو يقصد أن يطمئن إلى مركز مستقر ثابت فلا يفاجأ بأية زيادة.
ويقال عادة أن هذا الحكم ليس من النظام العام، فيجوز للمتعاقدين أن يتفقا على خلافه. ولكننا نرى أنه إذا توافرت في المقاولة الشروط الثلاثة، فإنه لا يتصور الاتفاق العكسي، ويجب إعمال المادة 658 مدني (624 سوري) فلا يزيد الأجر المتفق عليه ولا ينقص بأي حال من الأحوال.
بل إن الأجر المتفق عليه لا تجوز زيادته حتى بطريق غير مباشر. فلو أن المقاول وجد أن من الضروري إدخال تعديل في التصميم كان من شأنه أن زادت تكاليف العمل على الأجر المتفق عليه، فإنه لا يتقاضى إلا الأجر المتفق عليه، ولا يستطيع أن يرجع بزيادة التكاليف ولو عن طريق دعوى الإثراء بلا سبب. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص117 فقرة 100 و 101).

/مادة 625/
الرأي الفقهي:
إذا سكت المتعاقدان عن تعيين مقدار الأجر، فيتكفل القانون بتعيين هذا المقدار. وهذا التحديد يقوم على عنصرين، قيمة العمل الذي أتمه المقاول، وما تكبده من نفقات في أنجازه. وعند الخلاف يعين القاضي مقدار الأجر مسترشداً بهذين العنصرين ويسترشد بوجه خاص بالعرف الجاري في الصنعة في تحديد قيمة العمل. ويدخل في الحساب طبيعة العمل وكمية العمل والوقت الذي استغرقه إنجازه ومؤهلات المقاول وكفايته الفنية وسمعته.
وتشمل نفقات المقاول أثمان المواد التي استخدمت في العمل، وأجور العمال وغير ذلك من النفقات التي صرفها فعلاً لإنجاز العمل. وقد يتكفل عرف المهنة بتحديد مقدار الأجر.
وتعيين القاضي لمقدار الأجر هو فصل في مسألة موضوعية لا رقابة عليه لمحكمة النقض.
توابع الأجر:
وسواء اتفق المتعاقدان على مقدار الأجر، أو تكفل القاضي بتعيين هذا المقدار، فإن للأجر توابع يجب أن تضاف إليه. ويلتزم رب العمل بدفعها كما يلتزم بدفع الأجر نفسه.
فنفقات دفع الأجر، إذا كان دفعه يقتضي نفقات خاصة، تكون على رب العمل. كذلك نفقات فحص حساب المقاول وتسوية الحساب، سواء عهد رب العمل بذلك إلى مهندس معماري أو إلى أي شخص آخر.
أما فوائد الأجر فتسري في شأنها القواعد العامة، فلا تكون هذه الفوائد مستحقة في ذمة رب العمل إلا من وقت المطالبة القضائية بها، ولا شأن لتسليم العمل في ذلك.
على أنه إذا كان المقاول هو الذي قدم المادة التي استخدمت في العمل، وكان للمادة قيمة محسوسة، فإن العقد يكون هنا مزيجاً من المقاولة والبيع، وتقع المقاولة على العمل وتنطبق أحكامها عليه، ويقع البيع على المادة وتسري أحكامه فيما يتعلق بها. ويترتب على ذلك أن الجزء من الأجر المقابل للمادة يعتبر ثمناً لها، وتسري على فوائده القواعد المقررة في فوائد الثمن. ويخلص من ذلك أن للمقاول الحق في فوائد الجزء من الأجر المقابل للمادة التي قدمها من وقت إنذار رب العمل في دفع الأجر المستحق مع فوائده، ولا ضرورة للمطالبة القضائية، أو من وقت تسليم المادة المصنوعة إلى رب العمل. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص157).

/مادة 626/
الرأي الفقهي:
الذي يقع غالباً أن رب العمل يتفق مع المهندس على مقدار أجره. فالاتفاق هو الذي يحدد في هذه الحالة مقدار الأجر. والغالب أن الاتفاق يحدد أجراً للمهندس على وضع التصميم والمقايسة، وأجراً آخر مستقلاً عن إدارة الأعمال والإشراف على التنفيذ، هذا إذا كان كل ذلك معهوداً به إلى المهندس.
وقد يحدد الاتفاق أجر المهندس بمبلغ إجمالي، أو يحدده بنسبة معينة من قيمة الأعمال، وفي هذه الحالة الأخيرة تكون العبرة بقيمة الأعمال الفعلية، لا بالقيمة المقدرة في المقايسة. فلا يمكن معرفة أجر المهندس بالضبط إلا بعد إنجاز الأعمال ومعرفة قيمتها الحقيقية.
أما إذا لن يكن هناك اتفاق على مقدار الأجر، فلا يرجع القاضي إلى قيمة العمل ونفقات المهندس كما تقضي القواعد العامة، بل يرجع إلى العرف الجاري. والمقصود بالعرف الجاري هو عرف المهندسين المعماريين.
والفقرة الثالثة من المادة 660 (626 سوري) لا تجعل للمهندس حقاً في أجره كاملاً إذا لم يتم العمل بموجب التصميم الذي وضعه بغير خطأ منه، بل تجعل تقدير أجر المهندس في هذه الحالة بحسب مقدار الزمن الذي استغرقه المهندس في وضع التصميم، مع مراعاة كفاية المهندس وسمعته في تقدير أجره بحسب الزمن وبحسب طبيعة التصميم من حيث الدقة والصعوبة الفنية.
وغني عن البيان أنه إذا لم يتم العمل بموجب التصميم بسبب خطأ المهندس، كأن كان التصميم معيباً فيه أو غير منطبق على تعليمات رب العمل، أو تأخر المهندس في تقديمه تأخراً لا مبرر له وضاراً برب العمل، فإن المهندس لا يستحق أجراً، ولا حتى تعويضاً. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص189).

/مادة 627/
الرأي الفقهي:
يخلص من النص أن للمقاول أن يقاول من الباطن في كل العمل، أو في جزء منه، ما لم يوجد شرط يمنعه من ذلك. والشرط إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً. فلا يتحتم أن يكون الشرط المانع مذكوراً صراحة في عقد المقاولة، بل يجوز استخلاصه ضمناً من الظروف نفسها، حتى ولو لم يكن منصوصاً عليه صراحة في عقد المقاولة. وإذا قام شك في أن هناك شرطاً مانعاً ضمنياً، فسر الشك في معنى المنع، فيحرم على المقاول المقاولة من الباطن إلا إذا أذن له رب العمل في ذلك. والشرط المانع، سواء كان صريحاً أو ضمنياً، لا يمنع المقاول من أن يستعين بأشخاص آخرين فنيين أو غير فنيين في إنجاز العمل، ما دام هؤلاء الأشخاص ليسوا مقاولين من الباطن، بل كانوا مستخدمين عند المقاول بعقد عمل لا عقد مقاولة. ويجوز، إذا وجد الشرط المانع الصريح أو الضمني، أن يتنازل عنه رب العمل فيتحلل المقاول منه ويكون له الحق في المقاولة من الباطن.
وكما يكون تنازل رب العمل عن الشرط المانع الصريح أو الضمني صريحاً، كذلك يكون ضمنياً. وإذا تنازل رب العمل عن الشرط المانع، لم يجز له الرجوع بعد ذلك في تنازله، سواء حصل التنازل قبل مخالفة المقاول للشرط المانع أو بعد مخالفته إياه.
وإذا وجد الشرط المانع صريحاً أو ضمنياً، وجب على المقاول مراعاته، وإلا كان معرضاً للجزاء الذي تقضي به القواعد العامة.
التزامات المقاول الأصلي نحو رب العمل:
يبقى المقاول الأصلي ملتزماً نحو رب العمل، والتزاماته تنشأ عن عقد المقاولة الأصلي، لا عن عقد المقاولة من الباطن، فيلتزم نحو رب العمل بإنجاز العمل محل عقد المقاولة الأصلي وتسليم المحل بعد إنجازه لرب العمل، ويدخل في ذلك العمل الذي انجزه المقاول من الباطن، ويلتزم بضمان العمل. ولا يكون المقاول من الباطن مسؤولاً نحو رب العمل، بل نحو المقاول الأصلي.
فإذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه في إنجاز العمل، طبقاً للشروط والمواصفات المتفق عليها ولأصول الصنعة، وكان المقاول الأصلي مسؤولاً عن ذلك نحو رب العمل، فيرجع رب العمل على المقاول الأصلي، ثم يرجع المقاول الأصلي على المقاول من الباطن.
ومسؤولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن ليست مسؤولية المتبوع عن التابع. فإن المقاول من الباطن يعمل مستقلاً عن المقاول الأصلي ولا يعتبر تابعاً له، وإنما هي مسؤولية عقدية تنشأ عن العقد الأصلي، وتقوم على افتراض أن كل الأعمال والأخطاء التي تصدر من المقاول من الباطن تعتبر بالنسبة إلى رب العمل إعمالاً وأخطاء صدرت من المقاول الأصلي فيكون هذا مسؤولاً عنها.
ولما كانت مسؤولية عقدية، فيمكن الاتفاق على ما يخالفها. ومن ثم يجوز أن يشترط المقاول على رب العمل جواز أن يقاول من الباطن، ولا يكون مسؤولاً عن هذا المقاول. كذلك يجوز بعد أن يعقد المقاول الأصلي مقاولة من الباطن أن يقبل رب العمل حلول المقاول من الباطن محل المقاول الأصلي في كل حقوقه والتزاماته، فتتحول المقاولة من الباطن إلى تنازل عن المقاولة. كذلك يجوز أن يتعهد المقاول من الباطن للمقاول الأصلي أن يقوم بالعمل لمصلحة رب العمل، فيكون هذا اشتراطاً من المقاول الأصلي لمصلحة رب العمل. ويستطيع رب العمل في هذه الحالة ان يرجع بالدعوى المباشرة على المقاول من الباطن، طبقاً لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير، ويحتفظ في الوقت نفسه بحق الرجوع على المقاول الأصلي بموجب عقد المقاولة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص209).

