د- صلاح الدين محمد ابوالرب
11/01/2007, 09:44 PM
المرحلـــة الثالثـــــة
وقف أمامها ينظر إليها من وراء نظارته الطبية متلمساً أطراف لحيته الطويلة، واضعاً مسبحته حول معصمه متمتماً ببعض كلمات هييء لها أنها تفهم مقصده وبعد أن جلست على الكرسي الذي تعودت أن تجلس عليه منذ عرفته...
دار حول المكتب وجلس على كرسيه وبدأ يهز الكرسي يمنة ويسرة .. وهو يسألها " ألست اليوم أفضل من الأمس .. أنت فعلاً أفضل والحمد لله... وجهك بدأ يشع نور، ببركة الرقية والدعاء
وأستمر يتكلم وهي تبحث عن إبنها الذى جاءت معه، ها هو جالس في أقصى الغرفة... وجهه محتقن وعيناه حمراوان يحبس دمعة تكاد تنفجر على وجنته .. وبجواره زوجها وقد طأطأ رأسه يتمتم بأدعية ...
وعادت للجالس خلف المكتب تنظر إليه ... وتسرح في ذكرى سريعة تتذكر نفسها وهي أمام الدكتور الذي حمد الله كثيراً وهو يكلمها ويخبرها بأنها مريضة بسرطان الثدي .. " إحمدي الله إنك وصلتي في بداية المرحلة الثالثة.. إن معدل الشفاء فيها جيد.. لكن علينا أن نتحمل والصبر يا أختاه فيه أجر وثواب من الله .. بعد الكشف سيحدد الجراحون أن نبدأ بالعملية أو بالكيماوي .."
وتستيقظ من سرحانها، وهذا يكلمها بصوت أجش ويقول لها قفي لنمارس العلاج اليوم ..
يقولون كيماوي (يستهزيء) فليذهبوا مع الكيماوي إلى الجحيم.. قفي حتى نتابع علاج الأمس ونطرد هذا المرض منك .. نحن في الأمس أدخلنا القوة الإيجابية إلى صدرك وتركناها تصول وتجول لتقتل المرض .. والآن ضعي يديك أمام صدرك وكأنك تمسكين كرة .. تخيلي قوة الأمس حركيها يميناً ويساراً .. ها الآن تقابل المرض حركيها دائرياً في صدرك .. أنت تشعرين بالم .. تشعرين بمعركة في صدرك .. نفسك يزداد "
لقد كانت تشعر بالألم فعلا ولهاثها يزداد مع كلامه ويتابع "اقتلي المرض إسحبيه إلى أعلى .. إصعدي فيه إلى فمك تقيئيه .. " وتتقيء هواءاً"... هو فوق رأسك .. إغمضي عينيك...إنه وحش إمسكي قرنيه .. صارعيه قولى يا الله .. وباعدي بين قرنيه ... واحد ..اثنين ... ثلاثة... ويزداد لهاثها وتعبها
فيجلسها ويقول لها لقد إنتصرت على جزء كبير من المرض .. لم يبق إلا اليسير ... وسرعان ما يعود بها الخيال إلى الدكتور وهو يعلمها كيف تقف أمام المرآة ثم كيف تفرق بالنظر بين الثدي السليم وغير السليم، ثم وهو يمسك بيدها ليضعها تحت إبطها لتتلمس الغدد الموجودة هناك.. ويقول لها "بسيطة إن شاء الله .".
وتعود الى واقعها على الصوت الأجش لقد شفيت من مرضك .. لقد بدأت في الشفاء عندما رفضت خزعبلات الأطباء الذين لا يعترفون بقوة الجسد وما أفعله معكم وكم حالة شفيت ... واستمرت في مقارنتها بين هذا والطبيب ..
وبدأت تتذكر كيف إنهارت عندما علمت أنها مصابة بسرطان الثدي .. وكيف إنجذبت لحديث هذا الرجل وهو يحدثها عن الحالات التي شفيت على يديه .. وعن الحالات التي ماتت وهي تتعالج في مراكز السرطان .. كيف نسيت بأن هناك أعداداً كبيرة أيضاً نجحت بالشفاء بإذن الله في مراكز السرطان ،وأن هناك أعداداً أيضاً ممن عالجهم هذا الشيخ ماتوا وهم لا يعرفون السبب..
