المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو اصبع



د0 احمد فنديس
10/01/2007, 11:03 PM
منذ طفولته وهو يعرف أن تمثال إبراهيم باشا الكائن بميدان الأوبرا بالقاهرة يشير بذراعه اليمنى الممدودة فى اتجاه فندق شهير يقع فى مواجهته تقريباً0وفى أحد الأيام فوجئ مخلص بالتمثال وقد طوى ذراعه0تعجب من هذا التغير الذي طرأ عليه فجأة فقرر أن يعرف سر ذلك00ذهب اليه00هاله اكتئابه فسأله :
ـ لماذا طويت ذراعك إلى جنبك وعهدنا بك أنه ممدود ؟ هل مللت أضواء "فلاشات" كاميرات المصورين المتجولين الذين يتسكعون حولك لالتقاط الصور التذكارية للغرباء عن القاهرة فأردت أن تحمى عينيك من ضوئها المبهر ؟
ـ اسمع يابنيّ0قال تمثال ابراهيم باشا بوجه عابس0الضوء لا يؤلم عينيّ بل يؤلم عيون البشر0إذا كان عندهم إحساس 0
ـ عاد مخلص يسأل00هل طويت ذراعك من التعب بعد أن ظل ممدودا لسنين طويلة ؟
أجاب التمثال وقد علا وجهه المعدني ملل من تطفل ابن آدم :
ـ شوف يابنى0أنا بصراحة نفسي أمشـى من المكان اللي أنا فيه ده لولا إن الحصان اللي أنا راكبه مغروس فى كتلة صخرية تمنعه من الحركة 0
ـ سأله مخلص مفتخرا : ليه؟0حضرتك رمز من رموز قوة مصر وعظمتها 0
ـ بصراحة0قال التمثال وقد اكتسى وجهه بحزن عميق0أنا سمعت إشاعة بتتهمنى زوراً وبهتاناً بأنني سبب كارثة ثقافية وحضارية لمصر0رغم إن أسرتي بنت لمصر أمجادا كتيرة تلقاها مكتوبة فى كتب التاريخ
ـ إشاعة إيه ؟ سأله مخلص مندهشا 0
أجاب التمثال بعد أن أحس بتعاطف مخلص معه وتصميمه على معرفة سر ما حدث له :
ـ إمبارح بالليل قعد على الكرسي اللي قدامى ده اتنيـن أفندية0فضلوا يتكلموا مع بعض فى موضوعات كتيرة ماتهمنيش0لذلك لم أشغل نفسي بحديثهما0كمان كان صوت العربيات مغطى على صوتهم0وعوادم السيارات كادت تخنقني 000
وبعدين ؟ قالها مخلص مستحثا التمثال على الاستمرار فى إيضاح سبب ألمه :
ـ وبعدين شويه ودوشة العربيات خفت فقلت أتونس بيهم واسمع شويه من أحاديث القرن العشرين0طبعا انت عارف إن أنا من أهل القرن التاسع عشر0دمى اتحرق0أكمل منفعلا0آل إيه بيتهمونى إنني السبب فى حريق دار الأوبرا0الدار اللي بناها واحد من عيلتنا بمناسبة افتتاح قناة السويس0زى ما إتعلمتوا فى كتب التاريخ 0
تساءل مخلص متعجبا : ازاى تحرقها وانت تمثال ؟
أجاب التمثال وكأنه يربت على كتفيّ مخلص بكلمات رقيقة :
ـ يابنى هما ما قالوش إنني اللي أشعلت الحريق0دول قالوا إنني السبب فى عدم وصول المطافى إلي دار الأوبرا عند احتراقها 0
صعق مخلص وقال : لعلمك يا باشا لم تكن هناك حاجة إلي تحـرك المطافى إلي مكان الحريق إذ كان يمكنها إطفاؤه من مقرها الواقـع على بعد بضع عشرات من الأمتار من الدار0
هنا وجه التمثال إلى مخلص نظرة حادة تنبئ عن قرب انفلات أعصابه وضيقه بتطفله وصهل حصانه تأففا وتذمرا من أسئلة مخلص ومن عوادم السيارات0خيّل لمخلص أن أبو اصبع على وشك أن يضربه فقال له مستعطفا : أمال إيه اللي حصل ؟
ـ آل إيه أل لما المطافى جت تطفي الحريق راحت على دار القضاء العالي مش علي دار الأوبرا 0
تعجب مخلص متسائلا وهو يكتم ضحكة حاولت الهروب من بين شفتي : ازاى ؟
ـ طبعا ما كانش قدام دار الأوبرا ساعة الحريق إلا أنا لأن كل البشر اللي عندهم إحساس هربوا من النار0شويه وِجه المسئول عن المطافى وسألني : فين النار يا باشا؟ وقبـل أن أجيب عن سؤاله تحرك بجنوده وسياراته بعيدا عن موقع الحريق0
وبعدين0سأله مخلص متلهفاً أن يكمل القصة ؟
ـ الصبر يابنى0مالكوا ياولاد القرن العشرين0حاضر ياسيدى0بعد أن أكلت النار الدار0أكمل التمثال وهو يهز رأسه المعدنيّ في أسى0رجع المسئول اللي سبق وسألني وعلى وجهه علامات الخيبة وشتمني ولعن جدودي ـ تصور يابنى ـ رغم إنني كنت ظابط أقدم منه فى الرتبة !!
ـ مالوش حق0وقبل أن يكمل مخلص تعليقه أكمل التمثال وقد أوشكت عبرات معدنية أن تغادر مقلتيه لولا كرامته العسكرية :
ـ إخص عليك يا باشا0كدا تحرق الأوبرا0بقى أسألك فين الحريق علشان ماكانش موجود هنا إلا انت تقوم تشاور لى فى اتجاه مضاد0انت السبب فى حريق الأوبرا0دا كلام المسئول0ثم نظر التمثال إلي مخلص فى أبوة الأجداد وحنوهم علي أحفادهم 0عشان كدا أنا بأقصر الشر وألم دراعى بدل ما يتهمونى بتهمة جديدة 0
وقبل أن يظهر مخلص تعاطفه مع التمثال تنهد الأخير قائلا: استريحت يابنى0عرفت ليه أنا لميت دراعى جنبى ومش ها أشاور على أى اتجاه0خاصة فى اتجاه الفندق المواجه لى الآيل للسقوط 0
ـ معاك حق0قالها مخلص وهو يحاول اقناع تمثال ابراهيم باشا بسلامة موقفه : بس لازم صباعك يبان لانك معروف لنا بأبو اصبع 0
ـ فى اتجاه واحد0قال التمثال مشترطا :
ـ فين ؟ تساءل مخلص متعجبا !!
ـ نحو السماء0أكمل التمثال متنهدا
ـ لماذا ؟
ـ لأدعو ربى ساعتها أن يعيدنى للحياه تاني لو حصل أى شيء جديد علشان أقدر أنفد بجلدى0