/مادة 628/
الرأي الفقهي:
يقرر النص أن الدائنين في المطالبة هم المقاولون من الباطن وعمال المقاولة وعمال المقاول من الباطن. فالمقاول من الباطن يكون طرفاً في المقاولة، وهو دائن يطالب في حدود الأجر المستحق له في ذمة المقاول الأصلي وما يتبع الأجر من نفقات وثمن مهمات وأدوات وفوائد. والطرف الآخر في هذه المطالبة، أي الطرف المدين، هو رب العمل، ولا يطالبه المقاول من الباطن إلا بالقدر الذي يكون رب العمل مديناً به للمقاول الأصلي بموجب عقد المقاولة الأصلي وقت رفع الدعوى المباشرة عليه من الباطن.
والعامل الذي يعمل عند المقاولة مرتبطاً بعقد عمل يكون طرفاً في المطالبة، سواء قام المقاول بالعمل كله بنفسه أو قاول على بعضه من الباطن. ففي جميع الأحوال، يستطيع عامل المقاول أن يرجع في حدود الأجر المستحق له، وكل حق آخر في ذمة اللمقاول بموجب عقد العمل على رب العمل بما هو مستحق في ذمة هذا الأخير للمقاول بموجب عقد المقاولة وقت رفع الدعوى المباشرة من العامل على رب العمل.
والعامل الذي يعمل عند المقاول من الباطن مرتبطاً بعقد عمل، يكون طرفاً في المطالبة ويرجع في حدود ما هو مستحق له في ذمة المقاول من الباطن بموجب عقد العمل.
1 ـ على المقاول الأصلي باعتباره رب عمل بالنسبة إلى المقاول من الباطن.
2 ـ على رب العمل باعتباره رب العمل للمقاول الأصلي فهو مدينه.
أما إذا كان المقاولمن الباطن قد قاول هو أيضاً بدوره من الباطن، فالمقاول من الباطن الثاني يرجع بالدعوى المباشرة على المقاول الأصلي باعتباره رب عمل للمقاول من الباطن الأول، ولكنه لا يرجع بالدعوى المباشرة على رب العمل. وعمال المقاول من الباطن الثاني يرجعون بالدعوى المباشرة على المقاول من الباطن الأول، وهو مدين مدينهم، وعلى المقاول الأصلي، وهو مدين مدينهم، دون رب العمل.
ومن جهة أخرى لا يجوز لرب العمل أن يشترط على المقاول الأصلي عدم رجوع المقاول من الباطن والعمال عليه بدعوى مباشرة، فإن هذا الاتفاق المعقود ما بين رب العمل والمقاول لا يمس حقوق المقاول من الباطن والعمال، إذ هم ليسوا طرفاً فيه وقد استمدوا حقوقهم من القانون.
الحجز وحق الامتياز للمقاول من الباطن والعامل:
إن المقاول من الباطن، أو العامل، متى رفع الدعوى المباشرة على رب العمل أمكنه أن يحصل عن طريق هذه الدعوى على جميع ما هو مستحق في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي وقت الإنذار بالوفاء، وذلك في حدود ما هو مستحق له في ذمة المقاول الأصلي، فيتجنب بذلك مزاحمة سائر دائني المقاول الأصلي، وهذه هي المزية الكبرى للدعوى المباشرة.
ويستطيع أيضاً أن يحصل على هذه المزية، فيتجنب مزاحمة دائني المقاول الأصلي لو أنه بدلاً من رفع الدعوى غير المباشرة وقع حجزاً تحت يد رب العمل على ما في ذمة هذا الأخير للمقاول الأول. فإنه في هذه الحالة يكون له حق امتياز يتقدم به على سائر دائني المقاول الأصلي. ومحل هذا الامتياز هو المبلغ الذي يكون في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي وقت توقيع الحجز. والحق الممتاز هو للمقاول من الباطن أو العامل في ذمة المقاول الأصلي. فيتقاضى المقاول من الباطن أو العامل حقه الممتاز من المبلغ الذي في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي وقت توقيع الحجز متقدماً على سائر دائني المقاول الأصلي، فلا يستطيع هؤلاء أن يزاحموه. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص235 وما بعد).

/مادة 629/
الرأي الفقهي:
يتبين من النص أن لرب العمل أن يتحلل بإرادته المنفردة من عقد المقاولة لأسباب قد تطرأ في الفترة من الزمن بين إبرام العقد وإتمام تنفيذه. فقد أجاز المشرع لرب العمل، لأي سبب يبدو وجيهاً في نظر رب العمل، أن يرجع في العقد ويتحلل من المقاولة، على أن يعوض المقاول ما تكلفه من نفقات وما فاته من كسب. والقانون، وإن أجاز لرب العمل أن يعدل عن تنفيذ العقد تنفيذاً عينياً بإتمام العمل محل المقاولة، إلا أنه لم يعفه من تنفيذ العقد عن طريق التعويض، فهو ملزم بدفع تعويض كامل بعنصريه مجتمعين، ما تجشمه المقاول من خسارة، وما فاته من كس.
غير أن النص في الفقرة الثانية أجاز تخصيص التعويض المستحق عما فات المقاول من كسب، بل وتوجب إنقاص هذا التعويض بمقدار ما يكون المقاول قد اقتصده من جراء عدم إتمام تنفيذ العقد، وما يكون قد كسبه باستخدام وقته في أمر آخر، وليس في هذا إلا تطبيق للقواعد العامة.

شرط التحلل من المقاولة بإرادة منفردة:
1 ـ الشرط الأول:
أن يكون العمل محل المقاولة لم يتم. ويثبت الحق في التحلل من المقاولة منذ إبرام العقد، حتى ولو لم يبدأ العمل، ويستمر إلى ما قبل إتمامه.
2 ـ الشرط الثاني:
أن يكون الطرف الذي يتحلل من العقد هو رب العمل. فالمقاول ليس له الحق في التحلل من المقاولة بإرادته المنفردة، بل يبقى ملزماً بتنفيذها إلى النهاية. فرب العمل هو وحده الذي يملك التحلل من العقد في مواجهة المقاول، أو في مواجهة ورثة المقاول، وهو حق شخصي متروك لمحض تقديره، فلا يجوز أن يستعمله دائنوه باسمه، ولكنه ينتقل من رب العمل إلى الخلف العام والخلف الخاص، فلورثة رب العمل بعد موته أن يستعملوا هذا الحق. كذلك إذا نزل رب العمل عن المقاولة إلى غيره، كان لهذا الغير أن يتحلل من العقد (خلف خاص).
3 ـ الشرط الثالث:
أن يكون تحلل رب العمل من المقاولة راجعاً إلى مشيئته هو لا إلى خطأ المقاول.
4 ـ الشرط الرابع:
ألا يشترط المقاول على رب العمل عدم جواز التحلل من العقد، ذلك لأن حق رب العمل في التحلل من العقد بعد التعويض ليس من النظام العام، فيجوز الاتفاق على ما يخالفه. وفي هذه الحالة لا يجوز له التحلل بإرادته المنفردة.
فإذا توافرت الشروط المتقدمة، جاز لرب العمل أن يتحلل من المقاولة بإرادته المنفردة.
1 ـ ويستوي في ذلك أن تكون المقاولة بأجر إجمالي جزافي، أو بأجر مقدر بسعر الوحدة.
2 ـ ويستوي ان يكون التحلل في عقد المقاولة، أو في عقد مقاولة من الباطن.
3 ـ ولا فرق في ثبوت الحق لرب العمل في التحلل بين ما إذا كان هو الذي قدم المادة، أو قدمها المقاول.
4 ـ ويثبت حق التحلل لرب العمل أياً كان محل المقاولة، أو أياً كان المقاول، أو أياً كانت الأسباب التي يقدمها لهذا التحلل. بل هو غير مسؤول عن تقديم أي سبب لتحلله من العقد، وتكفي محض إرادته. وهو وحده الموكول إليه تقدير ما إذا كان يتحلل من العقد دون معقب على تقديره من المحكمة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 2 ص242).
كيف يقع التحلل من المقاولة:
يقع التحلل من المقاولة بإخطار رب العمل المقاول برغبته في الرجوع في المقاولة. والتكييف القانوني للتحلل هو أنه إرادة من جانب واحد، أي تصرف قانوني يصدر من رب العمل للرجوع في عقد المقاوللة. ولم يشترط القانون شكلاً خاصاً للرجوع، ولا ميعاداً معيناً له. وقد يكون الإخطار في ورقة رسمية على يد محضر، أو كتاب مسجل، أو غير مسجل، وقد يكون شفهياً، ولكن عبء إثبات الإخطار يقع على رب العمل وفق القواعد العامة.
ويتم الرجوع عن المقاولة بمجرد وصول الإخطار إلى علم المقاول طبقاً للقواعد العامة المقررة في اتباع الإرادة لأثرها. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص249 بند 141).

/مادة 630/
الرأي الفقهي:
ليس هذا النص إلا تطبيقاً للقواعد العامة في انقضاء الالتزام. فإذا أثبت المقاول أن العمل المعهود به قد أصبح مستحيلاً لسبب أجنبي، ينقضي الالتزام باستحالة التنفيذ، وينقضي التزام رب العمل المقابلل له، وينفسخ عقد المقاولة من تلقاء نفسه، تطبيقاً لنص المادة 159 مدني. ومتى انتهى عقد المقاولة بالانفساخ على هذا الوجه، استحق المقاول تعويضاً، لا بموجب عقد المقاولة فقد انتهت، ولكن بموجب مبدأ الإثراء بلا سبب. وهذا التعويض يكون بأقل القيمتين، قيمة ما أنفقه من ماله ووقته، وقيمة ما استفاد به رب العمل.
وتطبيق القواعد العامة يؤدي، في حالة استحالة التنفيذ لسبب قهري، إلى الأحكام المشار إليها. أما في حالة الاستحالة بخطأ المقاول، فإنه يجوز لرب العمل طلب فسخ العقد مع التعويض إذا كان له مقتضى، أو طلب التنفيذ عن طريق التعويض لاستحالة التنفيذ العيني. وفي حالة الاستحالة بخطأ رب العمل، يجوز القول بأن رب العمل يكون في حكم من تحلل من العقد بإرادته المنفردة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص236).