كيف عارضت أهلها وقاومت إبنها وهي ترفض العلاج بين أيدي الأطباء لترتمي في أحضان هذا الجهل الذي يشير لها من بعيد كما يفعل الآن بخطوط طوليه وعرضية ودائرية ثم يقول لها لقد تقلص الورم .. دون أن يستخدم جهازا واحداً أو حتى دون فحص أو تحليل .. هكذا من بعيد .. وفي المقابل كيف تجمع من حولها طاقم الممرضات والأطباء ليحاربوا معها خلايا السرطان الذي وصل لمشارف العقد الليمفية.
كيف وصلت الى هذه الحالة ولم تلاحظ دموع ابنها وإنهيار زوجها وهي تبيع قطع الذهب، قطعة بعد قطعة لتشتري من هذا زيتاً تارة أو حبوباً لا تعرف ما هي، أو تدفع له كشفية عالية ..
والغريب أنها أقتنعت أنه لا يتقاضى أجراً.. أين ذهبت تلك الأموال .. في النهاية صبت في صالحه .. كيف أقنعها هذا بأن السبيل للعلاج هو أن تجلس أمامه تحرك يديها ويحرك يديه ويأمر أشياء أن تدخل في جسدها وأشياءاً تخرج .. وزيوت وأساور وأوراق .. كل هذا لتهرب من الكيماوي أو من العملية ...
لقد كانت تسير في طريق مظلمة تترك فيها ابنها المسكين وحيداً في الدنيا .. يحطمه ألم الفراق .. ويعصر قلبه فشله في علاجها .. وهذا الزوج تتركه نهباً للحزن ..
وعادت من غيبوبتها ، أو الى غيبوبتها باتت لا تعرف اين هى ، المهم انها الان أمام هذا الذي يقنعها بعلاجه، فيقول لها "لاتسمعي كلامهم .. لا تشربي دواء .. يجب أن تعديني لكي تستطيعي أن تشفي ..أوعديني .. أقسمي ... وقالت بصوت يكاد أن يختنق .. أعدك .. .. أقسم"
و خرجت تركض مسرعة على غير عادتها لتلحق بإبنها وزوجها ... ودخلت ترمي بجسدها المنهك في السيارة،وأذان المغرب يملاً المكان ... وبدأ زوجها يحرك السيارة ... مسكت يده وشدت عليها وقالت .. تحرك الى مركز السرطان .. ولنتوكل على الله.
وقف أمامها ينظر إليها من وراء نظارته الطبية متلمساً أطراف لحيته الطويلة، واضعاً مسبحته حول معصمه متمتماً ببعض كلمات هييء لها أنها تفهم مقصده وبعد أن جلست على الكرسي الذي تعودت أن تجلس عليه منذ عرفته...
دار حول المكتب وجلس على كرسيه وبدأ يهز الكرسي يمنة ويسرة .. وهو يسألها " ألست اليوم أفضل من الأمس .. أنت فعلاً أفضل والحمد لله... وجهك بدأ يشع نور، ببركة الرقية والدعاء
وأستمر يتكلم وهي تبحث عن إبنها الذى جاءت معه، ها هو جالس في أقصى الغرفة... وجهه محتقن وعيناه حمراوان يحبس دمعة تكاد تنفجر على وجنته .. وبجواره زوجها وقد طأطأ رأسه يتمتم بأدعية ...
وعادت للجالس خلف المكتب تنظر إليه ... وتسرح في ذكرى سريعة تتذكر نفسها وهي أمام الدكتور الذي حمد الله كثيراً وهو يكلمها ويخبرها بأنها مريضة بسرطان الثدي .. " إحمدي الله إنك وصلتي في بداية المرحلة الثالثة.. إن معدل الشفاء فيها جيد.. لكن علينا أن نتحمل والصبر يا أختاه فيه أجر وثواب من الله .. بعد الكشف سيحدد الجراحون أن نبدأ بالعملية أو بالكيماوي .."
وتستيقظ من سرحانها، وهذا يكلمها بصوت أجش ويقول لها قفي لنمارس العلاج اليوم ..
