المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حتى لا تصبح الانتخابات الفلسطينية خسارة للجميع



د. محمد اسحق الريفي
30/05/2009, 12:18 PM
المقال التالي كتبته بتاريخ 28/5/2005، يعني قبل أربعة سنوات، وأعيد نشره الآن مع بعض التعديلات الطفيفة للفائدة والأهمية:


حتى لا تصبح الانتخابات الفلسطينية خسارة للجميع

أ.د. محمد اسحق الريفي
يمر الشعب الفلسطيني الآن بأزمة مريرة جمعت بين ظلم الاحتلال وبين الإحباط الناتج عن فقدانه الأمل في أن يسوي أموره الداخلية بشفافية وبأسلوب حضاري بعيدا عن سلبه حق اختيار من يدير شؤونه الداخلية ومن يراه مناسبا لحمل آماله وآلامه ويمثله سياسيا على المستويين الإقليمي والدولي، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات البلدية وما تبعها من مشاكل مفتعلة، فإنه يُخشى أن تؤدي تداعيات المشاكل الخطيرة لهذه الانتخابات إلى انتكاسة فلسطينية على كل المستويات وإلى إلغاء إنجازاته الأخيرة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.

ولإدراك مدى أهمية النجاح في إجراء الانتخابات الفلسطينية البلدية أو التشريعية بطريقة ديمقراطية، لا بد من النظر إليها في سياق الاهتمام الدولي والشعوبي بالقضية الفلسطينية، وفي سياق النجاح النوعي في الحصول على تأييد وتعاطف عالمي واسع للقضية الفلسطينية باعتبارها أهم القضايا الدولية التي يتوقف عليها الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم أن الانتخابات هي أمر داخلي يخص الشعب الفلسطيني، إلا أن انسجام وتوحد الشعب الفلسطيني والتقائه على الثوابت الفلسطينية، وظهوره بمظهر حضاري حقيقي أمام العالم هو أمر له انعكاسات مهمة جدا على استمرار وتصاعد تعاطف الرأي العام العالمي مع الشعب الفلسطيني، فالعالم لا يأبه بشعب منقسم على نفسه غير قادر على حل مشاكله الداخلية بأسلوب سلمي وتفاهمي بين الفئات المتنازعة.

إن ظهور الشعب الفلسطيني بمظهر غير حضاري وهمجي يضعف بحدة قدرة الشعب الفلسطيني على حشد الدعم العربي والإسلامي والعالمي لقضيته العادلة، وإن لم يتم تدارك الأمر والوصول إلى تفاهم وفض النزاعات بين فئات الشعب الواحد، فسوف تؤدي حالة الانقسام والاختلاف الحاد في الشعب الفلسطيني إلى وجود ذريعة للشعوب العربية لنفض أيديها من القضية الفلسطينية وتركها لأصحابها، وخاصة في ظل الحالة المتردية التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي.

وفي الوقت الذي يجتمع فيه مئات المفكرين والعلماء والأكاديميين والسياسيين والاقتصاديين اليهود وغيرهم من دول عديدة لمناقشة مستقبل (إسرائيل) في عام 2020م ليضعوا حلولا للمشاكل التي تواجه هذا الكيان الغاصب، نرى أن الشعب الفلسطيني ينقسم على نفسه ويختلف بشكل حاد في موضوع لا يمكن اعتباره من أهم الأولويات الفلسطينية الآنية، وهذا الانقسام وزيادة التوتر بين فئات الشعب الفلسطيني هو هدف استراتيجي طالما سعت (إسرائيل) إلى تحقيقه وتصعيده منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وذلك لإلهاء الشعب عن أهدافه الحقيقية ولتشويه صورته أمام الرأي العام العالمي ولتسليط بعض فئاته على البعض الآخر للنيل من صموده الأسطوري في مواجهة الاحتلال.