/مادة 631/
الرأي الفقهي:
المفروض في تحمل التبعة، كما يتبين من النص، أن الشيء لم يسلم إلى رب العمل، ولم يعذر المقاول رب العمل أن يتسلمه، وهلك الشيء قبل التسليم بقوة قاهرة أو حادث مفاجىء أثبته المقاول. ذلك أن عبء إثبات القوة القاهرة، أو الحادث الفجائي، يقع على عاتق المقاول، إذ هو لا يتخلص من المسؤولية عن عدم التسليم إلا بإثبات السبب الأجنبي. أما إذا حصل الهلاك بعد التسليم، أو بعد إعذار رب العمل أن يتسلم، فالذي يتحمل التبعة هو رب العمل، سواء أكان هو الذي قدم المادة، أو كان المقاول هو الذي قدمها. ويجب على رب العمل أن يدفع الأجر كاملاً للمقاول.
الهلاك بخطأ المقاول:
إذا وقع الخلاك بخطأ المقاول، أو ما يعدل الخطأ، بأن يعذر رب العمل المقاول بأن يسلم الشيء فلا يسلمه، فإن الفقرة الثانية من المادة 665 مصري (634 سوري) تجعل الهلاك على المقاول، لأن خطأ هو الذي سبب الهلاك، ويدفع تعويضاً لرب العمل عن الضرر الذي أصابه من جراء هذا الخطأ.
الهلاك بخطأ رب العمل:
أما إذا كان الهلاك بخطأ رب العمل، أو ما يعدل الخطأ، بأن يكون رب العمل قد أعذر لتسليم الشيء فلم يفعل، أو كان سبب الهلاك عيباً في المادة التي وردها للمقاول. وذلك ما لم يكن المقاول قد علم أنه ينبغي أن يعلم بالعيب وفقاً لأصول الصنعة. فإن الفقرة الثالثة من المادة 665 مدني مصري (631 سوري) تجعل الهلاك على رب العمل، لأن خطأ هو الذي سبب الهلاك. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص94).

/مادة 632/
الرأي الفقهي:
موت المقاول ويلحق به أن يصبح عاجزاً عن إتمام العمل لسبب لا يد له فيه:
ويجب التمييز عند موت المقاول بين حالتين:
1 ـ أن تكون مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد.
2 ـ أن لا تكون هذه المؤهلات محل اعتبار.
الحالة الأولى ـ مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد:
والمقصود بالمؤهلات الشخصية كل صفات المقاول الشخصية التي تكون ذات تأثير على حسن تنفيذ العمل. فيدخل في المؤهلات الشخصية سمعة المقاول من ناحية الكفاية الفنية والأمانة وحسن المعاملة، وتخصصه في نوع العمل محل المقاولة، وما حصل عليه من الشهادات الفنية في هذا التخصص، وما قام به قبلاً من أعمال تكسبه تجربة عملية فيه.
والبت فيما إذا كانت مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد مسألة واقع لقاضي الموضوع فيها الرأي الأعلى. فإذا كانت مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد، ومات المقاول، فإن عقد المقاولة ينتهي من تلقاء نفسه بحكم القانون بمجرد موت المقاول، دون حاجة لفسخه، لا من ناحية رب العمل، ولا من ناحية ورثة المقاول.
ويستخلص من النص أنه حيث تكون مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد ينتهي العقد من تلقاء نفسه. فالمقاولة تنفسخ من تلقاء نفسها في هذه الحالة، ولا يستطيع ورثة المقاول أن يستمروا في تنفيذها، ولا يستطيع رب العمل أن يجبر الورثة على الاستمرار في التنفيذ. وإذا أراد الطرفان المضي في التنفيذ فلا بد من عقد جديد، ويكون تاريخ العقد من وقت الاتفاق الجديد لا من وقت المقاولة الأصلية.
وتنفسخ المقاولة بموت المقاول، سواء كان من قدم المادة التي استخدمت في العمل هو رب العمل أو المقاول، وسواء كانت المقاولة مقاولة أصلية أو مقاولة من الباطن، وسواء كان الأجر جزافاً أو بسعر الوحدة، وأياً كان محل المقاولة.
وإذا تعدد المقاولون وكانوا متضامنين، فموت أحدهم لا ينهي المقاولة إلا بالنسبة إليه، ويبقى العقد ملزماً للآخرين، ما لم يكن مشترطاً اجتماعهم في تنفيذ العمل.
ويلاحظ أن موت المقاول الأصلي ينهي المقاولة الأصلية، فتنتهي بانتهائها المقاولة من الباطن. أما موت المقاول من الباطن فلا ينهي إلا المقاولة من الباطن، وتبقى المقاولة الأصلية. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص258 وما بعد).
الحالة الثانية ـ مؤهلات المقاول الشخصية ليست محل اعتبار في التعاقد:
ويكون ذلك في المقاولات التي يكون محلها عملاً بسيطاً لا يقتضي مهارة فنية خاصة، ويستطيع أن يقوم به أي شخص في الحرفة. وكذلك في المقاولات الكبيرة التي يقوم بها مقاولون كبار لا يعتمدون على كفايتهم الفنية الشخصية، بقدر ما يعتمدون على من يستخدمون من موظفين فنيين وما عندهم من أدوات ومعدات ورؤوس أموال.
وفي حالة وفاة المقاول في هذه الحالة نميز بين صورتين:
1 ـ الصورة الأولى:
إذا لم تتوافر في ورثة المقاول الضمانات الكافية لحسن تنفيذ العمل. ففي هذه الصورة لا تنفسخ المقاولة من تلقاء نفسها، ولكن يجوز لرب العمل طلب فسخها. والقاضي يقدر ما إذا كانت الورثة لا تتوافر فيهم الضمانات الكافية، فيحكم بالفسخ، أو أن يرفضه لتوافر الضمانات الكافية.
أما الورثة أنفسهم، فإذا كانوا لا يحترفون حرفة مؤرثهم، أو كانوا لا يطمئنون إلى قدرتهم على المضي في اللعمل، فإن لهم أيضاً، إذا أصر رب العمل على التنفيذ، أن يطلبوا من القاضي فسخ العقد. ويكون للقاضي تقدير هذا الطلب، فيحكم به أو يرفضه.
2 ـ الصورة الثانية:
إذا توافرت في ورثة المقاول الضمانات الكافية لحسن تنفيذ العمل، بحيث لا يمكن أن يجاب إلى طلب الفسخ لا رب العمل ولا ورثة المقاول. ففي هذه الصورة يبقى عقد المقاولة قائماً بالرغم من موت المقاول، ويكون الورثة ملزمين بالمضي في العمل إلى أن ينجزوه، وتنتقل إليهم حقوق مؤرثهم، وكذلك تنتقل إليهم التزاماتهم في حدود التركة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص260 فقرة 148).

/مادة 633/
الرأي الفقهي:
يترتب على فسخ، أو انفساخ، المقاولة بموت المقاول انقضاء الالتزامات التي كانت قد ترتبت عليها. فإذا كانت وفاة المقاول قبل البدء في تنفيذ العمل، فإن أحداً لا يرجع على الآخر بشيء. وإذا كان التنفيذ قد بدأ وتطلب إنفاق مصروفات والقيام بأعمال، فإن رب العمل يلزم بأن يدفع للشركة أقل القيمتين، قيمة ما أنفقه المقاول في العمل الذي أتمه، وقيمة ما استفاد به رب العمل من هذا العمل، وفقاً لمبدأ الإثراء بلا سبب.
ويترتب أيضاً، أنه لو كان رب العمل هو الذي قدم المادة ثم انقضت المقاولة بالفسخ أو الانفساخ لموت المقاول، فإن مؤدى القواعد العامة أن تبقى ملكية المادة للورثة. على حين أجازت المادة 667 / 2 مدني (633 سوري) لرب العمل في هذه الحالة إجبار الورثة على أن يسلموه المواد التي تم تصنيعها، أو التي بدىء في تنفيذها، بعد أن دفع لهم التعويض العادل. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص261).

