المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة الجندرية !!



علي الحليم المقداد
18/05/2009, 07:02 PM
بَلَغَنِي أنِّ الباحثةَ التونُسيةَ السيدة (( آمال قرامي )) أرادت أن تنشرَ ما جادَ بهِ فِكْرُها و اليراعْ ، فانطلقتْ إلى " ملْتقى المرأةِ و الإبداعْ " ، و راحتْ تصولُ و تجولْ ، مُخاطِبَةً الضمائرَ و العقولْ ....
فهي متخصصة في مقارنة الأديان ، و أوتيتْ من ملكةَ الإعرابِ و البيان ، ما لم يُؤْتَهُ إنسان!!
وهي صاحبةُ الدراسات المقارنة ، في المسائل التراثية التي تحتاجُ تشذيبا أو موازنة .
و هي صاحبة الاجتهادات البهيَّة الأنيقة ، في المسائل الفقهية الدقيقة ، و دونَ " لِحْيَةٍ "و لا " لَفَّة " ، تُعرِبُ عن آرائها بكلِّ طلاقةٍ و رشاقةٍ و خِفّة ...
و هي أستاذة ٌ حصيفة ٌ ذاتُ همةٍ عليّة ، وباحثة ٌ ذاتُ آراءٍ جليّة ، يزين ُ محياها الجامعة َ التونسية .... و إلى جانب هذا و ذاك ، هي واحدةٌ من قائدات المسيرة " الجندرية " ، المتسللةِ إلينا – كالحنكليسِ – من بلادِ الغربْ ، لتحرّرَ لنا المرأةَ العربيةَ المسلمة َ من كلِ كَرْبْ ، و تضعُها و الرجلَ في عالمٍ من المساواة ، دون تفريقٍ أو تَزَلّفٍ و لا محاباة .
و " الجندرية ُ" عند الأستاذة ، كمزامير ِ داوودَ أو أناشيدِ الإلياذة ، انغمستْ فيها من رأسِهَا حتى أخمصِ قدميها .. فصارت ترانيمَها و شدوَها الذي لا يُفارِق ُ شَفَتيْها ، يصفقُ له مُعْجَبُوْهَا في حرارةٍ و حماسة ، بغضّ ِ النظر ِ عن سعادة ٍ أو تعاسَة !!
أما " ما الجندرية ؟" ، و " من أين جاءت ؟" .... أسئلةُ أخي الأستاذ ( عبدالقادربوميدونة ) ، الذي أرادَ منا إجابة ً جامعة ً مانعة ً مضمونة ، لا يحكمُها تسرّع ٌ و لا رعونة .... فالقصةُ طويــــــــــــــلة ٌ ، طويلة ، تحتاجُ إلى " قعدة ٍ" مُجْزِيَة ٍ جميلة ، على واحدة ٍ من رُبى الأوراس ، حيثُ الماضي التليدُ و أعظمُ ناس ، أو على واحدِ من سفوح ِ جبل العرب الأشمّ ، حيثُ أصداءُ الإباء ، و أصحابُ الهاماتِ الشمّاء ....
هناكَ ، النسائمُ العليلة ُ موجة ُ عِطْر ، أصالَة ُ التُّراب ِ و الإنسانِ وَمْضَة ُ سِحْر ، و الانتماءُ للأرْض ِ و التاريخ ِ إشْراقَة ُ فَكْر !!
تبدأُ القصة ُ من اللفظة الأصيلة " gender" و هيَ لفظة ٌ محْضُ انكليزيةٌ ، وليست من العربية أو التركية ليست من الفارسية ، أو الباكستانية ِ و لا الماليزية .... !! . منها جاءت "الهوية الجندرية gender identity"التي عَرّفَتْ عنها (الموسوعةُ البريطانية ُ) فقالتْ:
(( إنها شعورُ الإنسانِ بنفسه كذكر أو أنثى، وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية تطابق الخصائص العضوية، لكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية " أي شعوره الشخصي بالذكورة أو الأنوثة " ))،
و تتابعُ الموسوعة تقول :
((إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة - ذكر أو أنثى - بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل. هذا يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسياً فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيداً عن الإناث، ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي، وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث ! ))
و تقولُ الموسوعةِ البريطانيةِ أيضاً :
((من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية - الذكورة أو الأنوثة - حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، إذ أن أنماط السلوك الجنسي وغير النمطية منها أيضاً تتطور لاحقاً حتى بين الجنسين! )) .
أما منظمة الصحة العالمية فتُعرفُ الجندر فتقول :
(( هو مصطلح يُسْتعمَلُ من أجل توصيف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية))
