المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحداثة Modernity ظاهرها التقدم وباطنها التخريب والانحطاط والانهيار



محمد خلف الرشدان
31/05/2009, 09:52 PM
الحداثة ليست سوى عنصرية واستعمار وتسلط وعنف ، تعبر كلمة حداثة Modernity (عصرنة أو تحديث) عن أي عملية تتضمن تحديث و تجديد ما هو قديم لذلك تستخدم في مجالات عدة ، ليست الحداثة مجرد اتجاه فكري، ، بل هي " تيار يملك رؤيته السياسية الموجهة للحياةلكن هذا المصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة. بشكل مبسط، يمكن تقسيم التاريخ إلى خمسة أجزاء: ما قبل التاريخ، التاريخ القديم، العصور الوسطى، العصر الحديث والعصر مابعد الحديث.
معظم الحياة الحديثة تغذّت من مصادر متعددة: اكتشافات علمية مذهلة، معلومات من الفضاء وتصورنا عنه، مكننة الصناعة التي حولت المعرفة بالعلوم إلى تكنولوجيا، وغيرها. كل هذا يخلق بيئات جديدة للبشر ويدمر القديمة، فهو يعجل حركة الحياة، يبلور أفكارا واتجاهات اجتماعية وسياسية ودينية، ُيكوّن قوى وسلطات جديدة، يعقّد العلاقات بين الناس وبعضهم وبين الناس والمؤسسات المختلفة، يزيد أو يغير اتجاهات الصراعات الطبقية ويفصل الملايين من البشر عن تاريخهم وعاداتهم الموروثة منذ الأزل.

مصطلح الحداثة: "اتخذت ظاهرة الحداثة في البدء هيئة مذهب أو تيار أدبي سياسي ثم تحول إلى مصطلح مبهم غامض، وفرض ضمن ما يفرض علينا منذ ثلاثينات القرن الماضي وفي سلسلة الغزو الإيديولوجي والفكري المتلاحق، انتحل في ظاهره التقدم وحمل في باطنه التخريب والانحطاط والانهيار.
ومع أن المذهب قد تجاوزته الأفكار، إلا أنه ما زال له أدعياء ينفخون في بوقه، ويسعرون أواره بين الفينة والأخرى، وخاصة عندما تبدو على الأمة مظاهر الضعف والهوان أو تخاذل أبنائها".‏
ولفظ الحداثة هو من المفاهيم الوضعية التي لا تكاد تجد اتفاقاً حول معنى محدد يكشف عن مضمونه دون التباس. ‏
وقد تعامل الكتّاب العرب مع هذه التسمية على "أنها مقولة مضافة إلى قديم سبقه، لذا فإن ُبعد الزمن داخل في المفهوم، أي أن كل حديث سوف يغدو قديما، وكل قديم كان حديثا بالقياس إلى ما كان قبله... وعلى هذا الأساس، فإنه لمن التناقض الواضح وغير المنطقي أن تلصق بهذه التسمية دعوى الاستمرار. والآن وبعد أن سقطت الحداثة في ديارها راح أصحابها يعلنون زمن موتها وانهيارها وأطلقوا تسمية أخرى سموها ما بعد الحداثة".
" كيف يجمع الإنسان بين الحداثة واحترام التراث القومي تحت شعار الخروج من أسر التاريخ كما يزعم دعاة هذه الظاهرة ليوقعونا في أسر تاريخ مغاير؟ وهل يرتاح ضمير هؤلاء إذا ما رهنت الأمة نفسها للآخرين وتاريخهم أو زمانهم... خاصة وأن العالم الغربي قد تجاوز المصطلح والظاهرة وألقاها في مزبلة التاريخ، فهل نقوم نحن بفرضها على شعوبنا التي يراها الأميركيون بأنها مزبلة؟".‏
الحداثة، عند دعاتها، هي "اتجاه أو نزعة تنتهي إلى قطيعة شاملة مع التراث، تنطوي على تسفيه مكنوزاته من ناحية، وتخوين الماضي بما يحمل، مما يستدعي قطع الصلة مع هذا التراث، وبالتالي قطع صلات الأمة بماضيها لتبدأ من حيث يرسم لها الحداثويون السبيل بعد سلبها كل مقومات هويتها، فتصبح طيعة للتلون بما يشكله الآخرون".
