المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيـن الـمصرف التقليدي و الإسلامي...



المحامية علياء النجار
17/05/2009, 11:02 AM
بيـن الـمصرف التقليدي و الإسلامي...

إذا كان المعارضون للربا في أوروبا ينظرون إلى المصرف التقليدي نظرة ازدراء ، و قد آل بهم المآل إلى إلغاء هذه المصارف لفترة ما و عدم إيجاد أي بديل ، فإن الإسلام بالمقابل لن يحتاج عند إلغاء التعامل الربوي و إلغاء المؤسسات الاقتصادية اللازمة لنمو الحياة الاقتصادية و مرافقها الحيوية نموها الطبيعي السليم ، و لكنه فقط سيطهرها ثم يتركها تعمل وفق قواعد سليمة و أسس مريحة ومقبولة ، هنا فقط يبرز مدى الفرق بين المؤسسات المصرفية الإسلامية و الأخرى التقليدية .

1- من حيث الخدمات .
2- من حيث سياسة الدولة التي تحكمها
3- من حيث العلاقة مع المصارف المركزية
4- من حيث انعكاسها على الاقتصاد
5- بعض الفوارق الشرعية

أولاً - من حيث الخدمات التي تقدمها المصارف :
• الودائع : يقدم المصرف التقليدي للعملاء معه خدمات مصرفية عديدة منها خدمة الودائع ، و طبقاً لمفهوم الوديعة في المصرف التقليدي فهي القروض التي يلتزم المصرف بردها مع نسبة الفائدة المتفق عليها عند الإيداع ، و يتحول هنا القرض إلى ضرب من ضروب القرض الربوي الذي لا يجيزه الفقه الإسلامي ، حيث تعد الوديعة في نظر المصرف الإسلامي هدف من أهداف التشجيع على التعاون بين القادرين ، حيث لم يشأ المشرع الإسلامي من هذه العقود أن ينشأ بها أنظمة و منظومات للربح أو الاستثمار ، و بهذا تختلف الودائع في المصرف التقليدي عنه في المصرف الإسلامي لان أصحاب الودائع ليسوا دائنين في المصرف الإسلامي بل هم شركاء .
و على ذلك فما هو جائز في المصرف التقليدي ليس كذلك في المصرف التقليدي من حيث التعامل بالودائع لا يجوز للمصرف الإسلامي أن يلزم بضمان الأموال و لا بضمان أي نسبة من الربح ، لان المودع هو شريك عليه أن يتحمل الربح و الخسارة .
إضافة إلى ذلك فإن للمشترك في المصرف الإسلامي أن يشترط قيوداً تحدد طبيعة النشاط الاستثماري لأمواله و يجب على المصرف الالتزام بهذه القيود بمجرد إبرام العقد .
و قد نلحظ في المصارف الإسلامية جانباً مهماً في مسألة الضمان إذ أن المصرف الإسلامي لا يضمن رأس المال إلا إذا خالف شروط المضاربة بتعديه أو بتقصيره إذ هو أمين و لا يضمن إلا بما سبق، و مسالة الضمان هذه هي من أهم ما يباعد بين النظرية الإسلامية و النظرية التقليدية للمصارف السائدة.
• الائتمان:
إن المصارف الإسلامية في مسالة الائتمان لا تساهم في فيه و لا بمضاعفته لأنها لا تأخذ فوائد و هي بالتالي لا تسهم في ما يسمى بالتضخم النقدي.
أما بالنسبة للمصارف التقليدية فان الائتمان هو ركن أساسي في مالية هذه المصارف حيث يتقاضى من جزاء ذلك فوائد ضخمة بنسب كبيرة مؤدية بالتالي تلك العملية إلى التضخم.
• رأس المال :
بالنظر سريعاً إلى عمل المصارف الإسلامية نجد أن رأس المال فيها ينبغي أن يكون حاضراً حين توقيع العقد كي تصح الشراكة و يصح العقد ، أما المصرف التقليدي فهو يعمل على أساس من الفكر المالي المحاسبي الرأسمالي حيث لا يشترط أن تكون حصص الشركاء من المودعين و المتعاملين مدفوعة بكاملها ، و على ذلك فإن ضآلة رأس مال المصرف التقليدي إذا ما قورن بالمصرف الإسلامي مرده هو أن الهدف من المصرف التقليدي هو الربح المضمون ، فرأس المال المستدان بالربا ليس همه إلا أن يربح ربحاً مضموناً فيوفي الفائدة الربوية و يفضل منها شيء للمستدين.
أما ضخامة رأس مال المصارف الإسلامية فمرده هو مساعدته لأصحاب الفعاليات الذين يساهمون في مشاريع الاقتصاد الحيوية ، مع العمل على إزالة كل إجحاف أو غبن قد يصيب من يحتاج إلى المال أو يضطر إلى الاقتراض لإنشاء مثل هذه المشاريع .
• الربا ( الفائدة ) :
إن الفائدة هي أهم سبب يجعل الفارق واضحاً بين المصارف الإسلامية و الأخرى التقليدية حيث تعتبر الأخيرة إن الفائدة هي أهم سبب لوجودها و هي العمود الفقري لعملها ، حيث تمنح فائدة للمودعين على أموالهم مرتبطة بالمدة الزمنية إضافة إلى الفوائد التي تتقاضاها على القروض التي تمنحها للعملاء أو على الاعتمادات .
أما المصارف الإسلامية فلا تأخذ فائدة على أية عملية مصرفية ، حيث يهدف المصرف الإسلامي إلى تقديم جميع الخدمات المصرفية و ممارسة أعمال التمويل و الاستثمار القائمة على غير أساس الفائدة في جميع صورها و أشكالها .
• التمويل :
تقوم المصارف الإسلامية بتمويل عمليات المرابحة و المشاركة و المضاربة و هذه ليس هناك ما يقابلها في المصرف التقليدي بل إنها تعتمد في تمويلها على التمويل القصير الأجل مثل تمويل التجارة الخارجية و تمويل المشاريع التجارية و الزراعية و الصناعية ، أما التمويل الطويل الأجل الذي تقدمه المصارف التقليدية مقابل ضمانات و رهون فإن المصارف الإسلامية تقدم مقابله المشاركة الكاملة في رأس مال المشروع و المشاركة في إدارته و الإجارة المنتهية بالتمليك .
و قد نص قانون إحداث المصارف الخاصة لعام 2001 على عمليات التمويل التي يمارسها المصرف التقليدي في المادة 12 منه :
" أ - يمارس المصرف الخدمات المالية والأعمال المصرفية على أنواعها وفقا لأحكام النظام الأساسي للمصرف والقوانين والأنظمة المرعية في كل مالا يتعارض وأحكام هذا القانون ومن هذه الأعمال:
الأول- قبول الودائع بالعملة السورية والأجنبية لآجال مختلفة.
الثاني- خصم الأوراق التجارية وأسناد الأمر والسفاتج بصورة عامة خصم جميع وثائق التسليف وأسناده.
الثالث- خصم أسناد القروض القابلة للتداول أو غير القابلة له.
الرابع- تمويل العمليات التجارية ومنح القروض والسلف بجميع أنواعها مقابل ضمانات عينية أو شخصية وغيرها من الضمانات التي يحددها مصرف سورية المركزي.
الخامس- إصدار شهادات الإيداع والقيم المتداولة المنتجة للفوائد وأسناد السحب والسفاتج وكتب الاعتماد والشيكات والحوالات على اختلاف أنواعها والاتجار بهذه الأوراق.
السادس- توفير التسهيلات اللازمة لعمليات الحفظ الأمين للنقود والأوراق المالية والمقتنيات الثمينة والوثائق.
السابع- فتح حسابات جارية وحسابات توفير.
الثامن- تقديم خدمات الدفع والتحصيل.
التاسع- إصدار أدوات الدفع بما في ذلك السحوبات المصرفية وبطاقات الدفع والائتمان والشيكات السياحية وإدارتها وفق التعليمات الصادرة من لجنة إدارة مكتب القطع.
العاشر- شراء جميع وسائل الدفع المحررة بالعملات الأجنبية وبيعها والتعامل بها في أسواق الصرف الآنية والآجلة وفقا لأنظمة القطع النافذة.
الحادي عشر- الاستدانة لآجال مختلفة وقبول الكفالات بأنواعها. "
الثاني عشر- شراء وبيع أسهم وسندات الشركات المساهمة المطروحة أسهمها على الاكتتاب العام وكذلك الأوراق المالية الأخرى المسموح بتداولها في الجمهورية العربية السورية وفق الضوابط والنسب التي يحددها مصرف سورية المركزي.
الثالث عشر- وبشكل عام القيام لمصلحته أو لمصلحة الغير أو بالاشتراك معه في الجمهورية العربية السورية أو في الخارج بجميع الخدمات المالية والمصرفية وعمليات الخصم والتسليف وإصدار الكفالات.
ب - يجوز للمصرف بناء على موافقة مصرف سورية المركزي المسبقة القيام بما يلي :
أولاً- المساهمة برأسمال مصارف عربية أو أجنبية ضمن الحدود والشروط التي يحددها مصرف سورية المركزي.
ثانياً- شراء العقارات اللازمة لممارسة نشاطاته حصرا داخل أراضي الجمهورية العربية السورية وخارجها.
أما المرسوم التشريعي رقم 35 عام 2005 و المتضمن إحداث المصارف الإسلامية فقد نص في مادته السابعة على عمليات تمويل تلك المصارف بما يلي :
" يجوز للمصرف الإسلامي القيام بالعمليات المصرفية التالية :
القيام بعمليات التمويل على غير أساس الفائدة لآجال مختلفة و في المجالات الاقتصادية التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية و ذلك باستخدام صيغ العقود الشرعية كعقود المضاربة و المشاركة و المشاركة المتناقصة و بيع المرابحة للأمر بالشراء و عقود الاستصناع و عقود بيع السلم و عقود الإجارة التشغيلية و عقود الإجارة التكميلية و غيرها من الصيغ العقود التمويلية التي توافق عليها هيئة الرقابة الشرعية .
• المخصصات :
أهم المخصصات في المصارف الإسلامية هي مخصصات مخاطر عمليات الاستثمار ، يقابلها في الأهمية لدى المصارف التقليدية مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها و الفارق هو أن المخصصات في المصارف التقليدية تقتطع من إجمالي الربح للوصول إلى صافي الربح القبل للتوزيع و هذه المخصصات تقدر تقديراً ، و إذا كانت التقديرات أكثر أو أقل بقليل من الرقم الصحيح فان ذلك لا يضر المساهمين لأنه و حتى و إن حملت سنة مالية بما يخص غيرها من مخصصات فان هذا الفرق يتعجل من خلال التوزيع في السنة التالية .
و المصارف الإسلامية تقتطع مخصصات مخاطر الاستثمار إذا وظفت أموال المودعين أما إذا لم توظفها فلا تقتطع منها شيء مع التفريق في حال الودائع القصيرة الأجل و التي يكون توظيفها قصير الأجل و هذه الفترة القصيرة للتوظيف يجب ألا تتساوى مع فترات التوظيف الطويل الأجل من حيث تكوين المخصصات .
• الإيرادات :
تأتي الإيرادات في المصارف الإسلامية من إيراد الخدمات المصرفية ( كتحصيل الشيكات و التحويلات النقدية و تأجير الخزائن و فتح الاعتمادات .. )
كما تأتي الإيرادات أيضاً من استثمار المصرف الإسلامي لأمواله ، أما إيرادات المصارف التقليدية فهي قائمة بالدرجة الأولى على فوائد مقرضيها ، ثم فيا لدرجة الثانية إيرادات الخدمات المصرفية .
• المصروفات :
إن مصروفات المصارف الإسلامية تختلف بالتأكيد عن مصروفات المصارف التقليدية، حيث يتجلى الاختلاف في أمرين اثنين :
1- الفوائد المدنية التي تدفعها المصارف التقليدية للمودعين لديها .
2- تحمل المساهمين لكل المصروفات الإدارية في المصارف الإسلامية دون اشراك أصحاب ودائع الاستثمار .
• الربح و الخسارة :
تتحقق الأرباح في المصارف الإسلامية من خلال عمليات المضاربة و المشاركة و المرابحة ، بينما يتحقق الربح التقليدي من الفرق بين الفائدة الدائنة والفائدة المدنية ، و من جهة أخرى لا تشكل الخدمات المصرفية مورداً مهماً للمصرف التقليدي حتى يحسب لها حساب في ناتج الربح .
أما الخسارة فيتحملها المصرف الإسلامي كاملة إذا كان هو صاحب المال و يخسر الشريك المضارب جهده فقط
مقابل ذلك فإن الخسارة في المصرف التقليدي يتحملها المقترض فقط ، و لا يكترث البنك سواء أحقق المقترض ربحاً أم لحقت به خسارة ، و يقوم المصرف بمطالبة المقترض الخاسر بكامل المبلغ الذي اقترضه إضافة إلى الفوائد المترتبة عليه .