الآنَ دعونا نَسْتَرِحْ قليلا ، و كي لا يبقى ما نقولُ قالاً و قِيْلا ، ننظرُ كيف صار هذا المصطلحُ كالنار المُتّقِدة ، في وثائق الأمم ِ الْمتحدة ... و كيفَ أنهُ في رُبوعِها انْداح ، دونَ دردشةٍ و لا مُزاح ، وكيف يُحاوِلُ أعداءُ العرؤبـَةِ و الإسلام ِ من الغربيين وأذنابُهم مِنَ الـْ"جندريين" تمريرَهُ إلينا ، و فرضَهُ علينا ، - نحنُ العربَ و المسلمين – شِئْنا ذلك أمْ أبـَيْنا ...
ففي عام ِ ألفٍ و تسع ِ مئةٍ و أربعةٍ و تسعينَ ، و في مؤتمرِ السكان الذي عُقدَ في القاهرةِ العدية ، و في نص ِ الإعلان ِ الذي دعا إلى تحطيم ِ كل ِالتفرقة الجندرية ... تكرّرَ ورودُهُ إحدى و خمسينَ مرة ، لكنه - وقتَها – لم يُثِرْ أحداً و لم يكسرْ من الجِرارِ و لا جَرّة ، ربما لأنّهُ تُرجـِمَ – حينها – إلى العربيةِ بـِ ( ذكر / أنثى ).
ثمَّ ، ظَهَرَ – صاحب السعادة المصطلح – ثانية ً في صورة ٍ : علينا غامضة ، في عقول ِ أصحابـِها رابـِضةٍ وامِضـَة ، في وثيقةِ بكين ، عامَ ألفٍ و تسع ِ مئةٍ و خمسةٍ و تسعينَ ، إذ تكرر ذكرُه من المراتِ مائتين ِ وأربعاً و خمسين .. دونَ تعريفٍ واضح ٍ مُبين ، و لا بيان ٍ و لا تبيين ، - خصوصا – للعربِ و المسلمينْ ، مما حرّضَ العقول ، و أثارَ الفضول ، للنظر ِ في المعنى الحقيقي ِِّ و الأصول !!
فَدارتْ أيّـَامًا رَحَى الْحِوارْ ، في البَحْثِ عن معناه ، و وَضْع ِ تعريفٍ مُحَدّدٍ يجلي مؤداه ... ويبدو أن الحوارَ كان أقربَ إلى حوار الطرشان ؛ فقد كان في اللجنةِ فريقان :
• الدولُ الغربية ُو على رأسِها أميركا "بلاد الديمقراطية وكرامة الإنسان" ، عادت و رفَضَت تعريف الجندر القائلَ بأنه الذكر/ الأنثى ، و الذي طـُرحَ في مؤتمر القاهرة للسكان ، و ما يُثـْبِتُ لديها سوءََ النّيّة ، أنّها أصَرّتْ و بحزم على فرضِ " مفهوم حرية الحياة غير النمطية كسلوكٍ اجتماعيّ ٍ" مضموناً أصيلاً لمعنى "الجندرية" .
• الدول الأخرى ، التي رفضتْ رفضا قاطعا أية محاولة من هذا القبيل ... فكانت النتيجة ، و بدون تكبيرٍ و لا تهليل ، أنْ عَرّفَتِ اللجنةُ المصطلحَ بعدم ِ تعريفِه:
(The non definition of the term Gender).
ثم ، و في عام ِألفٍ و تسع ِ مئةٍ و ثمانيةٍٍ و تسعينَ ، انعقدَ مؤتمرُ روما لإنشاءِ المحكمةِ الجنائيةِ الدولية ، الذي كشفتْ وثائقُهُ عن أمر ٍ هو في غايةِ الخطورةِ و الأهميّة ، حيث أوردت الدول الغربية:
"أن كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية" ،
لقد أدخلت كلمة Gender في النص الانكليزي ، بينما النصان العربي و الفرنسي استعملا كلمة "الجنس " و لم يستعملا كلمة "الجندر" إذ ليس له تعريف واضح ومدلول محدد.
وهذا الأمر دفع الوفود العربية والإسلامية إلى استبدال كلمة الجندر بالجنس، وقد قال أحد المفاوضين العرب:
(( إن كنتم ترون أن جندر ترادف جنس، فلم الإصرار؟ وان كانت تختلف في المعنى فأفهمونا الخلاف، باعتبارها لغتكم، لنستطيع أن نرى انسجامها مع القانون أو لا))
وهذا الاختلاف الشديد دعاهم لأن يعترفوا بأنها تعني "عدم الحياة النمطية للنوع الواحد"، بمعنى أنه إذا مارس أحدهم الشذوذ الجنسي فعوقب بناء على القانون الداخلي للدولة كان القاضي مجرما بحق الإنسانية.
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من الدول العربية والإسلامية، إلا أنها لم تنجح في حذف كلمة "الجندر" من النص الإنجليزي (وهو النص الذي يتم توقيعه ومتابعته)، وإنما حور المعنى حيث عرف الجندر بأنه: "يعني الذكر والأنثى في نطاق المجتمع".
و أخيرا ، و في سنة ِألفٍ و تسع ِ مئةٍ و تسع ٍ و تسعين ، و دعماً لمسيرة ِ هذا المصطلحِ المُهـَابْ ، دعا إعلانُ مؤتمر ِلاهاي للشبابْ ، بلا تردد ٍ و لا ارْتِيَابْ ، إلى إنشاءِ جهاز ٍ في كلّ ِ مدرسةٍ خاص ، هو لِفِكْرةِ "الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندريةِ " ساحِبٌ و ماصّ ، يعملُ للعمل على تعليم الطلابِ و الطالِباتْ حقوقـَهُمُ الجنسية َ والإنجابية ، و يَهْدِفُ إلى خلق ِ هويةٍ إنجابيةٍ مُعاصِرَةٍ للفتيان ِوالفتيات ...
