المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفيل والتنين



د.إبراهيم ياسين
25/05/2009, 06:34 PM
صورة الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعا
عرض وتلخيص د.إبراهيم ياسين
مجلة عالم المعرفة العدد 359 محرم 1430هـ ـ يناير 2009 . تأليف : روبين ميريديث وهي مراسلة للشؤون الخارجية لمجلة فوربس ومتخصصة في الكتابة عن الهند والصين ، ترجمة الباحث المصري شوقي جلال .
صاغت الباحثة كتابها من مقدمة وتسعة فصول .
تناولت مقدمة المترجم المعنونة :

نحن وهم ... والعولمة
الحديث عن قيمة الكتاب على أساس أنه يمثل حصاد مشاهد لتحولات العالم على مدى عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن راجت خلالها مفاهيم العولمة والليبرالية الجديدة وقوانين السوق الحرة ...
كما أشار المترجم إلى أن العولمة لها مدلولان : المدلول الأول هو المعنى الأمريكي ، وهي العولمة التي تنادي بحرية السوق أمام الشركات العالمية متعدية الجنسية في الحركة والتنقل وتهاوي الحدود القومية لصالح رأس المال الكوكبي وأمواله دون سواه مع ما يرافق ذلك من انحسار دور الدولة وتخليها عن مسؤوليتها بشأن قضايا الرفاه الاجتماعي .
في حين أن المدلول الثاني يتعلق بنتاج إنجازات العلم والتكنولوجيا التي عرفها العالم ، ليؤكد بأن النوع الثاني هو الذي لا رجوع عنه .
وتناول بعض جوانب التحول التي عرفها العالم حيث تخلت الدولة عن سيادتها وسلطاتها لمصلحة الخصخصة وحرية السوق وحرية المال ... وإشاعة ثقافة الاستهلاك ... ليقدم تلخيصا للكتاب المترجم بقوله : << وتعرض المؤلفة تغيرات البنى الاقتصادية ونظام حركة وإدارة مشروعات الأعمال ، وهجرة ملايين الوظائف إلى الصين والهند مقابل ملايين العاطلين في العالم المتقدم ، والتحولات العميقة في البنى الطبقية وطبيعة التحالفات الطبقية الجديدة المحتملة على الصعيد العالمي ... >> (1).
مقدمة المؤلفة : تحولات بنيوية كبرى في عالم الاقتصاد
مهدت الباحثة لهذا الفصل بالحديث عن زيارة رئيس وزراء الهند أتال بيهاري فاجبايي للصين في يونيو 2003 ليفاجأ بالطفرة التي حققتها هذه الدولة في كافة المجالات ... وتنتقل إلى إجراء مقارنة بين الدولتين على مستوى الأنظمة والاقتصاد ... مؤكدة أن الهند :<< مجتمع ديمقراطي ، ويتحدث أغلبية سكانها الإنجليزية ، وبها نظام قضائي راسخ ومستقر ، وتربطها بالغرب روابط كثيرة لا حصر لها . هذا بينما الصين نظام سلطوي ، وقليلون جدا من سكانها يتحدث الإنجليزية ، وسيادة القانون فيها ليست راسخة شأن الهند . >> (2).
تلاحظ الباحثة أن ثمة اختلافات كثيرة بين البلدين ، من بينها أن الهند تقف في معظم الأحيان ضد مشروعات الأعمال في الوقت الذي تقف فيه الصين ، وهي الدولة الشيوعية عادة ، في صف مشروعات الأعمال .
<< ولكن ثمة شيئا واحدا فقط مشتركا بين البلدين : وهو أن تحولاتهما ـ والطريقة التي سيحولان بها الكوكب ـ حدث يذهل العالم الذي لم يشهد مثله منذ أن ظهرت أمريكا ذاتها على مسرح الاقتصاد العالمي . >> (3) .
لقد أصبحت كلتاهما أسرع الاقتصاديات الكبرى على ظهر الكوكب :<< وتبدوان كأنهما قبعتا عقودا في انتظار هذه اللحظة لتنطلقا الآن في طريقهما لتصبحا عملاقين اقتصاديين على مدى جيل واحد .>> (3) .
إن أشد التغييرات إثارة للانتباه هي التي تلاحظ في سوق الوظائف الكوكبية الجديدة بحيث إن ما حدث في الصين والهند أثبت خطأ الزعم القائل بأن العولمة ستسبب أضرارا للفقراء . تقول الباحثة :
<< أثبتت العولمة أنها خير للفقراء حتى إن سببت ضغوطا على أبناء الطبقة الوسطى في أمريكا وأوربا . >>(4).
وتضيف إلى ذلك أن ملايين الوظائف تنتقل عبر العالم إلى العمال الهنود والصينيين الذين يقبلون الأعمال نفسها بأجور أقل ، الأمر الذي يثير شكوى العمال في الغرب ويجعلهم يعتبرون الأمر هو الجانب المظلم والمروع في العولمة << ذلك أنه مع وصول أكثر من بليون عامل فجأة إلى سوق العمالة العالمية كان لابد أن يخسر كثيرون من الغربيين تعساء الحظ وظائفهم . >> (5).
فضلا عن أن صعود الهند والصين ـ في نظر الباحثة ـ ليس مجرد حركة انتقال للوظائف بل هو : << نقلة أو تحول كبير بالغ الأهمية في جيوبوليتيكا ما بعد الحرب الباردة ، فضلا عن أنه يشفي ظمأ متزايدا للنفط ، ويؤدي إلى تحولات بيئية شاملة.>> (6).
الفصل الأول : أين التقى ماو الطبقة الوسطى ؟
تناولت المؤلفة في هذا الفصل الخطة التي طبقتها الصين في انتهاج سياسة عدم التحيز الطائفي في الصناعة ، حيث مثلت لذلك بلعب الأطفال المصنعة في الصين والتي تحمل صور الرموز الدينية المسيحية بهدف ترويج سلعهم في الغرب .
انطلقت الباحثة من مسألة جوهرية ملخصها أننا إذا شئنا أن نفهم التحولات التي عرفتها الصين اليوم فلابد من الانطلاق من واقع الصين في الماضي . لذلك تناولت التغييرات التي أقدم عليها " ماو " والتي أدت إلى أزمة اقتصادية تمثلت في المجاعة والفقر والبطالة ... رافقت النظام الشيوعي الصارم الذي انتهجه فور توليه مقاليد السلطة في البلاد ، تقول :<< وخلقت سياسات ماو مجاعة عمت كل أنحاء البلاد ، حيث مات جوعا ما بين 30 و40 مليون نسمة فيما بين العامين 1959 و 1962. >> (7).