ثانياً - من حيث سياسة الدولة التي تحكمها :
• الإطار القانوني :
إن توظيف الأموال في المصارف التقليدية يحكمه إطارا قانونياً مختلفاً عما يدور في الإطار القانوني للمصارف الإسلامية ، فينما تخضع الأولى إلى القانون التجاري و قوانين المصارف و أوامر المصرف المركزي ، تعتمد الثانية على الضوابط الشرعية حتى لو اصطدمت بالضوابط القانونية .
• الإعفاءات الحكومية :
إن المصارف التقليدية ملزمة بإتباع جميع التعليمات الصادرة عن المصارف المركزية و قوانينها و لا يحق لها مخالفة أي من تلك التعليمات ، أما المصارف الإسلامية فان قسماً يلتزم بما تلتزم به المصارف التقليدية ، بينما حظي القسم الآخر ببعض الإعفاءات الحكومية على شكل استثناء من القوانين المالية و المصرفية التي تحكم العلاقة بين الحومة المالية و المؤسسة المالية الخاصة .
على انه هناك بعض المصارف التي حصلت على بعض الإعفاءات فعلاً منها بنوك دبي و السودان و مصر و الكويت و البحرين و الأردن الإسلامية.
و هناك بالمقابل مصارف إسلامية وضعت لها تشريعات خاصة كما في سوريا و إيران و باكستان و تركيا و ماليزيا .
كما انه هناك من المصارف لم تعف من النظم التي تحكم المصارف التقليدية و لم يشرع لها نظام خاص من قبل السلطة المالية الرسمية مثل مصارف الدنمارك و انكلترة الإسلامية .