/مادة 634/
الرأي الفقهي:
1 ـ عناصر عقد التزام المرفق العام:
يتبين من هذا النص أن عقد التزام المرفق العام له عناصر تميزه عن سائر العقود، ويمكن حصرها في ثلاثة:
1 ـ العنصر الأول:
أن يكون عقد التزام المرفق مبرماً بين جهة الإدارة المختصة بتنظيمه وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق. فالمتعاقد الأول لا بد أن يكون الجهة الإدارية التي أنشأت المرفق العام وقامت بتنظيمه وتكون الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية المحلية. والمتعاقد الآخر يكون فرداً أو شركة.
والمهم أنه لا يعتبر بتعاقده على إدارة المرفق من أشخاص القانون العام، بل من أشخاص القانون الخاص.
2 ـ العنصر الثاني:
أن يكون محل العقد مرفق عام واستغلاله، ويجب أن يكون هذا المرفق ذا صفة اقتصادية، فيكون من المرافق الاقتصادية الصناعية أو التجارية، لا من المرافق الإدارية البحتة.
3 ـ العنصر الثالث:
أن يكون لعقد التزام المرفق العام مدة معينة، فلا يجوز أن يكون العقد أبدياً أو لمدة غير معينة أو لمدة معينة بالغة في الطول، بل يجب أن تكون المدة بحيث تسمح للسلطة الإدارية بتغيير طريقة إدارة المرفق مع تطور الظروف، وفي الوقت ذاته تسمح للملتزم أن يقتضي من استغلال المرفق ما يكافىء نفقاته وفوائد رأس المال الذي استثمره.
فإذا توافرت هذه العناصر الثلاثة كان هناك عقد التزام للمرفق العام.
حقوق الملتزم:
والحقوق التي ينشئها عقد الالتزام للملتزم يمكن حصرها في أربعة:
أولاً ـ الانفراد باستغلال المرفق العام عن طريق الاحتكار، أو عن طريق الامتياز.
ثانياً ـ تمكين الملتزم من أن يقوم بالأعمال اللازمة لإدارة المرفق واستغلاله فتمنحه السلطة الإدارية الترخيصات اللازمة، وتسمح له باستعمال الطريق العام والأموال العامة التي يلزم استعمالها لإدارة المرفق، وتخوله سلطات إدارية للقيام بالإنشاءات اللازمة للمرفق، أو تقديم معونة مالية.
ثالثاً ـ تقاضي رسوم من المنتفعين بالمرفق، أي العملاء المستهلكين، مقابل انتفاعهم، وهذا المقابل لا يعتبر أجرة تسري عليها أحكام القانون المدني، بل هو رسم تسري عليه أحكام القانون الإداري. ومن ثم يكون للسلطة الإدارية وحدها حق تقرير رسوم الانتفاع بالمرافق العامة، وللسلطة العامة كذلك الحق في تعديل قوائم الأسعار بالرفع أو بالخفض تبعاً لمقتضيات المصلحة العامة.
رابعاً ـ الحق في التوازن المالي للمرفق. والأصل أن التزام المرفق العام لا يخلو من المخاطرة. فالملتزم يسعى للربح ويتعرض للخسارة. والمفروض في كل ذلك أنه يبذل عناية الشخص المعتاد في إدارة المرفق واستغلاله. فإذا ارتكب خطأ جشمه خسارة، وجب عليه أن يتحملها وحده مهما كانت فادحة، فإنه هو الي بخطأ تسبب فيها. وإذا نزل عن عناية الشخص المعتاد في إدارة المرفق فنجم عن تقصيره في الإدارة أن تكبد خسارة، وجب عليه أيضاً هنا أن يتحملها وحده.
أما إذا لم يرتكب خطأ وبذل في الإدارة عناية الشخص المعتاد، فإنه يكون مع ذلك معرضاً لخسارة مألوفة يقابلها ربح محتمل. وإلى هنا لم يختل التوازن المالي للمرفق، وإنما يختل هذا التوازن في إحدى حالتين.
اختلال التوازن المالي للمرفق:
يختل التوازن المالي للمرفق في إحدى حالتين:
الحالة الأولى:
أن يواجه الملتزم في إدارته للمرفق عملاً للسلطة الإدارية تقلب به الميزان المالي للمرفق، وينجم عن ذلك خسارة فادحة تصيب الملتزم. فهنا يختل التوازن المالي للمرفق. وللملتزم أن يرجع على السلطة الإدارية بما يقيه هذا التوازن.
الحالة الثانية:
التي ينشأ في للملتزم الحق في التوازن المالي للمرفق هي ظروف طارئة لم تكن في الحسبان لا تنسب لا إلى مانح الالتزام ولا إلى الملتزم، وتجعل استغلال المرفق بالشروط المقررة وبالأسعار المحددة من جانب السلطة العامة مرهقاً للملتزم بحيث تهدده بخسارة فادحة. وهذه هي نظرية الظروف الطارئة التي قررها القانون الإداري. وبموجب هذه النظرية يكون للملتزم الحق في إعادة التوازن المالي للمرفق بتعديل شروط استغلاله أو برفع الأسعار حتى لا يتحمل وحدة كل الخسارة التي نجمت عن هذه الظروف الطارئة.
وعلى العكس من ذلك، إذا كانت الظروف الطارئة جعلت الملتزم يجني أرباحاً فاحشة، جاز للسلطة الإدارية أن تخفض الأسعار، أو أن تعدل تنظيم المرفق وقواعد استغلاله حتى تنخفض الأرباح الباهظة إلى القدر المعقول.
ويخضع الملتزم لرقابة مانح الالتزام أو إشرافه، سواء نص عقد الالتزام على ذلك أم لم ينص.
والرأي الراجح أن عقد الالتزام عقد إداري برغم أنه يتكون من توافق إرادتين (إرادة السلطة الإدارية وإرادة الملتزم)، وأنه لا تخضع في جميع مشتملاته لقواعد القانون المدني، بل تخضع للقانون الإداري في نواحيه المتعلقة بتنظيم المرفق وإدارته وأسعاره المقررة. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص280 وما بعد).

/مادة 635/
الرأي الفقهي:
العقد المدني بين العميل والملتزم يخضع للعقد التنظيمي الإداري بين الملتزم والسلطة الإدارية، كما تخضع اللائحة الإدارية للتشريع، وكما يخضع التشريع لنصوص القانون الدستوري. ويترتب على ذلك أن العقد المدني بين العميل والملتزم لا يخضع لعقد الالتزام التنظيمي فحسب، بل يتضمنه العقد التنظيمي وقت إبرام العقد المدني وجميع ما يلحق هذا العقد التنظيمي من تعديلات تدخلها السلطة الإدارية بما لها من سلطات في تنظيم المرافق العامة. وهذا ما قصد إليه المتعاقدان، العميل والملتزم، عندما أبرما العقد بينهما.
فالعقد المبرم بين العميل والملتزم ينشىء حقوقاً شخصية لكل من الطرفين، كما هو الأمر في سائر العقود المدنية. فيكون للعميل الحق في أن تؤدى له خدمات المرفق على الوجه المألوف، ويكون للملتزم الحق في تقاضي أجر الخدمات من العميل. ويخضع هذا العقد، كما يقول النص، للشروط المنصوص عليها في عقد الالتزام وملحقاته، وللشروط التي تقتضيها طبيعة العمل ويقتضيها ما ينظم هذا العمل من القوانين.
ولما كان العقد بين العميل والملتزم يخضع للنظام المقرر في عقد الاستخدام، فإنه يخضع تبعاً لذلك لمبادىء عامة يقوم عليها عقد الالتزام نفسه. وهذه المبادىء فرضتها نصوص التقنين المدني وأوجبت العمل بها، سواء تضمنها عقد الالتزام أو لم يتضمنها، حتى ولو نص عقد الالتزام على خلافها. فهذه مبادىء تعتبر من النظام العام وتفرض نفسها على كل من عقد الالتزام والعقد بين العميل والملتزم.
وتتعلق هذه المبادىء بالأسعار التي يتقاضاها الملتزم من العملاء، وبكفالة استمرار المرفق وانتظامه ومسايرته للتطور، وبكفالة المساواة بين العملاء. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص298).

/مادة 636/
الرأي الفقهي:
1 ـ تقرير مبدأ المساواة:
يغلب أن يكون ملتزم المرفق العام محتكراً للمرفق، إما احتكاراً قانونياً بأن يكون وحده الذي يدير المرفق ويشغله بموجب عقد الالتزام، وإما احتكاراً فعلياً بأن تتعهد السلطة الإدارية ألا تمنح لغيره من المنافسين له التسهيلات التي تمنحها إياه. وينجم عن ذلك موقف يجب أن يحمى فيه المنتفعون بالمرفق من تحكم الملتزم وإيثاره بعضهم على بعض، إما عن طريق أداء خدمات المرفق، وإما عن طريق تخفيض الأجور المقررة. ومن ثم كان من المبادىء الأساسية المقررة في القانون الإداري أن الملتزم يجب عليه أن يحقق المساواة التامة بين عملائه، سواء في الخدمات العامة، أو في تقاضي الأجور. وأي تمييز فردي يؤثر به الملتزم أحد العملاء يكون تمييزاً غير مشروع.
ولما كان هذا التمييز من شأنه أن يخل بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة، إذ هو يمنح شخصاً ميزة في استعمال المرفق العام لا تتاح لغيره من المنافسين في تجارته أو في صناعته، فإن هؤلاء المنافسين يضارون بسبب هذا التمييز، ومن ثم يحق لهم أن يرجعوا على الملتزم بتعويض الضرر الذي أصابهم من جراء ذلك. كما يحق لهم إجبار الملتزم على أن ينفذ التزامه من وجوب مراعاة المساواة بين جميع العملاء تنفيذاً عينياً فيكف عن إيثار بعض العملاء وتمييزهم عن الآخرين تمييزاً غير مشروع. والمقصود بالتمييز غير المشروع هو التمييز الذي يمنح على خلاف ما تقضي به المادة 670 / 2 مدني. ومبدأ المساواة بين العملاء هو من المبادىء المقررة في القانون الإداري، وكان من المظاهر الأولى لتدخل السلطة الإدارية في تنظيم المرافق العامة حتى تحقق المساواة التامة بين المنتفعين.
2 ـ ما يرد على مبدأ المساواة من استثناء:
ويستثنى من هذا المبدأ أن يمنح الملتزم طائفة من الأشخاص معاملة خاصة تنطوي على تخفيض في الأجور أو الإعفاء منها. ولكن يشترط لصحة ذلك ألا تمنح هذه الميزات لأشخاص بذواتها بل لمجموعة من الأشخاص تتوافر فيها شروط معينه، وعلى أن ينتفع بالمميزات الممنوحة كل من يطالب بذلك ممن توافرت فيه هذه الشروط. وهذا كله دون أن يجاوز الحد الأقصى للأسعار التي قررتها السلطة الإدارية.
3 ـ جزاء مخالفة الملتزم:
حتى يستطيع العميل التقاضي، يجب أن تكون له صفة. ففي التقاضي أمام المحاكم المدنية للمطالبة بالتنفيذ العيني أو بالتعويض مع الفسخ، يجب أن يكون له حق ذاتي. وينشأ هذا الحق من العقد المبرم بينه وبين الملتزم، أو من عقد الالتزام، أو من القوانين التي تنظم التزام المرافق العامة. وفي التقاضي أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء القرار الإداري الباطل، لا يلزم أن يكون له حق ذاتي، بل يكفي أن تكون له مصلحة جدية، ولو كانت هذه المصلحة أدبية.
ولا يحوز للعميل أن يقاضي إلا للدفاع عن مصلحته الشخصية، فليس له باسم جمهور العملاء أن يرفع دعوى ويدافع فيها عن مصالحهم المشتركة. ولكن يجوز أن تتألف جمعية أو نقابة للدفاع عن مصالح سكان حي معين، أو طائفة معينة من الناس، وتكون لها الشخصية المعنوية، فتقاضي باسم الجماعة التي تمثلها، أو تكون لها صفة في التقاضي.
ويلاحظ أنه لمخالفة الملتزم ناحيتين في الجزاء:
1 ـ الجزاء المدني:
لعميل المرفق أن يرفع دعوى أمام القضاء المدني يطالب فيها الملتزم بحقه وفقاً للقواعد العامة المقررة في القانون المدني، فيجوز له أن يطالب بالتنفيذ العيني. ويجوز للعميل أن يطالب بالتعويض عن كل ضرر أصابه من جراء الإخلال بحقوقه. ويجوز للعميل أخيراً أن يطلب فسخ العقد بينه وبين الملتزم وفقاً للقواعد العامة المقررة في فسخ العقود. وتقدر المحكمة وجاهة هذا الطلب.
2 ـ الجزاء الإداري:
إذا صدر من السلطة الإدارية قرار إداري متعلق بتنظيم مرفق ويكون مخالفاً للقانون، جاز لكل ذي مصلحة، وليس من الضروري أن يكون للطالب حق ذاتي، بل يكفل مجرد المصلحة لو كانت مصلحة أدبية، أن يطعن في هذا القرار المخالف للقانون بالإلغاء أمام القضاء الإداري. ويجوز أن يكون القرار الإداري المخالف للقانون، والذي يطعن فيه العميل قراراً سلبياً، أي أن السلطة الإدارية تمتنع عن اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة عندما يطلب إليها العميل ذلك. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص316).