وعلاوة على ذلك :<< تم حرق الكتب وتدمير الأعمال الفنية الصينية وتحطيم المعابد والأديرة مع قطع كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجي . وأغلقت الجامعات أبوابها ، وهو تحول كان من شأنه أن يشل حركة الصين لعقود قادمة . >> (8).
فضلا عن كل ذلك فإن الصين تحت حكم " ماو " حرصت على أن تبقى خافية عن أعين الغرب طيلة مدة حكمه الذي دام سبعة وعشرين عاما .
بعد وفاة "ماو " ومجيء " دنغ " حاول الأخير أن يخطو خطوات أخرى في طريق تخلص الدولة تدريجيا من الملكية الجماعية ليسمح للأفراد بالملكية الفردية مع السماح لهم بتحديد نوع المنتوج الذي يختارونه ، وهو أمر لم يكن " ماو " ليسمح به لينتقل " دنغ " إلى إلغاء احتكار الدولة لشراء وبيع المنتجات الزراعية كما كان معمولا به في عهد سلفه ، هذه التغييرات كلها أفضت إلى ازدهار وضع الفلاحين : << وأصبح لديهم أخيرا المزيد من المال وحق الاختيار بشأن معاشهم . >> (9).
استعان هسياو دنغ بنموذج سنغافورة لتحديث الصين . وتشرح المؤلفة خطة هذا الزعيم قائلة : << والتمس دنغ ، البرغماتي دائما ، سبيلا إلى تقدم الصين من خلال اتخاذ خطوات متواضعة ومدروسة جيدا وفي ترو ، متجنبا أسلوب غورباتشيف في التغيير على نحو فجائي وشامل لكل البلد. >> (10).
بل إن دنغ شجع المواطنين على الإقدام في جرأة وتجربة :<< "سياهي " أي القفز في بحار مشروعات الأعمال. >> (11).
لقد حاول قادة الصين ، وهم يتطلعون إلى نموذج سنغافورة تفادي المصير الذي آل إليه حليفهم السابق الاتحاد السوفييتي ، وبعد أن بدأت الصين إصلاحاتها الاقتصادية << في هدوء وصمت على مدى سبع سنوات ، انطلق غورباتشيف في إصلاحاته وسط جلبة دعائية . والتزم نهجا مختلفا تماما لأنه دعا إلى إحداث تغيير اقتصادي ثوري ، لا تطوير مرحلي ، كما دعا إلى حرية الرأي والتعبير ، وهي خطوة زائدة حاول الصينيون دائما تجنبها في حرص وحذر . وطبيعي أن كانت النتيجة ... تحلل الاتحاد السوفييتي العام1991. >> (12).
وتناولت الباحثة مشاريع الصين في مجالات البنية الأساسية ، كبناء الطرق السريعة وتهيئ الظروف لاستقبال الاستثمارات الأجنبية ، الأمر الذي ساهم في تحقيق قفزة هائلة في المجال الاقتصادي ، وإن كانت المؤلفة تشير إلى أن التكلفة البشرية لصعود الصين كانت فادحة ، خاصة بالنسبة للفلاحين الذين نالوا أقل حصة في النمو الذي حققته البلاد فضلا عن أن : << التنمية محفوفة بمخاطر كبيرة ، إذ تسبب تلوثا مروعا. >> (13).
إن القفزة التي حققتها الصين ـ في نظر الكاتبة ـ كانت على حساب الحرية الفردية .
الفصل الثاني : من دولاب الغزل إلى أسلاك الألياف البصرية :
هذا الفصل خصصته المؤلفة للحديث عن تجربة الهند ، حيث أكدت أن اليأس دفع الهند إلى التغيير الاقتصادي بالسرعة التي حدث بها في الصين مع تأخر أكثر من عقد مقارنة بجارتها ، إن مشكلة الهند لم تكن اقتصادية فقط ، تقول الباحثة :<< ونحن لكي نفهم هند اليوم ـ وكذا لكي نتنبأ بهند الغد ـ يتعين أن ننظر إلى الوراء لنتأمل تلك الأوقات العصيبة .>> (14).
بعد اغتيال راجيف غاندي تولى الحكم " راو " الذي عين عالم الاقتصاد مانموهان سنغ وزيرا للمالية :<< وكان رد فعل الحكومة سريعا وحاسما . إذ أعلن راو على الأمة أن البلاد في أزمة مالية ، وأنه بسبيل اتخاذ تغييرات فورية بناء على توصيات التكنوقراطي سنغ . >>(15).
اتخذت الهند إصلاحات جديدة تمثلت في فتح جميع المصارف وخطوط الطيران وصناعات النفط المملوكة للدولة للمستثمرين الخاصين ، وتم إلغاء " التراخيص " التي كانت تنظم كلا من التجارة والصناعة في الهند ، وهو إجراء من شأنه التخلص من الروتين والفساد : << وكان الأثر الناتج مثيرا بالنسبة إلى البلاد جميعها ، نما الاقتصاد بأسرع مما كان على مدى عقود ، وبدأت الشركات في تشغيل العاطلين . وانخفض حجم التضخم من أكثر من عشرة إلى ما دون العشرة ... وانخفض الدين ، كما تم استرداد احتياطي الصرف الأجنبي النفيس >> (16).
هذه التعديلات التي شملت كل مناحي الاقتصاد أحدثت نتائج مثيرة امتدت إلى الأسر العادية .
تشير المؤلفة إلى أن الهند أضاعت عقودا في منفى اقتصادي فرضته على نفسها ، إذ أنه في الوقت التي أصابت فيه الشيوعية الصين بالشلل فإن ردة فعل الهند إزاء الاستعمار شكلت عقبة في وجه تقدمها . إن الدعوة التي رسخها غاندي في الشعب الهندي والتي روج من خلالها للالتزام بالوسائل التقليدية في الإنتاج وإصراره على استخدام الطب الطبيعي فقط ، وامتناعه عن الانفتاح على العالم الخارجي كان أمرا مناسبا لفترة معينة لكنه لم يعد مناسبا بعد ذلك ، والشيء الذي عرقل الأمر هو إصرار السياسيين الذين تولوا بعد غاندي على الاقتداء بسياسته في الاكتفاء الذاتي والحفاظ على الهند بعيدة عن الارتباط بالاقتصاد الكوكبي المزدهر خلال فترة ما بعد الحرب .
تشير الباحثة إلى أن رؤية غاندي ومثاليته :<< قادتا الهند إلى الاستقلال ، وترك الأمة الشاسعة قوة ديمقراطية مكينة بين دول العالم على الرغم من كل ما فيها من انقسامات اجتماعية واقتصادية . بيد أن سياساته الاقتصادية التي تبناها حالت دون أن تحقق الهند كل ما تسمح به طاقاتها التجارية وموارد ثروتها الطبيعية . >> (17).