ثالثاً - من حيث العلاقة مع المصارف المركزية :
• دعم الـمصرف المركـزي :
كما هو معلوم فإن المصارف المركزية مسؤولة عن إقالة عثرة المصارف و بالتالي مسؤولة عن سلامة الجهاز المصرفي ، لذا فإن تلك المصارف ( المركزية تدعم الـأخرى بالسيولة النقدية في الأزمات و ذلك لتلافي إفلاسها ، و لكن هذه العلاقة بين الجهاز المركزي المالي و بين المصارف الأخرى تختلف باختلاف طبيعة المصارف ، حيث أن وجه الاختلاف يكمن في الفرق بين دعم المصرف المركزي للمصرف التقليدية و بين دعمه للمصرف الإسلامي ، حيث لا يتلقى الأخير الدعم نفسه من المصارف المركزية ، لأن أي قرض ستضطر إليه الجهاز المالي الإسلامي فإن الفوائد ستحسم سلفاً من هذا القرض و لا يتوقع أن تقبل المصارف الإسلامية بدفع فوائد ربوية للمصارف المركزية .
• الرصيد الاحتياطي المودع لدى المصرف المركزي :
إن الرصيد الاحتياطي التي تقوم المصارف الاسلامية بايداعه لدى المصارف المركزية كاحتياطي الزامي أو احتياطي قانوني يعتبر نسبة مئوية من الحسابات الجارية المودعة لديها و تقوم المصارف الاسلامية بايداع هذه النسبة لدى المصارف المركزية .
اضافة الى ذلك تقوم المصارف الاسلامية بايداع مبلغ من المال لدى المصارف المركزية على شكل حساب جاري لكي تستعمله في تغطية المقاصة .
أما المصارف التقليدية فيتألف احتياطيها من رصيد الحساب الجاري الذي تودعه لدى المصارف المركزية من أجل المقاصة ، إضافة الى نسبة مئوية من إجمالي قيمة الودائع الجارية و الودائع الأخرى مثل ودائع التوفير و الودائع لأجل ( و هذه النسبة هي أعلى من نسبة الاحتياطي الذي تحتفظ به المصارف الاسلامية و ذلك لأن هذه المصارف تلزم بتغطية جميع أنواع الودائع بينما تقوم المصارف الاسلامية بتغطية نوع واحد فقط ألا و هو الودائع الجارية .

المحامية علياء النجار