والقطيعة المقصودة هنا، ، هي "القطيعة المستمرة مع الماضي ومع التاريخ، والتمرد على القيم والأخلاق والأعراف اجتماعية كانت أم نظما وضعية، والتركيز على الشهوات، وعلى معالم الفطرة البشرية، والسعي في مادية بحتة لا يحدها حد، بل الإيغال في الغريزية بديلا عن النشاط المعرفي بصورة إطلاقية".‏
ويعتبر أن "محاولة البعض من دعاة هذه الظاهرة في الساحة العربية أن يلبسوها ثوب التحديث والتقدمية، إنما هو لون من البدع والتضليل. ذلك لأن هناك فرقا كبيرا بين الحداثة التي تعني القطع مع الماضي ونسف التراث والتاريخ والقيم وطعن المقدس، وبين التحديث الذي يعني مواكبة تطور العصر والأخذ بتقنياته العلمية والمعرفية".‏
"الحداثة الغربية لدى دعاتها تعني القطيعة مع الماضي القديم ثم الوسطي، عبر التمرد على الكنيسة في الغرب كرد فعل على سلوك الكنيسة علما بأن الكنيسة الغربية كانت أحد أبرز المساهمين في ميلاد الحداثة وتطورها، إلى جانب الثورة الصناعية التي كان لها أثرها في تطوير أشكال التمرد وتجذير القطيعة على المستوى النظري وفي الممارس".
ليست الحداثة مجرد اتجاه فكري، ، بل هي " تيار يملك رؤيته السياسية الموجهة للحياة وتحمل كل ما يخولها دخول هذه المعركة بأسلحة هائلة. وهذا ما أكدته أحلام مفكري الغرب ودعاته على ساحتنا العربية، وما تشهده الأمم والدول من تطورات وأحداث مريرة تمتد ما بين هيروشيما والقدس إلى بغداد من أربعينات القرن الماضي، إلى القرن الواحد والعشرين الذي افتتحته الحداثوية الأميريكية بذبح عشرات آلاف الأفغان والعراقيين والفلسطينيين والبوسنيين والصرب". ‏
ومع سقوط الحداثة (والعلمانية) في الغرب " وجد شيء من الحنين الجارف للعودة إلى الدين في الغرب، لكنها عودة بشكل من أشكال الهوية وليس من أشكال الإيمان، والاقتناع بالدين".‏
إن التفريق بين القطيعة المعرفية والانقطاع التاريخي أمر ضروري "فالحداثة تمثل قطيعة معرفية مع الماضي دون أن يعني ذلك انقطاعا في المسار التاريخي. بمعنى أنه لا يمكننا التوصل إلى لحظة تاريخية نعتبرها كحد السكين نهبط بها لنفرق تاريخيا بين الحداثة وما قبلها، وما بعدها… الحداثة جاءت إفرازا لتفاعل مجموعة عوامل متداخلة، آخذة في التطور في ظروف اجتماعية تتعلق بالغرب".