وتفسر هذه المسألة بأنه مع حلول السبعينيات والثمانينيات بدت تلك القوانين : << التي صيغت ونفذت بنوايا حسنة كأحسن ما يكون خلال السنوات الأولى للاستقلال ، قوانين قديمة بالية لا أمل فيها >>(18). بعد ذلك.
من أجل حماية الفقراء سنت حكومة الهند قوانين تمنحهم الكثير من الضمانات وتجعل الأجور المتأخرة دينا على الشركة حتى إن أفلس أصحاب الأعمال ، الأمر الذي جعل أصحاب الأعمال يحجمون عن تشغيل العمال ما لم يكونوا مقتنعين بأن المصنع سيظل مفتوحا لعقود مقبلة . وواصلت أنديرا غاندي تراث أبيها الاقتصادي (19).
وبمجرد أن تولى راجيف غاندي أدرك أن الهند في حاجة إلى تغيير ، فغير القوانين حيث سمح بالمزيد من الواردات والصادرات ، وقدم إعفاءات ضريبية :<< وخفض عدد الصناعات التي يلزمها الحصول على ترخيص لإنتاج السلع . وضاعف من القيود المناهضة للاحتكار ، وسمح للشركات أن تكبر حتى تبلغ قيمتها 80مليون دولار . وكان هذا كله قليلا نسبيا ، ولكنه يمثل زيادة تصل إلى خمسة أمثال .>> (20). هذه الإجراءات حققت نتائج ضخمة لكنها كانت قصيرة الأجل ، الأمر الذي أعاد البلاد إلى حالة الخطر .
كانت سنة 1991 بداية التغيير حيث إن الحصول على جهاز الكمبيوتر على سبيل المثال عبر الاستيراد يستغرق سنتين قبل 1991 . : << ولكن عندما ألغى " سنغ " في العام 1991 أغلب " أحكام التراخيص " المسؤولة عن الكثير من مظاهر التأخير هذه ، أصبح بإمكان أي شركة مثل شركة إنفوسيس أن تتلقى تجهيزاتها الحديثة بين يوم وليلة. >> (21).
بل إنه لم يعد بإمكان الشركات الهندية فقط أن تحصل بسرعة كبيرة على إذن باستيراد سلع معفاة من الجمارك بل وشراء واردات بأسعار مخفضة .
لقد ألغت الحكومة الهندية ابتداء من يوليو 1991 الرسوم الجمركية على برامج الكمبيوتر ، الأمر الذي أهل الصناعة الهندية إلى الرقي فضلا عن أنها ألغت المكتب المشرف على تسعيرة الأوراق المالية في سوق الأسهم وتركت ذلك للشركات وبنوك الاستثمار مما أعطى دفعة قوية للاقتصاد الهندي . إلا أن هذه التغييرات التي انطلقت سنة 1991 رافقتها معارضة اليسار الإيديولوجي الذي أضرت التغييرات بمصالحه : << وحدث في العام 1996 فضيحة فساد ضخمة جعلت الناخبين يطيحون بحزب المؤتمر وانتخبوا تحالفا له ميول يسارية يضم حزبي الفلاحين والعدالة الاجتماعية . وتوقفت الإصلاحات الاقتصادية . وأضحت الحكومات الهندية ومنذ سقوط حكومة راو العام 1996 حكومات غير مستقرة. >> (22).
إن ما أثار الخوف في الهند هو صعود الصين الذي أشعرها بضرورة التحرك قبل أن يشملها غزو السلع الصينية ، إن ما أقدمت عليه الهند هو سياسة الانفتاح الاقتصادي .
<< أخيرا بدأ السياسيون الهنود يحولون أنظارهم إلى الصين قصد استلهامها ، مثلما تطلعت الصين في السابق إلى مثال سنغافورة .>> (23) .
ورغم أن الصين لا تزال في الصدارة فإنها والهند تندفعان بقوة في طريق الانتماء للعالم الحديث . والهنود على ثقة بأنه يمكنهم اللحاق بالصين.
ظلت الهند بين تقدم وتوقف بشكل جعلها تسير ببطء مقارنة بالصين وهم يعيدون السبب إلى أن الهند كدولة ديمقراطية تعجز عن تحقيق التنمية بالشكل الذي تستطيع الصين كدولة ديكتاتورية أن تنجزه .
تشير الباحثة إلى أنه رغم التعثرات فإن الهند شرعت في التقدم على طريق التقدم .
الفصل الثالث : صناعة أمريكية في الصين
تشير الدارسة إلى أن ثمة وسائل كثيرة لقياس النمو الاقتصادي في الصين وذلك عن طريق إحصاء ناطحات السحاب أو حساب نتاج مصانعها ، أو عدد أميال الطرق السريعة فيها ... إلا أن رجلا هولنديا اسمه بيتر دوهان أختار أن يقيس ذلك من خلال النظر إلى الشقق ليلا محاولا إحصاء عدد المصابيح الكهربائية المشتعلة ، حيث لاحظ : << في البيوت الصينية الريفية أن متوسط عدد الإضاءات انتقل من صفر إلى ثلاثة مصابيح منذ أن اتبعت الصين الانفتاح الاقتصادي ...>> (24) .
تقول الباحثة بأن تطور الصين يعتبر :<< دائرة حميدة إلى الشركات متعددة القوميات مثل فيليبس ، وكذا الشركات الصينية ، إذ كلما بنت الشركات مزيدا من المصانع أضحت البلاد أكثر ثراء ، واستطاع الناس شراء المزيد من المصابيح الكهربائية وغيرها من المنتجات. >> (25) .
إن الإغراءات التي تقدمها البنية الأساسية والإعفاءات الجمركية والمناطق الاقتصادية الخاصة جعلت كثيرا من الشركات تنقل أجزاء كبيرة من إنتاجها إلى الصين . إلا أن :<< عمال المصنع الصيني سواء كانوا يصنعون مصابيح كهربائية أو لعب أطفال ناطقة أو أحذية التنس يتكسب كل منهم في اليوم الواحد نحو ما يدفعه الأمريكي ثمنا لشراب قهوة باللبن ... >> (26) .
كما تطرقت الباحثة لنموذج شركة فيليبس التي استطاعت أن تحقق موقعا هائلا في الصين فضلا عن أن أرباحا تعد بالمليارات ، وإن كان ذلك بعد جهد جهيد تمثل على سبيل المثال في المعركة حول حقوق الملكية الفكرية التي استطاعت أن تجني من ورائها مئات الملايين من الدولارات (27).
إن التطور الذي حققه الاقتصاد الصيني وإن كان بسرعة الصاروخ إلا أنه لم يكن دائما سلسا :<< ويقع بعض اللوم في هذا على سياسة حكومة الصين التي طلبت من الشركات الأجنبية ، في بعض الصناعات ، مشاركة الشركات الصينية ، وهذا هو الجانب الأقل إشراقا لقبضة الحكومة الصينية القوية على مشروعات الأعمال .>> (28). وإن كانت كثير من الشركات تعلمت الدرس وعرفت كيف تحمي نفسها بشكل أفضل .