0000000000
مهداة للكريمة إيمان الحسيني
نشرت بمجموعة العابر والتماثيل 1999

ايمان حمد
11/01/2007, 12:03 AM
منذ طفولته وهو يعرف أن تمثال إبراهيم باشا الكائن بميدان الأوبرا بالقاهرة يشير بذراعه اليمنى الممدودة فى اتجاه فندق شهير يقع فى مواجهته تقريباً0وفى أحد الأيام فوجئ مخلص بالتمثال وقد طوى ذراعه0تعجب من هذا التغير الذي طرأ عليه فجأة فقرر أن يعرف سر ذلك00ذهب اليه00هاله اكتئابه فسأله :
ـ لماذا طويت ذراعك إلى جنبك وعهدنا بك أنه ممدود ؟ هل مللت أضواء "فلاشات" كاميرات المصورين المتجولين الذين يتسكعون حولك لالتقاط الصور التذكارية للغرباء عن القاهرة فأردت أن تحمى عينيك من ضوئها المبهر ؟
ـ اسمع يابنيّ0قال تمثال ابراهيم باشا بوجه عابس0الضوء لا يؤلم عينيّ بل يؤلم عيون البشر0إذا كان عندهم إحساس 0
ـ عاد مخلص يسأل00هل طويت ذراعك من التعب بعد أن ظل ممدودا لسنين طويلة ؟
أجاب التمثال وقد علا وجهه المعدني ملل من تطفل ابن آدم :
ـ شوف يابنى0أنا بصراحة نفسي أمشـى من المكان اللي أنا فيه ده لولا إن الحصان اللي أنا راكبه مغروس فى كتلة صخرية تمنعه من الحركة 0
ـ سأله مخلص مفتخرا : ليه؟0حضرتك رمز من رموز قوة مصر وعظمتها 0
ـ بصراحة0قال التمثال وقد اكتسى وجهه بحزن عميق0أنا سمعت إشاعة بتتهمنى زوراً وبهتاناً بأنني سبب كارثة ثقافية وحضارية لمصر0رغم إن أسرتي بنت لمصر أمجادا كتيرة تلقاها مكتوبة فى كتب التاريخ
ـ إشاعة إيه ؟ سأله مخلص مندهشا 0
أجاب التمثال بعد أن أحس بتعاطف مخلص معه وتصميمه على معرفة سر ما حدث له :
ـ إمبارح بالليل قعد على الكرسي اللي قدامى ده اتنيـن أفندية0فضلوا يتكلموا مع بعض فى موضوعات كتيرة ماتهمنيش0لذلك لم أشغل نفسي بحديثهما0كمان كان صوت العربيات مغطى على صوتهم0وعوادم السيارات كادت تخنقني 000
وبعدين ؟ قالها مخلص مستحثا التمثال على الاستمرار فى إيضاح سبب ألمه :
ـ وبعدين شويه ودوشة العربيات خفت فقلت أتونس بيهم واسمع شويه من أحاديث القرن العشرين0طبعا انت عارف إن أنا من أهل القرن التاسع عشر0دمى اتحرق0أكمل منفعلا0آل إيه بيتهمونى إنني السبب فى حريق دار الأوبرا0الدار اللي بناها واحد من عيلتنا بمناسبة افتتاح قناة السويس0زى ما إتعلمتوا فى كتب التاريخ 0
تساءل مخلص متعجبا : ازاى تحرقها وانت تمثال ؟
أجاب التمثال وكأنه يربت على كتفيّ مخلص بكلمات رقيقة :