ومن المفترض أن تكون الانتخابات أداة للشعب الفلسطيني للتعبير عن تطلعاته وآماله، ووسيلة للتعبير عن قناعات هذا الشعب في اختيار من هم أقدر على تحقيق أهدافه وإنجاز برامجه ومواجهات التحديات المتمثلة باحتلال استيطاني من قبل دولة شرسة تلقى الدعم المعنوي والعسكري من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، والانتخابات النزيهة البعيدة عن الأساليب الهمجية هي مطلب شعبي لإعطاء الفرصة للاستفادة من طاقات وخبرات أبناء الشعب الفلسطيني، واختيار الأحسن أداء والأكثر أمانة لتحقيق المصالح الوطنية.

ومن حق كل الفصائل الفلسطينية أن تسعى إلى كسب شرعية سياسية عالمية من خلال اكتسابها شرعية شعبية واسعة وخاصة تلك الحركات التي اكتسبت من خلال برامجها وتضحياتها شرعية محلية وإقليمية لمواجهة ومقاومة الاحتلال، فالشرعية الشعبية ليست حكرا على أحد وإنما هي منوطة بقناعة الشعب بمن هو أصلح من جهة وبالمصداقية والفعالية والقدرة على التغيير والإصلاح استجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة من جهة أخرى.

إن احتكار فئة للسلطة وعدم تداولها بين الفئات الفلسطينية الأخرى وإقصاء الآخرين عن المشاركة السياسية الفعالة هو أمر شاذ وهو مطلب أمريكي وإسرائيلي يؤدي إلى إضرار بالمصلحة الفلسطينية العليا، ومن جهة أخرى فإن اعتبار الفوز أو الخسارة في الانتخابات هو الميدان الوحيد لإظهار مدى قوة التأييد الشعبي هو أيضا يضر بالمصالح الفلسطينية، فالفوز في الانتخابات هو وسيلة وليس غاية، وهناك إشارات عديدة من المجتمع الفلسطيني لها دلالات واضحة على حجم التأييد الشعبي الذي تحظى به المنظمات الفلسطينية.

ومن الطبيعي أن يتم مقارنة المفاسد الناشئة عن التنافس الحاد في الشارع الفلسطيني وبين المصالح التي سوف تجلبها الانتخابات البلدية للشعب الفلسطيني، وعندئذ يمكن السير على القاعدة الفقهية "درء المفاسد أول من جلب المصالح"، والحقيقة أن قيمة الانتخابات البلدية تقاس بمدى القدرة على تحسين الخدمات ورفع المعاناة المتعلقة بارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية الناتجة عن الخصخصة، وبمدى القدرة على الحد من الآثار السلبية المتعلقة بما تم الاتفاق عليه في أوسلو من معاهدات اقتصادية وتجارية.

وفي تقديري فإن تحسين الخدمات البلدية وانتظامها أمر ممكن جدا، إلا أن تخفيف المعاناة الناتجة عن ارتفاع تكلفة الخدمات وارتفاع الأسعار أمر ميئوس منه، بالإضافة إلى أنه ليس من السهل التخلص من الفساد الإداري في ظل الثقافة السائدة في المجتمع الفلسطيني التي تنظر إلى مكانة الفرد الوظيفية والاجتماعية من منظور المفهوم الضيق للولاء العائلي والتنظيمي دون اعتبار لقيمة المؤهلات والكفاءات والقدرة على الفاعلية والتأثير.

إن المصلحة العليا للشعب الفلسطيني تقتضي إدراك أن قضيته لها حجم أكبر بكثير من القضايا الفلسطينية الداخلية المتعلقة بالمنظمات الفلسطينية والتنافس الحاد بينها، إن المشروع الفلسطيني هو مشروع عربي إسلامي ذو طابع عالمي للتصدي للمشروع الغربي الصهيوني المتمثل في الاستحواذ على العالم العربي وتسخير موارده البشرية والاقتصادية في خدمة المصالح الأمريكية. إنه من غير المعقول أن يلتفت الشعب الفلسطيني إلى قضايا داخلية ويهمل القضايا الأساسية المتعلقة بمصير الأمة العربية.