عادت بنا الباحثة إلى الصين في القرن الرابع عشر حين كانت عمادا في التجارة الدولية ، حيث ساهمت بابتكارات تمثلت في الورق والبارود والبوصلة وغيرها ... إلا أنها بعد ذلك تحولت من :<< محور الابتكار إلى بلد لإنتاج سلع مقلدة >>(29).
وتربط المؤلفة بين انتعاش الاقتصاد الصيني وانتعاش الاقتصاد الكوكبي ، ويمكن الحديث عن العجز التجاري بين الصين والولايات المتحدة وأوربا لصالح الصين . وهذا في الواقع لا يخفي مسألة مهمة وهو أننا نجد :<< في الواقع العملي أن عبارة " صنع في الصين " تعني حقيقة " صناعة أمريكية في الصين " أو " صناعة أوروبية في الصين " . ومن ثم فإن أنشطة مشروعات الأعمال الأكثر ربحية في الصين ليست في أيدي الصين الأم . >> (30).
وقد أجرت مقارنة لتجد أن الجزء الكوكبي من الاقتصاد الصيني الذي تهيمن عليه الشركات الأجنبية يحقق ازدهارا في حين أن الجزء الذي تسيطر عليه الصين وتديره ما زال مستقبله غير واضح . الأمر الذي يفرض على الصين << أن تغير من نفسها إذا شاءت أن تجني الثمار الكاملة لصعودها الاقتصادي . >> (30).
وتفسر هذه الظاهرة بأن إجمالي الناتج القومي للصين يرتبط بالاستثمار الكثيف صعودا وهبوطا:<< وهكذا يعطي الرقم للصين وهما بالقوة ، بينما اقتصاد البلاد ليس بالقوة الظاهرة .>>(31) .
لقد عانت الصين من الفساد الذي استشرى في كافة المجالات لدرجة أن الحكومة أعدمت :<< مئات الموظفين المحليين ليكون ذلك رسالة تعلن أن الفساد محظور ، بيد أن هذه ممارسة أخرى تؤكد أنه من العسير القضاء عليه خاصة بعد عقود طويلة من الفقر.>> (32).
بعد التغييرات التي أحدثتها الصين أصبحت خلال العقد الأخير من القرن العشرين ثالث أضخم سوق للسلع الترفيهية في العالم بعد اليابان والولايات المتحدة ، بل إنه أفرخت 320 ألف مليونيرا ، إن ما استفادت منه الشركات الصينية هي الحرية التي أصبحت تتمتع بها بعد الانفتاح ، علما أنه في عهد شيوعية ماو كانت الشركات تنتج حسب ما يحدد المسؤولون بغض النظر عن الاستهلاك .
تشير المؤلفة إلى أنه بعد التخريب الذي ألحقته الثورة بالصين فإنها أصبحت تستعيد عافيتها في تخريج أعداد كبيرة من خريجي الجامعات.
وتضيف قائلة بأنه :<< على الرغم من أن العمال الصينيين هم من كبار الفائزين عموما ، نظرا إلى زيادة دخولهم فإنهم يتمتعون بحقوق قليلة ، مع حق محدود في اللجوء إلى القضاء . لذلك كم هو يسير على عديمي الضمير من الرؤساء الرأسماليين أن يفيدوا من وضعهم هذا.>> (33).
إن ما حققته العمالة الصينية كان له تأثير على العمالة في الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ أصبح لديهم كل الأسباب للقلق مع تزايد اعتماد الشركات الأمريكية على تشغيل مزيد من العمال الصينيين .
إن ما جعل الصين تستفيد أكثر من هذه الشركات هو اشتراطها عليها إنشاء مراكز للبحث والتطوير وليس بناء مصانع فقط . وكانت شركة فيليبس من بين الشركات التي استجابت لنداء الحكومة الصينية في إنشاء مراكز أبحاث مما سمح للعمال الصينيين في اكتساب الخبرات عوض الاكتفاء بالعمل فقط .
الفصل الرابع : طريق التوابل عبر الانترنت
خصصت المؤلفة هذا الفصل للحديث عن الهند مؤكدة أن هذه الدولة رغم المجهودات التي بذلتها في دعم الاستقلال والاكتفاء الذاتي فإنها لا تزال في قالب ماضيها الاستعماري ، وتعتز الكاتبة بسيطرة اللغة الإنجليزية على قطاع واسع من ساكنة الهند ، حيث تقول :<< وتزدهر هنا الديمقراطية البرلمانية بأسلوبها البريطاني . ولعل ما يثير الانتباه أكثر أن اللغة البريطانية على الرغم من حركتها المتثاقلة واطراد وجودها في الهند تمثل قوة شحن عالية الآن تفيد النمو الاقتصادي للمستعمرة السابقة . وتضم الهند أكثر من مائة مليون متحدث بالإنجليزية .>> (34) .
إن الازدهار الذي حققته الهند كان من العوامل التي أصبحت تهدد الطبقة الوسطى البريطانية والأمريكية خشية انتقال وظائفهم إليها ، وهذه المخاوف لها ما يبررها خاصة وأن ثمة 300 ألف وظيفة أمريكية سوف تنتقل كل عام (35) يدعم ذلك تلك الحمى التي انتشرت لدى الشركات الدولية التي تسعى إلى تحقيق أرباح ضخمة من خلال خفض تكاليف الإنتاج.
هذه العملية المتمثلة في نقل العمل إلى ما وراء الشاطئ الآخر اصطلح عليها ب "الأوفشورنغ ": offshoring ، حيث يتم نقل الوظائف ضمن الشركة نفسها وفي منطقة أخرى من العالم لتحقيق أرباح طائلة على أن تعود السلع بعد التصنيع لتباع في الولايات المتحدة وأوربا .
وقد تستعين الشركات الدولية بما يسمى " التعهيد " وهو أن تعهد الشركة ببعض أعمالها إلى شركة أخرى سواء كانت في البلد نفسه أو في الخارج .
وانتقال الوظائف يتخذ إحدى الوسائل التالية :
1 ـ حين تدرك الشركة أن إنجاز بعض مشاريعها خارج الحدود يمكن أن يخفض تكلفة الإنتاج .
2 ـ تستأجر لحسابها مؤسسات البلد المضيف قصد التوفير .
3 ـ أن تقوم الشركات بتعهيد المكاتب الخلفية الخاصة بها إلى مؤسسات أمريكية .