ـ يابنى هما ما قالوش إنني اللي أشعلت الحريق0دول قالوا إنني السبب فى عدم وصول المطافى إلي دار الأوبرا عند احتراقها 0
صعق مخلص وقال : لعلمك يا باشا لم تكن هناك حاجة إلي تحـرك المطافى إلي مكان الحريق إذ كان يمكنها إطفاؤه من مقرها الواقـع على بعد بضع عشرات من الأمتار من الدار0
هنا وجه التمثال إلى مخلص نظرة حادة تنبئ عن قرب انفلات أعصابه وضيقه بتطفله وصهل حصانه تأففا وتذمرا من أسئلة مخلص ومن عوادم السيارات0خيّل لمخلص أن أبو اصبع على وشك أن يضربه فقال له مستعطفا : أمال إيه اللي حصل ؟
ـ آل إيه أل لما المطافى جت تطفي الحريق راحت على دار القضاء العالي مش علي دار الأوبرا 0
تعجب مخلص متسائلا وهو يكتم ضحكة حاولت الهروب من بين شفتي : ازاى ؟
ـ طبعا ما كانش قدام دار الأوبرا ساعة الحريق إلا أنا لأن كل البشر اللي عندهم إحساس هربوا من النار0شويه وِجه المسئول عن المطافى وسألني : فين النار يا باشا؟ وقبـل أن أجيب عن سؤاله تحرك بجنوده وسياراته بعيدا عن موقع الحريق0
وبعدين0سأله مخلص متلهفاً أن يكمل القصة ؟
ـ الصبر يابنى0مالكوا ياولاد القرن العشرين0حاضر ياسيدى0بعد أن أكلت النار الدار0أكمل التمثال وهو يهز رأسه المعدنيّ في أسى0رجع المسئول اللي سبق وسألني وعلى وجهه علامات الخيبة وشتمني ولعن جدودي ـ تصور يابنى ـ رغم إنني كنت ظابط أقدم منه فى الرتبة !!
ـ مالوش حق0وقبل أن يكمل مخلص تعليقه أكمل التمثال وقد أوشكت عبرات معدنية أن تغادر مقلتيه لولا كرامته العسكرية :
ـ إخص عليك يا باشا0كدا تحرق الأوبرا0بقى أسألك فين الحريق علشان ماكانش موجود هنا إلا انت تقوم تشاور لى فى اتجاه مضاد0انت السبب فى حريق الأوبرا0دا كلام المسئول0ثم نظر التمثال إلي مخلص فى أبوة الأجداد وحنوهم علي أحفادهم 0عشان كدا أنا بأقصر الشر وألم دراعى بدل ما يتهمونى بتهمة جديدة 0
وقبل أن يظهر مخلص تعاطفه مع التمثال تنهد الأخير قائلا: استريحت يابنى0عرفت ليه أنا لميت دراعى جنبى ومش ها أشاور على أى اتجاه0خاصة فى اتجاه الفندق المواجه لى الآيل للسقوط 0
ـ معاك حق0قالها مخلص وهو يحاول اقناع تمثال ابراهيم باشا بسلامة موقفه : بس لازم صباعك يبان لانك معروف لنا بأبو اصبع 0
ـ فى اتجاه واحد0قال التمثال مشترطا :
ـ فين ؟ تساءل مخلص متعجبا !!
ـ نحو السماء0أكمل التمثال متنهدا
ـ لماذا ؟
ـ لأدعو ربى ساعتها أن يعيدنى للحياه تاني لو حصل أى شيء جديد علشان أقدر أنفد بجلدى0


