المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أضواء على الليبرالية الجديدة



محمد خلف الرشدان
31/05/2009, 02:18 AM
الليبرالية حاليا هي مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الانسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية الثلاثة (السياسية والاقتصادية والثقافية)، وقد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها ، تتكيف الليبرالية حسب ظروف كل مجتمع، وتختلف من مجتمع غربي متحرر إلى مجتمع شرقي محافظ. الليبرالية أيضا مذهب سياسي واقتصادي معاً ففي السياسة تعني تلك الفلسفة التي تقوم على استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية وتأييد النظم الديمقراطية البرلمانية والإصلاحات الاجتماعية.المنطلق الرئيسى في الفلسفة الليبرالية هو أن الفرد هو الأساس، بصفته الكائن الملموس للإنسان، بعيداً عن التجريدات والتنظيرات، ومن هذا الفرد وحوله تدور فلسفة الحياة برمتها، وتنبع القيم التي تحدد الفكر والسلوك معاً. فالإنسان يخرج إلى هذه الحياة فرداً حراً له الحق في الحياة أولاً.ومن حق الحياة والحرية هذا تنبع بقية الحقوق المرتبطة: حق الاختيار، بمعنى حق الحياة كما يشاء الفرد، لا كما يُشاء له، وحق التعبير عن الذات بمختلف الوسائل، وحق البحث عن معنى الحياة وفق قناعاته لا وفق ما يُملى أو يُفرض عليه. بإيجاز العبارة، الليبرالية لا تعني أكثر من حق الفرد ـ الإنسان أن يحيا حراً كامل الاختيار في عالم الشهادة، أما عالم الغيب فأمره متروك في النهاية إلى عالِم الغيب والشهادة. الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية، ولا نجد تناقضاً هنا بين مختلفي منظريها مهما اختلفت نتائجهم من بعد ذلك الحجر، سواء كنا نتحدث عن هوبز أو لوك أو بنثام أو غيرهم. هوبز كان سلطوي النزعة سياسياً، ولكن فلسفته الاجتماعية، بل حتى السلطوية السياسية التي كان يُنظر لها، كانت منطلقة من حق الحرية والاختيار الأولي. لوك كان ديموقراطي النزعة، ولكن ذلك أيضاً كان نابعاً من حق الحرية والاختيار الأولي. وبنثام كان نفعي النزعة، ولكن ذلك كان نابعاً أيضاً من قراءته لدوافع السلوك الإنساني (الفردي) الأولى، وكانت الحرية والاختيار هي النتيجة في النهاية. وفي العلاقة بين الليبرالية والأخلاق، أو الليبرالية والدين، فإن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار. أن تكون متفسخاً أخلاقياً، فهذا شأنك. ولكن، أن تؤذي بتفسخك الأخلاقي الآخرين، بأن تثمل وتقود السيارة، أو تعتدي على فتاة في الشارع مثلاً، فذاك لا يعود شأنك. وأن تكون متدينا أو ملحداً فهذا شأنك أيضا.
(الليبرالية الجديدة), هي مجموعة من الخطط الاقتصادية التي أصبحت واسعة الانتشار مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين, وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد بدأ المهتمون يتلمسون نتائجها وتأثيراتها هنا, من خلال تلك الظاهرة الاجتماعية المرعبة, وهي زيادة غنى الغني وفقر الفقير, رغم أن العالم قليلاً ما سمع عن الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة. فقد استطاعت الليبرالية الجديدة أن تعبّر أيضاً في تطبيقاتها العملية والفكرية إضافة إلى المسائل الاقتصادية, عن المسائل السياسية والدينية أيضاً. ففي الولايات المتحدة أصبحت الليبرالية السياسية, موقفاً استراتيجياً قائماً بذاته في منع الصراعات الطبقية/الاجتماعية, وهي تحاول أن تقدم في مشروعها الفكري النظري الفقراء والطبقة العاملة, كمعادل تقدمي تجاه التيار اليميني المحافظ, بينما نجد في الممارسة غير ذلك. أما الحرية الاقتصادية, فموقف السياسيين الليبراليين المحافظين تجاهها هو موقف مختلف, إذ ليس لديهم مشكلة مع الليبرالية الاقتصادية وخاصة في شكلها الليبرالي الجديد, الذي يعمل على قطع العلاقة نهائياً ما بين السوق والدولة, والحد كثيراً من الطموحات الإيجابية لدى الليبرالية (الاقتصادية), وخاصة في موقفها من تدخل الدولة في فترة ما بين الحربين, وأثناء الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين, تجاه مساندة أفراد المجتمع والتخفيف من مشاكلهم بشكل عام .