/مادة 637/
الرأي الفقهي:
الأسعار التي قررتها السلطة الإدارية لها قوة القانون ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها:
إن هذا المبدأ مستفاد من أنه إذا قررت السلطة العامة الأسعار، أو صدقت عليها، تكون لقوائم هذه الأسعار قوة اللائحة الإدارية وآثارها. فمتى استوفت الأسعار الشرط الأساسي وهو إقرار السلطة الإدارية لها، كان لها قوة القانون في جميع العقود التي يبرمها الملتزم مع عملاء المرفق، الحاليين منهم واللاحقين. ولا يجوز للمتعاقدين، الملتزم والعميل، أن يتفقا على سعر يخالف السعر الذي أقرته السلطة الإدارية لا بالزيادة ولا بالنقصان. ولا يستثنى من ذلك إلا حالة واحدة وهي المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادة 670 مدني (636 سوري).
ويترتب على ذلك أنه إذا انحرف المتعاقدان عن هذه الأسعار فاتفقا على ما يخالفها، زيادة أو نقصاً، كان الاتفاق باطلاً ووجب التقيد بالأسعار المقررة. ومن باب أولى، إذا وقع غلط في تطبيق الأسعار المقررة لم يعتد بذلك، ووجب تصحيح الغلط والرجوع إلى السعر المقرر.
جواز إعادة السلطة الإدارية النظر في الأسعار المقررة:
إذا جدت ظروف تجعل الأسعار المقررة لا تكفي لمواجهة نفقات المرفق العام وحق الملتزم بالربح المعقول، بأن أصبحت هذه الأسعار مرهقة للملتزم، جاز للسلطة الإدارية أن تعيد النظر في هذه الأسعار وتزيدها زيادة عادلة. والعكس صحيح أيضاً.
وسواء كان هذا التعديل بالزيادة أو النقص، فإن هذا التعديل لا يسري إلا من وقت إقرار السلطة الإدارية له، لأن هذه السلطة هي مصدر القوة الملزمة للأسعار. ومن وقت هذا الإقرار تسري الزيادة أو النقص في الأسعار على كل عميل يبرم عقداً جديداً مع الملتزم، بل وتسري بأثر فوري على كل عميل أبرم عقداً مع الملتزم قبل ذلك، ما دام هذا العقد لا يزال سارياً، ولكن لا يسري بأثر رجعي. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص306 وما بعد).

/مادة 638/
الرأي الفقهي:
يترتب على القوة الإلزامية للأسعار التي قررتها السلطة الإدارية وإعطائها قوة القانون، انه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف هذه الأسعار التي قررتها السلطة العامة. وأنه إذا انحرف المتعاقدان عن هذه الأسعار فاتفقا على ما يخالفها زيادة أو نقصاً، كان الاتفاق باطلاً ووجب التقيد بالأسعار المقررة. ومن باب أولى، إذا وقت غلط في تطبيق الأسعار المقررة لم يعتد بذلك، ووجب تصحيح الغلط بالرجوع إلى السعر المقرر.
وإذا وقت انحراف أو غلط ضد مصلحة العميل، بأن دفع سعراً أزيد من السعر المقرر، كان له استرداد هذه الزيادة، حتى ولو كان هناك اتفاق مخالف. أما إذا وقع الانحراف أو الغلط ضد مصلحة الملتزم، بأن دفع العميل سعراً أقل من السعر المقرر، كان للملتزم أن يستكمل من العميل ما نقص عن السعر المقرر، ولو كان هناك اتفاق مخالف. ويتقادم حق العميل في استرداد الزيادة، وكذلك حق الملتزم في استكمال النقص، بمضي سنة من وقت قبض الملتزم للأجرة التي وقع فيها انحراف أو غلط. (الوسيط للسنهوري ج7 مجلد 1 ص307).

/مادة 639/
الرأي الفقهي:
يتبين من هذا النص أن الملتزم مسؤول عن استمرار المرفق العام أو انتظامه، لا بموجب العقد بينه وبين العميل ولا بموجب عقد الالتزام فحسب، بل أيضاً بموجب نص القانون والمبادىء العامة المقررة في القانون الإداري. وتعتبر هذه المسؤولية من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على تخفيفها أو على الإعفاء منها.
فإذا وقع عطل أو خلل في تأدية المرفق العام لخدماته، فإن كان هذا العطل أو الخلل مألوفاً ولمدة قصيرة لم يعتبر هذا إخلالاً من الملتزم بواجباته، ولا محل لمسؤوليته عن ذلك.
أما إذا كان العطل أو الخلل يزيد على المألوف في مدته أو جسامته، فإن هذا يعد إخلالاً من الملتزم بواجباته ويكون مسؤولاً عنه، لا تجاه السلطة الإدارية فحسب، بل تجاه عملاء المرفق أيضاً. ولا يستطيع أن يدفع المسؤولية عنه إثبات أنه بذل عناية الشخص المعتاد في إدارة المرفق ولم يرتكب خطأ أو تقصيراً، فإن العطل أو الخلل الذي يزيد على المألوف هو ذاته الخطا، ومن باب أولى يكون الملتزم مسؤولاً إذا ارتكب خطأ.
وإنما يستطيع الملتزم دفع المسؤولية بإثباته القوة القاهرة، وهي هنا إما أن تكون خارجة عن إدارة المرفقة، وإما أن تكون داخلة في إدارة المرفق كأن تتعطل الآلات أو تنفجر. وتسمى القوة القاهرة في هذه الحالة بالحادث المفاجىء.
وسواء كان الحادث قوة قاهرة، أو حادثاً مفاجئاً، فإنه يجب في الحالتين، وطبقاً للقواعد العامة، أن يكون حادثاً غير متوقع الحصول ولا ممكن الدفع.
وقد قضت محكمة مصر الوطنية بأنه يطلق في القانون كلمة «حادث جبري أو قوة قاهرة» على كل حادث مستقل عن إرادة المدين ولم يكن في وسعه توقعه أو مقاومته. فالحادث يجب أن يكون غير ممكن توقه، ومما لا تمكن مقاومته، وليس في وسع المدين دفع وقوعه أو تلافيه. ويدخل في هذا أيضاً عدم التغلب على نتائجه عند وقوعه. وفي الحالة الأولى لا يستطيع المدين منع حصول الحادث. وفي الحالة الثانية لا يستطيع التخلص من نتائجه. وقد نص التقنين المدني في المادة 673 على أن لملتزمي المرافق أن يدفعوا مسؤوليتهم عما يصيب المرفق من عطل أو خلل يزيد على المألوف في مدته أو جسامته إذا أثبتوا أن ذلك يرجع إلى قوة قاهرة خارجة عن إدارة المرفق، أو إلى حادث مفاجىء وقع في فترة الإدارة دون ان يكون في وسع أية إدارة يقظة غير مقصرة أن تتوقع حصوله أو أن تدرأ نتائجه. ويعتبر المدين مسؤولاً إذا كان من الممكن توقع من اعترضه من صعاب واتخاذ التدابير اللازمة لملاقاتها. وكذلك إن لم يعمل كل ما كان يجب عليه للتغلب على الصعاب التي اعترضته. (الوسيط للسنهووري ج7 مجلد 1 ص312 وما بعد).




مادة 617/
2481 ـ مقاولة ـ تسلم العمل ـ عيوب خفية ـ ضمان ـ عدم سقوط الضمان بالتسليم ـ عيوب ظاهرة:
تسلم رب العمل البناء ـ العيوب الخفية التي لا يستطيع صاحب البناء كشفها عن التسليم ـ ضمان المقاول والمهندس عنها ـ عدم سقوطه بالتسليم.
المناقشة:
تسلم رب العمل البناء تسليما نهائيا غير مقيد بتحفظ ما من شأنه أن يغطي ما بالمبنى من عيوب كانت ظاهرة وقت حصول هذا التسليم أو معرفة لرب العمل. أما ما عدا ذلك من العيوب مما كان خفياً لم يستطع صاحب البناء كشفه عند تسلمه البناء، فإن التسليم لا يغطيه ولا يسقط ضمان المقاول والمهندس عنه.
فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن العيب الموجب لضمان المقاول ناشىء عن خطئه في ارساء الاساسات على أرض طفلية غير صالحة للتأسيس عليها وعدم النزول بهذه الاساسات إلى الطبقة الصلبة الصالحة لذلك. وأن التسليم لا ينفي ضمان المقاول لهذا العيب فإنه لا يكون قد خالف القانون لأن هذا العيب يعتبر من غير شك من العيوب الخفية التي لا يغطيها التسليم.
(نقض مصري رقم 325 تاريخ 10 / 6 / 1965 الموسوعة الذهبية للاستاذين فاكهاني وحسني ـ الجزء التاسع ـ ص 202 فقرة 422)

/مادة 617/
2482 ـ مقاولة ـ مسؤولية المقاول ـ تهدم ـ عيب في الارض:
مسؤولية المقاول ـ قيامها بحصول تهدم المبنى خلال مدة الضمان ولو كان ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها.
المناقشة:
يكفي لقيام الضمان المقرر في المادة 651 (615 سوري) حصول تهدم بالمبنى ولو كان ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها. وبحسب الحكم إقامة قضائه بمسؤولية المقاول، طبقاً لهذه المادة، على حدوث هذا التهدم خلال مدة الضمان.
التزام المقاول والمهندس الوارد في المادة 651 من القانون المدني هو التزام بنتيجة هي بقاء البناء الذي يشيدانه سليماً ومتيناً لمدة عشر سنوات بعد تسليمه. ومن ثم يثبت الاخلال بهذا الالتزام بمجرد إثبات عدم تحقق تلك النتيجة دون حاجة لإثبات خطأ ما.
(نقض مصري رقم 235 تاريخ 10 / 6 / 1965 ـ المرجع السابق 202 فقرة 423)

