المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليهود العرب ... والصهيونية .. -2-



ناصر عبد المجيد الحريري
18/05/2009, 06:58 PM
عندئذ سعت الحركة الصهيونية لاستجلاب اليهود من دول عربية كي يحلوا محل العمال العرب الفلسطينيين من غير اليهود ، ومن جانب آخر برزت مخاوف في أوساط الطبقة الحاكمة من يهود الغرب أن قدوم اليهود العرب بأعداد هائلة قد يغلب الطابع الشرقي على الدولة وهو ما يتعارض مع هدفهم السياسي وهو إنشاء دولة غربية أوربية في الشرق الأوسط ، لم يكن في مخططات الحركة الصهيونية استيعاب أي من يهود الشرق .
والمرة الأولى التي فكر فيها زعماء الحركة الصهيونية في جلب عدد من يهود اليمن إلى فلسطين كانت في عام 1926 و عام 1929 عندما كان العالم يشهد أزمة اقتصادية حادة وقد اقتصر ذلك على يهود اليمن ربما لسببين :
- محاولة استحضار أيدي عاملة رخيصة ، حيث كان يهود الغرب ينظرون إلىلليهود.شرق على أنهم عمالة رخيصة .
- لأن يهود اليمن كان يُعتقد بأنهم أكثر قرباً من فكرة ارض الميعاد لليهود .
ولتحقيق أغلبية سكانية فلم يكن من الممكن في ذلك الوقت الاعتماد على الهجرة من الغرب لتحقيق ذلك خاصة وأن بعض الغربيين بدؤوا نوعاً من الهروب من فلسطين في تلك الفترة .
ثم كانت محاولة أخرى لجلب يهود عرب آخرين في عام 1949 بعد الإعلان عن قيام الدولة العبرية كما يقول توم سيفيف في كتابه " الإسرائيليون الأوائل " وقد كان ذلك نتيجة الفراغ الهائل الذي نشأ في أعقاب مقتل ملايين من يهود أوربا بأيدي النازيين " كما يزعمون " ، إضافة إلى أن نسبة اليهود الغربيين الذين استجابوا لدعوة الهجرة إلى فلسطين لم يكن يتجاوز 2% .
ويُذكر في كتاب زئيف شترنهل انه لو لا جلب اليهود العرب إلى فلسطين لما قامت دولة " اسرائيل " فإذا كان من دور للعرب في المسؤولية عن تلك الأوضاع فما هو ؟؟!!!
في البداية لا يتحمل العالم العربي وجود ذلك،ونية ، ولكن يتحمل المسؤولية بعد أن وُجدت " اسرائيل " ن فلم يحاول التعامل مع المسألة اليهودية بشكل جدي وتعطي أجوبة لليهود ليبقوا في بلادهم .
فمصالح الأمة العربية هي التي وقعت ضحية ذلك ، فمن مصلحة الأمة العربية استيعاب اليهود لأمرين :
- كي لا يذهبوا إلى فلسطين ويشكلوا القاعدة البشرية للصهيونية، فالمعلوم أن القاعدة البشرية للصهيونية هي من العالم العربيلهم.اذا تتهم روسيا وغيرها من البلدان التي سمحت بهجرة اليهود ونحن لم نفعل شيء حيال ذلك.
- لو أن اليهود العرب أُعطوا الجواب الشافي من قبل التيارات العربية القومية لما كان هناك مبرراً لهذا الاستجلاب الصهيوني لهم .
يُحمل الكثير من الباحثين الحركة الصهيونية جُلَ المسئولية عن هجرة اليهود العرب إلى فلسطين أو على هروبهم إلى بلدان غربية مع العلم أن العرب لم يكونوا في غفلة عما كانت تخطط له الحركة الصهيونية عندما بدأت نشاطها ، فكان الرد العربي على النشاط الصهيوني في بداية القرن التاسع عشر لا سيما من قبل المثقفين العرب كان حاداً جداً .
ففي نهاية القرن التاسع عشر ، نفس الفترة التي بدأت تتبلور فيها الحركة القومية العربية ، نشطت الحركة الصهيونية وأصبح نشاطها واضحاً ومعروفاً في محاولات إقناع السلطان العثماني بفرز فلسطين كدولة يهودية ، وكان نشاطها واضحاً ومعروفاً في محاولات إقناع السلطان العثماني بفرز فلسطين كدولة يهودية ، وكان رد الفعل العربي واضح فقد راسل احد المثقفين العرب وكان قنصل عثماني في فيينا ، راسل تيودور هيرتزل وكتب له رسائل يبين فيها أن العرب يعلمون تماماً ما تقوم به الحركة الصهيونية وان فلسطين هي بلادنا وليست فارغة كما تعتقدون بل هي مسكونة بالعرب الفلسطينيين ، و من هنا بدأت الحركة بضرب إسفين بين العرب بمعنى آخر بين اليهود العرب والعرب وصار يطرح سؤال حول تعاطفهم مع الحركة الصهيونية وغيرها .