إن الليبرالية (الاقتصادية) في الحقيقة أصبحت أكثر شهرة, منذ بداية طرحها في بريطانيا, مع الاقتصادي المشهور (آدم سميث) وبعض من ناصروا عدم تدخل الدولة في الأوضاع الاقتصادية, ورفض وضع القيود على المانيفاكتورات, أو الحواجز وفرض الضرائب على التجارة من قبلها. وقد عبّر آدم سميث عن هذا التوجه بقوله: إن التجارة الحرة كانت الطريق الأفضل لتقدم اقتصاد الأمة, وإن تطبيق الفردية شجع المشروع الحر, والمنافسة الحرة... التي جاءت أصلاً بهدف حرية الطبقة البرجوازية من أجل تحقيق منافع كثيرة لهم ووفقاً لما يريدون هم.
أما في أمريكا فقد راحت الليبرالية الاقتصادية تسود منذ القرن الثامن عشر حتى أواخر النصف الأول من القرن العشرين, غير أن أزمة عام 1929أدت إلى ارتفاع بعض الأصوات التي راحت تطالب بضرورة مواجهة الليبرالية الاقتصادية من أجل الحفاظ على النظام البرجوازي والطبقة البرجوازية ذاتها. ومن بين هذه الأصوات كان صوت الاقتصادي المشهور جان ماينارد كينز (John Maynard Keynes ) الذي طرح نظريته المشهورة بـ (الكنزية), وهي نظرية أريد منها مواجهة تلك الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم آنذاك وأدت إلى قيام الحرب العالمية الثانية كما هو معروف. ويشير كينز في هذه النظرية قائلاً: في الجوهر, من أجل أن تنمو الرأسمالية,وتستطيع أن تنجز مهامها, من الضروري أن تتدخل الحكومات والمصارف المركزية في دعم الاقتصاد الوطني, وتأمين العمالة, وهذا ماتم فعلاً, إذ حققت هذه الأفكار تأثيراً واضحاً على الرئيس الأمريكي روزفلت, وشرعت أمريكا والعديد من الدول الأوربية التي أصبحت بسبب الحرب العالمية الأولى وأزمة 1929 منهكة, وبذلك استطاعت أن تعيد التوازن والثقة إلى الطبقة الرأسمالية ونظامها مع تحسين واضح لحياة العديد من الناس.
إن الاعتقاد الذي يقول: إن الحكومة قادرة على تقديم الأشياء الجيدة للمجتمع, أصبح مقبولاً آنذاك بشكل واسع. ولكن مع توالي الأزمات الاقتصادية وخاصة بعد حرب تشرين وارتفاع أسعار النفط, ثم أزمة الثمانينيات من القرن ذاته وما تلا هذه الأزمات من انكماشات في الإنتاج, وتقلص في نسب الأرباح, أثار لدى النخبة الرأسمالية المتضامنة الرغبة في إنعاش الليبرالية الاقتصادية, التي راحت ترتقي شيئاً فشيئاً إلى ليبرالية جديدة على السلم العالمي, وبخاصة مع تلك التحولات ذات الصبغة العالمية السريعة والعميقة التي انتابت الاقتصاد الرأسمالي, ومنحته صفة العولمة تحت ظل النظام العالمي الجديد.
سمات الليبرالية الجديدة وخصائصها
أولاً: تأكيد دور السوق الحرة:
ترى الليبرالية الجديدة أن تحرير أي مشروع فرضته الدولة ليس مشكلة, مهما تكن طبيعة الأذى الذي يمكن أن تتركه عملية التحرير هذه على المجتمع. كما ترى أيضاً, أن الانفتاح الكبير على التجارة العالمية والتوظيفات, كما الحال في/نافتا/, سيساعد على تخفيف الأجور, ويضعف وحدة أو تحالف العمال, وإلغاء حقوقهم التي ربحوها عبر سنين طويلة من النضال, ثم لا تعود الأسعار موجهة ومدروسة كثيراً. أو بتعبير آخر, الكل في الكل, هو الحرية الكاملة للتيار الرأسمالي. ويؤكد أنصار الليبرالية الجديدة أن عفوية السوق هي أفضل وسيلة لزيادة النمو الاقتصادي التي سوف تخدم بشكل مطلق كل فرد من أفراد المجتمع.. ولكن بطريقة لن يعطي فيها الغني كثيرًا من خيراته للفقراء كما سيبدو لنا.
ثانياً: إلغاء النفقات العامة من أجل المجتمع:
1- الخدمات: وتمثل هنا: التربية, العناية الصحية, شبكة الأمان للفقراء, صيانة الطرق والجسور, التزود بالمياه... إلخ. فالليبرالية الجديدة تقف ضد دور الحكومة في تقديم المعونات في مجال هذه الخدمات للمواطنين, بينما هي لا تمانع أن تقوم الحكومة بتقديم المعونات للصناعات البرجوازية من فوائد الضرائب وغيرها.