و بالوقاحَةِ كلّـِها ...
و بالْجَلافـَةِ في أبشع ِ صُوَرِها ، يدعو الإعلانُ الحكوماتْ ، إلى سَنّ ِ قوانينَ جديدة ٍ تتناسَبُ مع حقوق ِ المُراهقيْنَ والمُراهقاتْ ، و الشبابِ و الشاباتْ .. للاستمتاع ِ "بالصحةِ الجنسية" ، و "الصحةِ الإنجابية" ، دونَ تفر ِقَةٍ على أساس ِ "الجندرية" !!.
و بعد:
هذا بعضُ ما تسعى إليهِ الجندريةُ و الجندريونْ ، و ما يرجون تحقيقَهُ لو يقدرون :
• في صحةِ الدين يُشكّكون ، و أساسَ بناء المجتمع ِ السليم ِ يُُضَعْْضِعُوْن ، الأسرةَ الشرعية َ الطبيعية َ يستهدفون ، و لتكوين ِ أُسَر ٍ " غير ِ نمطيةٍ "ِ يُروّ ِجُون ، و إلى الحصول ِ على أبناء ٍ بالتبني – ضمن مايُسمى بحقوق ِ الإنسان – يسعون !
• بالشذوذِ الجنسيّ ِ يعترفون ، و من أجل ِالاعترافِ بحقوق الشواذّ ِ في الزواج ِ المثليّ ِ رفع المسؤولية عنهم وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع يُُناضِلون !
• " إن اختلافَ الذكر ِ و الأنْثى صنْعُ الله " ، هذا ما يرفضون !!
• " للإنسان ِ الحقّ ُ في تغيير ِهُويتِهِ الجنسيةِ وأدوارِه المترتبةِ عليها " ؛ بهذا يؤمنون ، و إلى فرضِهِ جاهدين يسعون !
• روحَ العداءِ بينَ الجنسين يُذْكُوْن ، و لكي لا ننظرَ إلى هذا الأمر ِ من بعيد ، دعونا نقرأْ أوراقَ المؤتمر ِ العتيد ، الذي عُقدَ في جامعة صنعاء في اليمن السعيد : "المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين" ، الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في هذه الجامعة . فقد كان مما جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث، وكذلك ضمائر الخطاب للمذكر أكثر منها للمؤنث . ومما يدعو إلى الضحك اعتراض إحدى الباحثات الجندريات ، في هذا المؤتمر الدولي على تصويب أبي الأسود الدؤلي لابنته عندما قالت: ما أجملُ السماء، وأرادت التعجب، فنبهها أن النصب هو الصواب، علّقت الباحثة قائلة معترضة على التصويب: ألم يكن أحدٌ قبلها قد أخطأ؟!
• تقليداً أعمى للاتجاهاتِ الجنسيةِ الغربيةِ المتطرفةِ يقلدون ، هذه الاتجاهات التي تطاولَتْ حتى شملت الموقفَ من الذات الإلهية في بعض الأحيان ... ، فكما سمعنا أن جمعية الكتاب المقدس أصدرت ترجمة جديدة للكتاب المقدس تتسم بالحيادية في مخاطبة الجندر، وسمعنا في مؤتمر صنعاء المشار إليه آنفاً من تقول: "إن أقدم كتاب كرّس محو الأنثى وكرّس سلطة الذكورية كان التوراة ابتداء بفكرة الله المذكرة" (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً).
و عَوْدٌ على بَدْء :
" الظاهرة الجندرية " و "الباحثةِ التونسيةِ السيدة/ آمال قرامي" ذكراني بهذه القصة الجميلة
(( ثياب الملك الجديدة )) التي ما نزال ندرسها لطلابنا في المدارس:
تتحدث القصةُ عن ملك ساذج، وجد نسَّاجٌ محتالٌ طريقاً إليه وأقنعه بأن يصنع له ثياباً نفيسة "وبالطبع مكلفة جداً"،و ذات ميزة عظيمة ؛ و"هي أن الأغبياء وحدهم لا يرونها!"
صدق الملك قليل الخبرة كلام النساج وفي اليوم الموعود أجتمع أركان الدولة في القصر العظيم، بعدما أُمر الشعب المسكين بالاحتشاد لإظهار الفرحة بالثياب العظيمة لمولانا الملك!
أمام الجميع وفي القصر بدأ النساج المحتال بخلع ثياب الملك قطعة قطعة وإلباسه بدلاً عنها ذلك القماش المزعوم، وبدأ تهريج الحاشية:
ماشاء الله يامولاي، شيء عظيم، ثياب رائعة ،ولم يصدق كبير الحكماء عينيه فقد بدأ الملك يتحول إلى رجل عارٍ ، ولكنه (كما هي عادة المنافقين) خشي أن يقول الحق.
الملك نفسه بدأ يشك بنفسه فهاهي ثيابه تُخلع عنه قطعة وراء أخرى ولا بديل عنها! ولكن الملك قال في نفسه بين حشود المنافقين:
هل من المعقول أن الكل يراها! وأنا ، فقط ، أنا الذي لا يراها!
هل يعني ذلك أنني الغبي الوحيد هنا!
ثم التفت فجأة نحو كبير حكمائه قائلاً بزهو الأغبياء :
ما رأيك يا كبير الحكماء؟
ولم يكن ذلك الكبير يرى إلا العري القبيح ولكنه شهق قائلاً:
مولاي ماهذه الثياب المدهشة بالفعل إنها شيء لا يصدق، والتفت برأسه نحو النساج المحتال قائلاً بضيق مكتوم:
إن النساج الذي صنع هذه الثياب الباهرة لجد ماهر ومتقن!
النساج المحتال رد على كلام كبير الحكماء بانحناءة رأس ماكرة!
وتعالت صيحات الإعجاب، الكل أقسم أنه لم ير مثل تلك الثياب من قبل، والكل جزم بأن الملك موفق جداً في اختيار نساجه المبدع، والكل أصر أن تلك الثياب لائقة جداً جداً بالملك .
حياة النفاق جعلت كل أفراد البلاط يسكتون، و لأن تلك الثياب البديعة وحدهم الأغبياء لا يرونها وخشية أن يتهم واحدهم بالغباء رضي الجميع بأن يباع الملك دون ثمن .
وأخيراً أصبح الملك عارياً حتى من ورقة التوت التي تغطي عورته ، فقد ألبسه النساج بدل كل قطعة خلعها عنه قطعة أخرى بديعة الصنع ،ووحدهم الأغبياء لا يرونها!!
وصار الملك يوزع ابتساماته البلهاء بين الحضور ،وهم يبادلونه الحماسة ، حتى أن رئيس صناديق المملكة قد تأثر لدرجة البكاء وهو يتحسس طرف العباءة المزيفة التي يرتديها الملك صارخاً بانفعال شديد: شيء لا يصدق ،لا يصدق أبداً يا مولاي ، أهنئكم على هذا الذوق الرفيع.
نظرات الافتتان والتقدير بُذلت من الحاشية دون حساب وصيحات الإعجاب بدت مثل سيل هادر انتقل زخمه إلى القطيع الموجود خارج القصر الذي كان ينتظر على أحر من الجمر طلة الملك البهية مرتدياً ثيابه الذكية "كشافة الأغبياء" والتي أصبحت حديث كل لسان.
وأخيراً فُتح باب القصر وأطل الملك بعريه الكامل لتحييه الجماهير ،
فقط ثوان من الذهول أعترت القطيع
الكبير ثم ما لبثت أن تبدلت إلى نشوة عارمة عندما صاح أحد المُرتزقة ، فليحيا مولانا الملك بثيابه
العظيمة، ورددت الجماهير المحتشدة:
فليحيا الملك ، وثيابه العظيمة .
ومثل البرق سرت الصيحات:
أوه ، شيء رائع شيء عظيم ، جميل مدهش ، فتان، لا يُصدق ،
بل إن التأثر بلغ بالبعض إلى حد الإغماء ، بينما أقام الباقون حلقاتِ الدبكة بكل قوة تعبيراً عن الامتنان والشكر الدفين الذي يكنه القطيع الكبير في أعماق فؤاده لمولانا الملك .
كل فرد من الحاشية أو الرعية، بل الملك نفسه أخذ يتساءل:
ماهذا الحظ التعيس ؟ حتى أكون أنا وحدي الغبي الذي لا يرى تلك الثياب المدهشة ، وهز الملك رأسه بحيرة بالغة، وكاد يبكي لكنه تجلد وعاد يتبادل التحيات مع شعبه ، ويلوح لهم بقبضته:
نعم ، أيها القطيع الرائع، حتى آخر قطعة ثياب !!
العربة المكشوفة سارت بين الجماهير المكتظة ، والكل يصفق ويدبك ويرقص ،وفجأة حصل مالم يكن في الحسبان!
كان هناك طفل في العاشرة ينتقل مع القطيع وقد شاهد الموكب من أوله ، وبدأت الحيرة والشك يتسللان إليه، ولكنه جمع كل قوته ليصعد على عمود عال، ثم استجمع كل شجاعته ليصرخ بصوت اخترق كل ضجيج الراقصين والدبّاكين :
أيها الكذابون ، إن الملك لا يرتدي أية ثياب!! إن الملك عار ، الملك عار!!.
ومثل سريان النار في الهشيم دبت الصيحة في القطيع ، وكأن بقايا العقل القديم الذي كان فيه قد استيقظ ففر الناس هائمين على وجوههم ، وحتى الحاشية المذعورة أصابها الذهول ففر معظمها وكل فرد منها فتح فمه حتى النهاية وفي عينيه بريق دهشة ممتزجة برهبة الحقيقة المرة .
بعض الماكرين وقفوا قريباً من عربة الملك وهم يقهقهون وقد أمسكوا خواصرهم من شدة الضحك، وأحدهم ضرب يده على جبهته وهو يكاد يتمزق من المفارقة العجيبة .
لم يجد الملك شيئاً يستر به عورته !!
وحدهم بعض الأتقياء غضوا من أبصارهم احتراماً للملك بينما كان بعض أفراد الحاشية الخبيثة يحملقون بشراهة ...