هي لم تأت من فراغ، بل "جاءت وفق سياق تاريخي متتابع وخاص بالتطور التلقائي الذي مر به التاريخ الغربي، عبر الاكتشافات والآراء النظرية الفكرية والفلسفية والعلمية المرتبطة بفلسفة التنوير. هي ليست لحظة انقلاب من حال إلى حال، ولكنها تراكمات". ‏
أن الحداثة "سحقت الإنسان حين حولته إلى آلة حينا، وإلى حيوان بهيمي حينا آخر، لكنها ما زالت تخاتل من خلال أدوات جبارة وأفكار براقة. وقد رأينا صورا من البرجماتية التي تحمل على ظهرها روحا صليبية تسحق بها الشعوب، ليس بالآلة الإعلامية الجهنمية وحدها، بل وبالعتاد الحربي الثقيل، ومن ثم فمن المتوقع أن يصبح الشعار في الأيام المقبلة: لا صوت يعلو فوق صوت الحداثة؟".‏
بمعنى أن "الوجه الأخلاقي للحداثة تبدى جليا في معاملة الغرب العنصرية للمجتمعات الأخرى. الحداثة ليست سوى عنصرية واستعمار وتسلط وعنف، وهي الآن تتبدى في ممارساتها حتى داخل المجتمعات الغربية نفسها في ممارسة كل هذه الأخلاق أو تجديدها، المجتمعات التي تفيض عنفا وشذوذا، والتاريخ المليء بأبشع صور الاستعمار وذبح الشعوب، وسرقة ثرواتها، سواء في عالمنا الإسلامي أو في أمريكا الجنوبية أو حتى في الولايات المتحدة ذاتها.
الحداثة التي تستبطن مبدأ داروين (البقاء للأقوى) هي التي تبعث بجيوشها لتهلك الأخضر واليابس وتوزع على الشعوب نصيبها من اليورانيوم المنضب الأمريكي، وتحول بقية العالم إلى مصدر للمواد الخام والعمالة الرخيصة، وسوق مفتوحة بشكل دائم للسلع الغربية".
بالمقابل، فشعار الحداثة يعكس رفض الولايات المتحدة القاطع للدول المعارضة لسياسة العولمة. فإذا ما " فشل تطبيق النموذج العولمي/الأميركي، فإن الولايات المتحدة سترفض وستنسف محاولات العولمة، التي تعتمد الأنسنة (وهي التي يقال عنها بأنها حتمية) بدلاً من الأمركة".
ما هي المسافة الفاصلة بين الأمركة والأنسنة؟ إن هذه المسافة غائمة وضبابية، ليس في ذهن الإنسان العادي فقط، بل هي كذلك حتى في أذهان الاستراتيجيين والمستقبليين الأميركيين. ولعل "الخطوة الأولى على طريق توضيح هذه المسافة، ومعها الفارق بين الأمركة والأنسنة، هي التعرف إلى فوارق تطبيق المفاهيم الليبرالية داخل الولايات المتحدة وخارجها. فهذا البلد يحاول وبأمانة أن يحول المبادئ الليبرالية إلى نموذج إنساني مثالي، لما يمكن تسميته بالأنسنة".
فالبلد ينفق المليارات، ، " لتحصين أمنه من احتمالات إرهاب داخلي. لكنه في المقابل لا يصدر قانون منع ملكية الأسلحة النارية وبيعها، وهذا يمكنه أن يحد بصورة عملية من احتمالات الإرهاب والجريمة عموما.
هذا التقديس للحريات ينقلب إلى إلحاد عندما يكون الإرهاب خارجياً، بحيث يصل الرد عليه لغاية انتهاك حرمة دول أخرى، لغاية اعتقال رئيس دولة (نورييغا) بعملية كوماندوس، وتصديره إلى الولايات المتحدة لمحاكمته".
هكذا تعود الولايات المتحدة إلى زمن تبريرات استعمال القوة. " فإذا ما تجاهلنا إبادة الهنود الحمر، لكونها تمت على يد نظام غير خاضع لدستور الآباء الأوائل أو الحجاج الكالفينيين، فإننا نبدأ من القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي في اليابان. وبعدهما تأتي مسلسلات الانقلابات والاغتيالات التي استمرت معلنة لغاية نهاية حرب فيتنام، لتستمر في الخفاء ثم تعود راهنا بقرار تفويضي علني من الكونغرس والرئاسة". بالتالي، "أصبحت الليبيرالية الأميركية، أو النموذج الأميركي في الديموقراطية، حبرا على ورق بل أكذوبة تستخدم ضد أعداء مصالحها، أو كمشجب تعلق عليه واشنطن كل أغراضها الوسخ منها أو النظيف على حد سواء . منقول