مهداة للكريمة إيمان الحسيني
نشرت بمجموعة العابر والتماثيل 1999

لا حول ولا قوة الا بالله
كتاباتك يا دكتور اشبه بقصص هزلية واعتقد ان افضل مكان لها بوابة الأدب الساخر
حتى التمثال مش قادر وعاوز بنفذ بجلده فى مكان تانى
والله انا لو منه افضل مكانى واجرى بحصانى واقتحم كل الأماكن الموبوءة بالغباء والبلاده واطرها كما طرد احمس الهكسوس
وان اضع اصبعى فى عينهم بدلا من ان اضع يدى فى جبنى

وان كان حال التمثال وصل لأن يقصر الشر ويغنى له - فما بال الأنسان

والله ما انا عارفة اضحك ولا ابكى

اقتراح :

هل حاولت عرض هذه المجموعة كعمل مسرحى فى مصر ؟

اعتقد ان اعطيتها لكاتب سيناريو مسرحى سيخرج منها بمسرحية تكسر الدنيا وتفوق الناس

اعتقد هذا يجب ان يكون مستقرها .. ما رايك ؟

شكرا على الاهداء

فهذه كانت آخر قراءاتى اليوم قبل ان اذهب للنوم

ربنا يهدينا لفكرة من هذه الكتابات التى باتت تؤرقنى وانا اتفرج مثل التمثال عاجزة !

على فكرة : اقرأ هذا الموضوع لما به من شبه .. بمناسبة التحكم فى اليد والأصبع
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=3536



تقديرى واحترامى على الدوام

د0 احمد فنديس
11/01/2007, 03:41 PM
العزيزة إيمان
أسعد الله أوقاتك أينما كنت

الغريب أننا في مصر ـ بلد العجائب والغرائب وأرض التناقضات ـ ما يضحكنا هو ذاته ما يبكينا
حالنا اليوم
هو المضحك المبكي
ولا حول ولا قوة إلا بالله
معظمنا تحول إلي تماثيل
يمر العابر بينها كل صباح
وفي المساء
يتحول هو أيضا إلي تمثال
تحيتى وتقديري
وشكري علي اهتمامك بكتاباتي

ثروت الخرباوي
12/01/2007, 04:06 AM
[size=4]
ـ إخص عليك يا باشا0كدا تحرق الأوبرا0بقى أسألك فين الحريق علشان ماكانش موجود هنا إلا انت تقوم تشاور لى فى اتجاه مضاد0انت السبب فى حريق الأوبرا0دا كلام المسئول0ثم نظر التمثال إلي مخلص فى أبوة الأجداد وحنوهم علي أحفادهم 0عشان كدا أنا بأقصر الشر وألم دراعى بدل ما يتهمونى بتهمة جديدة 0


أستاذنا الكبير دكتور أحمد فنديس ....

راائعة قصص التماثيل التي تُشّرح بها الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية في مصر ... إذ تحمل هذه القصص مغزى وإشارة ... مغزى بأن الأمر وصل إلى درجة لاسابق لها ... درجة أنطقت الحجر ... وإشارة إلى تحول البشر إلى تماثيل لاتستطيع تغيير الواقع الفاسد

أستاذي الفاضل نحن تماثيل من ملح

د0 احمد فنديس
12/01/2007, 01:32 PM
الأخ الكريم أ0 ثروت....تحيتي وتقديري
نعم نحن كذلك
ومن ملح السياحات الملوث القذر
تماثيلنا زهقت...قرفت...طهقت...نطقت (بأمر الله) قرفا وزهقا منا
فقلدناهم بالصمت الرهيب
وليس باللمس ولا حتى بالهمس
بل كتب بعضنا وشاهد وانتشي

السفارة في العمارة
عمارة يعقوبيان

فقط هذا ما فعلنا
ولهذا لهم حق فيما فينا يفعلون
لأننا جامدون ساكنون صامتون
إلا من عفى الله عنه وأنطقه للزمن والتاريخ
بكلمة الحق
سلام وتحية