/مادة 617/
2483 ـ مقاولة ـ ضمان سلامة المبنى ـ وجوب العيب خلال المدة:
مفاد نص المادة 651 مدني (617 سوري) أن التزام المقاول هو التزام بنتيجة هي بقاء البناء الذي يشيده سليماً ومتيناً لمدة عشر سنوات بعد تسليمه. وان الاخلال بهذا الالتزام يقوم بمجرد إثبات عدم تحقق تلك النتيجة دون حاجة لإثبات خطأ ما. وأن الضمان الذي يرجع إلى تنفيذ المقاول أعمال البناء يتحقق إذا ظهر وجود العيب في البناء خلال عشر سنوات من وقت التسليم ولو لم تنكشف آثار العيب وتتفاقم أو يقوم التهدم بالفعل الا بعد انقضاء هذه المدة.
(نقض مصري رقم 41 تاريخ 23 / 6 / 1970 ـ المرجع السابق ص 209 فقرة 439)

/مادة 617/
2484 ـ مقاولة ـ دعوى الضمان ـ ميعاد السقوط ـ بداية الميعاد:
مؤدى نص المادتين 651 و 654 من القانون المدني أن ميعاد سقوط دعاوى ضمان المهندس المعماري والمقاول يبدأ من تاريخ التهدم الفعلي الكلي أو الجزئي في حالة عدم انكشاف العيب الذي أدى إليه. ومن تاريخ انكشاف العيب دون انتظار إلى تفاقمه حتى يؤدي إلى تهدم المبنى واضطرار صاحبه إلى هدمه.
(نقص مصري رقم 356 تاريخ 31 / 5 / 1973 ـ المرجع السابق ص 210 فقرة 443)

/مادة 618/
2485 ـ مقاول ـ خطأ التصميم ـ اقرار المقاول للتصميم ـ خبرة رب العمل ـ تنبيه المقاول لرب العمل ـ مسؤولية صاحب العمل:

مسؤولية المقاول مع رب العمل عما يحدث في البناء من عيوب إذا كان قد علم بالخطأ في التصميم الذي وضعه رب العمل ومع ذلك أقره المقاول، أو كان الخطأ واضحاً لايخفى أمره على المقاول المجرب، انتفاء مسؤولية المقاول إذا نبه رب العمل إلى الخطأ في التصميم ومع ذلك أصر على تنفيذه. ومتى كان رب العمل يفوق المقاول في الخبرة وفن البناء، فالضرر في هذه الحالة يرجع إلى خطأ رب العمل وحده.
المناقشة:
المقاول الذي يعمل بإشراف رب العمل الذي وضع التصميم والذي جعل نفسه مكان المهندس المعماري يشترك مع رب العمل في المسؤولية عما يحدث في البناء من عيوب إذا كان قد علم بالخطأ في التصميم وأقره، أو كان المقاول قد نبه رب العمل إلى ما كشفه من خطأ في التصميم فأصر على تنفيذه وكان لرب العمل من الخبرة والتفوق في فن البناء ما يفوق خبرة وفن المقاول. فإن إذعان المقاول لتعليمات رب العمل في هذه الحالة لا يجعله مسؤولاً عما يحدث في البناء من تهدم نتيجة الخطأ في التصميم إذ الضرر يكون راجعاً إلى خطأ رب العمل وحده فيتحمل المسؤولية كاملة.
(نقض مصري رقم 440 تاريخ 8 / 12 / 1966 الموسوعة الذهبية للاستاذين فاكهاني وحسني ـ الجزء التاسع ـ ص 204 فقرة 437)

/مادة 625/
2486 ـ عقد مقاولة ـ مدرسة خاصة ـ اجر ـ عدم تحديد ـ عرف:
1 ـ إن العلاقة بين صاحب المدرسة والطالب أو وليه بشأن التدريس تتصف بعقد المقاولة.
2 ـ في حال عدم تحديد الاجرة فإن القاضي يحددها وفقاً للعرف الجاري في تحديد قيمة العمل.
المناقشة:
حيث أن دعوى المطعون ضده تقوم على مطالبة الطاعن بقيمة الاقساط المستحقة على ابنة المنتسب إلى المدرسة المحددة في دعواه.
وحيث أنه يمكن توصيف العلاقة بين الطرفين من أنها عقد مقاولة الذي قننته المواد 612 ومايليها من القانون المدني، يكون فيه صاحب المدرسة المقاول والطالب أو وليه رب العمل، والعمل الذي يقدمه المقاول هو التدريس.
وحيث أنه إذا كان عقد المقاولة يخضع بالاصل لقواعد الإثبات العامة المقررة في الإثبات، فلا يجوز إثبات ما يجاوز المائة ليرة سورية الا ببينة خطية، عملاً بالمادة 54 بينات. الا أن إثبات أن المقاول قام بأعمال لمصلحة شخص دون أن يكون هناك عقد مقاولة فهذا أمر يتعلق بواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن.
وحيث أن القرائن التي ساقها الحكم المطعون فيه تصلح للتدليل على انتساب ابن الطاعن للمدرسة خلال المدة المحددة فيه، مما يستتبع تصريح المقاول العمل لصالح الطاعن لأنه لا ضرورة لأن تكون هذه الأعمال حقوقاً إليه شخصياً، ويكفي تقديمها لابنه الذي هو في عهدته وتكلف بالانفاق عليه.
وحيث أن عدم تحديد الاجر في عقد المقاولة لا ينفي وجوده، ويكفي أن يكون العمل المعهود به إلى المقاول ما كان ليتم إلا لقاء أجر يقابله، حتى يفترض أن هناك اتفاقاً ضمنياً على وجود الأجر.
وحيث أن التدريس في المدارس الخاصة لا يتم عادة إلا لقاء أجر. ويغدو الدفع، من أن ما قدمه المطعون ضده من تدريس كان تبرعاً منه، في غير محله.
وحيث أن الطاعن لا يجادل في أن ما قضى به من أجر كان وفق الانظمة المدرسية التي يمكن أن تنزل بمنزلة هذا العرف.
ويتعين رفض الطعن موضوعاً.
(نقض سوري رقم 655 تاريخ 27 / 8 / 1969 مجلة القانون ص 410 لعام 1970)

/مادة 629/
2489 ـ عقد مقاولة ـ تحلل رب العمل ـ تعويض المقاول ـ اتفاق خاص:
الاصل في عقد المقاولة أنه لازم ـ وجوب تعويض المقاول إذا تحلل رب العمل في العقد واوقف تنفيذه قبل اتمامه ـ جواز الاتفاق على غير ذلك.
المناقشة:
الأصل في عقد المقاولة أنه عقد لازم وأنه طبقاً لنص المادة 663 من القانون المدني يجب على رب العمل إذا تحلل من العقد وأوقف التنفيذ قبل اتمامه أن يعوض المقاول. ولكن يجوز الخروج على هذا الاصل المقرر لمصلحة المتعاقدين باتفاقهما على حق رب العمل في التحلل من تنفيذ العقد كله أو بعضه دون دفع تعويض للمقاول أو باتفاقهما على تحديد نطاق الإلزام في جزء من العمل ليخرج الجزء الباقي عن نطاق الإلزام بالتنفيذ العيني أو بطريق التعويض. ويتعين إعمال هذه القواعد على التعاقد الذي يبرمه رب العمل مع المهندس المعماري باعتباره من عقود المقاولة.
(نقض مصري رقم 223 تاريخ 16 / 5 / 1967 الموسوعة الذهبية للاستاذين فاكهاني وحسني ـ الجزء التارسع ـ ص 207 فقرة 432)

/مادة 629/
2490 ـ عقد مقاولة ـ عدول رب العمل ـ تعويض ادبي ـ تعويض مادي:
عدول رب العمل عن اتمام عقد المقاولة بإرادته المنفردة يرتب للمقاول حق التعويض الادبي بحكم القواعد العامة، فضلاً عن التعويض المادي بحكم المادة 663 فقرة أولى من القانون المدني.
المناقشة:
لما كان النص في المادة 663 / 1 من القانون المدني على أن لرب العمل أن يتحلل من العقد ويقف التأمين في أي وقت قبل اتمامه، على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه «من المصروفات وما أنجزه من الأعمال، وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل» يدل على أن المشرع أجاز لرب العمل أن يتحلل بإرادته المنفردة من عقد المقاولة لأسباب قد تطرأ في الفترة من الزمن التي لا بد أن تمضي بين إبرام العقد واتمام تنفيذه مقابل تعويض المقاول عما تكلفه من نفقات وما فاته من كسب. ولئن كان النص المشار إليه لم يعرض صراحة لحق المقاول في مطالبة رب العمل بتعويضه أدبياً عن تحلله بإرادته المنفردة من عقد المقاولة، إلا أنه لم يحرمه من هذا الحق الذي تقرره القواعد العامة المنصوص عليها في المادة 222 من القانون المدني. ومن ثم يحق للمقاول أن يطالب رب العمل الذي تحلل بإرادته المنفردة من عقد المقاولة بتعويضه عما أصابه من ضرر أدبي إذا تبين له أن ثمة مصلحة أدبية كانت تعود عليه فيما لو أتيحت له فرصة اتمام أعمال المقاولة.
(نقص مصري رقم 977 تاريخ 25 / 6 / 1979 ـ المرجع السابق ص 212 فقرة 449)