ناصر عبد المجيد الحريري
20/05/2009, 02:40 AM
الأستاذ الكبير و الأخ علي الحليم
كأنني اشتم في مقامتك عبق التاريخ ، وأصالة الحرف وأنت المبدع في رسمه وحياكته ، شعرت أنك تنسج من خيوط الكلمة نسيجاً محكماً صنعه ، متقناً فنه الذي نفتقده منذ مدة .
مرة أخرى اقول ، وليتني استطيع مجاراتك في فنك ، في مقامتك الرائعة .
ولكن قدري أن قلمي لا يجاري قلمك أستاذي العزيز .
أبدعت أيها القدير

عبد الرشيـد حاجب
20/05/2009, 09:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا الله يا الحليم !
أمتعتنا بالمعلومة دقيقة ، مؤرخة وموثقة .وبالأسلوب الجميل المنساب في رقة يتخلله سجع عفوي رائع .
فأما الروعة كلها فقد كانت في القصة ..وهي على غرابتها تصور الواقع عاريا حد الألم ..
لم تكن هذه مقامة بل مقام علم وثقافة وجلسة إخوانية حتي أني تصورت أني جالس معك أستمع إليك.
دمت رائعا أستاذي الفاضل وإلى لقاء قريب.
محبتي.

محمد إبراهيم الحريري
21/05/2009, 08:22 AM
أخي الكبير علما السامق ومكانة
تحية طيبة:
لمثل هذه المعاني والمعلومات تشد ركائب الأقلام ومحابرها زوادة ، وتضرب لها أكباد العيون ساهرة على سبل المعرفة هنا بمزيد ترقب .
لقد وصلت بنا أخي الأستاذ علي اإلى مشارف الحقيقة ولم تتركنا إلا أسرى لمعلوماتك التي أوردتها بأسلوب يستحق القراءة والتمعن فيه لصلاحيته أسلوب تعليم وهي الفكرة التي سأتخذها منهجا لطلابي لما فيه من فائدة ومتعة .
ويبقى الملك عاريا وإن تظاهر بلبوس يكشف ولا يستر
وعورة الحكام مكشوفة لنا ولكنا لا نملك الجرأة حتى لا يظن بنا جنونا ، والحق ينطق الطفولة بلا تردد .
شكرا أستاذي شكرا
تحية لأهل بصرى الكرام