إن الديانة اليهودية إحدى الديانات الموجودة في المحيط العربي كغيرها من الديانات الأخرى ، ثم جاءت الحركة الصهيونية لتعطي هؤلاء تعريفاً آخر بلا عروبة لأنه يجب أن يكونوا أعداء للعرب حتى ولو كانوا أصلاً هم من العرب ، هذه هي النظرية الصهيونية .
فإذا كان هناك خطيئة في هذا الأمر فإن الخطيئة هي بذرة المشروع الصهيوني ، ولكن تلتها خطايا أخرى ، من كيفية تعامل الأنظمة العربية في ذلك الوقت مع مد المشروع الصهيوني وعدم محاولة احتواء هذه الأعداد من اليهود العرب الذين غذوا التضخم الديمغرافي اليهودي في فلسطين ، فلم يكن لدى أي من الأنظمة العربية خطة استراتيجية للتعامل مع قضية اليهود العرب الذين لم يرغب كثير منهم في الهجرة إلى فلسطين وهناك من يضع اللوم على العلمانية والعلمانيين في تدهور العلاقة بين المسلمين واليهود حيث يقولون أنه في عام 1850 قبل ظهور الحركة الصهيونية كان الناس متدينين لكنهم حافظوا على تعايش مشترك جيد ، لم يكن هناك علمانيون ، فالسبب هو العلمانيون ، حيث بدأت العلاقة تسوء وتتدهور حين ظهور التيار العلماني في الوطن العربي ، هذه من وجهة نظر الذين يضعون اللوم على العلمانية في تدهور العلاقة بين المسلمين واليهود .
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، هل كان هناك تواطؤ ؟؟؟
هناك أحاديث صريحة عن أسماء مشاركة في هذا التواطؤ من كافة الأطراف المعينة وإذا كانت الحركة الصهيونية هي التي تتحمل المسؤولية الأولى عن تهجير اليهود العرب ، إلى فلسطين فإن التاريخ لا يزال يطرح أسئلة عديدة .
فهل كان من مصلحة العرب ، أو من مصلحة القضية الفلسطينية ترحيل اليهود العرب عن البلاد العربية ؟
وهل صحيح أنهم تعرضوا للاضطهاد في البلدان العربية ؟.
فما يزال بعض المثقفين العرب ومنهم اليهود من أصول عربية يتحدثون عن مسؤولية الأنظمة العربية في هذا التحول الكبير الذي ساهم وساعد في إنشاء دولة " اسرائيل " .
يقول سامي ميخائيل وهو يهودي عراقي وهو أديب وناشط في مجال حقوق الإنسان :
" بعد الإعلان عن قيام دولة " اسرائيل " عمدت بعض الأنظمة العربية الرجعية على طرد أو التضييق على اليهود فمثلاً حتى اليهود الشيوعيين في العراق حينما كانوا في السجن هناك بسبب أفكارهم الشيوعية ، عند قيام " اسرائيل " تم إبعادهم عن العراق بعد إنهاء فترة سجنهم هناك .
فلو لم تكن هذه الحالة التي يعيشها اليهود في ظل أنظمة عربية لم تستطع التعامل معهم واستيعابهم لكان وضعهم مختلف تماماً." .
وقعت الكثير منلذلك،مة العربية بتناقض واضح حينما بدأت تلوم الاتحاد السوفييتي السابق لأنها تفتح باب الهجرة إلى فلسطين أو تلوم بريطانيا لذلك ، وفي نفس الوقت الذي كانت هذه الأنظمفلسطين.ي تشجع الهجرة اليهودية من بلدانها إلى فلسطين .
فكثير من الثورات والحركات التي قامت في عام 1936 كانت كلها احتجاجاً على قيام بريطانيا بالسماح بهجرة اليهود إلى فلسطين وجلبهم من أوربا بالسفن لاستيعابهم ضمن المخطط الصهيوني في فلسطين .
في حين لم نجد هذه الأنظمة تقوم بأي ردة فعل تجاه ترحيل أو تهجير يهود اليمن أو المغرب أو سواهم من اليهود العرب إلى فلسطين ، بمعنى آخر أن هذه الأنظمة لم تتحرك بناء على استراتيجيات واضحة بل على غرائز ومصالح معينة وضيعة فقط .
فهناك من يعتقد أن التواطؤ لعب دوراً في تهجير هذه الأعداد الكبيرة من اليهود العرب إلى فلسطين حيث يذكر " شمعون بلاص " وهو يهودي وكاتب وأديب عراقي " بأنه علينا الاعتراف انه كان هناك نوعاً من التواطؤ بين القيادة الإسرائيلية والوكالة الصهيونية وحكومة العراق لتهجير اليهود ، على الرغم أن ذلك لم يتبلور ويتخذ منحىً آخر إلى أن بدأت تسقط القنابل والمتفجرات في كنائس اليهود وبدأت الهجرة .