/مادة 629/
2487 ـ التزام ـ عقد مقاولة ـ رب العمل ـ الغاء العقد ـ تعويض ـ اعذار:
إن المادة 629 من القانون المدني أجازت لرب العمل أن يتحلل من عقد المقاولة وبوقف تنفيذه على أن يعوض على المقاول ما أنفقه من مصروفات وما أنجزه من أعمال وما فاته من كسب، مما يمتنع معه على المقاول طلب التنفيذ العيني ويحصر حقه بالتعويض دون حاجة لسبق الانذار.
أسباب الطعن:
حيث أن الجهة الطاعنة تعتمد في طلب نقض الحكم ما خلاصته:
أن توجيه الاعذار لايتوجب على الطاعن إثر طرده من العمل، طالما أن من حق الجهة المطعون ضدها توقيفه عن العمل ودفع أجوره طيلة مدة العقد الباقية. فذهاب الحكم إلى القول بلزوم الانذار إعمالاً لنص المادة 219 مدني فيه خطأ ناجم عن قلب الدعوى من دعوى أجور عن المدة الباقية إلى دعوى تعويض ضرر وهذا غير جائز.
المناقشة:
حيث أن دعوى الطاعن تقوم على أنه تعاقد مع الجهة المطعون ضدها على توريد العمال خلال المدة المحددة في العقد الجاري بين الطرفين. وأن الجهة المطعون ضدها أقدمت على فسخ العقد الجاري بين الطرفين. وأن الجهة المطعون ضدها أقدمت على فسخ العقد دون مبرر قبل انتهاء مدته بسنتين. وانتهى إلى طلب أجوره المدعى بها بداعي استحقاقه لها.
وحيث ان الحكم المطعون فيه، بعد أن قرر فسخ الحكم البدائي، قضى برد الدعوى.
وحيث أن مبنى الطعن أن ما قضى به هذا الحكم مشوب بمخالفة تفسير المادة 219 مدني، لأن القانون لا يوجب علىالطاعن توجيه الاعذار قبل اقامة الدعوى.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بعد أن وصف العقد الجاري بين الطرفين بأنه عقد مقاولة أسس قضاءه برد الدعوى على أن دعوى الطاعن تنصب على مطالبة الجهة المطعون ضدها بالتعويض لعدم الوفاء بالتزاماته العقدية، وأن هذه الدعوى يجب أن يسبقها اعذار من المدعي، وأن سكوته عن توجيه الاعذار يحمل منه محمل التسامح وأنه لم يصب بضرر، وأن الاعادة أمام محكمة الصلح للمطالبة بالتعويض دون طلب التنفيذ لا يقوم مقام الاعذار، سيما وأن الدعوى الصلحية ردت لعدم الاختصاص الوظيفي.
وحيث أن المادة 629 من القانون المدني أجازت لرب العمل أن يتحلل من العقد ويوقف تنفيذه في أي وقت قبل اتمامه، على أن يعوض على المقاول جميع ما أنفقه من المصروفات وما أنجزه من الأعمال وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل.
وحيث أن مفاد هذا النص الخاص بعقد المقاولة الترخيص لرب العمل بالتحلل من العقد بإرادته المنفردة دون أن يكون للمقاول سوى الحق بالتعويض عما تكبده من خسارة وما فاته من كسب كجزاء على تصرف رب العمل.
وحيث أن المادة 219 مدني التي أوجبت لاستحقاق التعويض سبق الانذار إنما يتصل حكمها بعدم قيام المدين بالتنفيذ العيني أو بتأخره في تنفيذه كيما يكون التعويض بديلاً عن أيهما.
وحيث أن هذه المحكمة انتهت إلى أنه ليس للمقاول المطالبة بالتنفيذ العيني بعد استعمال رب العمل رخصة المشرع له، مما تنتفي معه حكمة التشريع بتوجب الانذار، ويكون ما قضى به الحكم لهذه الناحية بلا سند في القانون ويتعين نقضه.
وحيث أن هذا النقض لهذه الجهة يستوجب اعادة القضية إلى المحكمة مصدرته للعمل على اتباع النقض والنظر في باقي طلبات ودفوع الطرفين.
لذلك، تقرر بالإجماع نقض الحكم موضوعاً.
(نقض رقم 32 تاريخ 4 / 2 / 1967 مجلة القانون ص 204 لعام 1967)

/مادة 629/
2488 ـ عقد مقاولة ـ فسخ العقد ـ تعويض ـ تخفيض التعويض:
إذا عمد رب العمل إلى فسخ عقد المقاولة بسبب خطأ المقاول، فإن هذا الفسخ لا يكون إلا عن طريق القضاء.
وتحلل رب العمل من المقاولة ووقف تنفيذها بإرادته المنفردة يوجب عليه التعويض على المقاول.
ويجوز للمحكمة أن تخفض التعويض المستحق عما فات المقاول من كسب إذا كانت الظروف تجعل هذا التخفيض عادلاً.
أسباب الطعن:
1 ـ عدم صحة الاتفاق على بناء كامل البناية.
2 ـ فسخ الاتفاق قبل الانتهاء من بناء طابقي الاقبية والاعمدة كان بسبب تقصير المطعون ضده.
3 ـ التعويض الذي يطالب به المطعون ضده غير مسموع قانوناً باعتبار أن المطعون ضده لم يضع شيئاً من وقته.
4 ـ المبالغ المدفوعة من قبل الطاعن هي (51.100) ليرة سورية.
فعن أسباب الطعن:
من حيث أن دعوى المدعي، المطعون ضده، تقوم على طلب الحكم بإلزام المدعى عليه، الطاعن، بباقي أجور الأعمال التي أنجزها وبالتعويض عما فاته من كسب لو أنه أتم العمل الذي عهد به إليه المدعى عليه، بداعي أن المدعى عليه الذي عهد إليه بناء كامل العمارة موضوع الدعوى بأجر متفق عليه قد منعه من اتمام بناء كامل العمارة بعد أن أنجز بناء طابقي الاقبية والاعمدة، دون وجه حق. فبات من حقه مطالبته بباقي أجور الأعمال التي أنجزها وبالتعويض عما فاته من كسب لو أنه أتم العمل.
ومن حيث أن ظاهر أوراق الدعوى وشهادة الشهود يفيد أن المدعى عليه عهد إلى المدعي بناء كامل العمارة موضوع الدعوى، مما يجعل ما استبانته محكمة الموضوع من الادلة التي أطمأنت إليها بما مؤداه، أن المدعى عليه عهد إلى المدعي بناء كامل العمارة، على الوجه الذي أتت عليه في حكمها المطعون فيه وأوردت على ثبوته أدلة سائغة مستمدة من أوراق الدعوى، لا تراقبه محكمة النقض لدخوله في سلطة قاضي الموضوع في تقدير الدليل، فيتعين رفض السبب الأول من أسباب الطعن.
ومن حيث أن المقاول إذا ارتكب خطأ فسبيل رب العمل ليس التحلل من المقاولة بل يطلب فسخها إذا كان هذا الخطأ يبرر الفسخ، وفي هذه الحالة يكون المقاول هو المسؤول عن تعويض رب العمل عن الضرر الذي أصابه بسبب الفسخ.
ولما كان ذلك، فإنه على فرض صحة مقولة الطاعن: «إن المطعون ضده أهمل الاشراف على البناء» التي ساقها في تبرير فسخ عقد المقاولة من جانبه قبل اتمام المدعي بناء كامل العمارة، فإن ذلك لا يشفع له في فسخ العقد المذكور دون الرجوع إلى القضاء.
فيتعين رفض السبب الثاني من أسباب الطعن.
ومن حيث أن الطاعن الذي خسر الدعوى أمام محكمة البداية لم يشتمل استدعاء استئنافه على السبب الرابع من أسباب الطعن، فإثارته السبب المذكور ابتداء أمام محكمة النقض يستلزم الالتفات عنه فضلاً عن أن الطاعن أقر باستجوابه أن مادفعه من أجور للمدعي هو / 39.700 / ليرة سورية.
فيتعين رفض السبب الرابع من أسباب الطعن.
ومن حيث أن الطاعن دفع دعوى المدعي، المطعون ضده، بأن تحلله من عقد المقاولة لم يضع على المطعون ضده شيئاً من وقته، وبالتالي فلا وجه للحكم عليه بالتعويض عما فات على المدعي من كسب لو أنه أتم بناء كامل العمارة.
ومن حيث أنه يجوز للمحكمة أن تخفض التعويض المستحق عما فات المقاول من كسب، إذا كانت الظروف تجعل هذا التخفيض عادلاً. ويبقى عليها بوجه خاص أن تنقص منه ما يكون المقاول قد كسبه من وقت من جراء تحلل رب العمل من العقد باستخدامه في أمر آخر. فقد أتاح له عدم اتمام العمل فسحة من الوقت يصح أن يكون قد استخدمها في عمل آخر در عليه ربحاً، فيجب استنزال هذا الربح من الكسب الذي فاته، على ما هو عليه الفقه العربي المقارن (وسيط السنهوري ج 7 ص 253).
ولما كان ذلك فإن عدم رد الحكم المطعون فيه على دفع الطاعن يعرضه للنقض. فيتعين نقض الحكم المذكور عن السبب الثالث من أسباب الطعن.
لذلك، جكمت المحكمة بالإجماع نقض الحكم المطعون فيه من السبب الثالث من أسباب الطعن ورفض الطعن فيما وراء ذلك.
(نقض سوري رقم 1816 أساس 1324 تاريخ 9 / 10 / 1982 ـ سجلات محكمة النقض)