يقولون كيماوي (يستهزيء) فليذهبوا مع الكيماوي إلى الجحيم.. قفي حتى نتابع علاج الأمس ونطرد هذا المرض منك .. نحن في الأمس أدخلنا القوة الإيجابية إلى صدرك وتركناها تصول وتجول لتقتل المرض .. والآن ضعي يديك أمام صدرك وكأنك تمسكين كرة .. تخيلي قوة الأمس حركيها يميناً ويساراً .. ها الآن تقابل المرض حركيها دائرياً في صدرك .. أنت تشعرين بالم .. تشعرين بمعركة في صدرك .. نفسك يزداد "
لقد كانت تشعر بالألم فعلا ولهاثها يزداد مع كلامه ويتابع "اقتلي المرض إسحبيه إلى أعلى .. إصعدي فيه إلى فمك تقيئيه .. " وتتقيء هواءاً"... هو فوق رأسك .. إغمضي عينيك...إنه وحش إمسكي قرنيه .. صارعيه قولى يا الله .. وباعدي بين قرنيه ... واحد ..اثنين ... ثلاثة... ويزداد لهاثها وتعبها
فيجلسها ويقول لها لقد إنتصرت على جزء كبير من المرض .. لم يبق إلا اليسير ... وسرعان ما يعود بها الخيال إلى الدكتور وهو يعلمها كيف تقف أمام المرآة ثم كيف تفرق بالنظر بين الثدي السليم وغير السليم، ثم وهو يمسك بيدها ليضعها تحت إبطها لتتلمس الغدد الموجودة هناك.. ويقول لها "بسيطة إن شاء الله .".
وتعود الى واقعها على الصوت الأجش لقد شفيت من مرضك .. لقد بدأت في الشفاء عندما رفضت خزعبلات الأطباء الذين لا يعترفون بقوة الجسد وما أفعله معكم وكم حالة شفيت ... واستمرت في مقارنتها بين هذا والطبيب ..
وبدأت تتذكر كيف إنهارت عندما علمت أنها مصابة بسرطان الثدي .. وكيف إنجذبت لحديث هذا الرجل وهو يحدثها عن الحالات التي شفيت على يديه .. وعن الحالات التي ماتت وهي تتعالج في مراكز السرطان .. كيف نسيت بأن هناك أعداداً كبيرة أيضاً نجحت بالشفاء بإذن الله في مراكز السرطان ،وأن هناك أعداداً أيضاً ممن عالجهم هذا الشيخ ماتوا وهم لا يعرفون السبب..
كيف عارضت أهلها وقاومت إبنها وهي ترفض العلاج بين أيدي الأطباء لترتمي في أحضان هذا الجهل الذي يشير لها من بعيد كما يفعل الآن بخطوط طوليه وعرضية ودائرية ثم يقول لها لقد تقلص الورم .. دون أن يستخدم جهازا واحداً أو حتى دون فحص أو تحليل .. هكذا من بعيد .. وفي المقابل كيف تجمع من حولها طاقم الممرضات والأطباء ليحاربوا معها خلايا السرطان الذي وصل لمشارف العقد الليمفية.
كيف وصلت الى هذه الحالة ولم تلاحظ دموع ابنها وإنهيار زوجها وهي تبيع قطع الذهب، قطعة بعد قطعة لتشتري من هذا زيتاً تارة أو حبوباً لا تعرف ما هي، أو تدفع له كشفية عالية ..
والغريب أنها أقتنعت أنه لا يتقاضى أجراً.. أين ذهبت تلك الأموال .. في النهاية صبت في صالحه .. كيف أقنعها هذا بأن السبيل للعلاج هو أن تجلس أمامه تحرك يديها ويحرك يديه ويأمر أشياء أن تدخل في جسدها وأشياءاً تخرج .. وزيوت وأساور وأوراق .. كل هذا لتهرب من الكيماوي أو من العملية ...
لقد كانت تسير في طريق مظلمة تترك فيها ابنها المسكين وحيداً في الدنيا .. يحطمه ألم الفراق .. ويعصر قلبه فشله في علاجها .. وهذا الزوج تتركه نهباً للحزن ..
وعادت من غيبوبتها ، أو الى غيبوبتها باتت لا تعرف اين هى ، المهم انها الان أمام هذا الذي يقنعها بعلاجه، فيقول لها "لاتسمعي كلامهم .. لا تشربي دواء .. يجب أن تعديني لكي تستطيعي أن تشفي ..أوعديني .. أقسمي ... وقالت بصوت يكاد أن يختنق .. أعدك .. .. أقسم"
و خرجت تركض مسرعة على غير عادتها لتلحق بإبنها وزوجها ... ودخلت ترمي بجسدها المنهك في السيارة،وأذان المغرب يملاً المكان ... وبدأ زوجها يحرك السيارة ... مسكت يده وشدت عليها وقالت .. تحرك الى مركز السرطان .. ولنتوكل على الله.