وفي هذا السياق ، يقول سمير النقاش وهو كاتب ومؤرخ يهودي عراقي : كانت المؤامرة بين بن غوريون ونوري السعيد بوساطة بريطانية معروفة للتعجيل بخروج يهود العراق إلى فلسطين لذلك تم استخدام القنابل والمتفجرات بالكنائس ولا يمكن لأحد أن ينسى قول بن غوريون " يموت عشرة ، ولكن يأتي بدلاً منهم عشرة آلاف " .
لذلك يمكن الاعتراف أن الحركة الصهيونية لم تقتصر على الإقناع بل تعد ذلك غلى الخوف والقهر ولا يخفى اعترافات بعض اليهود والنشطاء الصهاينة العراقيين أمثال : موردخاي بن بورات – شلومو حليل والذين كانا ناشطين في الحركة الصهيونية ضد اليسار اليهودي العراقي الذين اعتبروا أنفسهم عرباً ، فهؤلاء الناشطون يعترفون اليوم أنهم قاموا بإلقاء القنابل اليدوية على كنس يهودي لكي يشعروا يهود العراق بعدم الأمان وعليهم الهجرة فوراً إلى فلسطين للتخلص من الظلم والقهر .
مع الإشارة إلى أن بعض اليهود العرب أُحضر إلى فلسطين مكبلاً لأنه لم يكن يريد ذلك ولكن نشاط الوكالة اليهودية وخبثها كانا سبباً في ذلك وبعض اليهود العرب غادر فلسطين إلى لندن لأن البلاد العربية لم تعد تستوعبه ، فكان مغلوباً على أمرهم إلى أن استوعب المشروع الصهيوني أولاد هؤلاء المهاجرون الأوائل وأصبحوا صهاينة أكثر تطرفاً .
وكانت المسؤولية التي تتحملها بعض الأنظمة العربية في هجرة اليهود العرب إلى فلسطين ما قامت به هذه الحكومات من طرد للموظفين اليهود من الجهاز الحكومي واخذوا كل إجازات الاستيراد مثلاً من اليهود فحطموا بذلك إمكانية المعيشة لهم في بلدانهم مما استدعى الكثير منهم إلى البكاء حين مغادرته بلاده متوجهاً إلى فلسطين أو إلى خارجها .
فبعض اليهود كان لهم مشاعر وطنية وخدموا بلادهم بكل طاقاتهم ولكن للأسف حدثت بعض الخيانات التي كشف عن بعضها مثلاً في عهد عبد الكريم قاسم حيث كان توفيق السويدي رئيس الوزراء حيث اصدر قانون أصدر قانون بإسقاط الجنسية عن اليهود ، وحوكم بعد ذلك بعدما تبين أنهم استلموا مبالغ مالية عن كل شخص يتم ترحيله من العراق إلى فلسطين ، مع الإشارة في هذا السياق على انه مازال هناك يهود داخل فلسطين يعترفون بهويتهم الوطنية ، فمنهم من يعرف عن نفسه بأنه يهودي مصري ، أو يهودي عراقي أو يهودي سوري ، إذاً هم يهود عرب ، ولكن ؟!!!
لقد شهد الكيان الناشئ تبايناً في العادات والتقاليد بين أولئك الآتين من الغرب وانخرطوا في كيبوتسات بملابسهم غير الرسمية والذين أتوا من الشرق والبلاد العربية موعودين بوطن لا يعرفون في الغالب حقيقة هذا الوطن ولا أهله .
فكان الطابع السياسي لغالبية اليهود الشرقيين أنهم شكلوا جزءاً هامشياً في الاقتصاد الإسرائيلي وشكلوا فئات فقيرة جداً في أحزمة مدن التطور ولم يندمجوا في الاقتصاد الإسرائيلي إلا في الجيل الثاني أو الثالث .
ومرد ذلك للعنصرية التي انتهجتها الحركة الصهيونية منذ اليوم الأول ، فلم يكن يهود الغرب يعرفون حتى نمط التدين عند اليهود العرب الذي اتسم بطابع فلكلوري شعبي ، إضافة إلى التباين الكبير بين العقلية الشرقية المحافظة التي أتوا بها والطابع الغربي .
فكانت هناك عنصرية بكل معنى الكلمة وهو ما صرح به الكثير من قادة الحركة الصهيونية عندما رؤوا يهود اليمن والمغرب وهم يؤدون طقوسهم الدينية على الطريقة الشرقية فبدؤوا يتعرضون لتصرفات عنصرية كالتي يعانيها السود في أمريكا أو في جنوب أمريكا ..