لقد عبرت الولايات المتحدة وحكومة (إسرائيل) في أكثر من مناسبة عن الإصرار على منع وصول الحركة الإسلامية في فلسطين إلى المجلس التشريعي، وهذا اعتداء يضاف إلى سلسلة الجرائم الأمريكية والإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وهذا يقدح في ادعاء الولايات المتحدة بأنها تعمل على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الإنسانية في العالم العربي والإسلامي، وما أعلنه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش –أثناء لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مؤخرا– من توقعه بعدم فوز حماس في الانتخابات هو دليل آخر يضاف إلى قائمة الأدلة على تعددية ونسبية المعايير الأمريكية في تعاملها مع الشعوب العربية والإسلامية، وهو دليل على عدم مصداقية الإدارة الأمريكية فيما تدعيه من رغبتها في السماح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ومن جهة أخرى، يتحتم على الحركة الإسلامية الإصرار على المشاركة السياسية بفعالية وذلك بحشد التأييد الشعبي الواعي لها ولبرامجها، ولهذا لا بد من وجود استراتيجية وبرامج للحركة للتعامل مع الفساد المستشري محليا، والتعامل مع التوجه العربي الرسمي للتطبيع مع (إسرائيل)، وللتعامل دوليا مع النظام العالمي الجديد الذي يستهدف الأمة العربية والإسلامية في دينها ووطنها وشعوبها، ولهذا لا بد من إعطاء العملية الانتخابية التشريعية وقتا أطول لتمكين المرشحين من تقديم برامجهم واستراتيجياتهم للشعب الفلسطيني ليختار ممثليه على أساسها وعلى أساس الكفاءة والمؤهلات وليس فقط على أساس الانتماء التنظيمي، فحتى الآن لم يتعرف الشعب الفلسطيني على المرشحين وبرامجهم الانتخابية.

إن الجمع بين خيار المقاومة والمشاركة في المسيرة السياسية عبر المجلس التشريعي أو الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية يتطلب قدرا عاليا من الحنكة السياسية والدعم الشعبي، ويحتاج إلى تكييف المقاومة كما ونوعا وجغرافية حتى تنال شرعية دولية، وتحتاج كذلك إلى استراتيجية واضحة في سياق خارطة الطريق والتسويات السياسية المطروحة، فهناك تحديات كبيرة تواجه المشروع الفلسطيني التحرري، تتمثل هذه التحديات في رغبة الحكومات العربية بالتطبيع مع إسرائيل، وقيام (إسرائيل) بمشاريع مشتركة مع الأردن ومصر لمد النقب بالمياه واستصلاحها لاستيعاب أكثر من مليون مستوطن، ونية (إسرائيل) استقدام ما لا يقل عن نصف يهود الشتات إلى فلسطين المحتلة، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورفض التخلي عن القدس، واستمرار اعتقال خيرة أبناء الشعب الفلسطيني.

وعلى صعيد آخر هل تقبل حماس المشاركة في حكومة تتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية؟ هل تستطيع حماس أن تؤثر بفعالية في الوضع الداخلي الفلسطيني السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي في ظل وجود شريحة كبيرة من المستغلين والانتهازيين الذين يعيشون على معاناة وجراح الشعب؟ وما هي برامج الحركة في التخلص من هيمنة الشركات الإسرائيلية؟ وهناك أسئلة كثيرة أخرى تحتاج إلى إجابات واضحة.

على أي حال، على كل الحركات والمنظمات الفلسطينية أن تتحد وتتكاتف لمواجهة محاولات الإدارة الأمريكية و(إسرائيل) سلب حق الشعب الفلسطيني في الانتخابات الحرة النزيهة وحريته في بناء دولته باستقلالية تامة، وعلى القادة والساسة والمفكرين الفلسطينيين أن يرفضوا تعليق المساعدات الأمريكية بقمع إرادة شعبهم وثني عزمه على تحرير الأرض والإنسان من براثن الاحتلال البغيض.