: << ويحدث أحيانا أن الشركات الكبرى لا تعرف من أين تلقت هواتفها الإجابة ، أو أين تمت برمجة كمبيوتراتها . ولكن ما الذي يعني الشركات ما دام العمل يجري بكفاءة عالية وتكلفة منخفضة؟ >> (36).
تعود أسباب انتشار " الأوفشورنغ " إلى أسباب تكنولوجية فضلا عن توقع انخفاض الأجور في البلد الذي تنقل إليه الوظائف ، وكانت أزمة نهاية القرن العشرين هي السبب وراء اعتماد الأوفشورنغ ، إلا أنه بعد اكتشاف فوائده تم اعتماده من قبل العديد من الشركات .
هذه القفزة التي ساهم فيها انتقال العديد من الشركات إلى الهند ساهم في خلق هند مزدوجة : عالم الأثرياء وعالم الفقراء . وإن كان بعض الباحثين يصف هذه النقلة للوظائف إلى خارج الحدود بأنها ثورة صناعية ثالثة .
وحتى تتضح صورة هذه الحركة تقدم الباحثة مثالا وذلك حين تقول :<< ويظن العاملون في البناية المركزية لشركة جنرال موتورز في ديترويت عندما يديرون الرقم صفر أن المسؤول عن التحويل موجود في الطابق الأرضي عند الاستقبال في المبنى . والحقيقة أنه بعيد نحو ثمانية آلاف ميل . >> (37).
حين تعمد بعض الشركات إلى تحويل الكثير من الوظائف إلى الهند ـ مثلا ـ فإنها تقدم أعذارا بحجة أنها مجرد حصص إضافية أو ما أشبه ذلك حتى لا تشغل الأمريكيين.
تعود الكاتبة إلى التأكيد على أن ما حققته الهند من خطوات في الطريق إلى العالم الحديث قد خلف مزيجا من الفقر والأمل ، وبشكل متنافر.
فالهند تعاني من ضعف البنيات الأساسية الأمر الذي يعرقل اجتذابها لكثير من الصناعات الجديدة ، بحيث ليس لديها :<< شبكات توليد كافية ، ولذلك فإن التيار الكهربائي اللازم للإضاءة لا يمكن الاعتماد عليه ... وتحتفظ شركات التكنولوجيا العليا الصغيرة بأكوام من بطاريات السيارات لتكون في متناول اليد عند انقطاع التيار الكهربائي. >> (38) . ويعاني 39 في المائة من الهنود من الأمية . والشركات بدورها تخطو في مشروعاتها في الهند نهجا يختلف عن نهجها في الصين متخذة منطلقا وهو أن سرعة نمو الهند والصين تعادل ثلاثة أضعاف سرعة الولايات المتحدة واليابان لذلك فإن الهند والصين يمثلان المستقبل بالنسبة للشركات .
الفصل الخامس : خط التفكيك الإنتاجي
وقفت الباحثة عند نموذج التصنيع الذي انتهجته الشركات الدولية في الصين ، حيث تعمد إلى شحن منتجات غير مكتملة الصنع من مصنع إلى آخر ليجري تركيبها .
إن أحد مكونات السلعة يمر برحلات كثيرة قبل اكتمال صنعه مهيأ للسفر إلى الولايات المتحدة أو أوربا ليتم جمعه في مصنع هناك . تعمد هذه الشركات أحيانا إلى تصنيع أجزاء منتوجاتها في الصين ليتم جمعها في كوريا : << وتذهب بعض الصناديق في الاتجاه المعاكس ، فهذه أكوام من الشرائح الدقيقة المصنوعة في اليابان متجهة إلى مصنع في الصين الأم حيث تتحول إلى أمخاخ لأجهزة كمبيوتر يجري تجميعها هناك.>> (39).
إن الرحلة التي تقطعها بعض المواد تتم عبر عدد كبير من المصانع الصينية وأحيانا بين عدد من الدول ، وهذا الدرب غير المباشر وليد التسعينيات من القرن العشرين. وكان الهدف منه هو تخفيض كلفة الصناعة ، ويمكن اعتبار هذه الطريقة شكلا من أشكال التخلي عن طريقة تجميع الإنتاج الذي سلكها فورد في شركته منذ مطلع القرن العشرين :<< وتغير كل شيء في القرن الواحد والعشرين ، تناثر خط التجميع الذي ابتدعه هنري فورد وتحول إلى ألف قطعة منتشرة في كل أنحاء العالم >> وتفسر الباحثة قائلة :<< ويمثل النظام الجديد ـ ولنسمه خط تفكيك الإنتاج ـ نتيجة منطقية لاندفاع الشركات نحو تفتيت منتجاتها إلى مجموعات فرعية متخصصة بهدف خفض التكلفة ، والارتقاء بالجودة ، وتقليل الوقت اللازم لإعداد المنتج للسوق.>>(40).
قدمت المؤلفة مثالا لشركة صناعة الملابس كشركة جي . سي . بين ، حيث تشحن الخيوط من مصنع من تايوان والأزرار من شركة يابانية لها مصنع في الصين ليشحن الجميع إلى تايلاند لقصه وخياطته بحيث تعمل مجموعة من المصانع في صياغة الصورة النهائية للمنتوج الواحد : << ويمثل خط التفكيك الإنتاجي العمود الفقري للعولمة . >> (41) .
وتوضح المؤلفة فضائل هذه الطريقة بقولها بأن القدرة على تجزئة خط التجميع ومده وتوسيعه أدى إلى تغيير جذري لحق بأدوار الشركات وعمالها :<< لم يعد الناس ينتقلون إلى ديترويت للعمل في مصانع فورد الضخمة ، بل العكس ، تجري شركات السيارات الآن خطوط تجميعها الطويلة ، وتنقل العمل إلى أي مكان تجد فيه عمالة رخيصة ومسارات سهلة لشحن السلع إلى بقية أنحاء العالم . وهكذا أصبحت الوظائف اليوم هي التي تهاجر بدلا من الناس.>> (41).
وبفضل خط التفكيك أصبحت الشركات أكثر كفاءة وفعالية وذلك عن طريق نقل كل قطعة من قطع السلعة إلى البلد الأرخص قصد تخفيض التكلفة على الشركة وبالتالي خفض الأسعار لمصلحة المستهلك . وقدمت أمثلة لسلع انخفضت أسعارها إلى أكثر من النصف أضعافا مرات مضاعفة بل إن من الشركات ما تخصصت في صناعة مادة واحدة على أن تصنعه أفضل من غيرها وتكلف شركات صناعية صغرى العمل الصناعي البسيط .
إن التحول من خطوط تجميع الإنتاج إلى خطوط التفكيك لم يحدث بين ليلة وضحاها وإنما تم على شكل تسلسلي ، فالشركات الرائدة ما زالت :<< تصنع السلع الأعلى قيمة والصعبة صناعيا ، والتي تعتمد على ملكية فكرية ، في مصانع عالية الأجور داخل الوطن ... >> (42) .