2- تحرير التجارة: تطالب الليبرالية الجديدة أيضاً بأن تكون التجارة حرة من أي قيد يمكن أن تفرضه عليها الحكومة, كما تدعو الحكومة إلى تخفيف أو إلغاء أي إجراء من قبلها يساعد على إضعاف الأرباح, حتى لو كان الأمر يتعلق بحماية البيئة, أو العمالة.
3- الخصخصة: وهي تطالب ببيع المشاريع الكبيرة والهامة التابعة للدولة, من مصانع, ومشاريع خدمية وغيرها, للقطاع الخاص. وهذه المشاريع تتضمن الصناعات الرئيسة, والمصارف, والسكك الحديدية, وضريبة الطرق الرئيسة, والكهرباء, والمدارس, والمستشفيات, وحتى المياه النقية.. إلخ, وتأتي كل هذه المطالب عادة تحت اسم من أجل تحقيق الكفاءة العالية التي غالباً ما تكون ضرورية بالنسبة لها في طبيعة الحال. وقد حقّقت الخصخصة بالدرجة الأولى تركيز الثروة في أيدي القلة, التي راحت تعمل على تحديد أجور العمالة وفقاً لمصالحها.
4- إلغاء مفهوم الجمهور أو العامة: تسعى الليبرالية الجديدة إلى تمييع أي دور لمسؤولية الكتل الاجتماعية, ومحاولة مركزة المسؤولية في الفرد كسمة عامة لنشاط المجتمع وطموحه, لذلك كثيراً ما يمارسون الضغط على الناس الفقراء من أجل أن يقوموا هم أنفسهم بالبحث عن الوسائل أو الطرق التي تساعدهم على تأمين حاجاتهم الصحية والتعليمية وأمانهم الاجتماعي, ثم توجيه كل اللوم لهم في حال عجزوا عن تحقيق ذلك, ووصفهم بالكسالى.
إن أهم ما يميز سمات الليبرالية الجديدة هو, تبنيها من قبل مؤسسات مالية قوية مثل صندوقي النقد الدولي (imf), والمصرف الدولي للإعمار والتنمية, ومنظمة الغات العالمية.. إلخ, ومحاولة نشر وتسييد أنموذجها عالمياً من خلال هذه المؤسسات المالية. وقد كانت أمريكا اللاتينية أول ضحايا هذه الليبرالية الجديدة, إذ كانت (تشيلي) الدولة الأسبق في هذا الاتجاه, والشكر يعود طبعاً لمن سيّد هذا الأنموذج، وهم جامعة شيكاغو, والاقتصادي ميلتون فريدمان, والمخابرات المركزية الأمريكية التي كانت وراء الانقلاب الذي أطاح بالنظام السياسي لحكومة ألليندي المنتخب من الشعب عام1973. ثم تلت الشيلي فيما بعد الكثير من الانقلابات في العديد من دول أمريكا اللاتينية, إلا أن التأثير الأكثر سوءاً لليبرالية الجديدة كان في دولة المكسيك, إذ راحت الأجور تنحدر إلى ما بين 40 و50%, في العام الأول من نشاط منظمة التجارة العالمية /نافتا/, بينما تكاليف الحياة ارتفعت حتى 80%. يضاف إلى ذلك أن ما يقارب20 ألف مشروع صغير ومتوسط قد أفلست وتوقف نشاطها, وأكثر من 1000 مشروع خاص بملكية الدولة (قطاع عام) قد خصص في هذه الدولة. ونتيجة لهذا الانحدار المخزي علّق أحد الباحثين قائلاً: إن الليبرالية الجديدة هي وسيلة للاستعمار الجديد, تهدف إلى استعمار أمريكا اللاتينية.
أما في الولايات المتحدة, فقد استطاعت الليبرالية الجديدة أن تحطم برامج (دولة الرفاه), ومهاجمة حقوق العمال، وبضمنها حقوق العمال المهاجرين, وكذلك استطاعت تخفيض البرامج الاجتماعية, وبخاصة ما يتعلق منها بحماية الأطفال والشباب والنساء, بل الكوكب نفسه الذي نعيش عليه.. كما يحاول دعاتها خداعنا لنقبل بالقول إن كل ما تقوم به الليبرالية الجديدة سوف يبعد الحكومة عن كاهلنا.
عموماً نقول: إن الليبرالية الجديدة لن تحقق الفوائد إلا للقلة القليلة في هذا العالم, بينما هي سببت كل الدمار والعذاب للأغلبية الساحقة من شعوب العالم.