منى حسن محمد الحاج
21/05/2009, 08:34 AM
قرأتها على مدونتك..
وها أنا أعيد قرائتها مرة أخرى وأزداد إعجابًا بقوة الطرح..
وأهمية الموضوع .. وهذا التوثيق لرائع بطريقة تشد القارئ..
أستاذنا العزيز: علي الحليم.. حياك الله
أحييك بشدة على هذا الإبداع..
تُثبت المقامة..
ولك خالص المودة والتقدير

علي الحليم المقداد
21/05/2009, 09:48 AM
((يا ''ناصرا''قد غلا في القلب موقعه))!!
من القلب أحييك على مرورك الجميل هذا ، و أردد مع الشاعر الكبير "حسن بن عزيز بوشو ":



يا ''ناصرا''قد غلا في القلب موقعه
عبدالمجيد الحريريْ''معدن الكـرم
يا ابن الأكارم من آل الذيـن بهـمْ
في الأرض أمتنا تسمو إلى القمـم
حييت شهما''مزكّى النفس''من درن
ودامت ''الشام''مهد العـز والشمـم

علي الحليم المقداد
21/05/2009, 10:07 AM
أخي "الرشيد" ، الأستاذ عبد الرشيد حاجب:
هذا رأي أعتز به الاعتزاز كله!!
أشكرك من الأعماق على مرورك المفيد على ما أكتب ...
على أية حال ، أنت من أيقظ في داخلي حبي للمقامة ، و نفضتَ عنه غبار السنين ؛ أيقظته لدي أنا و لدى مبدعي واتا الآخرين .. و لعلك – مثلي – ما تزال تستعرض ما أتى به مبدعو واتا من ردود و مشاركات و ... على
(( المقامة الطويشية)) !!

أخي "الرشيد" :
من القلب بطاقة تقدير و محبة .

جمال الدين عثمان
21/05/2009, 11:57 AM
..
الأستاذ الفاضل : على
قرأت الكثير من المقامات وتفاعلت معها وبها ..ولكن مقامتك هذه وجدت فيها أختلافآ كبيرا
فقد أستفزت وأفرزت وأستخرجت مكامن السخرية من بواطن الفكر وأعماقة ألى عالم الوضوح لما نعايشة ونراه من حولنا من أمور وأحوال غريبة وعجيبة...وهذه هى حرفية الكتابة والتعبير الأدبى.
فى أنتظار أبداعاتك الأكثر والأقوى....متعك الله بالصحة والسعادة فى الدارين.