ويلاحظ أن الأغلبية العظمى من خطوط التفكيك الإنتاجي لها صلة بالصين ولو بمنتج واحد . وقد ساهم في هذه الطفرة انخفاض أثمنة النقل سواء بالشاحنات أو القطارات أو السفن أو الطائرات .
إن خط التفكيك الإنتاجي لم يقتصر على سلع المصانع بل تجاوز ذلك إلى الخدمات بل إن بعض الشركات سارت تتبع أسلوب التعهد (outsourcing) أي تعهد بخدماتها الخاصة بأعمال فنية لشركات أخرى .
والآن :<< وبعد أن أعادت كل من الهند والصين ارتباطها ببقية العالم ، أعادت خطوط تكفيك الإنتاج رسم خريطة التجارة العالمية بالكامل .>> (43).
فعلاوة على المنافع القيمة التي توفرها العولمة فإنها تمثل مخاطر للشركات التي تختار الخوض فيها إذ أن أي مشكلة تقع في حلقة من حلقات السلاسل قد تؤدي إلى تعطل مبيعات المنتوج .
الفصل السادس : ثورة الهند الثقافية
تناولت الباحثة في بداية هذا الفصل قصة أحد الهنود الذين استفادوا من الانفتاح الهندي على العالم وهو ستاوان كادبوركار الذي استطاع أن يحقق إنجازات هائلة وهو في بلده على عكس ما كان يحدث لكثيرين اضطرتهم الظروف إلى الهجرة بل والاستقرار خارج الهند حتى تتهيأ لهم الفرصة للحصول على ما أرادوا من قبيل الرواتب العالية وتحقيق الرفاهية النجاح ، إن النزف الذي كانت تتعرض له عقول الهند بدأ الآن يأخذ اتجاها عكسيا إذ بادرت عشرات الآلاف من هؤلاء إلى العودة إلى وطنهم مادامت فرص النجاح متاحة بعد الانفتاح .
إن ما حققته الهند من رخاء اقتصادي يعود عليها وعلى الشركات الغربية بأرباح كبيرة. << مع كل شهر ينقضي تصبح السوق الهندية أكثر جاذبية للشركات الغربية الباحثة عن عملاء جدد. >> (44).
لم تستثن المرأة الهندية من التغيرات التي تحققت ، إذ كانت في السابق تعتمد ماليا على أسرتها لتنتقل إلى الاعتماد على زوجها : << بيد أن هذه التقاليد بدأت تذوي في مواجهة ارتفاع الأجور وانتشار القيم الغربية>> (45) . بل إن تقاليد الزواج الهندية بدأت تتغير حيث إن الشباب الذي له مستقبل في مجال العمل يتزوج متأخرا .
أصبحت الكثيرات من النساء الهنديات يتمتعن باستقلال مالي ويتجنبن الزواج التقليدي ...
إن ما حققته الهند من نمو لم يشمل كل البلاد ، إذ ما تزال هناك قرى محرومة من المياه الجارية الصالحة للشرب ومن الكهرباء والرعاية الصحية ... حتى أن أسرا كثيرة تعيش في غرفة واحدة داخل بيوت غارقة في القذارة ، يحدث هذا في قرى عديدة ... لدرجة أنه صح عن الهند قولة عالم الاقتصاد أمارتيا صن بأن ما يصدق عن الهند فإن نقيضه صحيح أيضا (46) .
إن إصلاحات الهند لعام 1991 حفزت حركة شاملة للنمو الاقتصادي بحيث استفاد منها مئات الملايين من الهنود ، وإن كانت بعيدة عن تحقيق تنمية شاملة ، إذ مازال 35 في المائة من جميع الهند أميين.
خصصت المؤلفة الصفحات بين 186 و201 لتقديم صور عن أوجه الحياة العامة في كل من الهند والصين (24 صورة).
إن التناقض الذي تحمله الهند يتمثل ـ على سبيل المثال ـ في أنه على الرغم من أن خريجي الجامعات في الهند تحولهم إلى مهندسين رائعين إلا أن المدارس الابتدائية لا تزال خربة فضلا عن الاكتظاظ الذي تعاني منه.
إن مظاهر التقدم في الهند الجديدة المتألقة قناع يخفي مشكلات مستعصية مثل ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال ... وغيرها من المشاكل ... إضافة إلى انتشار ظاهرة الإجهاض على أساس الجنس ، إذ تمثل الفتيات مصدر متاعب بالنسبة لعدد كبير من الأسر بسبب ما تشترطه أسر الزوج من مهور مرهقة لعائلة الزوجة ...
وتعاني الهند من مشكلة تعدد الأديان ، إذ يبلغ عدد المسلمين أزيد من 140 مليونا وكثيرا ما تحدث توترات بينهم وبين الهندوس داخل الهند أو بين الهند وبين باكستان الدولة المسلمة .
تؤكد الباحثة أنه رغم افتقار الهند إلى بنية أساسية حديثة إلا أنها حققت مكاسب ملحوظة في إنتاج المصانع التي بدأت أعدادها في تزايد .
إن ما تنبأ به علماء الإسكان من أن الهند بحلول سنة 2030 ستصبح أكثر بلدان العالم سكانا ـ متجاوزة الصين ـ يضعها في منعطف خطير يهدد بالوقوع في مستنقع الفقر ما لم تغير سياستها.
وكمقارنة بين سياسة الهند وسياسة الصين تقول المؤلفة :<< إن ما تنجزه الصين بأوامر وقرارات رسمية يتعين على الهند أن تنجزه جزئيا من خلال الإقناع .>> (47).
وتقترح الباحثة أن تنتهج الهند بعض سياسة الصين وذلك بأن تعمل على بناء طرق جديدة حتى وإن اضطرت إلى تهجير السكان من بيوتهم ... فإذا أخفقت الهند ـ باعتبارها دولة ديمقراطية ـ في إقناع الناخبين وتوضيح فوائد الخطة فإن المآل سيكون صعبا بل إن المؤلفة تقول :<< فلا بد أن تتوافر شخصية سياسية كاريزمية تقود التنمية الاقتصادية .>>(48).
الفصل السابع : ثورة باسم حفل عشاء
تناولت الكاتبة الخسائر التي تكبدتها الصين بسبب ثورة ماو ، لتنتقل إلى الحديث عن نماذج لسيدات صينيات استفدن من الانفتاح الصيني على العالم ، كما تناولت بالمناقشة ظاهرة ميل الصينيين إلى الادخار على عكس الأمريكيين الذين يميلون إلى إنفاق أكثر مما يكسبون .