/مادة 631/
2491 ـ عقد مقاولة ـ تسليم العمل ـ مكان التسليم ـ اتفاق ـ تبعة الضرر ـ حادث مفاجىء ـ خطأ المقاول ـ خطأ رب العمل:
1 ـ إن التزام المقاول بتسليم العمل بعد انجازه إلى رب العمل في الاصل يكون في محل المقاول ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك.
2 ـ إن تبعة تحمل الضرر وفق أحكام عقد المقاولة يتحدد ويختلف على مقتضى ما إذا كان الضرر قد حصل بسبب حادث مفاجئ أو بخطأ المقاول أو بخطأ رب العمل. وإن فعل الغير هو أحد أوجه الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة.
أسباب الطعن:
1 ـ أهملت المحكمة طلب اختصام سائق السيارة العسكرية التي صدمت سيارة المطعون ضده ووزارة الدفاع كمسؤولة بالمال.
2 ـ مسؤولية الطاعن ليون هي مسؤولية تقصيرية شخصية، وان خطأ سائق السيارة العسكرية هو الذي أدى إلى وقوع الحادث، مما يؤلف سبباً أجنبياً بالنسبة للطاعن ليون ويوجب اختصام السائق المذكور لبحث المسؤولية في مواجهته.
3 ـ المادة 179 مدني تنصرف إلى الغير لا إلى الشيء نفسه، وان المحكمة لم تستجب لطلب الطاعنين بشأن إثبات السبب الأجنبي.
4 ـ ولا وجه لمساءلة الطاعن اليشا صاحب المحل، فالمطعون ضده لم يحضر السيارة إلى محل اليشا ولم يسلمه اياها، ولم تبين المحكمة سبب التضامن.
مناقشة وجوه الطعن:
من حيث أن دعوى المدعي، المطعون ضده، تقوم على طلب تعويض الاضرار التي لحقت بسيارته المودعة لدى المدعى عليهما، الطاعنين، بغية التصليح فاستعملها المدعى عليه، الطاعن ليون، وتصادم بها مع سيارة مدرعة عسكرية.
ومن حيث أن المدعى عليهما الطاعنين ذكرا في دفوعهما وفي استدعاءي الاستئناف والطعن أن المدعى عليه الطاعن اليشا هو صاحب المحل ورب العمل، وأن المدعى عليه الطاعن ليون هو مجرد عامل لدى الطاعن اليشا. وبما أن المدعي، المطعون ضده، لم يثبت أن الطاعنين شريكان، فيتحتم الفصل في الدعوى على أساس أن الطاعن ليون الذي وقع معه الحادث هو عامل في محل الطاعن اليشا.
ومن حيث أن الطاعن اليشا أوضح في مذكرته 28 / 1 / 1981 أن العقد بينه وبين المطعون ضده هو عقد مقاولة لتصليح سيارة المطعون ضده، وأنه، أي الطاعن اليشا، أخطر المطعون ضده ليستلم سيارته بعد أن انتهى تصليحها، فطلب المطعون ضده جلبها وتأمين ايصالها إليه، فأخذ الطاعن ليون السيارة لإيصالها إلى المطعون ضده فوقع الحادث أثناء سيرها في الطريق، مما يفيد رابطة عقدية بين الطاعن اليشا والمطعون ضده خلافاً لما أورده الطاعن اليشا في دفوعه الاولية من نفي للعلاقة بينه وبين المطعون ضده. علماً بأن المدعي، المطعون ضده، أقام الدعوى على أساس أنه اتفق مع المدعى عليهما على تصليح سيارته.
ومن حيث أن من التزامات المقاول تسليم العمل بعد انجازه إلى رب العمل. وأن الاصل أن يكون التسليم في محل المقاول ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك، مما كان يوجب على محكمة الدرجة الثانية استثبات ما دفع به الطاعنان من أنه بعد تصليح السيارة تم الاتصال بالمدعي، المطعون ضده، ليحضر ويستلم السيارة فطلب جلبها إليه وتسليمه إياها في محله.
ومن حيث أن تحمل تبعة الضرر اللاحق بالسيارة، وفق أحكام عقد المقاولة إنما يتحدد ويختلف على مقتضى ما إذا كان الضرر قد حصل بسبب حادث مفاجئ أو بخطأ المقاول أو بخطأ رب العمل المطعون ضده، عملاً بالمادة 631 مدني.
وبما أن الجهة الطاعنة دفعت الدعوى بأن السيارة المدرعة العسكرية هي التي صدمت سيارة المطعون ضده دون أي خطأ من الطاعن ليون الذي كان يقود سيارة المطعون ضده، فإنه كان على محكمة الدرجة الثانية أن تمكن الجهة المدعى عليها الطاعنة من إثبات ذلك حملاً على أن فعل الغير هو أحد أوجه الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة.
ومن حيث أنه عدا عن أن حق الطاعنين المدعى عليهما اختصام سائق السيارة المدرعة العسكرية ووزارة الدفاع والادعاء عليهما بتعويض الضرر الناجم عن الحادث الذي يحكم بع على الطاعنين للمطعون ضده، عملاً بالمادة 151 أصول ان كان لذلك وجه في القانون والواقع، فإن ذلك يساعد من جهة ثانية على إثبات دفع الطاعنين المتعلق بالحادث المفاجئ المذكور في مواجهة سائق السيارة العسكرية المنسوب إليه من الطاعنين التسبب في الحادث منفرداً. فذهول محكمة الاستئناف عن ذلك يجعل الطعن وارداً من هذه الجهة.
ومن حيث أنه بمقتضى ما ذكر يتعين نقض الحكم الطعين.
ومن حيث أن هذا النقض يتيح للجهة الطاعنة أثارة بقية الأسباب.
لذلك، حكمت المحكمة بالإجماع بنقض الحكم المطعون فيه.
(نقض سوري رقم 2181 أساس 1725 تاريخ 15 / 11 / 1982 سجلات محكمة النقض)

/مادة 631/
2492 ـ مقاولة ـ قوة قاهرة ـ مدة العقد:
يتعين لقبول الدفع بالقوة القاهرة أو الحادث المفاجىء أن يقعا خلال الأجل المضروب لتنفيذ العقد. فإذا حصلت بعد انتهائه وبدون عذر مقبول فإنها لا تعفي الملتزم من المسؤولية لأنه لو قام بالتزامه خلال الاجل لأمكنه التنفيذ قبل وقوع الحادث الذي يشكل القوة القاهرة.
اسباب الطعن:
1 ـ ان محكمة الاستئناف اخطأت عندما قضت بفسخ الحكم البدائي، ورد الدعوى كان القوة القاهرة وتبعة الحادث المفاجىء تخالف وقائع الدعوى إذ أنه كان على المطعون ضده أن يقوم بتنفيذ التزامه بتاريخ 3/1/1972 والحريق قد حدث بتاريخ 22/1/1972.
2 ـ ومن قبيل الاستطراد فإن وقوع الحريق في مركز عمل المقاول لا يعفيه من أداء التعويض ما لم تتثبت المحكمة أنه لم يكن مقصراً من العناية ببضاعة منشرته.
في مناقشة اسباب الطعن:
من حيث ان دعوى الجهة الطاعنة تقوم على مطالبة المطعون ضده بقيمة الأخشاب والمواد الأخرى التي سلمت إليه لتصنيعها لها بمقتضى العقد المبرم بينهما باعتبار أنه تخلف عن انجاز ما تعهد بتنفيذه فهي تطالبه بالقيمة مع غرامة التأخير.
وحيث ان الحكم المطعون فيه قد جنح إلى رد دعوى المؤسسة على اعتبار أن الحريق الذي التهم منشرة المدعى عليه يعتبر قوة قاهرة تحول دون تنفيذ العقد وتجعل تبعة هلاك الخشب والمواد الأخرى على عاتق الجهة المدعية سنداً لأحكام المادة 631 من القانون المدني.
وحيث أن اجتهاد هذه المحكمة قد استقر على أنه يتعين لقبول الدفع بالقوة القاهرة أو الحادث المفاجىء أن يقعا خلال الأجل المضروب لتنفيذ العقد فإذا حصلت بعد انتهائه وبدون عذر مقبول فإنها لا تعفي الملتزم من المسؤولية إذ كان عليه أن يقوم بالتزامه خلال ذلك الاجل ولو فعل لأمكنه تنفيذ العقد قبل وقوع الحادث الذي يشكل القوة القاهرة (قرار نقض 29/7 تاريخ 14/1/1959).
وحيث انه يبين من الرجوع إلى العقد أن تسليم المواد المتفق على تصنيعها هو خمسة عشر يوماً من تاريخ تسليم المدعى عليه المواد الأولية اللازمة لذلك وانه قد تم استلامها من قبله بتاريخ 19/12/1971 وبذلك يجب أن تكون مدة التسليم 3/1/1972.
وحيث ان الحريق قد وقع مساء يوم 22/1/1972 على ما يتضح من ضبط الشرطة وتكون المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه قد قررت عدم مسؤولية المطعون ضده واخلاء ذمته رغم تحقق وقوع الحريق بتاريخ لاحق على الأجل المحدد لتنفيذ العقد مما يتعين معه نقض الحكم.
وحيث ان النقض لهذا السبب إنما يتيح للمحكمة سماع بينة المطعون ضده على دفعه المتعلق بأن الجهة الطاعنة هي التي تأخرت عن استلام بقية المواد بحجة عدم وجود اماكن لديها رغم مطالبتها بذلك.
لأن تحقق هذا الأمر إنما يؤثر على نتيجة الدعوى كما أنه يتعين على المحكمة للتحقيق على صحة هلاك جميع الاخشاب المسلمة إلى المدعى عليه على ضوء ما ورد في ضبط الشرطة لجهة انقاذ ما يعادل 2.5 طن من الاخشاب.
لذلك حكمت المحكمة بالاجماع نقض الحكم.
(نقض رقم 100 اساس 455 تاريخ 12/2/1976 سجلات النقض)

/مادة 634/
2493 ـ التزام ـ مرافق عامة ـ ديون المرفق ـ مسؤولية الملتزم:
في عقود التزام المرافق العامة فإن جميع الديون التي تترتب على ذمة الملتزم أثناء قيامه بإدارته تبقى عليه وحده لأنه ليس وكيلاً ولاخلفاً للإدارة.
المناقشة:
القاعدة في عقود التزام المرافق العامة هي أن الملتزم يدير المرفق لحسابه وعلى نفقته وتحت مسؤوليته. وتبعا لذلك فإن الديون التي تترتب في ذمة الملتزم أثناء قيامه بإدارة المرفق يعد عليه وحده. ومن ثم فلا شأن لجهة الإدارة مانحة الالتزام بها. فإذا هي أنهت الالتزام بالاسقاط وعاد المرفق إليها. فإنها لاتلتزم بشيء من هذه الديون ما لم ينص في عقد الالتزام على التزامها بها. ذلك أن الملتزم لا يعتبر في قيامه بإدارة المرفق لحسابه وكيلاً عن جهة الإدارة. كما أنها لا تعتبر خلفاً خاصاً أو عاماً له.
(نقض مصري تاريخ 1 / 11 / 1982 مجموعة المكتب الفني ـ السنة 13 ـ مدني ـ ص 95

ابراهيم عباس خليل
04/10/2009, 11:27 AM
مجهود مميز بارك الله لك فى علمك