جمال الدين

علي الحليم المقداد
21/05/2009, 01:12 PM
أخي الحبيب / الأستاذ محمد الحريري
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
هنا ، ههنا في " بصرى" لحضارة الأنباط معلمان أثريان باقيان ، هما " الباب النبطي ، و العمود" . أما الباب النبطي ، فهو باب المدينة الغربي في عهد الأنباط " موقعه في المدينة الحالية في الوسط تقريبا" ...
أقف أمامه ، فيهيمن علي بجلال تصميمه ، و قوة بنائه .. أتأمله ، فأحس أنه يفتح ذراعيه لي – كما أمي – بعد غيبة آلاف السنين ، ليقول لي : أهلاً !!
أما العمود النبطي ، فهو ينتصب باسقاً جانبَ "معبد حوريات الماء" ، كلما نظرتُ إليه ؛ قفزت إلى وعيي صور مجد كان ، و سيل مركب مربك من المعاني ، التي يشي بها و هو يخترق السماء بأكثرَ من خمسة عشر مترا طولا في شموخ و تحد و قوة !!
هذا ما أعرفه – أنا ابن بصرى – هما معلمان فقط أفرزتهما عبقرية التاريخ ؛ و هما موجودان في بصرى ....
لم أكن أعلم أن هناك معلما ثالثا موجودا في " بصر الحرير " يقال له " محمد ابراهيم الحريري" !!
الآنَ علمت ؛
و ( لا بارك الله لي في يوم لا أزداد فيه علما )!.
لك تقديري كله و مودتي كلها .

علي الحليم المقداد
21/05/2009, 02:12 PM
الأخت الأثيرة الأستاذة منى حسن محمد الحاج
سرني أنك زرت مدونتي ، و ضمّـَختِها بعبير يراعك الأنيق .
أشكرك جزيلا على تفاعلك المفيد .
و لنا لقاءات أخرى إن شاء الله .

علي الحليم المقداد
21/05/2009, 02:36 PM
الأخت الأثيرة الأستاذة منى حسن محمد الحاج
سرني أنك زرت مدونتي ، و ضمّـَختِها بعبير يراعك الأنيق .
أشكرك جزيلا على تفاعلك المفيد .
و لنا لقاءات أخرى إن شاء الله .

أحمد نمر الخطيب
03/06/2009, 01:52 PM
أخي المبدع الكبير علي الحليم
ثمة قول يستند في اتصاله بالآخرين على هيئة الكلام
وثمة كلام يستند على محور الاتصال مع الذات
وبين القول والكلام تنفتح أذرع الإبداع
وهنا...
الإبداع
لا يقتصر على الشكل
ولا المتن
إنما يتجه في تجلياته إلى استقطاب الرؤية
وتحويلها إلى منتج تتحرك من خلاله المعلومة
أحييك أخي
ودم متألقاً
مع المودة

د.محمد فتحي الحريري
10/11/2009, 06:38 PM
الاستاذ البار والاخ السميدع
الاديب الاريب علي الحليم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما اكثر من يلبس لباس الزور متفاهما والفهم منه براء !
ما اكثر من يدعي الفقه والثقافة ويدلس على نفسه ليقال انه لوذعي وهو حمار بكل معاني الحمار النبيل ، طبعا وليس الحمار المستجحش ! فلذلك شأن وشأو وشلو وشلولل !
اخي هناك معنا في واتا من لا يعرف الكوع من البوع ويخوضون في لجة العلوم ويناطحون القامات العلمية ووووو...... دون عدة او عتاد فيضلون انفسهم ويوهمون امثالهم بان لديهم أثارة من تعالم !!
سيدي
الملك الاحمق هذا ما كشفه الا الاطفال ببراءتهم وبعدهم عن النفاق ، وما اكثر المنافقين في العالم المعاصر ، وما اكثرهم بين معاشر المنتمين الى الادب وفنونـــــــــــــــه !
لم لا نجرب الصدق مع النفس ومع الله ومع الناس ؟؟
سيدي في القلب حشرجات اخاف لو نطقت بها ان اجرح المشاعر ولكني احب احيانا ان اضـــــــــــــــــــع نقاطــــا على ظهر الحمير ،،، عفوا على الحروف !!!!
سيدي هناك عورات كثيرة مكشوفة علنا جهارا ولا احـــد يجـــرؤ ان يقول عنها الا تفاحـــــــــــــــــــــــــــة ( جولــدن ) او ( ســـــتاركـــن ) او تفاحة سوسن او امنا حواء ..
اظن اني اطلت فاعذرني ايها الحبيب الغالي فالنفثات للحبيب تريح المتألم المصدور ،،
اترككم بود ومنى وتحية الى كل ذرة في بصــــــــــــــــــــرى المحبة والامل ، بصرى رسول الله !