إن التغيير الذي أحدثته الصين أدى إلى أن أصبح لديها 320 ألف مليونيرا ، إلا أن ذلك أدى إلى نشأة تباينات بين أفراد الشعب لدرجة أن ظهرت أسماء جديدة من قبيل " الأرستقراطيون المتفردون " و" المثقفون الميسورون " و" الرأسماليون الصغار "...
إن غزو الشركات العالمية للصين شمل حتى تقاليد الزفاف ، حيث ساعدت على تقليد الصينيين للنمط الغربي إلى حد كبير خاصة وأن الثورة الصينية بعد أن أقصت كل ما هو تقليدي صيني فقد تركت الصينيين << صفحة بيضاء يخط عليها المعلنون الغربيون >>(49). << انتقلت الصين خلال جيل واحد من وضعها كبلد متخلف اقتصاديا إلى بلد يمثل رابع أضخم اقتصاد في العالم.>>(50) .
وتناولت الباحثة وضعية العمال في الصين حيث إن المصانع الحديثة لا ترحب بكبار السن وتفضل الشباب وإن كان كل شباب الصين لا يعملون في المصانع .
بعد ذلك انتقلت إلى الحديث عن بعض معالم الثقافة الصينية ، حيث يلاحظ أن النزعة القومية ماثلة دائما لدى الصينيين ، تمثلت في إيمان الأغلبية بأن تايوان جزء من الصين ، بل إن منهم من يعتقدون بضرورة غزوها والاستيلاء عليها .
تشير المؤلفة إلى أن وضعية الصين الاقتصادية رغم ما حققته من نمو فإن كل هذا : << يخفي بعضا من التيارات التحتية شديدة التأثير التي تهدد بالهبوط بمستوى البلاد . بعض هذه التيارات اجتماعي ، وبعضها سياسي ، وبعضها مالي ...>>(51).
لعل من هذه المشكلات اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتفشي الفساد بين موظفي الحكومة ... فضلا عن أن المصارف الصينية التي تحتفظ بمدخرات الأغلبية العظمى من الصينيين لا تزال هشة ضعيفة :<< والبيئة في الصين تتعرض للتدمير علاوة على النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب في بعض الأماكن ... >> (52) .
تطرقت الباحثة بعد هذا إلى وضعية الحرية في الصين ، لتشير إلى أنها غائبة ، فهي على الرغم من الصحف الأربعمائة التي توزع يوميا فإنها تفتقد إلى حرية الصحافة ، بل إن الباحثة تذهب بعيدا حين تقول إنه :<< لا يوجد شيء اسمه حرية الكلام والتعبير .>>(53).
وانتقلت للحديث عن الوضعية السكانية والسياسة الصارمة التي انتهجتها للحد من النمو الديمغرافي ، وبما أن الصين حددت الولادات في طفل واحد فإن كثيرا من الأسر التي تفضل الذكور اضطرت إلى قتل الإناث . هذه الخطة التي انتهجتها الصين أدت إلى دخول الصين مرحلة غلبة سن الشيخوخة على عكس الوضع في الهند . وتتنبأ المؤلفة بأن الصين لن تصبح ديموقراطية في أي وقت قريب (54).
وحول أسباب النجاح الكبير الذي حققته الصين في التنمية الاقتصادية على عكس الهند ، فإن الكاتبة ترفض المبررات التي يؤمن بها البعض وهي أن نظامها السياسي الديكتاتوري هو صاحب الفضل ، حيث تؤكد هي بأن المسألة ترتبط بفوارق أساسية كثيرة منها : << أولا ، النظام الذي تجري فيه الإصلاحات عامل مهم : ركزت الصين أولا على تحسين دخول الريف بينما انتظرت الهند إلى حين وقوع أزمة ... ثانيا ، كانت الصين أفضل تعليميا بكثير وقتما بدأت الإصلاحات ... >> (55) . إضافة إلى أن الارتفاع الكبير للادخار في الصين أعطى ميزة لحكومتها .
الفصل الثامن : الجيوبوليتيكا ممزوجة بالنفط والماء
أشارت الباحثة في هذا الفصل إلى مخلفات عودة كل من الهند والصين إلى توازنهما التاريخي والاقتصادي الكوكبي ولعل أهمها : 1 ـ دخول العملاقين إلى الثورة الصناعية سوف يفتح شهيتهما إلى الموارد الطبيعية . 2 ـ هذا الطلب سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية . 3 ـ هذا ينتج عنه ارتفاع نسبة التلوث وتزايدها مع اطراد مسيرتهما في التصنيع.
إن احتياج الهند والصين المتصاعد إلى مزيد من الطاقة هو أهم ما يؤرق الغرب في نمو اقتصاد البلدين بسبب ما يمكن أن يؤدي إليه من خصومات ونزاعات حول موارد هذه المادة . ففي الوقت الذي سعت فيه الصين إلى كل جهات العالم فإن الهند سعت إلى تأمين حاجياتها من الطاقة في المناطق الأقرب إلى الوطن .
وتورد الباحثة أمثلة تبين التناقضات التي وقعت فيها الولايات المتحدة في سياستها إذ أنها في الوقت الذي تستهلك من النفط أكثر من أي بلد في العالم بينما تشكو من زيادة استهلاك الصين والهند ... وبينما تشكو من تعزيز الصين لترسانتها العسكرية :<< بينما هي حتى الآن صاحبة أقوى جيش في العالم وصاحبة إنفاق عسكري يفوق إنفاق جميع البلدان الأخرى مجتمعة ... >> (56).
وتناولت بالإشارة السياسة التي اتبعتها الصين في تركيزها الأولي على التنمية الاقتصادية خوفا من الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه الاتحاد السوفييتي الذي انخرط في سباق تسلح باهظ التكلفة أدى إلى انهياره .
وتطرقت إلى التنبؤات التي تشير إلى مقارنة كل من الولايات المتحدة والهند والصين في المستقبل القريب لتنتقل إلى الحديث عن العلاقات السياسية التي جمعت بينها ، حول المنافسة العسكرية ومشكلة تايوان وعلاقة الهند بباكستان ...
بعد هذا تعود إلى الحديث عن مشكل الطاقة وعلاقته بالتلوث في البلدين معا الهند والصين ، وما رافق ذلك من مشكلة نقص المياه لدرجة أنها تقول بأنه :<< تبدو مشكلة التلوث شديدة الضخامة حتى ليمكن القول : كم هو أيسر على الصين أن تحصل على احتياجاتها من النفط من أن تحصل على احتياجاتها من المياه. >> (57). وهو المشكل نفسه الذي تعاني منه الهند ، وإن سعتا إلى بذل الجهد المتمثل في البحث عن بدائل لا تهدد البيئة .
الفصل التاسع : حافز للمنافسة
تناول الفصل أثر النمو الاقتصادي للهند والصين على الاقتصاد الأمريكي عامة والمواطن الأمريكي خاصة ، حيث تمت الإشارة إلى أنه رغم تنقل العديد من الوظائف عبر البحار إلا ذلك أدى إلى انتشار السلع وبأسعار زهيدة .
تناولت المؤلفة قضية اقتصادية تتعلق بسياسة المواطن الأمريكي الذي يضغط على الشركات لتخفيض تكلفة الإنتاج بهدف ارتفاع قيمة الأسهم التي يمتلكها ، وهو ما يؤدي إلى هجرة الوظائف إلى ما وراء البحار الأمر الذي يهدد هذا المواطن بالبطالة .
إن التخفيض الذي أجرته الصين على عملتها هو في نهاية المطاف يخدم الاقتصاد الأمريكي عبر الأرباح التي تجنيها الشركات الأمريكية العاملة هناك من جهة ويقدم للمواطن الأمريكي سلعا صينية منخفضة الثمن . وهذا الأمر لا يخفي أن كثيرا من الأمريكيين بدأوا يحسون بالضغط الناجم عن تزايد كلفة الرعاية الصحية وتكاليف التعليم الجامعي رغم أنهم لم يحققوا تغييرات كبيرة في الدخل .
تشير المؤلفة إلى أنه في حال عملت جميع مكونات الاقتصاد الكوكبي معا وعلى نحو سلس فالجميع سيستفيد . وإن كان تشابك خيوط الاقتصاد الكوكبي يحمل مخاطر ومحاذير بالنسبة لكل من الشرق والغرب ، بحيث إن ما قد يصيب أحدى الدول : الصين والهند والولايات المتحدة يصيب الدولتين مباشرة . إن ما يثير خوف الكثير من المسؤولين هو أن الولايات المتحدة تعتمد على الصين أكثر مما تعتمد الصين عليها ، حيث تقول المؤلفة :<< ويا لها من سخرية أن أصبح للشيوعيين في الصين مثل هذا النفوذ الضخم على اقتصاد الولايات المتحدة . إنه الآن يعمل لمصلحة أمريكا ، ولكن يمكن استخدامه للهجوم على الولايات المتحدة اقتصاديا. >>(58).
وتشير الباحثة إلى أن اليابان هي الأخرى تملك نفس السلطان الاقتصادي على الولايات المتحدة لأنها تستحوذ على كميات كبيرة من دولارات الولايات المتحدة إلا أنه حليف أمريكي .
وتناقش احتمال شن الصين صدمة اقتصادية ضد الولايات المتحدة مستبعدة هذا الاحتمال لما للصين من مصلحة في التعاون مع الولايات المتحدة فضلا عن أنها ترى أن لا جدوى من تطبيق سياسة الحمائية حيث إن توجيه ضربة لاقتصاد الصين يمكن أن يلحق أضرارا بالاقتصاد الكوكبي المترابط بعضه ببعض.
إن ما يجعل المؤلفة تستبعد أن يلحق الاقتصاد الكوكبي المترابط أي ضرر بالولايات المتحدة هو أن :<< ثمة شيء صعب قياسه ، ولكنه مهم بالقدر نفسه : لدى الأمريكيين روح قوية للعمل لا نجدها في كثير من المجتمعات التي تخشى المخاطرة. >>(59).
وترى أن على الولايات المتحدة لتجنب عاصفة المنافسة ، أن تعود إلى الأساسيات التي تتمثل في التعليم باعتباره حجر الزاوية خاصة وأن المقارنة التي قدمتها (60) تؤكد تأخر مستويات التعليم في الولايات المتحدة مقارنة بمجموعة من الدول .
وتضيف المؤلفة على أن الولايات لأن تعمل على :<< تعزيز أسسها المالية. إن الأفراد وكذا الحكومة ينفقون ما يفوق طاقتهم ، ولا يدخرون ما يمكنهم الاعتماد عليه إذا هبت مستقبلا عاصفة المنافسة الكوكبية. >>(61).
وتقترح حلا يكمن في أنه :<< إن توافر بنية أساسية أحدث ، ودعائم اقتصادية أقوى ، ونظام تعليمي أفضل ، هي ضرورات لازمة لحفاظ الولايات المتحدة على وضعها في قمة الدور المناطة به.>>(62). وهو ما تسير الولايات المتحدة على خلافه في نظر الكاتبة .
وأخيرا تقترح أن تركز الولايات المتحدة على مجال النانوتكنولوجي وعلى الهندسة الخضراء لضمان تفوقها . منوهة بتميز الأمريكيين بالمرونة والابتكارية وحب المخاطرة وهي كلها مصادر قوة .
خصصت آخر الكتاب لهوامش الفصول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) الفيل والتنين ص13 .
(2) م . ن . ص18.
(3) م . ن . ص19.
(4) م . ن . ص20 .
(5) م . ن . ص21.
(6) م. ن . ص22.
(7) م . ن . ص29.
(8) م . ن . ص31 .
(9) م . ن . ص32.
(10) م . ن . ص34.
(11) م . ن . ص36.
(12) م . ن . ص38.
(13) م . ن . ص46.
(14) م . ن . ص56.
(15) م . ن . ص57.
(16) م . ن . ص58.
(17) م . ن . ص63.
(18) م . ن . ص 63 .
(19) م . ن . راجع ص64.
(20) م . ن . ص65.
(21) م . ن . ص67 و68.
(22) م . ن . ص 71 .
(23) م . ن . ص74 .
(24) م . ن . ص 83 ،84.
(25) م . ن . ص 84 .
(26) م . ن . ص85 .
(27) م . ن . ص91 .
(28) م . ن . ص92 .
(29) م . ن . ص95.
(30) م . ن . ص97 .
(31) م . ن . ص98 .
(32) م . ن . ص100 .
(33) م . ن . ص106 .
(34) م . ن . ص109 .
(35) م . ن . راجع ص110
(36) م . ن . ص114.
(37) م . ن . ص126
(38) م . ن . ص131.
(39) م . ن . ص143
(40) م . ن . ص145.
(41) م . ن . ص147.
(42) م . ن . ص151.
(43) م . ن . ص155.
(44) م . ن . ص177.
(45) م . ن . ص178 .
(46) م . ن . راجع ص180 وما بعدها.
(47) م . ن . ص213 .
(48) م . ن . ص214.
(49) م . ن . ص223.
(50) م . ن . ص 226.
(51) م . ن . ص233.
(52) م . ن . ص 234.
(53) م . ن . ص235.
(54) م . ن . راجع ص240.
(55) م . ن . ص241
(56) م . ن . ص259.
(57) م . ن . ص276.
(58) م . ن . ص 301 .
(59) ص308
(60)راجع ص310 فما بعدها .
(61)ص311
(62) ص314 .